Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل عاقبت الجزائر إسبانيا بإيطاليا أم أنها بصدد تغيير مشهد التحالفات؟

التحول في موقف مدريد كان دافعاً للجزائر حتى تراجع اتفاقات الشراكة القائمة مع الضفة الشمالية

الرئيس الجزائري تبون في ضيافة نظيره الإيطالي (الإذاعة الجزائرية)

يبدو أن الجزائر في اتجاه صناعة علاقات خارجية جديدة، ولعل توالي زيارات الرئيس عبد المجيد تبون إلى عواصم شرقية وغربية لم تكن ضمن الأولويات دليل على تغير في توجهات دبلوماسيتها، وفي حين تربط جهات الأمر بانقلاب مواقف مدريد، تعتبر أخرى أن الحرب الروسية - الأوكرانية فتحت مساحة واسعة أمام الجزائر لإعادة ترتيب الواجهة الخارجية.

اختيار في خضم توتر

وفي خضم "توتر" متصاعد مع إسبانيا، اختار تبون أن تكون إيطاليا الوجهة لأول زيارة له إلى الغرب، على غير العادة، ما يكشف عن تحول لافت في سياق هندسة علاقات إقليمية ودولية مبنية على أساس المنافع والمصالح، وبالعودة إلى ظروف الاستقبال في روما ونابولي وما تم توقيعه من اتفاقات، فإنه يمكن اعتبار الزيارة ضربة موجعة لباريس ومدريد، ما يؤسس لمرحلة جديدة من التحالفات في غرب المتوسط.

وكشفت زيارة تبون إلى إيطاليا عن بعض من هوية السياسة الخارجية الجديدة للجزائر، بعد أن رفضت التعاطي معها كمورد نفط وغاز وفقط، وفضلت التوقيع على اتفاقات شراكة في قطاعات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والصناعة البحرية، ومشروع تزويد أوروبا بالكهرباء والغاز عن طريق إيطاليا، والطاقات المتجددة، وأخرى في مجالات المالية والثقافة، ما يؤكد التحول من دبلوماسية التمثيل إلى دبلوماسية التأثير.

تأييد أوروبي وتوجيه أميركي

وفي السياق، يقول الباحث في العلاقات الدولية عدنان محتالي، في تصريح مقتضب لـ"اندبندنت عربية"، إن التقرب من إيطاليا أكثر يعتبر عقاباً لإسبانيا نوعاً ما، نظير تخليها عن مواقفها التاريخية ومسؤولياتها تجاه القضية الصحراوية، وهذا عن طريق جعل إيطاليا معبراً رئيساً للطاقة من أفريقيا نحو أوروبا، لكن الأمر لا يتوقف هنا، فالتقارب ليس أحادي الجانب، فحتى الإيطاليون يرغبون في رفع مستوى العلاقات مع الجزائر، مضيفاً أن روما تبحث أيضاً عن موطئ قدم في أفريقيا، وعن شريك يقاسمها وجهات النظر في المسألة الليبية، وعن مورد للطاقة يضمن لها استقراراً أكثر، وقد وجدت كل هذا في الجزائر وحفاوة الاستقبال التي حظي بها الرئيس تبون تعكس الاهتمام الإيطالي. 

وختم أنه من الصعب توقع مستقبل المنطقة، فأجزاء عديدة منها تعاني هشاشة وعدم استقرار، ومن المستبعد أن تتغير الأوضاع بشكل واضح في السنوات المقبلة، لكن الأكيد أن دور الجزائر فيها يتعاظم يوماً بعد يوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانبها، تعتبر أستاذة العلاقات الدولية، عابر نجوى، أن العلاقات الدولية تقوم على مبدأ التوازن، والتحول في الموقف الإسباني كان دافعاً للجزائر حتى تراجع اتفاقات الشراكة القائمة مع الضفة الشمالية، ويبدو أن الطرف الإيطالي أكثر تقارباً وقابلية للتعاون، لكن من الضروري التنويه بأن الدفع بإيطاليا للتفاوض مع الجزائر لا يلبي رغبة روما منفردة، وإنما جاء بتأييد أوروبي وتوجيه أميركي، حيث عملت واشنطن في هذه الفترة على توزيع الأدوار بين الشركاء الأوروبيين، وتواصل أن الشراكة الجزائرية الإيطالية مهمة لكلا البلدين وحتى بالنسبة إلى الطرفين الأميركي والأوروبي، غير أن الصراع يبقى قائماً بين حلف شمال الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة والقوى العالمية وأيضاً الإقليمية الصاعدة.

تساؤلات

إلى ذلك، يبين الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، محمد شراف، أن حروب الغاز تشعل التحالفات في المتوسط، وتفعل الدبلوماسية الاقتصادية، والدبلوماسية الجزائرية تسرع منذ أشهر  وتيرة اتصالاتها لتفعيل شراكات اقتصادية متينة في بيئة دولية تشهد تنافساً على الكثير من التجاذبات السياسية، لكن هل تتوجه الجزائر فعلياً نحو استراتيجية اقتصادية جديدة أم أنها تعالج أمورها السياسية مع شركاء المنطقة عبر القنوات الاقتصادية؟ مبرزاً أن طريقة الاستقبال التي حظى بها تبون تؤكد النيات الإيطالية في رفع حالة التقارب الاقتصادي والانفراد بالميزة التفضيلية مع الجار الجزائري والاستثمار في الند السياسي مع فرنسا وفي التوتر مع إسبانيا، بخاصة أن الزيارة تأتي في أعقاب فشل إيطالي ذريع في توفير بديل ولو مؤقتاً، لمشكلة الغاز الروسي مع استمرار الأزمة الأوكرانية.

ويتابع شراف، أن إيطاليا وافقت على عقد غازي طويل الأمد وصف بـ"التاريخي" يقضي بزيادة الغاز نحو روما إلى تسعة مليارات مكعب يومياً، ورفع نسبة التزويد إلى أكثر من 40 في المئة، والواضح أن الجزائر تسعى لاستبدال الفتور السياسي مع مدريد، في شكل معاقبتها على التحول بالمواقف بخاصة ما تعلق بقضية الصحراء الغربية، وختم أن الجزائر بصدد إعادة رسم معالم المشهد الجيوسياسي الجديد لعالم ما بعد جائحة كورونا.

حسم الملف

وكان لافتاً من التصريحات التي أدلى بها تبون في الندوة الصحافية المشتركة مع نظيره الإيطالي، أن الجزائر حسمت ملف تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي بالرهان على إيطاليا بدل إسبانيا، كعقاب على موقفها المتغير من نزاع قضية الصحراء الغربية، إذ شدد الرئيس الجزائري التزام بلاده باحترام اتفاقات تزويد إيطاليا بالطاقة، وتحويلها إلى الموزع الرئيس للغاز الجزائري في أوروبا.

والجزائر وإسبانيا اتفقتا خلال الصيف الماضي على تطوير العلاقات التجارية والاستثمارات في مجال الطاقة وبالخصوص الغاز، حيث راهنت الجزائر على جعل إسبانيا مقدمة لتوزيع جزء مهم من الغاز الطبيعي نحو أوروبا.

المزيد من تقارير