Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسراب من الجراد تهدد مشاريع السودان الزراعية

دعوات إلى البدء في إجراءات وتدابير التدخل الفوري لمكافحة الآفة قبل أن تبدأ مرحلة التوالد مع بداية هطول الأمطار

جهود حكومية لاحتواء الانتشار الكثيف للجراد في عدة ولايات سودانية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

يتزايد قلق المزارعين من اجتياح كثيف للجراد مساحات واسعة في وسط وشرق وغرب السودان منذ أكثر من أسبوع، انتشرت الآفة في عدد من المناطق والمشروعات الزراعية بعدد من ولايات البلاد في الشرق والوسط والغرب، بخاصة عند حدود القضارف، وسنار والجزيرة، على الضفة الشرقية من نهر الرهد، وكذلك في عدة محليات بشمال دارفور.

وشكا عدد من المزارعين في عدة ولايات سودانية من التجمعات الضخمة لآفة الجراد على الضفة الشرقية من نهر الرهد وبمناطق البطانة وشرق النيل والشيخ الأمين ووادي سوبا ووادي الحادو وشرق السليت.

آفة قومية

وقال مزارعون بمشروع الرهد الزراعي إن أسراب الجراد تهدد الأقسام الجنوبية من مشروع الرهد الزراعي، بخاصة الامتداد من القسم الأول حتى الرابع، مطالبين الحكومة الاتحادية في الخرطوم بالتدخل العاجل، حتى لا يتأثر الموسم الشتوي الذي يمثل محاصيل القمح والفول والخضراوات في كل من ولايتي الشمالية ونهر النيل، إضافة لولاية البحر الأحمر باعتبار الجراد من الآفات القومية الواجب مكافحتها على المستوى الاتحادي. 

وعبر المزارعون عن مخاوفهم من تضرر الموسم الزراعي الجديد، مطالبين السلطات المحلية بأخذ الحيطة والتبليغ الفوري للحكومة المركزية، للعمل مبكراً على تحجيم خطر الجراد قبل انتشاره واستفحال الوضع، متهمين بعض السلطات الولائية بضعف الاهتمام والمتابعة اللازمة.

من جانبها أطلقت وزارة الزراعة والغابات والثروة الحيوانية بولاية شمال دارفور تحذيرات من مخاطر انتشار واسع متوقع لآفة الجراد من النوع المعروف محلياً بـ"ساري الليل"، خصوصاً أن موسم الأمطار على الأبواب، مما قد يتسبب في إتلاف المزروعات وهي في مراحلها الأولى، ويهدد بفشل الموسم الزراعي الصيفي برمته بالولاية.

وطالبت صالحة سلم ناجي، اختصاصية وقاية النباتات بالولاية، جهات الاختصاص الاتحادية والولائية بالبدء في إجراءات وتدابير التدخل الفوري لمكافحة الآفة، قبل أن تبدأ مرحلة التوالد والانفجار مع بداية هطول الأمطار.

كثافة ليلية

وعزت ناجي الانتشار الواسع المتوقع لجراد "ساري الليل" خلال موسم الخريف القريب جداً، إلى كثافة ظهوره هذه الأيام بعد مغيب الشمس بكل من محليات الطويشة، ودار السلام، واللعيت جار النبي وكلميندو، وعدد آخر من المحليات بشمال دارفور، مبينة أن الآفة تتخذ من أشجار الهجليج والسدر وبعض أشجار الموالح والفاكهة عوائل بديلة لها، إلى جانب انتشار أنواع أخرى من الجراد مثل "القبورة" الذي يعرف محلياً بـ"أم سمندو"، و"أم بلنق" و"أم جركم" بمختلف المحليات.

وأضافت مدير وقاية النباتات بشمال دارفور، لوكالة السودان للأنباء، أن انتشار الجراد "ساري الليل" بالمحليات المشار إليها هذه الأيام لكونها تمثل امتداداً لحزام الصمغ العربي الذي ينتج من شجرة الهشاب التي تمثل بدورها عائلاً أساسياً له، بالإضافة إلى عوامل أخرى ساعدت في انتشاره بالكثافة التي ظهر بها، مثل شح الأمطار في العام الماضي، الذي نجم منه توقف جريان الأودية خلال الموسم، فضلاً عن بطء عمليات المكافحة وتقلبات الطقس. 

الوقاية تتحرك

في السياق نفسه، كشف محجوب موسى، مدير إدارة الجراد بمصلحة وقاية النباتات السودانية لـ"اندبندنت عربية" عن توجه فرق من المكافحة إلى ولاية القضارف والرهد منذ خمسة أيام إلى المناطق المتأثرة، وأن التقارير الواردة من تلك الفرق تؤكد أن عمليات المكافحة تسير بصورة جيدة ومرضية، وأنها تسيطر على الموقف بما يطمئن المزارعين وأصحاب البساتين وجنائن الموالح في تلك المناطق.

وقلل موسى، من خطورة أنواع مجموعات الجراد التي تتحرك الآن، كونها ليست من الجراد الصحراوي الشرس والنهم الذي يستهدف المحاصيل، لكنه من نوع "الجراد الشجري" المعروف محلياً بـ"ساري الليل"، الذي يتحرك ليلاً ويمثل تهديداً للأشجار بصفة خاصة من دون محاصيل الحبوب الأخرى، وغالباً ما يصل السودان مهاجراً عبر الولايات الحدودية من دول الجوار لضعف المكافحة هناك.

أشار مدير إدارة الجراد إلى أن من طبيعة سلوك "جراد الشجر" تجمعه قبل موسم الخريف في مناطق التكاثر حيث تكون البيئة مثالية له ليضع البيض، مبيناً أن حركة مجموعات الجراد هذه الأيام تعتبر طبيعية إلى حد كبير، مشيراً إلى عمليات المكافحة الأرضية من دون تدخلات جوية قد بدأت بالفعل، نتيجة وجود الجراد في مساحات متفرقة يقدر المرصود منها بنحو 450 هيكتاراً في هذه المرحلة قبل أن تكتمل دورة التكاثر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تدمير أشجار الصمغ

وأوضح موسى أن الجراد "ساري الليل" بقدر ما لا يمثل خطراً كبيراً على محاصيل الحبوب، لكنه يؤذي بشدة أشجار الفواكه والموالح كالمانجو والنخيل، إلا أن ضرره الأكبر في تدميره أشجار الهشاب والطلح المنتجة للصمغ العربي التي تمثل أيضاً العائل الأول له، وهو بذلك يصبح آفة قومية تهدد الاقتصاد الوطني، مما يعني أن على الحكومة الاتحادية ممثلة في وزارة المالية دعم مكافحته، لأن أثره على الاقتصاد كبير من خلال تدمير أشجار الصمغ أهم المحصولات النقدية التي تدر على البلاد العملات الصعبة. 

وأضاف أن السودان من ضمن الدول القليلة بالمنطقة الذي تمكن من السيطرة والقضاء تماماً على الجراد الصحراوي المصنف كآفة دولية، والسودان من ضمن مناطق توالده وتكاثره الطبيعي، وبالتالي تستخدم الوسائل الأرضية والجوية معاً في مكافحته، وقد تمكنت البلاد بالفعل من القضاء على هذا النوع الخطير على المحاصيل تماماً بنسبة 100 في المئة، منذ شهر مارس (آذار) الماضي.

وطمأن موسى المزارعين بأن المجموعات التي ظهرت وتثير قلقهم ومخاوفهم بأنها من جراد الأشجار وليست من النوع الصحراوي، وقد خططت وقاية النباتات لمكافحته في حملات منتظمة خلال شهري مايو (أيار) الحالي حتى يونيو (حزيران) المقبل، مشيراً إلى أن خطة المكافحة تمضي بنجاح مع متابعة الوضع من كثب في جميع مناطق وجوده وكثافته، بالتالي ينتفي أي تهديد محتمل للموسم الزراعي من قبل الجراد، لأنه في هذه المرحلة لا يشكل أي خطورة على المحاصيل.

مناشدة للمالية

وأبدى مدير إدارة الجراد أسفه لعدم إيلاء مصلحة وقاية النباتات الاهتمام اللازم الذي يليق بها، وعدم الالتفات إلى المشاكل التي تعانيها إلا عند وقوع هجمات من الجراد. مبيناً أن العاملين بالمصلحة يواجهون ظروفاً صعبة، ويتعرضون خلال عملهم لمخاطر عديدة بالمناطق الخلوية فضلاً عن تعاملهم مع المواد الكيماوية، بينما يتلقون في المقابل مردوداً مادياً ضعيفاً، مناشداً وزارة المالية الاستجابة لطلبات وقاية النباتات بتوفير المعينات اللازمة للعمل بخاصة في هذه المرحلة التي تسبق فصل الخريف.

على الصعيد الميداني، قال محمد صالح، أحد قادة الفرق الميدانية الأربع التي توجهت إلى مناطق الانتشار وتعمل على الأرض على مكافحة الجراد في مناطق شرق النيل، إنهم يواجهون بالفعل تجمعات كبيرة من الجراد "ساري الليل" المنتشر على مساحات واسعة في كل من وادي الحادو ووادي سوبا ومنطقة الشيخ الأمين، مبيناً في اتصال هاتفي مع "اندبندنت عربية" أن مجموعة من الفرق المتقدمة تقوم أولاً بعمليات المسح وتحديد إحداثيات مناطق كثافة وجود الجراد ومن ثم تقوم فرق المكافحة باستهدافها.

وكشف صالح عن أنهم يسيطرون تماماً على الوضع ميدانياً، على الرغم من بدء بعض مجموعات الجراد الدخول إلى المزارع لكنها ولحسن الحظ لم تحدث أضراراً كبيرة تذكر، وساعد في ذلك أن الجراد المنتشر من النوع الشجري الذي لا يخشى على الزراعة منه كثيراً.

ظروف قاسية

يصف المكافح الميداني الظروف التي تعمل فيها فرق المكافحة بأنها في بيئة خلوية شديدة الصعوبة، تضطر إلى قضاء لياليها بالمزارع في رحلة عمل قاسية ومضنية، تركز في عملها على المكافحة بالرش بواسطة المبيدات مستخدمة الآليات الأرضية، كما تقوم الفرق بمطاردات شاقة ومرهقة لمجموعات الجراد المعروفة بسرعة تحركها وانتشارها. 

وشهد السودان قبل عامين في 2020 فورة ضخمة للجراد الصحراوي في القرن الأفريقي، لكن السودان كان من الدول القليلة التي تمكنت من السيطرة عليه للخبرات المتوفرة، غير أن انفتاح حدود الإقليم على بعضها يجعل المكافحة الفردية تنتكس ما لم تتكامل الجهود بين كل دول المنطقة، لأن الجراد الصحراوي عابر للحدود ويحتاج إلى مكافحة شاملة.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (فاو) فالجراد هو واحد من أقدم الآفات المهاجرة في العالم، التي تعيث فساداً في المحاصيل في جميع أنحاء العالم منذ عدة قرون، عندما تنتشر أسراب ضخمة في العديد من البلدان وتنتشر عبر عدة مناطق أو قارات، يصبح الجراد طاعوناً. ويمكن لطاعون الجراد الصحراوي، وهو أكثر أنواع الجراد تدميراً على الإطلاق، أن يؤثر بسهولة في 20 في المئة من أراضي الكوكب، مما قد يلحق الضرر بسبل عيش عشر سكان العالم ويؤثر تأثيراً خطيراً في الأمن الغذائي.

الأكثر تدميراً

يعدّ الجراد جزءاً من مجموعة كبيرة من الحشرات تسمى عادة الجنادب، لكنه يختلف عنها، فهو يستطيع تغيير سلوكه وعاداته ويمكن أن يهاجر على مسافات طويلة، كما يمكنه تشكيل أسراب كثيفة تتحرك بسرعة، ويمكن أن يطير بسرعة تبلغ 150 كلم في اليوم، عندما تكون الرياح مواتية. 

ويمكن أن تلتهم هذه الأسراب كميات كبيرة من النباتات والمحاصيل، ويمكن أن يتراوح انتشار أسراب الجراد من أقل من كيلومتر مربع واحد إلى أكثر من ألف كيلومتر مربع، يشمل كل كيلومتر مربع من السرب ما بين 40 مليوناً ويصل أحياناً إلى 80 مليوناً من الجراد البالغ. 

ويعتبر الجراد الصحراوي الأكثر تدميراً من كثير من الأنواع العادية التي تقطن البساتين، ويمكن العثور عليه في 30 بلداً، وخلال الطفرات يمكن أن يصل إلى 60 بلداً.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير