يترقب المحللون والمتخصصون رد فعل الجنيه المصري عقب مواصلة بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الضغط والتوسع في سياسة التشديد النقدي بعدما قرر رفع أسعار الفائدة للمرة الثالثة خلال العام الحالي في أكبر زيادة في معدلات الفائدة منذ نحو 28 سنة، بعدما قرر زيادة معدل الاقتراض المرجعي بمقدار 75 نقطة بهدف مواجهة ارتفاع التضخم الذي زاد لمستويات قياسية، ودفع القرار الأميركي خمسة بنوك مركزية خليجية باستجابة فورية برفع مماثل بالنسبة ذاتها أو بنسبة أقل قبل أن يرفع بنك إنجلترا المركزي أسعار الفائدة الخميس 16 يونيو (حزيران) للمرة الخامسة على التوالي لتصل إلى واحد في المئة مسجلة أعلى مستوى لها منذ عام 2009 من أجل كبح جماح التضخم المرتفع.
وبعد قرار "الفيدرالي" بـ 24 ساعة تحرك سعر صرف الجنيه المصري هبوطاً مقابل العملة الأميركية مسجلاً مع نهاية تعاملات الأسبوع الحالي، الخميس، في حدود ثلاثة قروش وصولاً إلى مستويات 18.79 جنيه للبيع، بينما سجل سعر الشراء 18.71 جنيه للبيع، وفقاً لشاشة أسعار صرف العملات للبنك المركزي المصري.
وفي أكبر البنوك الوطنية البنك الأهلي المصري وبنك مصر، استقر سعر صرف الدولار على مستويات 18.77 جنيه للبيع و18.1 جنيه للشراء، ورفع "الفيدرالي"، مساء الأربعاء الماضي 15 يونيو، أسعار الفائدة إلى نطاق يتراوح بين 1.5 و1.75 في المئة قبل أن يرفع أسعار الفائدة في مارس (آذار) الماضي ربع نقطة مئوية ثم تحريك آخر في مايو (أيار) بواقع 50 نقطة لاحتواء التضخم.
وتجتمع لجنة السياسة النقدية التابعة للبنك المركزي المصري، الخميس المقبل، 23 يونيو الحالي، لتراجع موقفها من جديد بعد استمرار البنوك المركزية العالمية في سياسة التشديد النقدي لمواجهة التضخم في جميع أنحاء العالم بسبب ارتفاع تكاليف الغذاء والطاقة، التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا والمخاوف المتعلقة بتوريد السلع الزراعية تزامناً مع اضطراب سلسلة التوريد وتحولات الطلب نتيجة الجائحة العالمية إلى ارتفاع أسعار السلع القابلة للتداول.
ورفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس بنسبة ثلاثة في المئة على دفعتين خلال اجتماعه، في 21 مارس (آذار) الماضي، قبل أن يعاود الرفع من جديد بمقدار اثنين في المئة، في 19 مايو الماضي، في محاولة لمكافحة التضخم المتسارع.
عامر: تدخلنا بالاحتياطي النقدي لتجنب صدمة سعر الصرف
وقال محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر، إن توجه السياسة النقدية خلال الجائحة العالمية منذ عام 2020 كان منصباً على تحييد تداعياتها السلبية عبر التوسع في ضخ السيولة إلى قطاعات الاقتصاد، خصوصاً في القطاع الخاص وقطاع الأفراد للحفاظ على فرص العمالة، مشيراً إلى أن بنكه تحمل تلك المخاطر لتشجيع البنوك على ضخ السيولة، وأضاف في تصريحات صحافية، أن البنك تدخل بضخ الاحتياطي لتجنب المجتمع صدمة أسعار الصرف، وعادت هذه الأموال في سنة 2020، مؤكداً ان البرنامج الإصلاحي الاقتصادي حقق بعض الحماية من الاحتياطيات، متابعاً، "استطعنا إعادة تنظيم تجارتنا الخارجية تدريجاً بأسلوب لا يؤثر في الإنتاج لتوظيف الموارد من النقد الأجنبي لاحتياجات المواطن والمجتمع"، وأكد أنه كان من الضروري الحفاظ على المستويات الحالية لأسعار الصرف، وأنه كانت هناك صدمة في تحويل الأموال إلى الخارج، ما دفع البنك المركزي للتدخل بالاحتياطيات الدولية لتجنيب المجتمع صدمة في أسعار الصرف، أثناء الحرب الروسية- الأوكرانية.
