Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تعارضوا العمل من المنزل قد يساعد في دعم اقتصاد بريطانيا

على المملكة المتحدة ألا تسعى لتبديل التغييرات التي شهدناها خلال جائحة كورونا ولا تتجاهل الأدلة على محاسن العمل من بعد

من الواضح أن العمل الهجين سيبقى خياراً لنسبة كبيرة من القوة العاملة  (غيتي)

السجال حول فكرة العمل من المنزل لم يظهر بعد أي علامة تباطؤ أو تراجع، إذ في مقابلة أجريت معه أخيراً قال رئيس الوزراء (البريطاني) بوريس جونسون إن "العمل من المنزل لا ينفع"، مشيراً إلى ما يمكن أن تسببه فترات استراحة القهوة والأجبان من تشتيت للتركيز. كما تثابر أوساط عديدة في قطاع الإعلام في التركيز على العيوب المحتملة للعمل من المنزل. 

لكن من الواضح، على الرغم من هذه المواقف السلبية، أن نمط العمل من بعد والمهجن حل بيننا وسيبقى. وذاك النمط بات شائعاً في أوساط الموظفين ذوي الدخل العالي والمنخفض الذين يستفيدون من محاسنه من ناحية التوازن الأفضل بين الحياة والعمل. وقد أدرك العديد من أرباب العمل في القطاع الخاص أن إعطاء الموظفين فرصة للعمل المرن من بعد يمكنه تحسين ظروفهم، كما يمكنه في الوقت عينه الحفاظ على مستوى إنتاجيتهم، أو حتى تحسين ذاك المستوى.

وفي إنجلترا، حيث جرى رفع جميع التدابير تقريباً المتعلقة بـ"كوفيد"، فإنه من المفيد تقييم المرحلة التي بلغناها، إذ تظهر أحدث المعطيات الواردة من مكتب الإحصاءات الوطني (ONS) أن السجال بين أنصار العمل من المكتب وأنصار العمل من المنزل يبقى مضللاً ولا يشير بدقة إلى واقع الحال، لأن الأمر يزداد وضوحاً في أن خيار العمل الهجين (أي الذي يجمع بين العمل من المنزل والمكتب) سيكون خياراً شائعاً وسيشهد تطوراً.

وقد قام استطلاع أجراه مكتب الإحصاء الوطني بين أبريل (نيسان) ومايو (أيار) 2022، بالطلب ممن شملهم أن يحددوا موقع العمل الذي وجدوا فيه خلال الأسبوع الذي سبق. وقد أشارت نتائج التجاوب مع ذاك الطلب إلى أن أقلية من الأشخاص (14 في المئة فقط) يعملون من المنزل طوال الوقت، فيما شكلت ظاهرة العمل الهجين نمطاً أكثر شيوعاً، حيث قال ربع المستطلعين (24 في المئة) إنهم يعتمدونه. في المقابل قال أقل من نصف المستطلعين (46 في المئة) إنهم اعتمدوا التنقل إلى مقار وظائفهم ولم يعملوا من المنزل أبداً – الأمر الذي يذكرنا بأن هناك أشخاصاً كثيرين لم يتمكنوا من اعتماد نمط العمل من المنزل، الذي بات شائعاً، وذلك نظراً إلى طبيعة أشغالهم.

في السياق ذاته، تتوافق نتائج هذا الاستطلاع مع استطلاعات عديدة أخرى أظهرت أن الخيار المفضل بالنسبة إلى العمال وأرباب العمل على حد سواء يتمثل بالمضي قدماً نحو نمط العمل الهجين (الذي يدمج أداء الوظيفة من المنزل ومن المكتب). فالجائحة بدلت تطلعات الناس، كما أن أولئك القادرين على العمل من المنزل باتوا يتحدثون عن مكاسب حققوها في حياتهم بفضل ذلك.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما هو معلوم جيداً فإن الأشخاص من ذوي المداخيل الأعلى في مهنهم قادرون أكثر من غيرهم على العمل من المنزل، لكن أمر الاستفادة من مرونة العمل من المنزل لا يقتصر على أصحاب المداخيل العالية هؤلاء، إذ إن دراسة بحثية لمركز أبحاث "ديموس" Demos أجريت العام الماضي رصدت تحديداً تجربة موظفي الدخل المحدود الذين يؤدون من المنزل أشغالاً مثل خدمة الزبائن وتكنولوجيا المعلومات. وقد توصل استطلاعنا (ديموس)، الذي شمل 2000 شخص، إلى أنه على الرغم من ضآلة احتمالات العمل من المنزل بالنسبة إلى الأشخاص من ذوي الدخل المنخفض، فإن الأخيرين يحققون من هذا النمط فوائد تعادل ما يحققه ذوو الدخل المرتفع. وهم، كحال أصحاب الدخل المرتفع، يميلون للتعبير عن رغبتهم في الاستمرار بالعمل من المنزل مستقبلاً. وقد أشار المستطلعون، من مختلف مستويات الدخل، إلى فوائد عديدة للعمل من المنزل تتضمن المرونة في التعامل مع وظائفهم، وفرصة قضائهم وقتاً أطول مع عائلاتهم.

بيد أن الأمر لا يتعلق فقط بالأفراد، إذ إن نمط العمل الهجين يمكنه المساهمة بفاعلية في أجندة الحكومة (البريطانية) لرفع المستوى الاقتصادي عبر زيادة فرص الوظائف الجيدة، وتعزيز الأحوال الاقتصادية في المجتمعات المحلية من خلال توزيع قدرات الناس الشرائية في أنحاء البلاد، إذ بات اليوم مطروحاً أمام الناس خيار العيش في بلدات صغيرة والذهاب إلى المدينة مرة أو اثنتين أسبوعياً، مثلاً، بدلاً من أن يعيشوا في المدينة أو في وسطها – وذاك قد ينعكس إيجابياً على البلدات الصغيرة في منطقة ميدلاندز أو شمال إنجلترا.

وفي إطار دراستنا في "ديموس" تناولنا عدداً من النواحي الساعية للاستفادة من ارتفاع احتمالات العمل من بعد أو وفق النمط الهجين. وذاك تضمن ما تقوم به الحكومة الإيرلندية من ترويج العمل من بعد بغية تعزيز الاقتصاد في المناطق الريفية البعيدة من مدينة دبلن التي تمثل مركز الاقتصاد الإيرلندي. في السياق، وبدعم من الحكومة الإيرلندية، هناك الآن شبكة تتضمن أكثر من 200 مساحة مشتركة (أو مكاتب مشتركة) للعمل مصممة لأداء الوظائف من بعد، ويطلق عليها اسم "المراكز المتصلة" Connected Hubs، حيث يمكن للأشخاص أن يحجزوا فيها أمكنة عبر تطبيق على هواتفهم. كذلك تقوم الحكومة الإيرلندية بالترويج للعمل من بعد في القطاع العام، وفي تجديد وتعديل قانون العمل. وعلى المنوال ذاته قامت الحكومة الويلزية في الآونة الأخيرة بنشر "استراتيجية العمل من بعد" التي توصلت إليها والهادفة إلى جعل 30 في المئة من مجمل القوى العاملة الويلزية يعملون من بعد على نحو ثابت، لبعض الوقت أو دائماً. وفي مدينة هال، تأتي مبادرة جديدة هادفة إلى الاستفادة من البنية التحتية الشاملة والرفيعة المستوى في المدينة بغية تحويل هال إلى "عاصمة مساحات العمل المشتركة في المملكة المتحدة".

من الواضح أن نمط العمل الهجين لن ينجح بالنسبة إلى شريحة واسعة من قطاع العمل، لكن في المقابل على الحكومة البريطانية ألا تسعى إلى قلب التحولات التي شهدناها خلال الجائحة. إن فعلت ذلك سيكون الأمر كأنها تتجاهل الأدلة الدامغة لفوائد العمل من بعد حتى للعمال المنخفضي الدخل، أو كأنها تبدد فرصة الاستفادة من ظاهرة جديدة في حياة العمل يمكنها المساهمة في رفع مستوى البلاد اقتصادياً. إذن، بدل رفض هذه الظاهرة ومناوأتها، على الحكومة السعي للاستفادة إلى أقصى حد من ظاهرة العمل من بعد، وذلك بالنسبة إلى الأفراد، وأرباب العمل، والمناطق والمجتمعات المحلية، وبالنسبة إلى الاقتصاد العام بمعناه الأوسع.

*أندرو فيليبس باحث في "ديموس" Demos ومؤلف كتاب "داخل الوظائف" Inside Jobs.

*نشر المقال في اندبندنت بتاريخ 31 مايو 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء