Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا يتجه الاتحاد الأفريقي إلى تغيير ميثاقه؟

لم ينجح "تعليق العضوية" في كبح جماح الانقلابات العسكرية بالقارة السمراء

أعلام دول أفريقية بالقمة الاستثنائية المنعقدة في أكرا بغانا  (أ ف ب)

مع ضغط تكرار الانقلابات العسكرية في أفريقيا وتغيير الدساتير بهدف ترتيب فترات حكم إضافية، شرفت بحضور منتدى الاتحاد الأفريقي بهذا الشأن في أكرا، وهو المنتدى الذي نظمته مفوضية الأمن والسلم الأفريقي بالاتحاد الأفريقي بالتعاون مع عدد من مراكز التفكير الأفريقية من جميع أنحاء القارة، وذلك رغبة في توسيع دائرة التفاكر حول متغيرات النظم السياسية في قارتنا وطبيعة تداعياتها على استقرار الدول من ناحية، وعلى حال السلم الإقليمي الأفريقي من ناحية أخرى.

وقد عقد منتدى التفاكر حول التغييرات غير الدستورية عبر أفريقيا في أكرا عاصمة غانا ليشكل دلالة مهمة لا تخطئها عين، ذلك أن كل من غانا والسنغال قدمتا نموذجاً أفريقياً براقاً في ما يتعلق بتحقيق معادلة التطور الديمقراطي مع الاستقرار السياسي، ومن دون إهمال للتنمية الاقتصادية التي يمكن ملاحظتها بسهولة في حال البنية التحتية بغانا، وكذلك المؤشرات الاقتصادية العامة لها.

تطوير آليات الاتحاد الأفريقي

الشاهد أن عقد مؤتمر التفاكر حول التغييرات غير الدستورية في غانا هو توطئة لعقد قمة أفريقية في مايو (أيار) المقبل بمالابو عاصمة غينيا الاستوائية، التي من المتوقع أن يتم فيها تغيير المادة (25) من ميثاق الاتحاد الأفريقي للديمقراطية والانتخابات والحكم، حتي يمكن تطوير آليات الاتحاد الأفريقي في ما يتعلق بمواجهة ظاهرة التغييرات غير الدستورية، إذ إن مسألة تعليق عضوية الدولة التي يقع فيها الانقلاب العسكري طبقاً لميثاق العام 2007 لم تعد كافية، وأصبحت محدودة التأثير في كبح جماح الانقلابات العسكرية بأفريقيا التي وصلت إلى 200 انقلاب منذ حصول الدول الأفريقية على استقلاها السياسي ابتداء من النصف الثاني للقرن الـ 20، إذ كانت خطوة الاتحاد الأفريقي الأولى ضد هذا النمط من تغيير الحكم عام 2000 في قمة لومي، ثم جرى تطويرها عام 2007 في ميثاق الديمقراطية والانتخابات والحكم.

منتدى التفاكر بمدينة أكرا تم الإعداد له بدقة وحرفية من جانب مجلس السلم والأمن الأفريقي في الاجتماع الـ ( 1061) في يناير (كانون الثاني) الماضي بأديس أبابا، حيث ناقش الأسس المعيارية التي يجب تطويرها لتكون مواكبة للتطورات الأفريقية الراهنة من دون إهمال لنقاشات معمقة حول الانتفاضات الشعبية في أفريقيا، خصوصاً التي تمارس ترحيباً بالانقلابات العسكرية كمخلص من حال ترد اقتصادي مثل الحال في غينيا بيساو، أو تغول أيديولوجي على مؤسسة الدولة وأنماط الحياة الاجتماعية للناس التي مارسها "الإخوان المسلمون" مثل الحال في كل من السودان ومصر وتونس.

الانقلابات خطر يهدد مستقبل القارة

ويبدو أن نقاش الظاهرة من جميع جوانبها هو أساس حضور ممثلين لعدد من المؤسسات العسكرية الأفريقية، باعتبارهم الفاعلين الأساس في عملية التغيير غير الدستوري عبر الانقلابات العسكرية طبقاً لمخرجات اجتماعات مجلس السلم والأمن الأفريقي.