وأشار عامر إلى أن مصر تعتمد على استيراد مواد استراتيجية غذائية لافتاً إلى أن برنامج الإصلاح الاقتصادي حقق حماية للاحتياطيات الدولية، و"تمكنا من إعادة تنظيم تجارتنا الخارجية تدريجاً بأسلوب لا يؤثر في الإنتاج، بحيث نوظف مواردنا من النقد الأجنبي للمواطن واحتياجات المجتمع".
واختلف المحللون في حديثهم لـ "اندبندنت عربية" حول حجم وقوة رد الفعل، والتأثير المتوقع في العملة المحلية بعد ارتفاع معدلات الفائدة عالمياً.
تراجع مرتقب لقيمة الجنيه
وقال المحلل الاقتصادي، المحاضر في الجامعة الأميركية في القاهرة، هاني جنينة، إنه لا يتوقع تأثيراً حاداً لقرار البنوك المركزية العالمية وخصوصاً الفيدرالي الأميركي في سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملة الخضراء الأميركية، موضحاً أن نسبة كبيرة من الأموال الساخنة (استثمارات الأجانب في أدوات الدين المصرية) التي كانت تُستثمر في الأدوات الحكومية خرجت بالفعل خلال الربع الأول من العام الحالي، ورجح أن يتحرك الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي باتجاه هبوطي بشكل طفيف، قائلاً، "تحرك تدريجي غير حاد"، وتوقع أن يثبت البنك المركزي المصري أسعار الفائدة على معدلاتها الحالية من دون تغيير في اجتماع 23 يونيو الحالي، مرجعاً ذلك إلى ثلاثة أسباب رئيسة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأوضح جنينة أن رفع أسعار الفائدة بغرض جذب رؤوس الأموال الساخنة للحفاظ على سعر صرف الجنيه مقابل الدولار غير مُجد في ظل مخاوف المستثمرين الأجانب من تقلبات عملات الأسواق الناشئة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، متوقعاً أن يقدم "المركزي" على رفع أسعار الفائدة من جديد مع اقتراب إنهاء الإنفاق مع صندوق النقد واستقرار الأسواق العالمية، وأكد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي في مايو الماضي، على تخارج أكثر من 20 مليار دولار من الأموال الساخنة منذ بداية عام 2022.
رفع أسعار الفائدة وخفض الجنيه إلى 21 جنيهاً مقابل الدولار
وتوقع وائل النحاس المتخصص في أسواق المال المصرية اتجاه البنك المركزي المصري لرفع أسعار الفائدة خلال الاجتماع المقبل، وقال إن البنوك المركزية في العالم تخشى من تآكل الأموال وتبخرها على غرار أزمة 2008، مضيفاً أن البنوك العالمية تتخذ خطوات نقدية متشددة لجمع السيولة من العالم، ومشيراً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية جمعت تسعة تريليونات دولار من الأموال الكاش، بينما جمعت أوروبا ما يقارب ثلاثة تريليونات دولار خوفاً من تكرار الأزمة المالية التي حدثت عام 2008، وأكد أن قيمة الجنيه المصري ستتراجع خلال الأيام المقبلة بعد زيادة معدلات الفائدة على مستوى العالم، متوقعاً أن يتراجع سعر صرف الجنيه المصري مقابل نظيره الأميركي إلى حدود 21 جنيهاً حتى قبل اجتماع لجنة السياسة النقدية، الشهر الحالي.
تثبيت أسعار الفائدة والجنيه المصري لن يتأثر
وأكد نائب رئيس مجلس إدارة البنك العقاري المصري وليد ناجي، أنه لا يتوقع تأثيراً مباشراً من رفع الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة، وأضاف أن توقعات البعض بضرورة تحريك المركزي المصري معدلات الفائدة عقب قرار "الفيدرالي" أمر غير صحيح، موضحاً أن التضخم الحالي في مصر مستورد من الخارج عبر السلع المستوردة، ولا يعبر عن سيولة كبيرة في جسد الاقتصاد المحلي، ومشيراً إلى أن البنوك المحلية الوطنية امتصت نحو 750 مليار جنيه ( حوالى 40 مليار دولار) سيولة من الاقتصاد المحلي بعد طرح شهادة الادخار الـ 18 في المئة لمدة 70 يوماً منذ طرحها في 22 مارس حتى 31 مايو الماضي.
تثبيت والتأثير سيطال الاقتصاد المصري
وتوقع المتخصص في الاقتصاد الكلي هاني توفيق أن يثبت المركزي أسعار الفائدة في الاجتماع المقبل، مضيفاً أن التأثير المباشر من قرارات البنوك المركزية على سعر العملة المحلية سيكون صعباً للغاية، ويفاقم من أزمات الاقتصاد المصري، وموضحاً أن ارتفاع أسعار الفائدة يفاقم من تكلفة الديون المصرية، إذ إن كلفة الاقتراض تزيد في ظل ارتفاع قيمة فاتورة الواردات، خصوصاً أن القاهرة تستورد نحو 80 في المئة من احتياجاتها من خارج البلاد، متوقعاً خفضاً جديداً في قيمة العملة المصرية مقابل العملة الأميركية.
الجنيه المصري لن ينخفض أمام الدولار
واستبعد رئيس لجنة الخطة والموازنة في البرلمان المصري فخري الفقي خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار تحت تأثير رفع أسعار الفائدة من جانب الفيدرالي الأميركي، وأكد أن تأرجح العملة المحلية مقابل نظيرتها الأميركية يخضع لقوى العرض والطلب، مشيراً إلى أن مصادر العملة الأجنبية ليست في موقف صعب في ظل ارتفاع عوائد قناة السويس المصرية العام الحالي مقارنة مع العام الماضي، واستمرار وتيرة تحويل المصريين العاملين في الخارج بالأداء نفسه، وارتفاع حصيلة مصر من الغاز الطبيعي في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن حصيلة الإيرادات السياحية متأثرة بفعل تراجع السياحة من روسيا وأوكرانيا، إذ تمثلان نحو 30 في المئة حصيلة السياحة في مصر، مؤكداً أن الحكومة المصرية تبحث في الوقت الحالي عن حل أزمة السياحة الروسية التي ترغب بقوة في المجيء إلى مصر، مستدركاً، لكن المشكلة تبقى في أزمة العقوبات الأوروبية على موسكو وخروجها من نظام "سويفت" للتعامل النقدي وتسعى وزارة السياحة المصرية إلى اعتماد نظام "مير" المتبع في روسيا لتسهيل المعاملات المالية والنقدية للروس في مصر.
الروبل محل الدولار للتعامل مع الروس
يبدو أن الحكومة المصرية تقترب من إيجاد بدائل بعيداً من اللجوء إلى الدولار والضغط على احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي التي واجهت تراجعات في الأشهر الأخيرة إلى مستويات 37 مليار دولار، فعلى هامش منتدى"بطرسبرغ" الاقتصادي الدولي، قال وزير التجارة والصناعة الروسي دينيس مانتوروف، إن من الممكن اعتماد الجنيه المصري والروبل الروسي في التعاملات التجارية بين البلدين، مشيراً إلى أنه ناقش مع وزيرة التجارة والصناعة المصرية نيفين جامع إمكانية اعتماد عملتي البلدين في التجارة البينية، ورداً على طلب الوزير الروسي أعلنت جامع في المنتدى أن الحكومة المصرية في طريقها لاعتماد آلية تسمح باستخدام الروبل في التبادل التجاري مع روسيا.