Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الضحايا 300 ألف... هل وأد اتفاق "سلام السودان" العنف أم أشعله؟

رائحة الموت لا تزال تملأ دارفور بعد عام ونصف من توقيعه ومعاناة الناس تضاعفت وزاد اللاجئون

تشرد حوالي مليون ونصف المليون بعد اتساع الصراع في دارفور منذ 2003 (اندبندنت عربية - حسن حامد)

فجرت الأحداث الدامية بمحلية كرينك غرب دارفور، قبل أسبوعين، التي راح ضحيتها أكثر من 200 شخص فضلاً عن تهجير الآلاف، جدلاً وتساؤلات عديدة في الأوساط السودانية حول مآلات ومستقبل اتفاق جوبا للسلام، وبخاصة (مسار دارفور). وتركزت التساؤلات حول ما إذا كان من الممكن القول إن الاتفاق بما تضمنه من بروتوكول (وقف إطلاق النار) بين الجيش والحركات قد أوقف الحرب فعلاً، بينما الاقتتال ورائحة الموت ما زالت تغطي أرجاء الإقليم، وتضاعفت معاناة الناس بأكثر مما كانت عليه قبل توقيعه في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وبعد أكثر من عام ونصف العام، هل وجدت دارفور السلام المنشود، ضالتها المفقودة؟.

النموذج المحفز

قال أمين إسماعيل مجذوب، مختص إدارة الأزمات والتفاوض بمركز الدراسات القومية بالخرطوم، إن اتفاق سلام جوبا مواجه الآن باختبار حقيقي، ليس في أن ينجح أو يفشل فحسب، بل أن الأخطر كونه فشل في تقديم نموذج يحفز أو يغري الحركات الأخرى غير المنضوية تحته، ويشجعها على الانضمام إليه كعامل مهم في استكمال حلقات السلام الشامل.

يشير مجذوب إلى إن الاتفاق تضمن كثيراً من الأخطاء، بخاصة ما يتعلق بنص بروتوكول الترتيبات الأمنية على تكوين قوة لحماية المدنيين قوامها 12000 مقاتل تشكل مناصفة بين الجيش والحركات الموقعة على الاتفاق، واعتبر أن من الصعب نجاح تشكيل مثل هذه القوة، بحكم طبيعة العلاقات بين جيوش الحركات والقوات المسلحة الموروثة، وهي طبيعة تصادمية موسومة بتاريخ من الدم والثأر وتحمل كل خلفيات الصراع المسلح الطويل الأمد.

ويردف، "يمكن القول إن ما تم تطبيقه في اتفاق جوبا للسلام انحصر حتى الآن في برتوكول قسمة السلطة، أما بقية البروتوكولات والبنود فلا تزال معلقة دون تنفيذ، وهذا أيضاً أحد الأخطاء الكبيرة التي تعرقل الاستمرار في تنفيذ الاتفاق، ونأمل أن توفق الحكومة في المضي قدماً بتنفيذه".

شبح الانهيار الداخلي

فضلاً عن كل ذلك، يرى مجذوب أن شبح الانهيار الداخلي بات يهدد الاتفاق بسبب تلويح بعض الحركات الموقعة عليه بالانسلاخ عنه، إذ تطالب بحصتها مما خصص من مبالغ تقدر بحوالي 750 مليون دولار أقر الاتفاق رصدها لمدة 10 سنوات، لكن لم يعد بالإمكان تدبيرها بأية حال في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، معتبراً ذلك أحد المعضلات الكبيرة التي جابهت تنفيذ الاتفاق على الرغم من جهود الحكومة ومساعيها في معالجة هذه الجزئية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد مختص الأزمات أن عودة قوات الحركات قبل تنفيذ بند الترتيبات الأمنية الذي لم يتم حتى الآن، يعنى أن كل حركة ما زالت تحتفظ بقواتها تحت إمرتها، ما يفتح  الباب أمام تصفية الحسابات القديمة سواء مع مجموعات عرقية كانت تساند الجيش في حربه على الحركات أو غيرها، وكل تلك الموروثات من خلفيات علاقات الصراع وما قبل السلام تؤثر وتتأثر بها القواعد على الأرض، وليس القيادات أو النخب.

ويستطرد مجذوب، "بينما ترى القيادات أن الأمور تسير بصورة جيدة، ترى القواعد عكس ذلك، فلا تزال الاحتكاكات الدموية التي تنشأ لأبسط الأسباب مستمرة، لكنها سرعان ما تتطور على خلفية العداءات السابقة إلى تصعيد وقتال مرير ينحاز فيه بعض المقاتلين من النظاميين أو الحركات إلى قبائلهم، فبعض القوات النظامية كالدعم السريع مثلاً، لديه أيضاً إشكاليات مع بعض القبائل التي كانت تساند التمرد".

