وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كوريا الجنوبية الجمعة، 20 مايو (أيار)، في مستهل جولة آسيوية يؤكد خلالها طموحات الولايات المتحدة في المنطقة، فيما يخيم شبح تجربة نووية محتملة لكوريا الشمالية على زيارته.
ومن قاعدة أوسان الجوية التي هبطت طائرته فيها، من المقرر أن يتوجه في البداية إلى مصنع لشركة "سامسونغ" الكورية الجنوبية العملاقة في بيونغتايك في جنوب سيول، حيث سيلتقي للمرة الأولى الرئيس الكوري الجنوبي الجديد يون سوك-يول.
وبعد كوريا الجنوبية سيتوجه بايدن الأحد إلى اليابان، وهي أول زيارة للرئيس الديمقراطي إلى المنطقة منذ تنصيبه، وهو يعتبر أن مواجهة الولايات المتحدة والصين هي الموضوع الجيوسياسي الرئيس للسنوات المقبلة.
وتقدر الولايات المتحدة أن هناك "احتمالاً حقيقياً" أن تجري كوريا الشمالية "تجربة صاروخية أخرى" أو "تجربة نووية" خلال زيارة بايدن للمنطقة.
وعلى الرغم من تفشي فيروس كورونا في البلاد، "أنجزت التحضيرات لإجراء تجربة نووية وهم ينتظرون فقط الوقت المناسب" لتنفيذها، حسب ما قال النائب الكوري الجنوبي ها تاي-كونغ للصحافيين وفق معلومات تلقاها من دائرة الاستخبارات الوطنية في سيول.
القيادة الأميركية
وأعلن رئيس كوريا الجنوبية المنتخب حديثاً، يون سوك-يول، للصحافيين الجمعة، أن زيارة بايدن فرصة لتعزيز العلاقات بين سيول وواشنطن وجعلها "أكثر شمولية".
وكتب على "تويتر" قبل ساعات من وصول الرئيس الأميركي، "أنا مقتنع بأن التحالف بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، الذي يهدف إلى التمسك بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، سيتعزز في المستقبل".
وأوضح مستشار الأمن القومي جايك ساليفان من على متن طائرة "إير فورس وان"، أن الولايات المتحدة تريد "تأكيد صورة ما يمكن أن يكون عليه العالم إذا اجتمعت الديمقراطيات والمجتمعات المنفتحة لإملاء قواعد العمل (وفق) حس القيادة" الأميركي. وتابع، "نعتبر أن هذه الرسالة ستصل إلى بكين، لكنها ليست رسالة سلبية وليست موجهة إلى دولة واحدة".
وأشار البيت الأبيض إلى أن الرئيس الأميركي لن يذهب إلى المنطقة المنزوعة السلاح بين الكوريتين، حيث التقى سلفه دونالد ترمب في عام 2019 الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في إطار قمة لافتة إلا أنها لم تسهم في تغير مسار بيونغ يانغ.
تجربة نووية محتملة
وأبدت إدارة بايدن مراراً استعدادها للتواصل مع كوريا الشمالية، لكن الأخيرة لم تتجاوب وكثفت إطلاق الصواريخ منذ بداية العام. وتتوقع سيول وواشنطن أن تستأنف بيونغ يانغ التجارب النووية على الفور، بعد أن أجرت ست تجارب بين عامي 2006 و2017.
وأكدت إدارة الرئيس الديمقراطي قبل مغادرته واشنطن أنه وفقاً للاستخبارات الأميركية هناك "احتمال حقيقي" بأن تقوم كوريا الشمالية بعمل "استفزازي" بعد وصول جو بايدن إلى سيول الجمعة.
وقال ساليفان إن ذلك قد يعني تجارب صاروخية جديدة، "تجارب صواريخ بعيدة المدى أو تجربة نووية، أو كلتيهما" قبل أو أثناء أو بعد جولة بايدن.
وتواجه كوريا الشمالية تفشياً لوباء "كوفيد-19" مع تجاوز عدد الإصابات حتى الآن 1.7 مليون بحسب الصحافة الرسمية.
كما أكد ساليفان أن إجراء كوريا الشمالية تجربة نووية سيؤدي إلى "تعديلات في وضع قواتنا المسلحة في المنطقة"، لكنه نفى أن ينظر إلى مثل هذا الحدث على أنه انتكاسة لدبلوماسية بايدن. لكنه أضاف أن "من شأنه أن يؤكد إحدى الرسائل الرئيسة لهذه الرحلة، وهي أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب حلفائها وشركائها".
وأشار الأستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية يانغ مو جين، إلى أن كوريا الشمالية ستتابع على أي حال نتائج اجتماع يون وبايدن، "وبناء على النتيجة، ستقرر تسريع أو إبطاء" برامج أسلحتها.
توحيد "كواد" بمواجهة بكين
وسيعقد بايدن اجتماعات مع رئيس وزراء اليابان ويشارك خلال وجوده في طوكيو في القمة الإقليمية للتحالف الرباعي "كواد"، الذي يضم أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويسعى قادة التحالف الرباعي للتوصل إلى أرضية توافق بمواجهة الصين، على الرغم من الاختلافات في المواقف حيال الهجوم الروسي على أوكرانيا، إذ ترفض نيودلهي حتى الآن التنديد بحرب روسيا على جارتها وقاومت المحاولات لضمها إلى التحرك الدولي ضد موسكو.
وتحالف "كواد" متحد لتشكيل قوة مضادة لنفوذ الصين الاقتصادي والعسكري والتكنولوجي المتزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وسيجتمع الثلاثاء المقبل في وقت يحذر العديدون من أن بكين تراقب من كثب الرد الدولي على حرب أوكرانيا وتدرس خياراتها من أجل "إعادة توحيد" تايوان مع البر الصيني.
وقال روبير دوجاريك من معهد الدراسات الآسيوية المعاصرة في جامعة "تمبل"، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن قادة "كواد" سيبحثون "سبل تعزيز الردع والتعاون العسكري" بمواجهة الصين، مؤكداً أنهم "سيظهرون لبكين أنهم يعملون معاً لاحتوائها وردعها".
ويصل الرئيس الأميركي الأحد إلى اليابان ومن المتوقع أن يغتنم لقاءاته مع رئيس الوزراء فوميو كيشيدا لعرض مخاوفه حيال بكين. وأوردت وسائل إعلام أن الزعيمين سيصدران إعلاناً مشتركاً شديد اللهجة يؤكدان فيه استعدادهما لـ"الرد" على السلوك الصيني الذي يقوض الاستقرار في المنطقة.
لكن من المرتقب أن تكون تصريحات "كواد" أقل شدة، على غرار النداءات الصادرة من أجل جعل "منطقة المحيطين الهندي والهادي حرة ومفتوحة"، والتحذيرات من خطوات "أحادية" في المنطقة، من دون ذكر بكين بالاسم.
تايوان
كما تبدي اليابان مخاوف من الوجود الصيني حول جزر متنازع عليها بين البلدين، فيما تتكثف المحادثات حول سبل الرد على التهديدات الصينية لتايوان.
وأجرى وزير الخارجية الياباني الأربعاء محادثات للمرة الأولى منذ ستة أشهر مع نظيره الصيني، داعياً بكين إلى لعب "دور مسؤول" على الساحة الدولية.
بكين حذرت من جانبها من أن المعلومات التي تفيد بأن واشنطن وطوكيو "ستوحدان قواهما" ضد الصين، تنعكس سلبياً على الأجواء.
وحذر كبير مسؤولي الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني يانغ جيشي، بأنه إذا استمرت السياسة الأميركية بشأن تايوان "في الطريق الخاطئ، فستوصل الوضع حتماً إلى نقطة خطيرة".
ويبدو أن واشنطن تسعى إلى التهدئة، إذ أكد ساليفان أن رسالة بايدن "لا تستهدف أي بلد تحديداً".
سلاسل إمداد من دون الصين
من جهة أخرى، سيسعى بايدن وكيشيدا ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والفائز في الانتخابات التشريعية الأسترالية في 21 مايو (أيار)، للتوصل إلى توافق على صعيد التعاون الاقتصادي ولا سيما بمواجهة عرقلة سلاسل الإمداد.
وستكشف الولايات المتحدة عن مبادرة تعرف باسم "الإطار الاقتصادي لمنطقة الهندي والهادي"، وهو تجمع تجاري جديد يعتبر وسيلة لإقامة سلاسل إمداد من دون الصين.
وتأتي هذه المبادرة الجديدة بعد انسحاب واشنطن المفاجئ عام 2017 من "الشراكة عبر المحيط الهادي" التي تضم دولاً من آسيا والمحيط الهادي والقارة الأميركية.
غير أن أي موقف مشترك قد يصطدم بخلافات مع الهند، الدولة الوحيدة في تحالف "كواد" التي امتنعت حتى الآن عن التنديد بموسكو بعد شن هجومها على أوكرانيا، لا بل زادت وارداتها النفطية من روسيا على الرغم من الانتقادات.
وقال ميشيتو تسورووكا، المحاضر في جامعة "كيو"، إن "كواد بدأ كإطار أمني، لكن لديه الآن برنامج موجه أكثر نحو الاقتصاد" على ضوء الصعوبات مع الهند حول المسائل الدفاعية.
ومن المستبعد أن تتمكن قمة 23 مايو من تغيير هذا الوضع برأي جيتندرا ناث ميشرا، الدبلوماسي الهندي السابق والمدرس في جامعة "جيندال" العالمية. وأشار إلى أن واشنطن وحلفاءها "أثبتت أنها تدرك حاجة الهند إلى حماية روابطها الاستراتيجية والعسكرية مع روسيا لتطوير قدراتها بمواجهة الصين". وتابع أن "الضغط على الهند لا يخدم حاجة الغرب إلى إقامة تحالف للتصدي للصين".