Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سمير صبري... منجم ذكريات لم يسلم من أزمات السياسة

ظل يعمل حتى أيامه الأخيرة وقدم أرشيفا فنيا متنوعا وبرامجه تعتبر إرثا في عالم المنوعات

تميز الفنان صبري بتواصله مع جميع الأجيال وحرصه على حضور أغلب الفعاليات الفنية (أ  ف ب)

قبل عام من الآن، في 20 مايو (أيار) 2021، كان سمير صبري يتحامل على نفسه من شدة التعب، وهو يسير في جنازة صديقه سمير غانم. اليوم، يرحل صبري في ذكرى رحيل غانم، وهي مفارقة تشير إلى أي حد كانت علاقة الراحل وطيدة ومليئة بالمودة مع أغلب نجوم جيله وحتى الأجيال الأصغر سناً، وكانت دنيا سمير غانم من أوائل زائريه حينما مكث قبل أسابيع في المستشفى.

سمير صبري واحد من الفنانين القلائل الذين شكلوا حلقة وصل لم تنكسر يوماً بين أجيال عدة من الفنانين، وهو الممثل والمغني وفنان الاستعراض والمنتج والإعلامي الذي فارق الحياة صباح الجمعة، وهو في الـ86 من عمره، وكان يعد أرشيفاً متحركاً لذكريات الوسط الفني، وحقق حضوراً عميقاً في جميع العقود، لن ينطفئ بغيابه بحسب ما جاء في رسائل النعي التي تتواتر بين النجوم.

نجم "النادي الدولي"

الفنان المصري متعدد المواهب، من مواليد 27 ديسمبر (كانون الأول) 1936، كان قد ترك المشفى أخيراً، وفارق الحياة اليوم في أحد الفنادق الشهيرة في القاهرة، حيث قضى أيامه الأخيرة يحاول أن يتعافى من آثار مرض السرطان ويكافح معه الأطباء من أجل استرداد صحته قليلاً، ليتمكن من إجراء جراحة ضرورية في القلب.

شكلت تجربته الإعلامية تفرداً وزخماً لن تتسع السطور لسرده، يكفي أنه كان يمتلك ميزة نادرة للغاية بين مقدمي البرامج الفنية، وهي المحبة الخالصة للضيوف، فعلى الرغم من دقته كمحاور وذكائه في استخراج تصريحات غير متوقعة، وجرأته في طرح أسئلة مربكة في بعض الأوقات، لكنه لم يكن يتعامل مع ضيفه على أنه صيد ثمين ينبغي افتراسه، بل كان تقديره لمن يحاوره يظهر في كل وقت.

 

وعلى الرغم من لطفه البالغ فلم يسلم من الأزمات، وأشهرها إيقاف برنامجه الشهير "النادي الدولي" عام 1979، حيث تردد وقتها أن السبب هو ظهور الفنانة فيفي عبده التي كانت في بداية مشوارها حينها، وحديثها عن رغبتها في احتراف الرقص في مصر، كما حرصت على ذكر اسم بلدتها التي هي بلدة الرئيس محمد أنور السادات، الذي كان في الحكم حينها، وبحسب تصريحات سمير صبري فقد طلب بنفسه أن تُحذف تلك العبارة في المونتاج، ثم سافر خارج مصر ليصور عملاً فنياً، وعاد ليجد الحلقة عرضت دون تنفيذ طلبه بالحذف، بالتالي حدثت المشكلة، لكنه شدد على أن الرئيس السادات هو أيضاً من أعاد البرنامج للبث بعد أشهر عدة، وأشار صبري كذلك إلى أنه كانت توجد خلافات بينه وبين وزارة الإعلام في مصر أسهمت في تأجيج الموقف.

المحقق التليفزيوني

أكثر من 215 عملاً فنياً قدمها سمير صبري منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث تميز بتجربة شديدة الثراء والتنوع، وعمل مع أكبر نجوم السينما وأشهرهم، من بينهم شادية ورشدي أباظة وفريد شوقي ومحمود ياسين، ونجلاء فتحي وفؤاد المهندس وعبد الحيم حافظ وعادل إمام وميرفت أمين وسعاد حسني، والأخيرة كان رثاؤه لها مختلفاً، وذلك من خلال قيادته لتحقيق تليفزيوني شهير قابل خلاله عشرات المصادر، وبعد سنوات من عرضه لم يتخل سمير صبري قط عن استنتاجه بأن سعاد حسني قتلت في الشقة التي كانت تعيش فيها في العاصمة الإنجليزية لندن، ولم تنتحر كما يروج كثيرون.

مواهب سمير صبري متعددة، ومع ذلك بحسب ما أكد مراراً، فهو لم يلق التكريم المستحق، بل قال صراحة قبل أشهر في أحد اللقاءات بأنه توقع أن يكرم تقديراً لمشواره الفني في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، لكن هذا لم يحدث، ومع ذلك كان سمير صبري أول الحضور في دورة المهرجان العام الماضي وأشعل بطرافته المسرح احتفالاً بتكريم زميلة جيله الفنان نيللي التي اختيرت لتحصل على جائزة إنجاز العمر.

 

حيوية سمير صبري وإقباله على الحياة وتنوع اهتماماته جعلت مسيرته استثنائية للغاية، فيما حاول الراحل أن يسرد بعضاً من تفاصيلها العامرة في كتابه الذي صدر قبل عامين "حكاية العمر كله"، وهي حكايات تحمل أسراراً وشجناً خاصاً لعقود طويلة من الفن عاصرها صاحبها بمنتهى الشغف.

إنه فنان يليق بكل الأزمنة، ابن مدينة الإسكندرية الذي عاصر تنوع سكانها الباهر، كان يعشق مهنته وانطلقت مسيرته منذ أفلام الأبيض والأسود، ثم السبعينيات والثمنانينيات مروراً بالتسعينيات وأوائل الألفية، وحتى قبيل فترة قصيرة من أزمته الصحية كان يصور فيلمه الأخير "حدث في 2 طلعت حرب" مع المخرج مجدي أحمد علي، الذي نال عنه جائزة أفضل ممثل من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، وسلم فريق الفيلم الجائزة للراحل أثناء زيارتهم له في المستشفى، حيث لم ينعزل أو يختبئ على الرغم من محنته، وكان يستقبل الزوار، وبينهم ميرفت أمين وإلهام شاهين وأشرف زكي والمخرج عمر عبد العزيز، وبشرى، وكثر غيرهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الحلقة الأخيرة

 وعلى الرغم من تدهور حالته وطلبه الدعاء والمساندة مراراً، لكنه ظل يمارس مهامه، وحتى قبيل ساعات من وفاته، كان يعمل على تحضيرات مهرجان الإسكندرية للسينما الفرانكوفونية، وكان أيضاً يسجل حلقات برنامج "ذكرياتي" الذي يذاع عبر إذاعة الأغاني المصرية، فقد سجل الأسبوع الماضي حلقة مع الفنانة المصرية الشابة فرح الديباني التي غنت النشيد الوطني الفرنسي أمام الرئيس إيمانويل ماكرون، بعد فوزه بفترة ولاية ثانية، وبدا سمير صبري المعروف بمتابعته لكل جديد في عالم الفن حاضر الذهن، وهو يحاور مطربة الأوبرا المصرية التي حققت نجاحات عالمية، وكان يناقشها في مشوارها الفني ويستعرض معلومات وتفاصيل عن حياتها بذاكرة متقدة، كما أسهب في حديثه معها عن قصة أغنية "مصطفى يا مصطفي" الشهيرة وحكى لها كيف ادعى عدد كبير من الملحنين والمطربين امتلاكهم للحنها الأصلي، ليربح القضية في النهاية الفنان محمد فوزي، فيما الأغنية اشتهرت بالنسخة التي غناها بوب عزام.

الحب الذي زرعه سمير صبري في الوسط الفني بحضوره جميع المناسبات، واهتمامه دائماً بمراعاة زملائه والسؤال عن الغائبين، حصده يوم رحيله بعد أن تحولت الحسابات الرسمية للنجوم لمرثية لا تتوقف، ومباراة في الإشادة بطيب سيرته وبطريقته الخاصة في صنع ذكريات لا تنسى، في حين أنه أقر في تصريحات تليفزيونية له بأنه فقد حياته الأسرية، ولم يتمكن من صنع عائلة مستقرة، على الرغم من زواجه وإنجابه ابناً وحيداً، حيث كان يرحب بحضور التجمعات التي تخص زملاءه، فيما هو كان يفتقد تلك "اللمة".

سمير صبري الذي قدم مجموعة كبيرة من البرامج الناجحة التي تعد أرشيفاً وإرثاً لمحبي الفن، بينها "هذا المساء والنادي الدولي وبدون كلام وليلة في شارع الفن"، كان أيضاً شريكاً في بطولة مجموعة من أبرز الأفلام في العصر الذهبي للسينما، بينها "اللص والكلاب وزقاق المدق والإخوة الأعداء و ومضى قطار العمر وبالوالدين إحسانا والموظفون في الأرض والجلسة سرية وجحيم تحت الماء"، وتميز في التراجيديا والكوميديا والاستعراض، كما عرف بشخصيته المرنة في التعاون مع مدارس وأجيال فنية مختلفة، حيث كان له إسهامات في سينما هذا الجيل من خلال أفلام مثل "محمد حسين" مع محمد سعد و"ديدو" مع كريم فهمي، إضافة إلى ظهوره الدائم في المسلسلات، سواء كضيف شرف أو بدور رئيس، مثل مشاركته لعادل إمام في مسلسل "فلانيتنو" عام 2020.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة