Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التهدئة في الشرق الأوسط تمهد لنظام إقليمي جديد

مصالحة ومحادثات بين الخصوم يصحبهما غموض متزايد حول الدور الأميركي

الشرق الأوسط يتجه نحو التهدئة (غيتي)

بينما يستنفر الغرب لإخماد نيران الحرب في أوكرانيا، تبدو دول الشرق الأوسط أكثر استعداداً لحل النزاعات التي طغت على المنطقة. ومن آخر المتغيرات التي عكست رغبة واضحة في التهدئة وتبريد الخلاف، زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية، الشهر الماضي، بعد التوتر الذي شاب العلاقات بين القوتين الإقليميتين في السنوات الماضية.

لكن الباحث في مركز "وودرو ويلسون"، ديفيد أوتواي، لا يعتبر المبادرات الإيجابية بين خصوم الأمس مجرد مصالحات إقليمية فقط، وإنما خطوات ستسهم في إعادة تشكيل النظام السياسي في الشرق الأوسط، مشيراً إلى زيارة الرئيس التركي إلى السعودية الأسبوع الماضي، التي جاءت في سياق تبني دول المنطقة نهج التكيف بدلاً من المواجهة.  

وعد أوتواي التقارب التركي مع الدول العربية، وزيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى تركيا في مارس (آذار) الماضي، التي كانت الأولى من نوعها منذ 14 عاماً، إضافة إلى المحادثات بين الرياض وطهران، مؤشرات على إمكانية تشكل نظام سياسي جديد في الشرق الأوسط، محاوره "السعودية، وتركيا، وإيران، وإسرائيل"، مشيراً إلى أن "مراكز القوى التقليدية مصر وسوريا والعراق المنشغلة بمشاكلها الاقتصادية والسياسية الداخلية" ستلعب "دوراً ثانوياً" في هذا التحول، على حد رأيه.

التكيف بدلاً من المواجهة

وقال أوتواي في مقالة نشرها مركز "وودرو ويلسون للأبحاث"، إن "القوى الإقليمية الصاعدة السعودية وتركيا وإيران وإسرائيل يبحثون عن حلفاء جدد لتحقيق مصالحهم، حتى وهم يحاولون معرفة كيف سيتعاملون مع بعضهم البعض بطريقة أقل تصادمية". وربط هذا التحول بالنظرة المأخوذة عن الولايات المتحدة بأنها في حالة انكفاء عن الشرق الأوسط، بهدف التركيز على التحديات الآتية من روسيا والصين.

ودعم الكاتب فرضيته حول تشكل نظام جديد في الشرق الأوسط ببوادر الانسحاب العسكري الروسي من المنطقة، مشيراً إلى أن "روسيا كانت حتى وقت قريب، تعزز وجودها في المنطقة، ولكنها قد تضطر الآن إلى الانسحاب من الشرق الأوسط للتعامل مع حربها في أوكرانيا والمواجهة مع الناتو"، لافتاً إلى أن موسكو سحبت أكثر من ألف مقاتل روسي وسوري من ليبيا وأرسلتهم إلى أوكرانيا، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".

ووصف الاجتماع بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي أردوغان في مدينة جدة غرب السعودية في 28 أبريل (نيسان)، بأنه "أكثر تجسيد استثنائي للعهد الجديد" الناشئ نتيجة للتقارب بين خصوم الأمس في الشرق الأوسط.

محادثات السعودية وإيران

وعلى صعيد المحادثات السعودية – الإيرانية التي اختتمت، أخيراً، جولتها الخامسة في بغداد بحضور مسؤولين أمنيين من الجانبين، شدد أوتواي على أهمية تلك المباحثات، وضرورة أن تؤدي إلى التوافق بدلاً من المواجهة، مشيراً إلى أجوائها الإيجابية.

كان رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الذي احتضنت بلاده الجولة الخامسة من المحادثات، الشهر الماضي، قال إن، "بغداد تمكنت من إيجاد أجواء حوار إيجابية، الكثير منها لم يعلن عنه". وأضاف، "الإخوة في المملكة وإيران يتعاملون مع ملف الحوار بمسؤولية عالية ومتطلبات الوضع الحالي للمنطقة، ونحن واثقون من أن التفاهم بات قريباً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهتها، قالت وكالة "نور نيوز" الإيرانية، إن الجولة الأخيرة ضمت ممثلين لأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، ورئاسة الاستخبارات السعودية، وتوقعت عقد "اجتماع مشترك بين وزيري خارجية البلدين في المستقبل القريب".

وعلى الصعيد الرسمي، اكتفت وزارة الخارجية العراقية، بالقول الأسبوع الماضي، إن المباحثات السعودية - الإيرانية "قد تمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية"، وأكدت أن رئيس الوزراء العراقي حضر الجولة الخامسة من المحادثات.

انفراجة مؤقتة أم مستدامة؟

يعترف أوتواي الذي عمل مراسلاً متخصصاً في الشؤون الخارجية في الشرق الأوسط، بصعوبة التنبؤ بماذا سيحدث بعد هذه المصالحات والمباحثات بين الخصوم، قائلاً إن "الصراع بين إيران والسعودية على الصدارة الإقليمية ما زال قائماً". وأضاف، "تعد تركيا قوة عسكرية أكبر من أي من هاتين القوتين، وحتى وقت قريب كان أردوغان قد تبنى أحلاماً لإحياء الإمبراطورية العثمانية القديمة التي كانت تضم في يوم من الأيام جزءاً كبيراً من الشرق الأوسط العربي. ولا تزال تركيا متدخلة عسكرياً في أجزاء من سوريا والعراق وليبيا".

وقال أوتواي، إن كلاً من القوى الأربع، "السعودية وتركيا وإيران وإسرائيل"، تملك أهدافاً وتوقعات متباينة، فأنقرة تريد الاستفادة من الفرص الاقتصادية التي توفرها العلاقة مع الرياض، و"إسرائيل تريد من شركائها العرب مساعدتها في التعامل مع التهديد العسكري من إيران في المنطقة وحزب الله في لبنان، وتحييد الضغط لإنشاء دولة فلسطينية". وسياسياً "تريد السعودية من تركيا الانضمام إليها في تحالف من الدول العربية السنية ليكون بمثابة ثقل موازن لإيران الشيعية".

واعتبر "إحراز تقدم في المحادثات السعودية – الإيرانية، والتحول إلى التوافق بدلاً من المواجهة أحد المتطلبات الأساسية لاستمرار التهدئة في الشرق الأوسط"، لكنه شدد على أهمية المفاوضات بين واشنطن وطهران في فيينا، مشيراً إلى أن "الفشل في التوصل إلى اتفاق وشروع إيران في تطوير قنبلة نووية سيقضي على التهدئة الحالية، وقد يؤدي إلى سباق تسلح نووي بين السعودية وإيران، وارتفاع احتمالات لجوء إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو كليهما معاً، إلى الخيار العسكري لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية".

ومع توقف محادثات فيينا منذ أكثر من شهر، وتضاؤل فرص نجاحها، يعتقد أوتواي أنه من الصعب التفاؤل باستمرار تهدئة التوترات في الشرق الأوسط.

المزيد من تحلیل