ويمكن القول إن وجود الفاعلين السياسيين والعسكريين في السياق نفسه والحدث ذاته كان مهماً جداً في إثراء النقاش وإعطائه أبعاداً عميقة لفهم الظاهرة، وأيضاً لإثراء النقاش حول حال مؤسسة الدولة في أفريقيا وطبيعة التحديات التي تواجهها تحت مظلة نظام دولي تتصارع أطرافه لحد تدشين الحروب.

وربما يكون من اللافت هنا للغاية كلمة رئيس جمهورية غانا الذي افتتح أعمال منتدى التفاكر حول التغييرات غير الدستورية في أفريقيا، وهي الكلمة التي اتسمت بالقوة والوضوح وأشارت إلى أن عمليات تغيير الدساتير الأفريقية ونظم الحكم عبر الانقلابات مهددة لمستقبل القارة الأفريقية بأكملها ولأجندة 2013 – 2063 التنموية، وقد حمل رئيس غانا "نانا أدو دانكوا أكوفو" أسباب الظاهرة لأطراف عدة، منها ما هو محلي حيث جرى إهمال التنمية الاقتصادية ورفع مستوى جودة الحياة للأفارقة من جانب نظم الحكم الأفريقية، كما أشار الرئيس الغاني إلى حال الصراع الدولي على أفريقيا ومسؤوليتها عن تدبير الانقلابات العسكرية، وربما كانت حال مالي في ذهن الرئيس الغاني وهو يتحدث أمامنا، مشيراً إلى أن حالات تغيير الدساتير الأفريقية قاربت 18 حالة، أي نحو ثلث الدول الأفريقية.

أين الأحزاب السياسية؟

يمكن القول إن اتجاهات النقاش قد أشارت بوضوح إلى أن جدارة القوى السياسية الأفريقية للحفاظ على الديمقراطية أو الدفع لها هي محل تساؤل كبير، إذ أشار ممثل السنغال في الاتحاد الأفريقي إلى حاجة الأحزاب السياسية الأفريقية إلى التدريب ودعم القدرات في مجالات إدارة الاختلافات الداخلية، وإدارة عمليات التفاوض خلال الثورات الشعبية وبعدها بما يحافظ على كيان مؤسسة الدولة ويسد الذرائع أمام المؤسسات العسكرية للقيام بانقلابات، إذ احتلت الانقلابات العسكرية في كل من السودان وبوركينا فاسو ومالي أركاناً مهمة من النقاش العام، وكذلك حوارات المؤتمرين على موائد الغداء والعشاء .

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العامل الدولي في دعم استقرار مؤسسة الدولة في أفريقيا كان شبه غائب، وهو ما طرحته من جانبي لأنه ببساطة لا يمكن أن نطالب دولاً ثرواتها منهوبة عبر الشركات العابرة للجنسية بتحقيق تنمية اقتصادية أو استقرار سياسي، تقول به دول العالم الأول بل وتضغط بسببه بآليات العقوبات الاقتصادية التي غالباً ما يعانيها عموم الناس وليس نخب الحكم.

هل تصلح الديمقراطية الغربية في الواقع الأفريقي؟

أما النقطة الثانية التي طرحتها فهي فكرة مدى جدارة نموذج الديمقراطية الغربية لمخاطبة الواقع الأفريقي، خصوصاً أن الديمقراطية التمثيلية تواجه حالياً تحديات كبيرة هي محل لإصدارات من علماء سياسة مرموقين، مثل  ديفيد رونسيمان في كتابه "كيف تنتهي الديمقراطية؟"، بينما هناك أطروحات من جانب علماء سياسة آخرين تطرح فكرة التوافق بديلاً عن التنافس، ولعل كتاب وحيد عبدالمجيد عن "ديمقراطية القرن الواحد والعشرين" تفتح الباب واسعاً أمام النقاش العام في الشرق الأوسط وأفريقيا في شأن أنماط الديمقراطية المنتجة للتنمية الاقتصادية والاستقرار السياسي، ولعلي أذكر هنا مقولة لجمال عبد الناصر التي لم يحولها للأسف إلى آليات عمل واقعية، قال فيها إن جناحي الديمقراطية هما الحرية السياسية والتنمية الاقتصادية، مشيراً إلى أن استخدام المال السياسي في الانتخابات لا يقود إلى تمثيل واقعي لمصالح عموم الشعب، مذكراً ربما بظاهرة تقسيم العملة للناخب قبل ثورة يوليو (تموز) 1952، وذلك بقطعها حتى يتم ضمان صوته، وهي آليات جرى تطويرها على يد كل من رجال الأعمال و"الإخوان المسلمين" لشراء الأصوات الانتخابية.

وقد كان الدافع وراء إعادة التقويم الغربي للديمقراطية التمثيلية هو مأزق الشعبوية التي أفرزت ظاهرة انتخاب دونالد ترمب في الولايات المتحدة، كما أنتجت ظواهر مثل الصعود الانتخابي لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، الذي تمارس بعض عناصره الإرهاب الأبيض.

أما على المستوى الأفريقي فإن النموذج يواجه تحديات رئيسة تحت مظلة هشاشة مؤسسة الدولة ذاتها وعدم قدرتها على القيام بوظائفها الأساس، وبطبيعة الحال فطرح مأزق النموذج الديمقراطي الغربي لا يعني إسناداً إلى تغيير الدساتير أو إهمال التداول السلمي للسلطة في مواعيده المقررة، أو دعماً لأي حكم شمولي مهما كانت أسبابه، لكنه مجرد دعوة لعلماء السياسية الأفارقة كي يبدعوا الآليات المناسبة لتحقيق الديمقراطية في مجتمعاتهم التي تملك منطلقات فلسفية وثقافية، خصوصاً في دول جنوب الصحراء التي لا تعتمد على الفردية بل تقدس العلاقات الجماعية، وهو سياق مغاير في منطلقاته وتفاصيله للسياق الغربي.

اتجاهات النقاش الأساس ركزت على ضرورة تجريم التغييرات الدستورية في التعديلات المتوقعة بـ "قمة مالابو" المقبلة لميثاق الديمقراطية للاتحاد الأفريقي التي يجري اللجوء إليها لتمديد فترات النظام السياسي أو تلك اللاحقة للانقلابات العسكرية، باعتبارها تشكل الآليات الممهدة للتغير السياسي غير الدستوري، كما أن عملية التجميد الفوري  لعضوية الدولة الواقع فيها التغيير الدستوري ستكون ربما محلاً للتعديل، ذلك أن هذا التجميد الفوري  يحرم الاتحاد الأفريقي من آليات التفاعل مع هذه الدولة، وبالتالي محاولة الضغط والتأثير لإحداث تراجع عن التغيير غير الدستوري.

ختاماً، يمكن القول إن حال الغضب الأفريقي في منتدى التفاكر بغانا من تزايد الانقلابات العسكرية في قارتنا على وجه التحديد كانت متسيدة لكل جلسات العمل والنقاش، وهي التي بحثت أولاً في أسباب ظاهرة الانقلابات العسكرية بأعمال اليوم الأول للمنتدى، بينما اتجه النقاش في اليوم الثاني إلى التداعيات التي أفرزتها الظاهرة على حال السلم الإقليمي، وحال التفاعل مع القوى الدولية الداعمة للانقلابات، وهنا لا بد من أن تظهر إدانة روسيا في ضوء العلاقات القوية بين كل من الاتحادين الأفريقي والأوروبي.

أما اليوم الثالث فبحث في الحلول وظهرت فيه التوصية بتغيير الأسس المعيارية للاتحاد الأفريقي، بخاصة في ميثاق الاتحاد الأفريقي حول الديمقراطية والحكم والانتخابات، وهو الأمر الذي أسهم في بلورة آلياته بفاعلية منظمة دول غرب أفريقيا (إيكواس)، ومنظمة الساحل والصحراء، وذلك على اعتبار أن هذين النطاقين هما الأحدث والأكثر تكراراً لظاهرة الانقلابات العسكرية الأفريقية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل