Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حزب الله" يلين بعد الانتخابات ويتشدد بعد العقوبات

فرنسا تتحرك ضد احتمال الفراغ الحكومي ونصر الله يربط قضية السلاح بالإقليم بطلبه تأجيل بحثه سنتين

مناصرو ميليشيا "حزب الله" يحتفلون بعيد التحرير في موكب قرب الحدود مع إسرائيل (رويترز)

تصعب قراءة أي تطور أو حدث سياسي مهم في لبنان من دون النظر إلى انغماساته الإقليمية، أو الإشارة إلى نظرة الخارج إلى هذا التطور وتداعياته من زاوية المواقف الدولية والإقليمية حياله. فكيف لا يكون الأمر كذلك بعد الانتخابات النيابية الأخيرة في 15 مايو (أيار)، التي أنتجت برلماناً جديداً تغيرت خريطته السياسية، بفقدان الأكثرية الموالية بمعظمها لـ"حزب الله"، وإن كانت الأكثرية البديلة غير متجانسة أو غير واضحة إلى الآن. فعدد النواب الذين حصدهم "حزب الله" وحلفاؤه يبلغ وفق تعداد انتماءات هؤلاء، 59 نائباً من أصل 128، أي أقل من النصف زائداً واحداً (65 نائباً) بستة نواب، بعد أن كانت حساباته الحصول على 69 نائباً، أو 65 في الحد الأدنى.

فقدان الحزب الأكثرية لا يلغي فرض إرادته

إلا أن فقدان الحزب الأكثرية، التي كان يأمل من خلال الحصول عليها، التحكم باللعبة السياسية الداخلية، لتشريع استمراره في إدارتها من خلال المؤسسات الدستورية، لا يعني خسارته القدرة على فرض إرادته بسبب سطوة السلاح من جهة وبفعل استمرار الرئيس ميشال عون، كحليف رئيس له، في سدة الرئاسة حتى 31 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، من جهة ثانية. والبلد مقبل على انتخابات رئاسية خلال آخر فصل الصيف ومطلع الخريف، فيما يجب أن تبدأ الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار شخصية تكلف بتشكيل حكومة جديدة، فور الانتهاء من انتخاب رئيس البرلمان ونائبه وهيئة مكتبه. وهو أمر يأخذ في الحسبان الاستحقاق الرئاسي، لأن احتمال حصول فراغ رئاسي نتيجة تعذر انتخاب الرئيس المقبل، ينقل صلاحيات الرئاسة إلى هذه الحكومة حكماً، وفق ما ينص عليه الدستور. وهذا يدفع فرقاء إلى التفكير بأن تكون لهم اليد الطولى في تركيبة الحكومة، ومن بينهم "حزب الله" بطبيعة الحال.
في الموازاة، تستمر المداولات لإيجاد مخارج لبعض القوى السياسية التي تعارض انتخاب المرشح الوحيد لإدارة البرلمان، زعيم "حركة أمل" نبيه بري، مجدداً (متوقع الأسبوع المقبل)، بينما الاهتمام الخارجي بإنجاز الانتخابات سلك اتجاهات عدة، بموازاة تفاقم الوضع المعيشي.

التحرك الفرنسي لتسريع تأليف الحكومة

الاتجاه الأول هو إصرار عواصم القرار على القوى السياسية لتشكيل حكومة بسرعة، تفادياً للسيناريوهات السوداوية عن إمكان الدخول في الفراغ الحكومي. وفضلاً عن البيانات الصادرة عن وزارات الخارجية في الدول الغربية كافة، تحركت البعثات الدبلوماسية في هذا الصدد للتنبيه إلى لجوء بعض القوى إلى لعب ورقة هذا الفراغ. وأحدث تلك التحركات كان اجتماع السفيرة الفرنسية في لبنان، آن غريو، بالرئيس عون في 24 مايو، للحث على ولادة الحكومة بسرعة. جاء هذا الاجتماع بعد أن وضع صهر عون، رئيس "التيار الوطني الحر"، النائب جبران باسيل، شروطاً على تأليف الحكومة والرئيس الذي سيكلف بتشكيلها واسم رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي نجيب ميقاتي في طليعة المرشحين للمنصب.
فباسيل طالب مسبقاً بتعديل دستوري يحدد مهلة شهر للرئيس المكلف كي يشكل الحكومة، ومعروف أن هناك خلافاً حول تحديد مهلة لرئيس الحكومة في ظل طرح فرقاء آخرين تعديلات دستورية تلزم رئيس الجمهورية بالتوقيع على الحكومة التي يقدمها إليه الرئيس المكلف تشكيلها، بعد مهلة معينة من اقتراحها عليه، وغيرها من التعديلات، ما يغرق البلد والبرلمان الجديد والمسرح السياسي في جدل بيزنطي لا ينتهي ويؤخر قيام الحكومة. كما طلب معرفة موقف الرئيس المكلف سلفاً من عدد من القضايا ومنها إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يطالب به منذ أشهر، لتعيين بديل له، فيما رفض ميقاتي وقوى عدة ذلك بحجج متعددة، أبرزها أن التعيينات في المواقع المهمة في المناصب الرئيسة يجب أن تترك للرئيس الجديد، ويجب ألا تتم في نهاية عهد رئاسي يلزم العهد المقبل لست سنوات.

عون أكد نيته تسريع الحكومة

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لـ"اندبندنت عربية" إن السفيرة أجرت مع عون مناقشة موسعة حول نتائج الانتخابات والاستحقاقات الدستورية التالية، "لأنه من الملح أن يبدأ البرلمان عمله قريباً من أجل أن يقوم بمهامه بتعيين رئيس حكومة كي يؤلفها في سرعة". كما أن السفيرة غريو ذكرت الرئيس عون بأن أمام البرلمان الجديد مهام كثيرة يلتزم لبنان بها، لجهة ضرورة إقرار خطة التعافي الاقتصادي (حولتها حكومة ميقاتي إليه في آخر جلسة لها في 20 مايو قبل أن تعتبر مستقيلة) وقوانين ضبط رأس المال أو الـ"كابيتال كونترول"، وموازنة عام 2022، وقانون رفع السرية عن الحسابات المصرفية، وإعادة هيكلة المصارف، تمهيداً لإقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، الذي اشترط كل هذه الإجراءات من أجل أن يتمكن من اتخاذ قرار بتقديم معونة مالية للبنان كي يبدأ بتجاوز أزمته المالية الاقتصادية.
ومع أن غريو لم تقل إن هناك خشية من أن تتم عرقلة تأليف الحكومة الجديدة من قبل عون، استناداً إلى التجارب السابقة وبفعل الشروط التعجيزية التي يرفعها باسيل الذي يأخذ عون عادةً بموقفه، فإن الرئيس اللبناني أبلغها على الفور أنه يريد قيام حكومة بسرعة وسيعمل على ذلك. وسربت أوساط رئيس الجمهورية قبل ساعات من اجتماعه بالسفيرة الفرنسية، أجواء بأنه سيستعجل تأليفها ولا مانع لديه من تجديد الثقة بالحكومة الحالية، لتسريع تحقيق المطلوب لمعالجة الملفات الاقتصادية المتراكمة.
وأوضح المصدر الدبلوماسي الفرنسي أن السفارة في بيروت ستراقب ما إذا كانت الأفعال ستتطابق مع الأقوال، وأن الدبلوماسية الفرنسية ستلتقي معظم القوى السياسية وتحثها على أن من الملح جداً، بعد إجراء الانتخابات أن تبدأ خطوات معالجة الأزمة الاقتصادية بسرعة، وضرورة تسهيل تأليف الحكومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


موقفان سعودي وأردني

الاتجاه الثاني للاهتمام الخارجي بمرحلة ما بعد الانتخابات عكسه الموقف السعودي سواء على لسان وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أو السفير السعودي في بيروت وليد بخاري.
الوزير بن فرحان قال في ندوة شارك فيها في منتدى "دافوس" الاقتصادي في سويسرا رداً على أسئلة حول لبنان، إن على اللبنانيين أن يقوموا بإصلاحات لاستعادة حكم الدولة وموضوع "الحزب" بيد اللبنانيين. وعن الانتخابات النيابية أجاب، "قد تكون خطوة إيجابية لكن من السابق لأوانه قول ذلك ونحن معنيون بعودة العملية السياسية في لبنان وينبغي على الأطراف كافة العمل على ذلك، وإذا قام اللبنانيون بالإصلاحات فسنرى ما يمكننا فعله".
وكان السفير بخاري قال في كلمة له أثناء حفل في السفارة إحياء لذكرى اغتيال مفتي الجمهورية الراحل الشيخ حسن خالد في تفجير سيارة مفخخة في عام 1989، إن "لبنان يعيش أياماً صعبة على كل المستويات وفي مقدمتها هويته العربية​ وعلاقته بمحيطه العربي. واليوم نزف للمفتي حسن خالد نتائج الانتخابات​ المشرفة وسقوط كل رموز الغدر والخيانة وصناعة الموت والكراهية". وفيما عكس كلام بخاري الارتياح إلى تراجع عدد النواب حلفاء "حزب الله"، رأت مصادر سياسية بارزة أن تشديد الوزير بن فرحان على تنفيذ الإصلاحات لا يعني به فقط الإصلاحات الاقتصادية، بل يؤشر بحديثه عن الإصلاحات إلى "استعادة حكم الدولة وإنهاء الازدواجية بين السلطة الشرعية وسطوة الحزب عليها".
وكان وزير خارجية الأردن، أيمن الصفدي، شدد في دافوس على أنه "يجب العمل على منع انزلاق لبنان إلى الفوضى"، مشيراً إلى أن "لبنان على شفا الانهيار وإذا حدث ذلك فسندفع جميعنا تكلفة الأمر أمنياً".

"حزب الله" وتأجيل النقاش حول السلاح

الاتجاه الثالث هو سعي "حزب الله" إلى الإفادة من إنجاز الانتخابات التي خاضها ضد القوى المناهضة لسلاحه، من أجل وضع إشكالية السلاح جانباً للانكباب على معالجة الأزمة المالية الاقتصادية، بخاصة أن مزيداً من التدهور حصل فور انتهاء الانتخابات، فالحزب تعرض لحملة غير مسبوقة على سياساته سواء من القوى التقليدية التي تسمى "سيادية" وتنتقد استمرار سلاحه خارج إطار الشرعية أو "التغييرية" الجديدة، التي نجحت في حصد 14 مقعداً نيابياً، يضاف إليها بعض ممثلي العائلات السياسية المتعاطفين معها. وهذه الحملة سبقت الانتخابات ولم تقتصر على فترة التعبئة السياسية التي تمهد لجذب الناخبين المعارضين للحزب، بل هي متصاعدة منذ أكثر من سنتين وشاركت فيها رموز مهمة، منها البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي لم يتوقف عن الإشارة في عظاته وتصريحاته إلى السلاح غير الشرعي وعن تبعية الميليشيات المسلحة للخارج، قاصداً إيران، في سياق دعوته إلى حياد لبنان. وهو ما دفع الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، إلى أن يقترح في خطاب له في 20 مايو (أيار) الحالي، تأجيل النقاش حول مسألة السلاح "سنة ونصف أو سنتين" داعياً إلى الانكباب على معالجة الأوضاع المعيشية.

تشدد بعد مزيد من العقوبات

ورأت أوساط سياسية في موقف نصر الله محاولةً لتخفيف الضغط الداخلي على الحزب، بعد نتائج الانتخابات التي جاءت بغير مصلحته، في انتظار اتضاح تطورات الوضع الإقليمي. فوظيفة سلاح الحزب تتعدى حجة الدفاع عن لبنان بمواجهة إسرائيل ولحماية الثروة النفطية والغازية المتنازع على جزء منها في البحر، إلى الأدوار التي يفرضها ولاؤه الكامل للولي الفقيه في إيران ومشروع "حرس الثورة" التوسعي في المنطقة. كما أن إيران نفسها تتعرض لمزيد من الضغوط التي توجب تمسكها بأوراقها الإقليمية ومنها سلاح الحزب وصواريخه الدقيقة، في الوقت الذي تتعثر مفاوضاتها مع أميركا في فيينا وترفض إدارة الرئيس جو بايدن مطلبها رفع "الحرس" من قائمة الكيانات الراعية للإرهاب.
وفي اعتقاد أوساط متابعة لمواقف قادة الحزب وخطب نصر الله، أن الأخير يعتمد سياسة تراوح بين الدعوة إلى الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية التي يريد منها خصومه وضع السلاح بتصرف الدولة اللبنانية، وتوجيه الرسائل إلى هؤلاء الخصوم، بأن فقدانه الأكثرية النيابية يجب ألا يؤدي إلى استضعافه، أو الاعتقاد أنه مربك. ولذلك حرص على القول في خطابه في 25 مايو في "عيد المقاومة والتحرير" وذكرى الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، إنه "منذ عام ‏‏1982 إلى اليوم لم يكن حزب الله والمقاومة في لبنان ‏أقوى ‏مما كانت عليه اليوم، عسكرياً وأمنياً وسياسياً ‏وشعبياً ومادياً ومعنوياً في لبنان وفي المنطقة". ولذلك عاد إلى التشديد على مقولة أن المقاومة حررت جنوب لبنان على الرغم من أنه لم يكن هناك إجماع داخلي على دورها في ذلك، بالتالي على سلاحها. وهو يهدف من وراء ذلك إلى أن يسوغ استمرار وجود السلاح بحجة حماية ثروة لبنان النفطية في البحر في مواجهة إسرائيل، فضلاً عن أنه حذر من "انفجار في كل المنطقة بسبب احتمال اعتداء المستوطنين الإسرائيليين على قبة المسجد الأقصى في القدس".
لكن مصادر مراقبة لاحظت أنه بين خطابه في 20 مايو الذي دعا فيه إلى التعايش مع سلاح حزبه بحجة "أنكم متعايشون معه منذ عام 2005، وخطاب 25 مايو المتشدد بتأكيد قوة حزبه، أنه جاء بعد زهاء ثلاث ساعات من الإعلان عن قرار إدارة بايدن إبقاء "حرس الثورة" الإيرانية على لائحة الإرهاب، وصدور عقوبات جديدة من وزارة الخزانة الأميركية على "شبكة دولية لتهريب النفط وغسل الأموال يقودها مسؤولون في قوة القدس في الحرس الثوري، سهلت بيع ما قيمته مئات الملايين من الدولارات من النفط الإيراني لصالح قوة القدس وحزب الله".
ويرى مراقبون أن هذا يشكل مرة أخرى دليلاً على ارتباط مواقف الحزب في الشأن الداخلي اللبناني بحساباته الإقليمية والإيرانية.

المزيد من تحلیل