دأب رئيس الجمهورية التونسي، قيس سعيد، على انتقاد خصومه السياسيين، كما يتهم من يعارض مساره السياسي الجديد في تونس، الذي بدأه بإعلان الإجراءات الاستثنائية، في يوليو (تموز) 2021، بـ"الفاشلين" الذين يستخدمون "الغرف المظلمة من أجل تفكيك الدولة من الداخل وضرب مؤسساتها"، مؤكداً أنه لن يترك لهم الفرصة.
بعيداً من الأحزاب
يؤكد النائب السابق في البرلمان، الكاتب الصحافي، هشام الحاجي، لـ"اندبندنت عربية"، أن "المشروع السياسي لسعيّد لا يؤمن إطلاقاً بوجود الأحزاب"، ولفت إلى أنه "وصل إلى السلطة كمستقل، وحتى الأحزاب التي ساندته في بداية مساره الجديد، لا يفوّت أي فرصة إلا ويهمشها ويرفض الحوار معها".
يشير الحاجي إلى أن "فكرة البناء القاعدي، والاقتراع على الأشخاص، التي يتبناها قيس سعيّد، هي ضمنياً ضرب للأحزاب، ولكل أشكال المعارضة لمشروعه السياسي". ويحذّر من أن "تغييب المعارضة هو نسف للديمقراطية، والقضاء على الأحزاب ضرب لنضالات أجيال متلاحقة من أجل التعددية وحياة سياسية متطورة تكون فيها الأحزاب شفافة وديمقراطية".
ودعا الحاجي المعارضة السياسية إلى "القيام بنقد ذاتي صريح لأنها تتحمل مسؤولية ما وصلت إليه تونس اليوم، وإبعاد الوجوه التي تصدرت المشهد السياسي في السابق وفشلت في إدارة الشأن العام، واعتماد خطاب جديد، وابتكار آليات استقطاب حديثة لتحفيز الشباب على المشاركة السياسية".
الجبهة المعارضة لقيس سعيد تنقسم بين معارضة راديكالية (جذرية) رافضة للإجراءات الاستثنائية وما ترتب عنها، على غرار حركة "النهضة" والمنظومة الحزبية المتحالفة معها، وكانت في الحكم قبل 25 يوليو2021، وبين من يساند سعيّد في المسار الجديد، كالمنظمات الوطنية وعدد من الأحزاب، لكنه يرفض الانفراد بالرأي، ويدعو إلى المشاركة في صياغة الإصلاحات.
انتهازية لا وطنية
يؤكد الناشط السياسي، رئيس حزب التحالف من أجل تونس، سرحان الناصري، في تصريح خاص، أن "رئيس الجمهورية، يَقبل بوجود المعارضة لأنها أساس الديمقراطية"، ويستدرك، "إلا أن المعارضة الموجودة حالياً لا ترقى إلى مستوى المعارضة الحقيقية".
يعتبر الناصري أن "جبهة الخلاص التي يتزعمها أحمد نجيب الشابي مجموعة من الانتهازيين وجبهة لإنقاذ حركة النهضة"، مؤكداً، "أنها حركة لا وطنية، لأن الإخوان المسلمين لا يؤمنون بالأوطان" على حد تعبيره. ويضيف أن "نجيب الشابي يترأس جبهة تجمع كل من أسهموا في تدمير الدولة وفشلوا في إدارة الشأن العام طيلة عشر سنوات، على الرغم من أنهم كانوا أغلبية في البرلمان السابق".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا الناصري المعارضين لمشروع قيس سعيد إلى "تقديم مشروع للدولة التونسية في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وليس لإنقاذ مواقعهم ومصالحهم"، معتبراً أنها معارضة "تعمل على ضرب وحدة الدولة، وتهديد كيانها من خلال الاستقواء بالجهات الأجنبية للعودة إلى ما قبل 25 يوليو بالوجوه نفسها من دون أن تقدم أي مشروع لتونس". وختم بالإعراب عن أمله في أن "يضم الحوار الوطني المقبل الجهات السياسية والمدنية المعارِضة لمشروع قيس سعيد، والحاملة لمشروع تونس الغد، ولم تنخرط في المنظومة السابقة".
الشارع فضاء التراشق
إضافة إلى التراشق بالاتهامات في الخطابات والبيانات السياسية من هذه الجهة أو تلك، مثل الشارع مسرحاً للصراع السياسي، وأداة لإثبات شرعية كل طرف، بين أنصار الرئيس قيس سعيد ومعارضيه، حيث خرجت مسيرات معارضة في مناسبات عدة، وأخرى مساندة له، ما يعكس حالة الانقسام الحاد في المشهد السياسي التونسي.
وتجمع، صباح أمس الأحد، أمام المسرح البلدي في العاصمة، مواطنون من أنصار "حراك 25 يوليو"، رافعين شعارات تطالب رئيس الجمهورية بمحاسبة الفاسدين قبل الانتخابات المقبلة، ومنادين بتطهير القضاء معبرين عن غضبهم من منظومة الحكم السابقة.
كما مثلت مواقع التواصل الاجتماعي فضاء لتبادل الاتهامات بين الجهتين، ما يعكس مناخاً مشحوناً بالكراهية والتحريض، ويعمق الشرخ السياسي، ويغذي خطاب العنف، بينما تحتاج البلاد إلى خطاب هادئ يجمّع التونسيين حول مشروع سياسي واقتصادي موحد لإنقاذ البلاد من أزمة متعددة الأبعاد: اقتصادية ومالية واجتماعية.
وبعد أن تأخر الحوار الوطني برعاية المنظمات الوطنية الكبرى، الذي علق عليه التونسيون آمالاً عريضة لتقريب وجهات النظر، وخلق مساحة مشتركة لإنقاذ تونس من أزمتها، فاجأ رئيس الجمهورية، قيس سعيد، الجميع، وأعلن أن الحوار لن يشمل الأحزاب التي انخرطت في المنظومة السابقة، وتحملت مسؤولية تأزم الوضع، مما زاد في تأبيد حال الانقسام السياسي في البلاد.