تواكباً مع فعاليات يوم البيئة العالمي، أُعلنت مدينة "الخارجة"، الواقعة في محافظة الوادي الجديد، على بُعد نحو 600 كيلو متر من القاهرة، كأول مدينة صديقة للبيئة في مصر.
الخارجة هي عاصمة محافظة الوادي الجديد، وكانت تعرف قديماً بالواحة العظمى، إذ كانت تشغل منخفضاً كبيراً في الصحراء، وتتميز بعديد من المقومات السياحية والأثرية، وتم اختيارها من بين جميع المدن المصرية بناءً على عوامل كثيرة، من بينها طبيعة المكان ونوعية المشروعات والممارسات التنموية، وانخفاض مستويات التلوث والضوضاء، إضافة لكونها نموذجاً مثالياً للسياحة البيئية، حيث تتمتع بمقومات طبيعية خلابة، مثل الكثبان الرملية، إضافة إلى الفنادق والمنشآت السياحية المبنية بمواد بناء متوافقة مع البيئة، كما أن المدينة تتبنى مشروعاً متكاملاً لزراعة الأسطح.
وخلال احتفالية إعلان الخارجة كأول مدينة خضراء، تم تدشين محطة للطاقة الشمسية لخدمة مجمع المصالح الحكومية بالمدينة، كما تم البدء في مشروع لزراعة 1000 شجرة بجامعة الوادي الجديد.
وكانت وزيرة البيئة، ياسمين فؤاد، قد أعلنت الخارجة أول مدينة خضراء في مصر خلال فعاليات اليوم العالمي للبيئة، الذي أقيمت فعالياته هذا العام تحت شعار "لا نملك سوى أرض واحدة". وصرحت بأن عملية التقييم التي تمت لإعلان مدينة الخارجة صديقة للبيئة والمناخ تمت مراعاةً لعوامل مختلفة، منها الاحتياجات الأساسية للإنسان من استخدامات مياه الشرب والصرف الصحي والطاقة، وترشيد استخدام الموارد الطبيعية.
وأشارت إلى أن طبيعة المكان واستخدام المواد الطبيعية في عمليات البناء أسهمت في عدم وجود تلوث بالمدينة، إضافة إلى أن عمليات التنمية والمشروعات داخل المحافظة تقوم على الحفاظ على البيئة، حيث يؤدي ذلك إلى عدم وجود تلوث وانبعاثات في هذه المدينة.
وتابعت وزيرة البيئة، أن مدينة الخارجة تحتوي على جميع خدمات الصرف الصحي ومعالجته، كما أن هناك تشجيعاً للأنشطة الزراعية المستدامة والمنتجات البيئية، مثل عيش الغراب والحرير، وهناك أيضاً توجه للتخلص من استخدام الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام، كما توجد محطات لرصد نوعية الهواء، ومعامل حديثة لمراقبة نوعية المياه، وأجهزة رصد للضوضاء تابعة لإدارة شؤون البيئة بالمحافظة تتوافق نتائجها مع الحدود المسموح بها والمذكورة في القوانين والتشريعات البيئية.
من عوامل اختيار المدينة
هناك مجموعة من العوامل والمميزات الإضافية التي أهّلت "الخارجة" لإعلانها كمدينة خضراء تتعلق بالبيئة الزراعية، منها ارتفاع متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء 9.5 نخلة للفرد، ومن المحاصيل الحقلية 520 متراً مربعاً للفرد، ومن الأشجار المنتجة 18 متراً مربعاً للفرد، كما يبلغ نصيب الفرد في الأرض 500 متر مربع للفرد، واعتماد المدينة على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة (الطاقة الشمسية - الغاز الطبيعي) والموفرة للطاقة في الجهات الحكومية وإنارة الشوارع ودور العبادة وفي استخراج المياه من آبار الري والمنازل، كما لا تتعدى نسب الضوضاء في المدينة على مدار اليوم الحدود المسموح بها في اللائحة التنفيذية لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994.
مفهوم المدن الخضراء
يعد مفهوم المدن الخضراء توجهاً عالمياً في السنوات الأخيرة يتبنى كل ما هو مستدام وصديق للبيئة انطلاقاً من زيادة كل أنماط التلوث الناتجة عن سوء تعامل الإنسان مع كوكب الأرض.
المهندس حسام محرم، المتخصص في الشأن البيئي والمستشار السابق لوزارة البيئة قال لـ"اندبندنت عربية" إن النمط العمراني السائد في الفترة الأخيرة والمواكب للثورة الصناعية كان يتسم بأنه أكثر استنزافاً للموارد الطبيعية والمياه والطاقة وأكثر تلويثاً للبيئة بالانبعاثات الكربونية والعوادم والمخلفات وغيرها من مظاهر غياب الاستدامة في التنمية بشكل عام.
وأضاف محرم، أنه في إطار التوجه الحديث ظهر مفهوم المدن الخضراء أو الصديقة للبيئة في مفهوم التنمية العمرانية، لافتاً إلى أن معايير المدن الصديقة للبيئة كثيرة، ومن بينها اعتماد اقتصاداتها على الموارد المحلية، والتخلي عن الوقود الأحفوري، الذي ينتج عنه انبعاثات كربونية، والاعتماد على وسائل مواصلات صديقة للبيئة، وتأهيل البنية الأساسية لتكون ملائمة لهذا النمط من النقل النظيف وخفض استهلاك المياه والطاقة والموارد وإعادة تدوير المخلفات والاستفادة منها في إنتاج الطاقة أو تحويلها إلى منتجات أخرى".
وأشار إلى أن "هناك عقبات تظهر في التطبيق، مثل صعوبة وتكلفة تحويل المدن القديمة لمدن مستدامة، لأن ذلك يحتاج استثمارات كبيرة، ويكون الأمر أكثر سهولة حينما يتم اعتماد الاستدامة العمرانية عند إنشاء المدن من البداية، فيكون أسهل، وأقل تكلفة، فيجب تطوير كود البناء وإدماج عنصر الاستدامة في اشتراطات إصدار تراخيص البناء".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تاريخ مدينة الخارجة
للمدينة الواقعة في قلب الصحراء الغربية تاريخ طويل، إذ تضم آثاراً تعود لمصر القديمة، وتمتد إلى جميع العصور من بعدها، وتعد واحدة من النقاط السياحية حالياً في الصحراء بما تضمه من آثار، إضافة إلى نشاطات يمكن لمحبي الصحراء ممارستها، إضافة لذلك يوجد بها متحف الوادي الجديد، الذي يضم نحو 4000 قطعة أثرية يرجع تاريخها من عصر ما قبل الأسرات وحتى عصر أسرة محمد علي.
وعن أهم المواقع الأثرية بالمنطقة، قال الباحث الأثري محمد جابر، إن "أهم المواقع الأثرية في الخارجة هو معبد هيبس، الذي ينتمي بالأساس لمصر القديمة، وامتد استخدامه في العصور اللاحقة، حيث استخدم في العصر البطلمي والروماني والقبطي، وحتى الإسلامي، وهو من أهم المعالم الأثرية في المدينة، ويليه معبد الناضورة، الذي يقع فوق تل، وبه قلعة وحصن يعدان نقطة مراقبة للطريق، ولهذا أطلق عليه اسم الناضورة، ويعود إلى العصر الروماني، وتحديداً القرن الثاني الميلادي، ويطل على بانوراما شاملة للمدينة".
وأضاف، "من المواقع الأثرية المهمة في الخارجة أيضاً مدينة البجوات، وهي تعني القباب باللغة الدارجة لأهل المنطقة، وهي جبانة قبطية تضم كنيسة، إضافة إلى 263 مقبرة، وتعود للعصر القبطي، وتحديداً من القرن الثاني، وحتى القرن الثامن الميلادي، وتأخذ المقابر شكل القباب، وهي مبنية بالطوب اللبن ومزينة بفن الفريسكو، وهو يشبه الرسم بألوان مائية، وقد بقيت على حالتها طوال هذا الزمن لعدم وجود أمطار في المنطقة".
وعن أهم مميزات المدينة، أشار إلى تنوعها الفريد في المواقع الأثرية التي تمتلكها، وطبيعة المكان قديماً، لافتاً إلى أن توافر المياه ساعد على قيام الحضارة فيها، والآن هي واحدة من أجمل الأماكن التي يمكن للزائر الاستجمام فيها وممارسة نشاطات صحراوية، مثل السفاري بعيداً من صخب المدن الكبرى، وإعلانها كأول مدينة صديقة للبيئة سيكون سبباً في إلقاء الضوء عليها وعلى طبيعتها، "ونأمل أن يضعها على خريطة السياحة في مصر بصورة أكبر".