Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تصبح حرب أوكرانيا بداية صراعات مسلحة في أوروبا؟

7 سيناريوهات ستحدد مصير القارة وآمال معلقة على انتصار كييف

تعتبر روسيا حرب أوكرانيا صراعاً بالوكالة مع الغرب (رويترز)

أشعلت حرب روسيا في أوكرانيا التي مضى عليها 100 يوم، أخطر أزمة أمنية في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ودفعت القارة إلى اتخاذ قرارات غير مسبوقة بشأن الأمن والدفاع وتوسيع الاتحاد الأوروبي تحت ضغط الواقع الجديد والخوف من الموت والدمار، بل وحرب نووية شاملة ودحر الهيمنة الغربية العسكرية والسياسية. لكن، بينما لا تريد موسكو ولا حلف الـ"ناتو" الحرب مع الطرف الآخر، فإن كلاهما استخدم خطاباً لتصعيد التوترات، فهل يمكن أن تكون أوكرانيا نقطة انطلاق لمزيد من الحروب والصراعات المسلحة في القارة العجوز؟

لحظة تاريخية

شكل 24 فبراير (شباط) 2022 لحظة تاريخية لأوروبا، فقد كانت بداية أول حرب بين جيشين نظاميين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وأول خطر حقيقي من اندلاع حرب في أوروبا، وهو إحساس لم تألفه الأجيال الشابة من الأوروبيين الذين ولدوا أو عاشوا طفولتهم بعد نهاية الحرب الباردة عام 1991. لكن مشاعر الخطر التي ولدتها الأزمة الروسية الأوكرانية، رفعت الاتحاد الأوروبي بشكل غير متوقع إلى لاعب جيوسياسي موثوق بعدما فشل في ذلك على مدى عقود. فقد أثبتت هذه اللحظة الحاسمة قدرة أوروبا على توحيد مواقفها، ودفعت بمساعدات عسكرية لأوكرانيا، ووقعت عقوبات اقتصادية وتجارية على روسيا، بالتوازي مع إعادة تنشيط الـ"ناتو" الذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل أعوام قليلة بأنه "ميت عقلياً"، ليثبت خطأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اعتبار الغرب ضعيفاً ومفككاً.

ومع تأثير صدمة الهجوم الروسي على أوكرانيا، وحاجة الأوروبيين إلى الشعور بالأمان لسنوات مقبلة، ودعت ألمانيا فجأة حساسيات الحرب العالمية الثانية، وأعلنت عن استثمارات ضخمة لبناء جيش حديث وفعال باعتبارها أغنى وأقوى دولة في أوروبا. وعززت دول البلطيق من وجودها العسكري على الحدود مع روسيا، واتخذت كل من السويد وفنلندا إجراءات للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" بعد عقود طويلة من سياسة الحياد.

وبينما تتفق جميع دول الاتحاد الأوروبي على أنه من المنطقي تجميع الموارد والمعرفة السيبرانية والعسكرية والأمنية والاستخباراتية استعداداً للسيناريو الأسوأ، تسرّع الحرب في أوكرانيا التحولات في السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، إذ تضطر بروكسل إلى التكيف مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة، بعدما سقطت فكرة الاتحاد الأوروبي كمشروع سلام فحسب وفق تصميمه الأولي، حسبما يقول جوزيبي فاما رئيس شؤون أوروبا في "مجموعة الأزمات" في واشنطن. فقد تغيرت الكتلة المكونة من 27 عضواً، واشتهرت بكونها بطيئة وخجولة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية، بسبب الإجراءات المرهقة والانقسامات الداخلية، وأصبحت فجأة سريعة الرد وفرضت أقوى عقوبات على موسكو في تاريخها وأرسلت موجة من المساعدة العسكرية المباشرة إلى كييف.

 

 

أخطار حرب أوسع

يحذر تقرير صدر الأسبوع الماضي من "مجموعة الأزمات" وهي مؤسسة أميركية بحثية تسعى للسلام، من خطاب بعض القادة في الدول الغربية التي تدعم أوكرانيا بأن أهدافهم في الحرب قد توسعت، إذ يواصل القادة الأوروبيون والغربيون القول إنهم لن يقاتلوا روسيا مباشرة، لكنهم يرسلون أسلحة ثقيلة ويخصصون موارد أكبر لأوكرانيا، بينما يلمح البعض إلى أن هدفهم هو الهزيمة الاستراتيجية لروسيا، بما في ذلك انتصار أوكرانيا واستعادة كييف الأراضي التي خسرتها منذ عام 2014، والمطالبة بتعويضات روسية ومحاكم جرائم الحرب، وهو نهج ينذر برفع المخاطر إلى حيث لا يوجد مجال أمام أي من الطرفين للتسوية والتوجه نحو التصعيد نحو صراع مباشر بين "الناتو" وروسيا.

في المقابل، أشارت موسكو إلى أنها تعتبر حرب أوكرانيا صراعاً بالوكالة مع الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة، والذي تصفه بأنه محرك للدمى ويمسك بالخيوط المرتبطة بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ووزرائه. ويصرح المسؤولون الروس بأنهم يقاتلون "الناتو" في أوكرانيا، بخاصة بعدما ألمح قادة غربيون في واشنطن ولندن إلى رغبتهم في تغيير النظام في الكرملين وإضعاف روسيا للخروج من هذا الصراع، لأن روسيا المنهكة من وجهة نظرهم ستكون أقل عرضة لتهديد البلدان الأخرى في القارة أو في جوارها.

الخيار النووي

لكن خطر هذا الحديث، مع استمرار الحرب، هو أن الكرملين سيستنتج أن الدول الغربية تهدف إلى تدمير الحكومة الروسية، إن لم تكن روسيا نفسها، ما يزيد من خطر أن تتخذ موسكو نفسها إجراءات غير عادية، وهي تمتلك أكبر ترسانة نووية في العالم، ووجهت مراراً تهديدات مستترة باستخدامها. وعلى الرغم من أن احتمالات الاستخدام النووي منخفضة، لأن العقيدة النووية الروسية تسمح باستخدام السلاح في مواجهة تهديد وجودي للدولة فحسب، إلا أنه إذا ما دخل الـ"ناتو" الحرب حال أصبحت أوكرانيا غير قادرة على صد روسيا بشكل حاسم، فسيكون ذلك بمثابة تهديد وجودي، خصوصاً إذا ما تضافر مع جهود الدول الأخرى لتغيير الحكومة الروسية بالقوة.

ويتمثل الخطر الموازي في تصعيد موسكو ضد الـ"ناتو"، ففي مواجهة مزيد من عمليات تسليم الأسلحة الغربية الثقيلة والأكثر تطوراً إلى أوكرانيا مع وجود بعثات تدريبية غربية لتمكين الجنود الأوكرانيين من استخدام هذه الأسلحة، يمكن أن يرى الكرملين نفسه بشكل متزايد على أنه في حالة حرب مع الغرب، وأن الأمر ليس مجرد خطاب، ما يؤدي به إلى ضرب أهداف في الدول الأعضاء في الـ"ناتو"، بالتالي يخاطر بدوره برد أقوى من الحلف.

وحتى في حال التوصل إلى اتفاق بين موسكو وكييف لإنهاء الحرب، من المرجح أن تظل أوكرانيا والأمن الأوروبي الأوسع مسألتين مترابطتين في المستقبل المنظور، لأن هذا السلام المحتمل سيظل محفوفاً بالمخاطر، إذ يشعر الجانبان بالإحباط بسبب التنازلات التي قدماها في المفاوضات. ومن المرجح أن تتزايد الأخطار في الأشهر والسنوات المقبلة، إذ تقوم روسيا وأوكرانيا والدول الأوروبية ببناء قوات وقدرات بهدف ردع بعضها بعضاً. وفي حالة روسيا سيكون خيارها هو إعادة شن هجوم.

عواقب وخيمة على أوروبا

وبحسب مركز تحليل السياسة الأوروبية في واشنطن، فإن أوكرانيا ليست وحدها على المحك، ولكن مستقبل الأمن الأوروبي برمته، إذ سيكون لنتيجة الحرب عواقب وخيمة على المدى المتوسط ​​والطويل على المسارح الإقليمية في أوروبا، وعلى دور الاتحاد الأوروبي وحلف الـ"ناتو"، فضلاً عن مستقبل مشاركة الولايات المتحدة في الأمن الأوروبي. وبغض النظر عن المدى القريب لنتائج الحرب في أوكرانيا، فإن روسيا ستشكل التهديد الأمني ​​الرئيس للمصالح الغربية، طالما ظل الرئيس بوتين يحكم الكرملين، من وجهة نظر التقرير الذي أصدره المركز قبل أيام وشارك فيه خمسة من نخبة الباحثين المتخصصين في الشأن الأوروبي.

ويرى التقرير أن هناك عاملاً آخر يتمثل في صعود الصين كلاعب محتمل في الأمن الأوروبي، بعد مناشدة بوتين القيادة الصينية للحصول على مساعدات عسكرية، والتطور الغامض للتصريحات الصينية بشأن الحرب. ما يسلط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه صناع القرار في بكين، خصوصاً أن الحرب يمكن أن تعزز التحالف العسكري الصيني الروسي، أو تحث على التدخل الصيني للضغط على روسيا لقبول نهاية تفاوضية للحرب. الأمر الذي قد يحدث تغييراً في قواعد اللعبة بالنسبة إلى الأمن الأوروبي.

فرصة من رحم الأزمة

ومثلما كشفت الحرب عن ثغرات في المؤسسة العسكرية الروسية، أظهرت أيضاً أن المؤسسات المتعددة الأطراف في حلف الـ"ناتو" والاتحاد الأوروبي، لم تكن جاهزة للتعاطي بشكل أفضل مع الأزمات. وهذا يعني أنه على المدى المتوسط ​​(ثلاث إلى سبع سنوات)، ستحتاج أوروبا إلى تطوير آليات أكثر مرونة قادرة على الاستجابة السريعة للتهديدات الأمنية، مما قد يؤدي إلى نهج إقليمي مختلف بناءً على مستويات التهديد.

وستحتاج أوروبا إلى مواءمة سياسة أمنية ودفاعية مشتركة مكملة لحلف الـ"ناتو"، وسيتعين على ألمانيا أن تضمن ثبات تحولها الاستراتيجي الحالي في السياسة الخارجية والدفاعية، وأن تتولى دورها باعتبارها الفاعل الاستراتيجي الرئيس في أوروبا، وسيتعين على المملكة المتحدة الاندماج بشكل أعمق في البنية التحتية الأمنية لأوروبا، على الرغم من حقيقة خروجها من الاتحاد الأوروبي.

ومن رحم الحرب جاءت فرصة انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الـ"ناتو". وهو أمر لم يكن من الممكن تخيله قبل عام، فمثلما فتح تدمير الحرب العالمية الثانية الطريق أمام تصور جديد لأوروبا، فإن صدمة الهجوم الروسي على أوكرانيا توفر إمكانية تنشيط النظام الأوروبي وتغيير نمط المواجهة مع روسيا منذ نهاية الحرب الباردة. لكن ذلك لن يكون ممكناً إلا إذا كانت الولايات المتحدة وتحالف الـ"ناتو" والاتحاد الأوروبي مدفوعين برؤية فوز أوكرانيا في النهاية كطريق نحو تحالف متجدد وأكثر أماناً.

قوة برية أميركية أكبر

ولأن روسيا ستشكل التهديد الأمني ​​الرئيس للمصالح الغربية، فإن هذا يعني أن أوروبا والولايات المتحدة لن تكونا قادرتين على اختيار التحدي طويل الأمد للصين أكثر من تهديد روسيا المحدق بأوروبا. ولهذا سيتعين على التحالف معالجة التهديدين في الوقت نفسه، إذ ستشارك الولايات المتحدة بشكل أكبر في المسرح الأوروبي، على الرغم من متطلبات نشر قواتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومن المرجح أن تعطي الولايات المتحدة الأولوية لقواتها البرية في أوروبا بشكل أكبر، في حين تركز قواتها البحرية اللازمة في المحيطين الهندي والهادئ، مع تقسيم قواتها الجوية بين الجانبين.

وسيحتاج الغرب إلى استراتيجية جديدة للإعداد لما يمكن أن يكون مواجهة استراتيجية تستمر لعقود من الزمن، وتتطلب مواءمة جادة بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن المكونات الرئيسة لأجندة مستقبلية بين روسيا والغرب، بحيث يشمل ذلك كلاً من المكونات العسكرية وغير العسكرية لاحتواء روسيا وردعها، مع فسح المجال للاشتباك عند الضرورة.