دائرة التسوية والتوفيق

في المنحى ذاته، يرى مبارك الفاضل، رئيس حزب الأمة، وزير الداخلية الأسبق إبان حكومة الصادق المهدي ما قبل انقلاب البشير في 1989، أن اتفاق سلام جوبا لم يخرج حتى الآن من كونه عبارة عن تسوية وتوفيق لأوضاع الحركات المسلحة مع الدولة السودانية، ضمن مواقع ومناصب لقياداتها، وذلك بعد أن خرجت عليها وقاتلتها وخسرت معركتها مع الحكومة، ولجأ بعضها إلى الدول المجاورة، وكان أن سمح لها الاتفاق بالعودة، لكن الخطأ الكبير الذي ما كان يجب أن يتم هو السماح لها بالدخول مع أسلحة كبيرة من خارج السودان.

ويضيف الفاضل، "حركات دارفور أصلاً كانت جزءاً من المشكلة هناك إن لم تكن كلها، وبالتالي لا يمكن أن تكون هي الحل، لأن الحرب في دارفور حولتها حكومة البشير السابقة إلى حرب بين القبائل والاثنيات العرقية، فلم تكن الحكومة هي التي تقاتل الحركات بل جندت القبائل ووضعتها في مواجهة الحركات، وبالتالي فليس هناك أمل في أن تنجح الحركات في إقرار السلام في دارفور".

يعتقد الفاضل أن وجود قوات الحركات المسلحة في دارفور ساهم بشكل أو بآخر في حال عدم الاستقرار هناك، مشيراً إلى أن ما حدث بولاية غرب دارفور قبل أسابيع، شارك فيه بعض قوات من حركات موقعة على السلام، وكذلك بعض الأفراد من قوات يفترض أنها نظامية، لكن ليس بشكل مؤسسي بل عبر بوابة الانتماء الاثني والقبلي، بعدما تحوّل الاقتتال إلى اثني وقبلي، مع أنه لا توجد في دارفور قبائل عربية أو أفريقية صرفة، حيث اختلطت الأنساب وتمازجت، لكن تلك التصنيفات تحدث لأغراض ودواعي الصراع نفسه.

تفاقم الأوضاع

يقطع الفاضل بأن اتفاقية جوبا (مسار دارفور) لم يعالج تدهور الأوضاع، بل زاد المشكلة حدة، إذ إنه ومنذ توقيعه وحتى اليوم تفاقمت الأوضاع الإنسانية، وازداد عدد اللاجئين إلى دولة تشاد وكذلك معسكرات النازحين بالداخل، كما لا يزال الصراع حول المراعي والمسارات قائماً، فضلاً عن مشكلة التواجد الأجنبي الذي يستوطن داخل أراضي دارفور، لذلك يرى رئيس حزب الأمة، أن السلام في دارفور يحتاج إلى تسويات قبلية واثنية، عبر مؤتمر (دارفوري- دارفوري) يجمع كل قبائل الإقليم في مصالحات وتسويات تتعلق بالأراضي ومسارات الرعي والزراعة كمدخل لإحلال السلام في ذلك الإقليم.   

على الصعيد ذاته، يشير المحلل السياسي والأكاديمي، محمد بادي الرشيد، إلى أن اتفاقية السلام بدلاً من أن تكون وسيلة للاستقرار تحولت إلى مجرد أداة لتولي مقاليد الحكم، مما جعلها في مرمي اتهامات كثير من المنظمات الإقليمية والدولية، كونها لم تصوّب نحو قضاياها الأساسية في حماية المدنيين ومعالجة قضايا النازحين والمشردين ووقف الصراعات المميتة التي يشهدها الإقليم، فإذا لم يتوقف الموت الدموي فكيف يمكن القول إن السلام تحقق في دارفور؟.

وينتقد الرشيد كون اتفاقية جوبا للسلام لم ينفذ منها بجدية وحرفية سوى برتوكول اقتسام السلطة، فبدت كأنما أكثر ارتباطاً بالأشخاص منها بالموضوعات والقضايا، مما جعل الاتفاق عالة على ميزانية الدولة، ويرهق كاهل المواطن السوداني في كل أنحاء البلاد وليس المناطق التي كانت تعاني الحرب فقط، بخاصة بعد توقف الدعم الخارجي وتجميد المانحين تعهداتهم على أثر إجراءات الفريق أزل عبدالفتاح البرهان بصفته قائداً للجيش بحل مؤسسات الفترة الانتقالية وتعطيل الشراكة مع قوى الحرية والتغيير، في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

 ويرى المحلل الأكاديمي أنه كان يفترض أن يكون تنفيذ برتوكول الترتيبات الأمنية سابقاً لقسمة السلطة والمواقع، بحيث يتم تفادى إفراز مثل هذا الواقع المعلول الراهن، الذي تحوّل فيه الحكام إلى قادة جيوش هم الذين يحكمون الآن، ولهم جيوش تحت إمرتهم بكامل عتادها، وهذا وضع مختل وواقع خطير قد يصعب تلافيه في ظل تعثر تنفيذ ذلك البند الحيوي.

من يستهدف الاتفاق؟

في المقابل، يرى المراقب والناشط السياسي، عبد الرحيم أحيمر، أن هجوماً منظماً على اتفاق سلام  جوبا ظلت تشنه بعض الجهات بالخارج والداخل من دون تسميتها، في أعقاب الأحداث الدامية التي شهدتها محلية كرينك بولاية غرب دافور، للتشكيك في جدوى اتفاق السلام، واعتباره جزءاً من الأزمة الراهنة هناك.

يشير أحيمر إلى أن اتفاق جوبا للسلام أخرج السودان من نفق الحرب بعد سنوات من الدمار والتشرد والنزوح وحرمانه من الاستفادة من موارده الغنية بتواطؤ وصمت إقليمي ودولي، وأن لا مجال للعودة إلى الحرب مرة أخرى، مستشهداً بتنصل الكثير من الضامنين الدوليين للاتفاق عن وعودهم والتزاماتهم، وطالب المجتمع الدولي بالقيام بدوره تجاه مجتمع دارفور، عبر تقديم الدعم اللازم له حتى تكتمل عملية التعافي، بدلاً عن الاصطياد في الماء العكر واستهداف الاتفاق نفسه.

وكان أعضاء مجلس الأمن الدولي دعوا إلى الوقف الفوري للعنف في غرب دارفور، والتعجيل بتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، بما في ذلك نشر قوة حفظ الأمن المشتركة وخطة العمل الوطنية لحماية المدنيين. وحمّلت بعثة الاتحاد الأوروبي في السودان، في بيان، جميع الموقعين على اتفاق جوبا للسلام المسؤولية المشتركة عن حماية المدنيين في الإقليم، مع تأكيد استعدادها لتقديم المساعدات الإنسانية للمضارين من أعمال العنف الأخيرة بولاية غرب دارفور قبل نحو أسبوعين.

وحثت ميشيل باشليه، المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في معرض ترحيبها بإجراءات السلطات السودانية من أجل حماية السكان، على التعجيل بالتنفيذ الذي "طال تأخره" للتدابير الأمنية المنصوص عليها في اتفاق جوبا للسلام، والذي نص على إنشاء قوة حفظ أمنية مشتركة، وتنفيذ خطة عمل حماية المدنيين في دارفور، واتخاذ خطوات عاجلة لمنع اندلاع المزيد من أعمال العنف.

مؤامرة وانتقادات

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وصف أحداث غرب دارفور بأنها زادت المشهد الوطني تعقيداً، معرباً عن أسفه للمؤامرات التي  تحاك ضد البلاد. كما أبدى نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو حميدتي، أيضاً أسفه على الأحداث، ووصفها بأنها (مؤامرة خبيثة) ومحاولة لتكسير الدولة.

وعلى خلفية الأحداث نفسها، وجه حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، رئيس حركة تحرير السودان، انتقادات حادة للأجهزة الأمنية في دارفور، واتهمها إما بالتواطؤ، أو التباطؤ، أو المشاركة في الأحداث، مطالباً بضرورة إعادة إصلاح الأجهزة الأمنية لتؤدي دورها، نافياً أي دور للحركات المسلحة في تحريض الأطراف المتقاتلة بالإقليم.

وعزا مناوي ما وصفه بالفوضى العارمة هناك إلى غياب القانون والعدالة والتراخي عن ملاحقة المجرمين، مشدداً على ضرورة الإسراع في إجازة قانون إقليم دارفور، وتشكيل آليات حكومة الإقليم لإنهاء تلك الفوضى.

وفي الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) 2020 وقعت الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح (الجبهة الثورية) اتفاق سلام وصف بالتاريخي بمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان. وتضم الجبهة الحركات الخمس الرئيسة: حركة العدل والمساواة، حركة تحرير السودان، وكلاهما من إقليم دارفور، الحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال)، بجانب فصيلين آخرين، بينما تخلفت عن الاتفاق حركتا عبد الواحد محمد نور والحركة الشعبية عبد العزيز الحلو، وهدف الاتفاق إلى تحقيق الاستقرار والسلام في السودان بعد سنوات من الصراعات والحروب، وقدر ضحاياها بأكثر من 300 ألف نسمة وتشرد بسببها حوالي مليون ونصف المليون بعد اتساع الصراع في الإقليم منذ 2003.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير