Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أهو بصيص أمل أم طريق مسدود؟ لبنان يترقب تغييرا قد تأتي به الانتخابات

على الرغم من النجاح الذي أحرزه مرشحون مستقلون، لم تتضح الصورة حول مستقبل لبنان المتأزم بعد انتخابات نهاية الأسبوع الماضي

تكتسي المهمة الرئيسة للبرلمان الجديد الذي انتُخب أعضاؤه بعد تصويت جرى خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي في لبنان أهمية كبيرة للغاية، وهي الحرص على بقاء بلد تحاصره الأزمات، وقد بلغ حافة الإفلاس.

الوقت ينفد. فالبلد المتوسطي الذي يضم 6 ملايين نسمة واقع، بحسب البنك الدولي، في براثن واحدة من أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ الحديث، ولا يزال يعاني آثار الانفجار الهائل الذي هز بيروت في عام 2020.

وخسرت العملة المحلية أكثر من 90 في المئة من قيمتها في غضون سنة واحدة فقط، فيما تضاعفت أسعار السلع الغذائية والدواء خمس وست مرات تباعاً خلال الفترة نفسها. لا تحصل معظم مناطق البلاد سوى على ساعات قليلة من التغذية الكهربائية الحكومية يومياً فيما تشح إمدادات السلع الغذائية والمياه والوقود والأدوية.

وألقى البنك الدولي بمسؤولية الأزمة على "ركود متعمد" خلقته النخبة الحاكمة، بسبب وجود نظام طائفي معقد يحكم تقاسم السلطة، تهيمن حفنة قليلة من الأحزاب التي تزعم بأنها تمثل الفصائل المتعددة في البلاد على المشهد السياسي منذ الحرب الأهلية التي امتدت بين 1975 و1990.  

وبعد اندلاع انتفاضة شعبية مناهضة للحكومة في عام 2019، رأى كثيرون في انتخابات هذا العام الفرصة الأخيرة لكسر هذه القبضة الخانقة وفتح المجال أمام التغيير، أو حتى المساءلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وساد بعض الأمل في أن تجلب الانتخابات معها وجوهاً جديدةً ويقع الخيار على أشخاص مستعدين لخوض الإصلاحات المؤلمة التي لا مناص منها، ولكن فيما رافق الإعلان عن النتائج بعض المفاجآت، لم يكن ذلك الاختراق [التقدم الجذري] كلياً.

وبدأت آثار الصدمة التالية للانتخابات بالظهور فعلاً، قبل الانتهاء من تشكيل التحالفات السياسية حتى. ومنذ إغلاق مراكز الاقتراع، وحتى اليوم، عاد سعر صرف الليرة اللبنانية للتراجع مقابل الدولار الأميركي، ليتخطى 30 ألف ليرة للدولار الواحد، في وقت كان 1500 ليرة للدولار قبل الأزمة، وهو ما تسبب بارتفاع جنوني في الأسعار.

وفي هذه الأثناء، تحافظ كل الأحزاب السياسية المعتادة على قبضة قوية، ولو أنها خفت قليلاً، على برلمان البلاد.

في صلب هذه الهيئة البرلمانية الجديدة، برزت كتلتان أساسيتان ومختلفتان جوهرياً: فمن الجهة الأولى، تجد "حزب الله"، الجماعة الشيعية السياسية المسلحة. أما في الجهة المقابلة، فتجد "القوات اللبنانية"، الحزب المسيحي المُعادي لـ"حزب الله" الذي أصبح أكبر تكتل مسيحي بعد أن أحرز أعضاؤه مكاسب كبيرة.

ولا يجسد أي من الاثنين الرؤية الثورية لانتفاضة عام 2019.

تقول رندة سليم، الباحثة الزميلة [المتمرسة] ومديرة قسم حل النزاعات في معهد الشرق الأوسط "سوف تقرر هاتان الكتلتان، اللتان تتعارضان بشراسة، الإيقاع السياسي للبلاد. هما لا تتفقان، وكلتاهما نتاج المؤسسة السياسية الحاكمة".

"لن تكون العملية التشريعية واضحة وصريحة كما كانت، فقد يسفر وجود هاتين الجبهتين من الآراء المتعارضة، عن حالة جمود سياسية مطولة".

وتعود هذه الضبابية إلى عدم فوز جهة واحدة بأغلبية واضحة. وأحد التغييرات الأساسية مقارنة بانتخابات عام 2018 هي أن "حزب الله" وحليفه الرئيس "حركة أمل"، خسرا الأغلبية النيابية التي كانا يملكانها عبر سيطرتهما على 71 مقعداً، والتي مكّنتهما عبر السنوات من السيطرة على مفاصل أساسية من اتخاذ القرارات.

لم يخسر "حزب الله" و"أمل" الـ62 مقعداً التي كانا يحتلانها، بل خسر بعض أقدم حلفائهما، ومنهم سياسيون سنة ودروز ومسيحيون، مقاعدهم.

وتقول مها يحيى، مديرة مركز "مالكوم كير – كارنيغي" للشرق الأوسط "ما يعنيه هذا هو وجود تحدٍّ ناجم عن انقسام البرلمان بشكل أكبر بكثير من قبل".

وتحذر من أن يؤدي هذا الوضع إلى طريق مسدود في عملية اتخاذ القرارات الكبرى، من قبيل تعيين رئيس مجلس النواب، أو إجراء إصلاحات مرتبطة بالقرض الحيوي والضروري من صندوق النقد الدولي.

ولكن هناك بعض مؤشرات التغيير الإيجابية.

وأسفرت الانتخابات عن فوز مفاجئ أشبه باختراق، لسياسيين مستقلين من المعارضة ظهروا بعد تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وحصد 13 من هؤلاء المرشحين مقاعد في البرلمان.

ووقع أحد أهم المكاسب في جنوب البلاد الذي يسيطر عليه "حزب الله"، حيث تغلبت لائحة "معاً للتغيير" على لائحة يدعمها "حزب الله" و"أمل".

ومن بين المرشحين الثوريين الفائزين فراس حمدان - المحامي الدرزي الذي أصيب خلال تظاهرات 2019 - وإلياس جرادة، جراح العيون المسيحي الأرثوذوكسي الذي تعهد إصلاح نظام الرعاية الصحية المتردي في البلاد، ومشكلات الكهرباء والمدارس.

أزاح جرادة نفسه أحد أقدم النواب في لبنان عن مقعده: وهو أسعد حردان البالغ من العمر 70 عاماً، الذي ظل نائباً لمدة 30 عاماً.

 

وفي الواقع، حصد المرشحون الإصلاحيون، الذين ترشحوا على الرغم من عدم امتلاكهم الموارد المالية أو طواقم الموظفين الذين تمتلكهم الأحزاب الرئيسة، أكثر من 200 ألف صوت بالمجمل، أي ما يشكل ثاني أكبر مجموع للأصوات، بعد ذلك الذي حصده "حزب الله".

ولكن المشكلة، برأي السيدة يحيى، هي في عدم وجود معارضة موحدة، "قد لا يتشارك المرشحون المستقلون ومرشحو المعارضة الذين فازوا بمقاعد نيابية بالضرورة الآراء نفسها في عديد من القضايا الجوهرية، سواء أكانت سياسية أو اجتماعية واقتصادية".

وتضيف أن "ذلك سيخفف من تأثيرهم. لا داعي لوجود 13 مرشحاً معارضاً يقومون بـ13 أمراً مختلفاً".

والخطوة المشحونة التالية هي تعيين رئيس لمجلس النواب، ثم رئيس للحكومة، قبل الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ولا يمكن الدفع باتجاه تحقيق الإصلاحات الضرورية لتطبيق خطط الإنقاذ الرئيسة، على غرار قرض صندوق النقد الدولي، سوى بعد اتخاذ هذه القرارات. ليس هناك متسع من الوقت.

دعم البنك المركزي اللبناني مثلاً العملة المحلية عبر ضخ دولارات في السوق، بمعدل قدرته مجموعة "كرايسيس غروب" (Crisis Group) بـ500 مليون دولار (400 مليون جنيه استرليني) شهرياً، وهو أمر غير قابل للاستمرار طبعاً.

ويحذر الخبراء من أنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن يعود التضخم المفرط من جديد. وقد بدأ هذا بالحدوث، عبر ارتفاع سعر الصرف مقابل الدولار، وزيادة الأسعار الجنونية.

وتقول السيدة سليم، محذرة من احتمال أن يؤدي الجمود السياسي إلى مشكلات أمنية واقتصادية كبيرة في بلاد لديها تاريخ طويل من الحروب الأهلية، "أنا لن أفقد الأمل ولكنني لا أراهن على حدوث تغييرات كبيرة كذلك. سيصعب كثيراً إقرار نوع الإصلاحات الهيكلية التي يطلبها صندوق النقد الدولي في ظل انقسام البرلمان وشرذمة المعارضة".

ولكن ما تقوله السيدة يحيى مفاده أن بعض التغييرات البسيطة قد حدثت على الأقل، "أعطتنا الانتخابات أملاً كبيراً. وهي تعكس ما نشعر به جميعاً: أن الناس قد سئموا فعلاً. نأمل أن يكون الزخم في سبيل التغيير قد بدأ فعلاً".

© The Independent

المزيد من الشرق الأوسط