سبعة سيناريوهات مختلفة

مع ذلك، فإن كيفية مواءمة التغييرات متوسطة المدى لإنتاج نظام أوروبي أكثر أمناً ستعتمد على القرارات قصيرة المدى التي ستتخذ على الأرض وستؤثر في الواقع في أوكرانيا، وهي ترتبط بالسيناريوهات المحتملة للصراع الدائر الآن، إذ يتوقف مستقبل أوروبا على إذا ما كان الرئيس بوتين قادراً على تحقيق كل أو بعض أهدافه، أو عدم تحقيق أي منها في أوكرانيا. ومن ثم فإن جدوى الهوية الأوروبية المشتركة والمعايير والقيم والنظام الأمني ​​للقارة سيثبت نجاحه أو فشله من خلال فعالية استجابة الغرب لسبعة سيناريوهات مختلفة حددها تقرير مركز تحليل السياسات الأوروبية.

حرب أوروبية أوسع

يزيد استعداد بوتين لتصعيد النزاع في أوكرانيا، من احتمال نشوب صراع بين روسيا والـ"ناتو"، وهو يشمل مجموعة من الاحتمالات، بدءاً من المناوشات منخفضة المستوى داخل الدول الأعضاء وحولها على خط المواجهة في الـ"ناتو" مثل دول البلطيق وبولندا ورومانيا وبلغاريا وتركيا والنرويج، وانتهاءً بحرب أوروبية كبرى قد تتحول إلى حرب عابرة للقارات لا تتضمن الأسلحة التقليدية فحسب، إنما الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية أيضاً.

وفي أكثر السيناريوهات خطورة، سيكون الصراع بين روسيا والغرب وجودياً، إذ لن يكون هناك جدوى من التكهن بمستقبل أوروبا حتى تنتهي الحرب بشكل أو بآخر، إما بهزيمة ساحقة لروسيا أو انهيار الغرب بقيادة الولايات المتحدة وعقد تسوية تفاوضية على غرار يالطا عام 1945، أو تكون نهاية العالم التي يسميها الغرب "هرمجدون" النووية.

روسيا تنتصر

في ظل هذا السيناريو، تلقى المقاومة المسلحة الأوكرانية هزيمة حاسمة، وتتشكل حكومة عميلة لروسيا في كييف، حيث تحتفظ أوكرانيا باستقلالها الاسمي، لكنها تخضع لأمر موسكو السياسي والاقتصادي أثناء انضمامها إلى الهياكل الأمنية والاقتصادية التي تقودها روسيا، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي هذه الحال، سيتم تقسيم أوروبا مرة أخرى إلى معسكرين مسلحين في ذروة حرب باردة، لأن استحواذ روسيا على أوكرانيا سيكون له عواقب على الجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى، وستكون هناك تداعيات أمنية مباشرة على الدول الأعضاء في خط المواجهة من دول الـ"ناتو" مثل بولندا ورومانيا وبلغاريا، وستكون دول البلطيق الثلاث معرضة للخطر بشكل خاص.

صراع عسكري طويل

في هذا السيناريو، ستستمر الحرب في شكلها الحالي لسنوات عدة، إذ يحقق كل جانب انتصارات وخسائر على طول الطريق، ولكن من دون نصر حاسم لأي من الجانبين، وستكون النتيجة حالة شبه دائمة من الصراع في القارة مع استمرار التهديد بمزيد من التصعيد، وتستمر الخسائر لدى الجانبين في الازدياد، ويواصل الغرب تقديم الدعم إلى كييف. مع ذلك، فإن وضع أوكرانيا وعلاقاتها بالمؤسسات الغربية ستبقى دون حل. لكن، في غضون ذلك، ستزداد الضغوط المحلية على الكرملين، على غرار ما شهده الاتحاد السوفياتي خلال حربه الطويلة مع أفغانستان. ما يهدد بزعزعة الاستقرار داخل روسيا.

مأزق منخفض المستوى

سيكون هذا السيناريو في الأساس استمراراً للوضع السابق للهجوم الروسي في فبراير 2022، إذ يزعم الرئيس بوتين الانتصار، ويسحب قواته من معظم أوكرانيا، لكنه يعزز الموقف الروسي في شبه جزيرة القرم ومنطقتي دونيتسك ولوغانسك، حيث يستمر قتال متقطع على غرار ما حدث بين عامي 2015- 2021. ويتمثل الخطر الرئيس في هذا السيناريو في العودة إلى التراخي واللامبالاة التي ميزت المواقف الأوروبية تجاه أوكرانيا في السنوات الماضية. وستظل الإخفاقات الأساسية للحكم في أوكرانيا من دون حل. وسيظل هناك مجال واسع لتجدد الصراع في المستقبل.

أوكرانيا منقسمة

في هذا السيناريو تضم روسيا بقية مناطق دونيتسك ولوغانسك، وتشيد جسراً برياً إلى شبه جزيرة القرم، وربما تعزل أوكرانيا عن البحر الأسود من خلال الاستيلاء على أوديسا، على الرغم من أن ذلك غير مؤكد حتى الآن، وستحتفظ أوكرانيا باستقلالها السيادي وتقترب أكثر من الغرب، وفي هذه الحالة ستكون العواقب بالنسبة إلى أوروبا مماثلة للسيناريو الثاني، إذ سيتم تقسيم القارة، لكن الخط الفاصل سيكون أبعد إلى الشرق. وبموجب هذا السيناريو، ستبقى دول البلطيق ضمن الهياكل الأمنية والاقتصادية الغربية، كما ستبقى بلغاريا ورومانيا وتركيا داخل الـ"ناتو".

مع ذلك، فإن هذه النتيجة، نادراً ما تكون مستدامة، إذ لن تخفف موسكو من جهودها لإخضاع تلك الأجزاء من أوكرانيا، وتسعى إلى توسيع نطاق اختصاصها ليشمل دول البلطيق ومولدوفا وجورجيا والبلقان.

الجميع فائز عدا بوتين

في هذا السيناريو، تنسحب روسيا من معظم أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك دونيتسك ولوغانسك، لكنها تحتفظ بسيطرتها على شبه جزيرة القرم، حيث يتم إبرام معاهدة دولية جديدة تكرس السيادة الأوكرانية وتضفي الطابع الرسمي على الاتفاقية بشأن القضايا الإقليمية والأمنية والسياسية الرئيسة. لكن في روسيا، يترك بوتين منصبه. ما يفسح المجال لقيادة ليبرالية ضمن عملية متجددة لإرساء الديمقراطية. ويُطاح بالرئيس ألكسندر لوكاشينكا في بيلاروس، وتظهر بدايات الديمقراطية الوليدة والهشة هناك.

لكن، على الرغم من ذلك، فإن "أوروبا واحدة" قد تظل غير مرجحة، فبينما يتم تعزيز مكانة الاتحاد الأوروبي وحلف الـ"ناتو"، إلا أن أوروبا ستكون قارة متنوعة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، لكن تتضاءل فرص الصراع داخل القارة.

أوكرانيا تنتصر

في حال انتصار أوكرانيا، ستكون روسيا مجبرة على سحب قواتها من الأراضي الأوكرانية، باستثناء دونيتسك ولوغانسك التي تحتفظ في الوقت الحالي باستقلالها الأصلي، وتنجذب أوكرانيا نحو أوروبا، وفي الوقت المناسب، تحصل على عضوية الاتحاد الأوروبي أو وضع المرشح، فيما تظل عضوية الـ"ناتو" احتمالاً نظرياً، لكنه بعيد المنال. ويتوسع نفوذ الاتحاد الأوروبي وحلف الـ"ناتو" ليس في أوكرانيا فحسب، إنما في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق الأخرى مثل بلدان القوقاز ومولدوفا وحتى بيلاروس أيضاً. بينما تفقد موسكو نفوذها في منطقة البلقان في أعقاب هزيمتها. وفي آسيا الوسطى، تترجم الصين قوتها الاقتصادية المتنامية إلى ثقل جيوسياسي على حساب روسيا.

آمال ومخاوف

من وجهة نظر أوروبا والـ"ناتو"، فإن القدرة على المواجهة في هذه السيناريوهات على المدى المتوسط ​​تعتمد على الواقع قصير المدى في أوكرانيا، حيث يمكن أن تؤدي الأزمة الحالية إلى تنشيط الوحدة والتماسك في التحالف الأوروبي الأطلسي، مع تضميد الجروح العديدة التي أصابت أوروبا مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، التي عرقلت قدرة أوروبا على التصرف بشكل استراتيجي.

وبالنسبة إلى الغرب، فإن نظاماً أوروبياً أكثر أمناً واستقراراً، يتحقق برؤية انتصار أوكرانيا على روسيا في الحرب، لأن البدء من الانهزامية أو الخوف من الاستفزاز سيؤدي حتماً إلى مزيد من الانقسام في أوروبا ومجتمع شديد الضعف على المدى الطويل. لكن القول الفصل في النهاية سيكون في ساحة المعارك، وما ستحدده سيفرض نفسه على أوروبا المستقبل.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير