Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعيد "الآلية الثلاثية" السودان لـ"حضن" المساعدات الاقتصادية؟

المشكلة تكمن في تحديد ما إذا كان باستطاعة الحكومة الاستجابة لمثل هذه التغييرات

مارس المجتمع الدولي ضغوطاً كبيرة على الحكومة الانتقالية من أجل تقديم تنازلات لتجاوز الأزمة (حسن حامد)

مع نشاط الجهود الدولية والإقليمية لحل الأزمة السودانية، التي أفضت إلى تشكيل "الآلية الثلاثية"، واقتراب الدخول في حوار مع القوى السياسية، الذي يبدأ غداً الثلاثاء 10 مايو (أيار)، ويستمر يومين، انتقل الجدل إلى تقدير النتائج التي قد يخرج بها هذا الحوار، والاتجاهات السياسية التي قد يفرضها، والفوائد الاقتصادية المرتبطة به.

وضعت "الآلية الثلاثية"، التي تضم ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة "يونيتامس" فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الأفريقي محمد حسن ولد لبات، وممثل الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد) إسماعيل أويس، الحوار ووصول السودانيين إلى اتفاق سياسي، شرطاً للعمل على إقناع وحث المجتمع الدولي والمنظمات الدولية لإعادة السودان إلى مسار المساعدات الاقتصادية الدولية المعلقة من البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي. وكانت قد طالبت بإطلاق سراح الموقوفين، ورفع حالة الطوارئ، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات كافة، وعدم حدوث انتهاك لحقوق الإنسان.

مهمة "الآلية الثلاثية" هي جمع أصحاب المصلحة، مثل القوى السياسية والجيش ولجان المقاومة والمجموعات النسوية والمثقفين والأكاديميين، لإجراء محادثات لإكمال الفترة الانتقالية بالسودان. وعلى الرغم من تجديد رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، "التزام الحكومة الكامل بعملية حوار سوداني جامع للتوصل إلى حل توافقي للأزمة الراهنة، التي تمر بها البلاد"، إلا أن هناك أطرافاً تشكك في جدوى الحوار، رافضة الدخول فيه.

توفير مناخ ملائم

يأتي انعقاد الحوار على خلفية دعوة "الآلية الثلاثية" حكومة الخرطوم لتوفير المناخ الملائم له، ومنها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لضمان إنجاح الحوار السياسي بين المكونات المختلفة، وبالفعل أطلقت النيابة العامة سراح أعضاء "لجنة تفكيك وتمكين نظام الثلاثين من يونيو"، ومن ضمنهم عضو مجلس السيادة السابق والرئيس المناوب للجنة المجمدة محمد الفكي سليمان.

وبدأت مشاورات "يونيتامس" مع القوى السياسية والمدنية السودانية في مرحلتها الأولى في يناير (كانون الثاني) الماضي، التي ظهرت بوادرها بعد الدعم الغربي لبعثة الأمم المتحدة، ونتيجة لذلك بدا المكون العسكري أكثر تجاوباً وقبولاً للدعوة إلى الحوار من المكون المدني. وتلتها المرحلة الثانية بعد انضمام الاتحاد الأفريقي ومنظمة "إيغاد". وتستعد خلالها الآلية الثلاثية لتسهيل الحوار بغرض التوصل لاتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية الناجمة عن الإجراءات التي طبقها رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والاتفاق على خريطة طريق بشأن ما تبقى من المرحلة الانتقالية، والإطار الزمني لإنجاز الانتخابات، وتسليم الحكم لحكومة مدنية، إضافة إلى الترتيبات الدستورية، التي تشمل العلاقة بين الجيش والمدنيين، والعلاقة بين المؤسسات المختلفة، وآليات اختيار رئيس وزراء وبرنامج حكومي، وتقاسم السلطة والثروة، والعلاقة بين المركز وبقية الولايات.

وتتدرج الآلية نحو الإنفاذ في تناول أربع قضايا أساسية، تشمل الترتيبات الدستورية، وتحديد معايير اختيار رئيس الحكومة والوزراء من التكنوقراط، وصياغة برنامج عمل يتصدى للاحتياجات الأساسية والعاجلة للمواطنين، ووضع خطة زمنية دقيقة ومحكمة لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة.

وفي السياق، هناك من يعتبر أن المؤشر الذي ستخرج به نسبة المشاركة في الحوار سيعطي فكرة مبدئية عن نجاحه، بينما يرى آخرون أن الرغبة في الحوار تكاد تشمل القوى السياسية المختلفة مع وجود استثناءات، وهذا لا يعني اتفاقها على شيء، بل الواضح هو تواتر الاختلافات، وإنما موافقتها جاءت إما نزولاً عند ضغوط مُورست عليها أو لمصلحة مرتبطة بالموجودين على سدة الحكم الآن.

متطلبات المرحلة

مارس المجتمع الدولي ضغوطاً كبيرة على الحكومة الانتقالية من أجل تقديم تنازلات لتجاوز الأزمة الحالية ولإكمال الفترة الانتقالية، ووفقاً لذلك صيغت بعض المتطلبات وهي، أولاً، طلبت "الآلية الثلاثية" عدم إقصاء أحد من الحوار بأن يشمل كل القوى السياسية عدا "حزب المؤتمر الوطني" المحلول. وبينما تدرس إمكانية مشاركة "حزب المؤتمر الشعبي"، و"حركة الإصلاح الآن"، تحذر أصوات من هذين المكونين السياسيين من أنهما يمثلان امتداداً للحزب الحاكم السابق والحركة الإسلامية في السودان.

ثانياً، يدور نقاش سياسي كثيف ينادي بضرورة التخفف من ثقل التاريخ السياسي السوداني، الذي يعيد إنتاج شخصية الحكام، فمعارضو البرهان يرونه نسخة أخرى من الحكام العسكريين السابقين مثل عمر البشير، وجعفر النميري، وإبراهيم عبود. كما أن مؤيدي رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك يرونه نسخة أخرى من رؤساء الوزراء السابقين في الفترات الديمقراطية، إسماعيل الأزهري، ومحمد أحمد المحجوب، والصادق المهدي، وعليه ترسخ في وجدان الشارع كره الأول وحب الثاني. وكذلك تخليص الثقافة السياسية السودانية مما علق بها من شوائب، جعلت الممارسة السياسية تدور في حلقة مفرغة.

بين الرفض والقبول

في هذه الأجواء السائدة لدى الأطراف الأساسية المعنية بالحوار يبدو التجاوب مختلفاً إلى حدود التناقض، ولكن كل طرف يحاول أن يبرز رأيه الموافق على الحوار مع الحكومة بشروط، أو رفضه الكامل له. فبعد أن طلب تحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، الذي حكم البلاد قبل إجراءات البرهان، وقتاً ليدرس الأمر والرد عليه، أعلن مع الحزب الشيوعي رفضهما الجلوس إلى طاولة الحوار مع المكون العسكري، متمسكين بمطالبة الجيش بالتنحي عن السلطة والعودة للثكنات واستعادة السلطة المدنية كاملة.

وبينما نفت بعض الأحزاب تسلمها دعوات المشاركة، أكد "حزب الأمة" استعداده للمشاركة في الجولة، لكنه وضع شرط تهيئة أجواء التفاوض عبر وقف الانتهاكات.

الاستفادة الأولى التي سيجنيها حزب الأمة تعود إلى أن مقاطعة تحالف "الحرية والتغيير"، الذي هو جزء منه سيؤدي إلى تراجع مكاسب التحالف السياسية، الذي يراهن على انضمام الشارع له، وذلك بالتركيز على شعارات رافضة للحوار، ومطالبة برجوع العسكر للثكنات.

وذلك في مقابل حصول "حزب الأمة" على بعض المكاسب السياسية مع الحكومة جراء هذه المقاطعة. ولتحقيق هذه المكاسب والمحافظة على الشارع في الوقت نفسه، انقسمت الآراء داخل الحزب بين جناح يؤيد الحوار، وآخر يرفضه ويتنبى مواصلة النضال لإسقاط الحكومة.

أما الفائدة الثانية فهي أن "حزب الأمة" لا يزال يعتقد في اكتساح شعبيته حال انعقدت الانتخابات، وظل يجتر انقلاب نظام البشير على حكومة الصادق المهدي الثانية في عام 1989.

وبهذا ستقتصر المشاركة على الأطراف السياسية، التي أعلنت موافقتها، وقادة الجيش ولجان المقاومة ومنظمات المجتمع المدني. وقد لا يكون سبب رفض الحزب الشيوعي منسجماً تماماً مع أسباب رفض "الحرية والتغيير"، وإنما يضاف إليها تخطيط الحزب، لأن تكون السلطة في يده، ويبدو ذلك في عدم تركيزه على تسريع الانتخابات، وأن يكون الاقتصاد تحت ظل الاشتراكية، بأن تكون الأصول الإنتاجية مملوكة للشعب، مما يتعارض مع رؤى القوى الثورية الأخرى، التي تنادي بمدنية الدولة، وتحرير الاقتصاد من قبضة الدولة. وهذه عقبة كبيرة قد تقف في وجه الحوار حتى لو توافق الجميع على الجلوس إلى طاولته.

آلية معقدة

سيستمر ضغط المجتمع الدولي، وإن بدا متنازلاً بعد تحقيق هذه الشروط، فإن آلية المساعدات ستكون معقدة في حالة السودان، لأن التعامل معه يتم على أساس وضعه السياسي السابق، وعدم حل قضاياه الشائكة الموروثة من النظام السابق. وقد لا نجافي الحقيقة إن قلنا إن هذه المسببات، وإن كانت منطقية ومبررة لإيقاف المساعدات، إلا أنها تتخذ في أغلب الأحوال كذريعة لذلك.

تعمل الحكومة الانتقالية على إقناع الغرب المتمثل في دول الترويكا (النرويج والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) ودول أصدقاء السودان بجديتها في الحوار، فالسودان لا يستطيع البقاء في عزلته السابقة في عهد النظام السابق، وعليه أن يتحمل مسؤولية إقامة نظام سياسي جديد بعد إسقاط النظام السابق. وقد أضيف بعد آخر لضرورة وجود "الآلية الثلاثية"، وهو أنه من دون ضامن إقليمي يقرب وجهات النظر لتذليل الحوار، إضافة للفشل الاقتصادي للحكومات السودانية المتعاقبة، فإن هذا يؤدي إلى استمرار عدم الاستقرار الاقتصادي.

السودان بحاجة إلى المساعدات الغربية لإنقاذ الدولة، لكن ربما تكون هناك حلقة مفقودة بين مقدمي المساعدات والحكومة السودانية، ففي حين يلازم الحكومة شعور عام بأن هذه المساعدات الاقتصادية ستعمل على حل المشكلات السياسية، فإن الدول الغربية وضعت الحل السياسي كمدخل للحل الاقتصادي، ودور "الآلية الثلاثية" هنا لا يفترض أن يقتصر على تسهيل الحوار، وإنما تقريب وجهات النظر وإزالة سوء الفهم.

يتزامن ذلك مع عدم توافق الظروف السياسية المتمثلة داخلياً في ضعف الدولة السودانية، وخارجياً في تجمع المصالح التي تؤدي إلى فرض سيطرة ما على السيادة السودانية، قد أدت بدورها إلى اختلال توازن القدرة السياسية، مع وجود علة مقيمة في الاقتصاد السوداني، الذي قد لا يسترد عافيته منها قريباً، لكن ستضخ هذه المساعدات في شرايين الاقتصاد السوداني لتمكنه فقط من الوقوف وإقامة الانتخابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مستقبل المساعدات

دخل الاقتصاد السوداني في عهد نظام البشير في ركود ثقيل بسبب العقوبات الدولية، إذ لم تجد المنتجات السودانية منافذ لها إلى أسواقها التقليدية، كما صعب الاستيراد. وبعد إسقاط النظام، لم تستطع حكومة الثورة العودة إلى ما قبل ذلك، ودخل الاقتصاد في فوضى عارمة، فاقمت منها الديون المتراكمة على السودان ما جعل المستقبل غامضاً.

هناك اختلافات واضحة بين مشكلات إدارة الاقتصاد في عهد الرئيس السابق عمر البشير، ومشكلات الاقتصاد في عهد الحكومة الانتقالية. فالحكومة السابقة كان يصفها المواطنون بأنها تنهب ولا تحرم غيرها من النهب، إشارة إلى الفساد الضارب في كل مفاصل الدولة، وحينما بدأت الحكومة الانتقالية في المحاسبة عبر لجنة إزالة التمكين، التي شابتها أيضاً شبهات الفساد، وصفوها بأنها تنهب وترمي بغيرها في السجون.

مستقبل هذه المساعدات يكتنفه الغموض ما لم تكن هناك التزامات محددة. ربما تضغط "الآلية الثلاثية" في اتجاه جلب قدر من المساعدات التي لن تروي ظمأ الاقتصاد المتعطش، وضغط الحكومة الانتقالية مثل سابقتها باتجاه حلول وقتية تهدر هذه المساعدات، لبقائها في سدة الحكم.

وتتحكم عوامل جذرية في هذا النهج الذي درجت عليه النظم الحاكمة في السودان أهمها، أولاً اعتماد السودان على المساعدات والإعانات والواردات بقروض ميسرة أو باتفاقيات تستثمر الموارد الطبيعية في البلاد مقابل ذلك، ما فاقم من أزمة الديون. ثانياً أن الاستثمارات الأجنبية تشكل أهمية حيوية للاقتصاد السوداني، ولكن لازمها هبوط في أهمية السودان بالنسبة لتلك الاستثمارات وفي البيروقراطية المعيقة لها، وعدم توفر بيئة آمنة وتشريعات واضحة تضبط الاتفاقيات بين الطرفين وتحدد فائدة مجزية للبلاد، ونتيجة لعجز الديون، يواجه السودان صعوبات في جذب رأس المال.

وعليه إذا كان بإمكان "الآلية الثلاثية" الوصول إلى اتفاق من خلال الحوار بين القوى السياسية المختلفة، والحصول على المساعدات، فإن المشكلة تكمن في تحديد ما إذا كان باستطاعة الحكومة الاستجابة لمثل هذه التغييرات والاستفادة منها اقتصادياً.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي