Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل دمرت فترة حكم الإخوان الاقتصاد المصري بالفعل؟

من يونيو 2012 وحتى 2013... الديون الخارجية بلغت 45.4 مليار دولار... والتصنيف الائتماني الدولي ينخفض إلى "CCC"

طوابير من السيارات تقف انتظارا للحصول على الوقود في مصر (رويترز)

ما إنْ أعلن التلفزيون الرسمي المصري وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي أثناء محاكمته في قضية التخابر بنوبة إغماء بعد رفع الجلسة، حتى اشتعل الجدل بين المتعاطفين والناقمين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما أعاد إلى الأذهان كثيرا من الملفات الشائكة في فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين مصر التي لم تتجاوز العام "يونيو (حزيران) 2012 ــ يوليو (تموز) 2013"، وتصدرت الاقتصادية منها المشهد إلى جوار نظيرتها السياسية.

أخطاء دمرت اقتصاد مصر

بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بأقل من 10 أيام نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية تقريرا رصد الأخطاء الكبرى لمرسي التي دمرت مصر، وأشارت إلى تحمله المسؤولية الكاملة.

التقرير حمل عنوان" عليكم بِلَوم مرسي فهو من دمر مصر في 369 يوما"، وجاء فيه "إن 30 يونيو 2013، كان يوماً كارثيا لشرعية وسياسات مرسي، وهو اليوم الذي أثبت أن قدرة رجل الإخوان المسلمين على حكم مصر تراجعت بشكل كبير بالنظر إلى اتساع رقعة الاحتجاجات ضد سياساته، إلا أنه وبالعودة إلى اللحظة التي انتخب فيها مرسي رئيسا لمصر، ورغم الإرث الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي تركه النظام السابق، فقد كانت له بعض الخيارات، التي من شأنها تفادي ما وقع، غير أنه اختار الأسوأ".

وبحسب "فورين بوليسي"، "فمرسي اختار أن ينتصر لجماعته، ولجأ إلى خطاب شعبوي غايته الاستقطاب السياسي، وخلق حالة من عدم الثقة أدى إلى شلل مصر عن الحركة، فلم يدرك مرسي أن المعارضة المجتمعية لها دور في بناء الديموقراطية، بل سعى إلى تقزيمها وتشويهها".

وأضافت "قبل خروج المتظاهرين إلى الشوارع في الثلاثين من يونيو، كانت وعود الرئيس غير قابلة للتحقق، وطريقة محاورته لخصومه السياسيين تنم عن نوع من التعالي، ليتسبب في إهدار فرصة التوافق السياسي في وقت مناسب، ويضع مصر على حافة الحرب الأهلية والصراع العنيف بين مختلف الأطراف".

أخطاء لا تحصى

الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين والتضامن الاجتماعي في الفترة الانتقالية التي أعقبت ثورة 30 يونيو، قال "إن خطايا مرسي ونظامه لا تعد ولا تحصى، بينها طرح مجلس الشورى قانون الصكوك الإسلامية رغم أنه قد تم انتخابه كمجلس استشاري، ومَنحه مرسي سلطة التشريع من خلال إعلانه الدستوري فأصبح جهة تشريع، وناقش أهم القوانين الاقتصادية، التي كان منها مشروع قانون الصكوك التي سميت من قِبل السلطة بـ(الإسلامية)".

وأضاف عبد الخالق لـ"اندبندنت عربية"، "أن المذكرة الإيضاحية التي أعدتها اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الشورى، لمشروع  قانون الصكوك الإسلامية تضمنت مجموعة محاور أهمها، أن يكون قانوناً موحداً وشاملاً لكل الإصدارات الحكومية والخاصة، واستهدف الصك سد جزء من الفجوة التمويلية داخل منظومة الاقتصاد الوطني من خلال المساهمة في تمويل المشروعات والأنشطة الاستثمارية المتعددة". كاشفا "أنه بموجب هذا الصك يحق لمالكه استخدامه في البيع والرهن والهبة".

وأضاف عبد الخالق أنه رفض تولي مسؤولية وزارة التموين في حكومة هشام قنديل الإخوانية "نظرا لحالة الاستقطاب التي كانت تمارسها وكتم الأصوات المعارضة لها".

قرض صندوق النقد الدولي

من جانبه، قال الدكتور فخري الفقي، الخبير الاقتصادي والمساعد الأسبق للمدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي،  "إن الإخوان كانوا أشد المعارضين للتعامل مع صندوق النقد الدولي في فترة التسعينيات، وبعد ثورة يناير (كانون الثاني) 2011 تعالت الأصوات الرافضة من داخل الجماعة للتعامل بأي شكل من الأشكال مع الصندوق".

وأضاف الفقي "الحديث بدأ عن ضرورة اقتراض مصر من النقد الدولي عقب ثورة 25 يناير بعدة أشهر مع تراجع إيرادات السياحة، وخروج الكثير من الاستثمارات الأجنبية وسط ارتفاع مطَّرد في المطالب الفئوية التي رفعت من حجم المصروفات، وشرع المجلس العسكري وحكومة الدكتور كمال الجنزوري على الدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض".

ولفت الفقي "أن جماعة الإخوان المسلمين، صاحبة الأغلبية البرلمانية آنذاك، أعلنت في مجلس الشعب رفضها التام لقرار الاقتراض من الصندوق بدعوى أن المجلس العسكري يدير مرحلة انتقالية ويسلم بعدها السلطة إلى رئيس منتخب، ولا يجب أن يسلم البلاد مثقلة بالديون الخارجية".

وكشف الفقي "أن الوضع تغير تماما إلى النقيض بعد تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، السلطة واستأنف مفاوضات القرض، ووجهت إليه الانتقادات التي سبق أن وجهها وجماعته لحكومة الجنزوري، وأصبح القرض الذي كان حراماً لدخوله ضمن الربا بسبب الفوائد المحملة عليه، محل ترحيب من الإخوان والتيارات الإسلامية بعد أن اعتبرت فوائده مجرد مصاريف إدارية".

تخفيض وكالات التصنيف الائتماني لمصر 4 مرات

وأوضح الفقي "أن فترة حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي المرتبكة سياسيا كانت السبب الأهم وراء تخفيض التصنيف الائتماني لمصر، فقد خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيف الائتماني لمصر إلى "c"، وهو التخفيض الرابع على التوالي خلال المرحلة الانتقالية، وأدخل مصر إلى منطقة خطرة، تعني تراجع الثقة في القدرة على السداد، الأمر الذي أثَّر على قدرة مصر في الحصول على القروض التي طلبتها من مؤسسات التمويل الدولية، وجاء التخفيض الأخير بسبب غياب خطط معالجة عجز الموازنة وعدم الاستقرار السياسي".

مؤشرات الفشل

المركز العربي  للبحوث والدراسات عدّد في تقرير صدر في مارس (آذار) 2016 بعنوان "صعود مؤشرات الفشل: تعامل حكومة الإخوان مع الملف الاقتصادي أثناء حُكم مرسي"، خطايا فترة حكم الرئيس الأسبق، وجاءت البداية من برنامج المائة يوم.

وأوضح "أن إنجازات المائة يوم الأولى كانت من بين أهم ما تعهد به الرئيس الأسبق محمد مرسي في برنامجه الانتخابي، فقد تعهد بحل مشكلات المرور والنظافة والوقود والخبز والأمن، لكن ما حدث كان زيادة الأوضاع سوءاً، خاصة أزمة الوقود التي انعكست سلباً على المخابز وحركة المرور والكهرباء".

وأضاف التقرير "أن وعود مرسي أثارت في المائة يوم الكثير من الجدل، فرأي مؤيدو مرسي أنه عمل جاهداً على إنجاز ما وعد به، وأنه ورث تركة مُثقلة بالفساد والفوضى من سلفه الرئيس الأسبق مبارك، كما أنه كان يحتاج لمزيد من الوقت للعمل على إصلاح الأوضاع في مصر".

أما مرسي فقد أعلن في خطاب رسمي، "أنه حقق نجاحاً نسبته 70% في مجال توفير الأمن، و85% في مجال توفير الغاز للمواطنين، و40% في ملف النظافة"، كما أشار إلى "أن معدل التضخم انخفض إلى أقل مستوياته في عشر سنوات".

غير أن منتقدي مرسي رأوا أنه فشل في تحقيق وعود المائة يوم فشلاً تاماً، كما أن خطابه الذي أعلن فيه نجاحه في تنفيذ الوعود كان مليئاً بالمغالطات، ومجرد نوع من الدعاية، فقد كانت هناك فجوة كبيرة بين ما تحدث عنه من إنجازات وما يواجه الشعب المصري من مصاعب في حياته اليومية.

 

 

أزمة الوقود

ولفت التقرير إلى "أن مصر شهدت خلال هذه الفترة من عام حكم مرسي أزمة وقود خانقة وغير مسبوقة، تسببت في تكدس السيارات أمام محطات البنزين في مختلف أنحاء البلاد لساعات طويلة، خاصة في القاهرة التي تعرضت لشلل مروري في العديد من المناطق بسبب الطوابير الممتدة أمام محطات البنزين".

ووفقا للمركز العربي "تعد أزمة البنزين والسولار أحد الأسباب الرئيسية لخروج ثورة 30 يونيو ضد مرسي، ويمكن القول إنه لم يكن هناك تفاعل مع دعوات المعارضة ضد مرسي منذ أول أسبوع لحكمه غير أن أزمة الوقود تسببت في خنق المواطنين وتفاعلهم مع دعوات النزول إلى الشارع".

وتباينت أسباب الأزمة لتلقي الرئاسة المصرية والقائمين على وزارة البترول آنذاك باللوم على عمليات التهريب المستمرة، ورفض القائمين على توزيع الوقود من أصحاب المستودعات ومحطات البنزين تطبيق منظومة جديدة لتوزيع البنزين والسولار بالكروت الذكية للحد من التهريب وترشيد الدعم. كما أشار المسؤولون في وزارة البترول "أن الأزمة جاءت بسبب نقص كبير في المعروض لعطل فني في معملين للتكرير من أكبر معامل مصر".  

وكانت الرئاسة المصرية أوضحت في تقرير لها في يونيو 2013 "أن أسباب أزمة الوقود ترجع إلى ارتفاع احتياجات السوق عن معدلات الاستهلاك الطبيعية، وعمليات التهريب التي وصلت إلى 380.5 مليون لتر سولار، و52.1 مليون لتر من البنزين في الفترة من يونيو(حزيران) 2012 وحتى مايو (أيار) 2013" أي قبل شهر واحد من الإطاحة بمرسي.

ولم تكن أزمة الوقود وحدها كفيلة بتأجيج الشارع وإنما تسببت في ارتفاع أسعار مختلف السلع بشكل كبير لاعتماد النقل على السولار والبنزين، كما تزايدت أزمة انقطاع التيار الكهربائي، لنقص الوقود أيضاً الذي تعتمد عليه محطات الكهرباء في توليد التيار.

انقطاع الكهرباء

الأزمة الثالثة التي طرحها المركز العربي للبحوث والدراسات جاءت بشأن أزمة الكهرباء مؤكدا "أن قطاع الكهرباء شهد انقطاعات متكررة على مدار العام الذي حكم فيه مرسي، واعتبرت إحدى الأزمات الرئيسية التي أدت إلى تصاعد الغضب الشعبي ضده حيث وصلت الأزمة ذروتها في شهري مايو ويونيو 2013".

وعانت القاهرة وعدد من المحافظات من الانقطاع المتكرر لعدة ساعات يومياً في جميع المحافظات بسبب نقص إمدادات الوقود المُغذِّي للمحطات، مما زاد من سخط المواطنين في الوقت الذي ناشدت فيه الحكومة ممثلة في وزارة الكهرباء المواطنين بالعمل على ترشيد الاستهلاك.

وأظهرت مؤشرات وزارة الكهرباء مطلع يوليو (تموز) 2013 أن نسبة العجز في التيار الكهربائي في الفترة من يونيو 2012 وحتي نفس الشهر من 2013 بلغت 25% بما يصل إلى خمسة آلاف ميجاوات لتشهد البلاد انقطاعات متكررة في الكهرباء".

وسرد المركز العربي طبقا لبيانات رسمية صادرة عن الحكومة المصرية عدداً من المؤشرات والأرقام الاقتصادية في عهد مرسي، ووفقا للمركز "تسلم مرسي مصر وديونها الخارجية 34,4 مليار دولار، فاقترض من قطر 7 مليارات دولار واقترض من ليبيا ملياري دولار، ومن تركيا مليار دولار، وتم سحب نحو مليار دولار من قرض قيمته 2.5 مليار دولار تم عقده مع بنك التنمية الإسلامي بما يعني أنه أضاف 11 مليارا للديون الخارجية لتصبح 45.4 مليار دولار بعد أقل من عام من حكمه، صدَّر خلاله صورة الدولة الساعية للاقتراض دون أن يفعل شيئًا بشأن تعبئة الموارد المحلية".

وبلغ  إجمالي الدين العام لأجهزة الدولة 1310 مليارات جنيه (79.4 مليار دولار) بما يوازي 85% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام المالي 2011-2012، أي عند تسلم مرسي الحكم ارتفع إلى 1553 مليار جنيه (94 مليار دولار) في العام المالي 2012-2013 بما يعادل 89% من الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه وفق تقديرات الحكومة بمشروع موازنة 2013-2014. 

لافتا إلى أنه بنهاية عام حكم الرئيس الأسبق انخفض التصنيف الائتماني لمصر إلى ‏CCC‏ وهذه المكانة المنخفضة وضعت مصر في مكانة قبرص وأعلى من اليونان (التي أعلنت إفلاسها) بدرجة واحدة، وهذا الانخفاض في التصنيف الائتماني يعني انخفاض قدرة مصر على سداد التزاماتها الخارجية والداخلية.

تراجع الاستثمارات الأجنبية

كما انخفضت الاستثمارات الأجنبية والعربية في مصر خلال الفترة من يونيو 2012 وحتى الشهر ذاته من 2013 إلى أقل مستوياتها، فبعدما وصلت الاستثمارات الأجنبية والعربية إلى 13.4 مليار دولار خلال عام 2009 انخفضت خلال عام 2012 لتصل إلى ملياري دولار ثم انخفضت خلال عام 2013 لتصل إلى أقل من مليار دولار.

اقرأ المزيد

المزيد من اقتصاد