Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصورة "المثالية" الأخيرة... توثيق لحظات الموت المفجعة

أفسحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال أيضاً للنقد السلبي والتجريح ما يسبب الأذى لكثيرين ممن هم أكثر حساسية

"هاجس التصوير" تسبب بسقوط مئات الوفيات حول العالم (رويترز)

تزايدت بشكل ملحوظ الحوادث المؤدية إلى وفيات أثناء التصوير في مواقع خطرة في السنوات الأخيرة، وآخرها الحادث المؤسف الذي أدى إلى وفاة لاعب كرة القدم المغربي السابق مراد لمرابط، أمام أنظار أفراد عائلته. كان يحاول تنفيذ "قفزة الموت" من أعلى صخرة يصل ارتفاعها إلى 35 متراً إلى بحيرة في جزيرة مايوركا الإسبانية، فيما كانت زوجته تصوره، وقد وثقت لحظة ارتطامه بالصخور. هي لحظات تبدو "مرحة" لكثيرين، لكنها تنتهي في الواقع بطريقة مأساوية، وقد بلغت أعداد الوفيات الناتجة عنها المئات في السنوات الماضية، ووقع ضحيتها أشخاص كانوا يسعون لالتقاط الصورة المثالية لنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. يبدو واضحاً أن وجود وسائل التواصل الاجتماعي زاد من الضغوط في هذا المجال، لما تؤمنه من شعور بالرضا لكل فرد يتملكه حب الظهور. هي ظاهرة مقلقة تسترعي الانتباه وتتطلب نشر الوعي نظراً لخطورتها، علماً بأن هذه الحوادث تطاول بشكل خاص فئة الشباب، الذين قد يكونون أكثر تعلقاً بوسائل التواصل الاجتماعي عامةً وبفكرة التقاط الصور ولفت الأنظار، وأكثر تأثراً أيضاً بردود الفعل والتعليقات على صور ينشرونها، ما يحفزهم على التقاط "الصورة المثالية" مهما كان الثمن.

في أكثر الأماكن خطورة

وتعد الهند من البلدان التي ترتفع فيها بشكل خاص أعداد الوفيات في حوادث أثناء التقاط صور السيلفي في أماكن خطرة، بحسب ما تظهره الأرقام. إلا أن هذه الحالات موجودة في مختلف أنحاء العالم لأشخاص يسعون لالتقاط صور "رائعة" لنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، لعلمهم أنها ستحظى بعدد كبير من الإعجابات. وبسبب هذا الهاجس الذي يتملكهم وحب الظهور، يذهبون بعيداً جداً لالتقاط الصور في أماكن وظروف تشتد فيها المخاطر. حادثة لمرابط المؤسفة ليست الأولى حتماً، وقد لا تكون الأخيرة، فثمة المئات منها، خصوصاً منذ ظهور أول هاتف بكاميرا أمامية عام 2010. سبقتها حوادث ذهب ضحيتها شبان وشابات أرادوا التقاط الصور من أعلى القمم، ومنهم من أراد التقاطها على سكة حديد، أو أمام سمك القرش، ومنهم من لقي حتفه أثناء السقوط أو الغرق في "الغراند كانيون" الذي يقدر معدل الوفيات السنوي فيه بـ12، وينطبق ذلك على عديد من الأماكن السياحية التي يكون الوجود فيها محفوفاً بالمخاطر أحياناً.

ووفق تقرير نشرته صحيفة "الصن البريطانية" في منتصف العام الماضي، تخطى عدد الوفيات في حوادث أثناء التقاط صور السيلفي الـ330. منها ما حصل أثناء السقوط من على منحدرات، أو صعقاً بالكهرباء أو غرقاً أثناء التقاط "الصور المثالية"، التي تحصد عدداً أكبر من الإعجابات. أما الدول التي تشهد العدد الأكبر من الوفيات فهي الهند بالدرجة الأولى، تليها الولايات المتحدة، وبعدها روسيا. أما أكثر الأماكن شيوعاً التي يتسبب فيها التقاط الصور الذاتية بالوفاة فهي خطوط سكك الحديد، وقد قتل أكثر من 60 شخصاً بهذه الطريقة، إضافة إلى من توفوا على المنحدرات وعند ضفاف الأنهار، وفق تقارير مختلفة.

بين قلة الثقة بالنفس ونقص العاطفة

وبحسب الاختصاصية في العلاج النفسي جيزال نادر، قد يمارس الناس أنشطة خطرة فيما تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم وللحد من الخطر، وفيما يخص السعي للحصول على الصورة المثلى لنشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وبوجود هاجس التصوير الذي يسيطر على كثيرين، يكون التركيز على جمال الصورة والتقاطها من الزاوية الأجمل، وفي حال الوجود في أماكن أو ظروف خطرة، لا يعود الأمان أولوية. بشكل عام، الأسباب التي تدفع هؤلاء الأشخاص إلى التعرض للخطر لدى التقاط صور أو فيديوهات أجمل، هي بشكل أساس نيل مزيد من الإعجابات والتعليقات المشجعة. قد يكون الهدف لدى البعض أحياناً الشهرة، أو حتى كسب المال، إذا كان من الممكن أن يكون هناك مردود مادي من وراء ذلك على أساس عدد الإعجابات... "يصرف البعض كثيراً من الطاقة والوقت في سبيل تحقيق ذلك. وإذا  نظرنا إلى الأمور من الناحية النفسية، يبدو السبب بشكل واضح أنهم يجدون في ذلك تعويضاً عن حاجة نفسية معينة لديهم. وقد يكون نقص العاطفة مثلاً أو الحاجة إلى الشعور بإعجاب الآخرين، وكأنه في الإعجاب الذي تناله الصورة تأكيد على الحب والإعجاب للشخص بذاته من قبل الآخرين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقبل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، اختلفت المعايير وطرق التعبير عن الإعجاب. فسابقاً كان التعبير عن الإعجاب محدوداً، وكذلك عدد الذين يعبرون عنه من حولنا، فيقتصر ذلك على من هم في المحيط. كان النقد سهلاً دوماً فيما بدا التعبير عن الإعجاب أكثر صعوبة. أما بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، فتبدّلت الاعتبارات، وأصبح من الممكن التعبير عن الإعجاب بصور وأشخاص وظروف معينة على نطاق أوسع، هذا ما يُؤمّن الرضا الذاتي للأشخاص الذين تطاولهم هذه التعليقات والإعجابات، فيشعرون بمزيد من الثقة بالنفس، ويُرضي ذلك غرورهم. كما أسهم ذلك في تعزيز حب الظهور لدى كثيرين انطلاقاً من هذا المبدأ، وهذا ما يدفع الناس إلى الحرص على نشر الصور والفيديوهات بشكل واسع، والتركيز على تلك "المثالية والروعة" في التصوير لنيل مزيد من الإعجابات والتقدير. بشكل عام، يبدو الأشخاص الذين يعانون قلة الثقة بالنفس أكثر احتياجاً لهذا التقدير، وهم يبحثون عنه بمعدل أكبر، ويكون تركيزهم أهم بعد على نشر هذه الصور والفيديوهات وعلى تعريض أنفسهم لمزيد من المخاطر أحياناً في سبيل التقاطها، أياً كان الثمن. وكأن البعض يبحث في ذلك على ما يؤكد لهم جمالهم أو كفاءتهم أو على وجودهم حتى. مع الإشارة إلى أن كثيرين ممن يظهرون في الفيديوهات وكأنهم يملكون ثقة عالية بالنفس ويتمتعون بشخصية قوية، هم في الواقع أكثر هشاشة من الناحية النفسية ويبحثون عما يكسبهم هذه الثقة بالنفس، وإن كانت هذه الإعجابات التي ينالونها غير حقيقية في كثير من الأحيان. وبالنسبة لهم يكفي أن تعزز هذه الأرقام ثقتهم بنفسهم، وترضي غرورهم وتؤكد لهم على ما يودون أن يشهدوه من تقدير حول الجرأة والشجاعة والجمال والقوة. بشكل عام، يبدو واضحاً أن وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت المكان للأشخاص الذين يسعون إلى لفت الأنظار بأي شكل من الأشكال. فيمكن أن يحققوا فيه هدفهم هذا بالظهور ولفت الأنظار. علماً بأن هذا كله ليس إلا انعكاساً لمشكلات نفسية تتطلب الإحاطة الصحيحة. ويجب ألا ننسى، بحسب نادر، أنه في مقابل هذه الإعجابات، أفسحت وسائل التواصل الاجتماعي المجال أيضاً للنقد السلبي والتجريح، ما يسبب الأذى لكثيرين ممن هم أكثر حساسية، ويعبتر ذلك من سلبياتها أيضاً.

الوقاية ممكنة

تجنباً لبلوغ هذه المرحلة التي يمكن أن يصل فيها الفرد إلى حد تعريض حياته للخطر، "في ما يشبه حالة الانتحار"، لنيل إعجاب الآخرين ولفت أنظارهم، تنصح نادر بالعمل من سن مبكرة على تعزيز الثقة بالنفس، بما أن قلة الثقة بالنفس تقف غالباً وراء هذه الحالة:

-يجب البدء بتعزيز ثقة الطفل بنفسه عبر عبارات الإطراء من أهله والتقدير لإنجازاته وكفاءته ما يُرضي غروره.

-يجب إعطاء الطفل كل الاهتمام والوقت لإشباعه من الناحية العاطفية بحيث لا يعود بحاجة إلى لفت الأنظار أو السعي إلى نيل إعجاب الآخرين بشكل مبالغ فيه. فنيل التقدير والإعجاب من أشخاص يحبوننا فعلاً يؤمن الشعور بالاكتفاء فعلاً، لأنها تكون مشاعر حقيقية.

قد يكون حب الظهور والرغبة في نيل التقدير والإعجاب موجوداً لدى الكل، لكن ضمن حدود معينة. فمن منا لا يشعر بالرضا لدى سماع كلمة إعجاب أو تقدير أو عند لفت النظر؟ إنما عندما يتخطى ذلك الحدود الطبيعية، ويتحول إلى هاجس يمكن أن يعرض فيه الشخص نفسه للخطر من أجله، تصبح وراءه مشكلات نفسية لا بد من معالجتها.

المزيد من تقارير