Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسلسل "والتقينا" يقع في متاهة الفساد اللبناني والسطحية

ميشال حوراني يرسخ نجوميته ونوال بري تواجه الحملة ضدها بوجه لطيف

ميشال حوراني ونوال بري في مسلسل "والتقينا" (الخدمة الإعلامية)

يتفرد مسلسل "والتقينا" الذي يعرض على شاشة "أم تي في" (إنتاج مروى غروب، إخراج مكرم الريس) في خوضه قضية الفساد المستشري في لبنان وما نجم عنه من خراب شامل، اقتصادي ومالي واجتماعي وإنساني، وفي تطرقه أيضاً إلى ثورة 17 تشرين الثاني الشعبية ضد السلطة في كل وجوهها، ثم إلى انفجار مرفأ بيروت، وكأنه لم يشأ أن ينسى أي أمر من أمور الفساد، فوضعها كلها في "كشكول" واحد، كيفما كان.

ربما كان هذا المسلسل الرمضاني سباقاً في التطرق إلى الواقع الراهن، من خلال مسائل شائكة هي تهريب الآثار والمتاجرة بها، ترويج الدواء الفاسد، تبييض الأموال، تواطؤ بعض الوزارات والإدارات الرسمية في أعمال التهريب والترويج... لكن المسلسل فشل بوضوح في تحقيق شروط "السباق" هذا، فانقلب الحاصل عليه، وسقط في التسرع والجهل وعدم وعي معنى الفساد وأبعاده وتقنياته، فبدا كأنه تقليد هزلي لما جرى ويجري في لبنان، تقليد لا يخلو من الركاكة في المعالجة كما في السيناريو والقصة والإخراج... وعلى الرغم من الرواج الشعبي لهذا المسلسل الذي يعد اللبناني الوحيد في موسم رمضان، فهو كشف منذ حلقاته الأولى، الأخطاء الجسيمة التي اعترت رؤية كاتبة القصة والسيناريو غادة مهنا كلاس إلى الواقع اللبناني ومقاربتها السطحية لمفهوم الفساد وآلياته وأسراره، إضافة إلى جعلها الصراع داخل عالم الفاسدين والمهربين، صراعاً درامياً زائفاً وغير حقيقي. وقد أكثرت من وجود الملفات الخطرة والسرية، وهي مجرد ملفات من ورق ولم تكشف المعلومات والأرقام والأسماء التي تتضمنها، مكتفية بجعلها تتنقل بين أيدي الشخصيات التي لا تعرف عنها سوى الإشاعات. يبدو أن كاتبة القصة والسيناريو جديدة في هذا العالم، ولا معرفة لديها بمعايير الكتابة والتحليل والتبرير ولا بالتقنيات التي تعد أساساً في هذا النوع من الكتابة.

فهم خاطئ

ولعل مشكلة المسلسل تبدأ في القصة والسيناريو، أي في الفهم الخاطئ للمعادلة الدرامية في شقيها الواقعي والفني. وهذه المشكلة تنسحب على الشخصيات وعلاقاتها وعلى الموضوعات أو "الثيمات" التي تمت معالجتها. ولئن كان ثمة شخصيات أساسية مثل مجد وحلا والوزير والأمير... فإن شخصيات بدت كأنها "ملصوقة" لصقاً في النص، من أجل زيادة العدد وملء الفراغ. وهذا ينطبق على بعض الأحداث التي وقعت وكأنها لم تقع. وما زاد من تفاقم الأخطاء هو اختيار باريس وهمياً طبعاً، لتكون المكان الرديف للوطن، ففشل النص والسيناريو في تبرير هذا الخيار الباريسي، كحافز سياسي وحتى تقني.

وعوض أن يسعى المخرج إلى تحاشي الوقوع في أخطاء النص والسيناريو، فهو ضاعف من حجمها وزاد عليها. فإذا باريس في نظره برج إيفل وحرج (لبناني تماماً) وسفارة ممسوخة وإعلام مفترض لا وجود له، ومؤتمر مفتعل غير مقنع بتاتاً. كيف يمكن أن يعلن مرشح إلى الانتخابات النيابية ترشحه في حرم السفارة التي تعد قانونياً جزءاً من الجمهورية؟ وهل يمكن أن يبلغ خضوع سفير لبنان لوزير مثل هذا الخنوع والتبعية؟ لم يحاول المخرج إنقاذ السيناريو من هفواته الكثيرة ولا القصة من ثغراتها، بل أنجز المسلسل بما توافر له، حتى عبر تصورات مرتجلة وغير مدروسة.

أما القصة الهزيلة فلم تخل من المفجاآت المفتعلة: الأميرة حلا (نوال بري) تعمل في مقهى باريسي بعدما اتهم والدها الأمير (جهاد الاطرش) زوراً وبهتاناً بسرقة آثار لبنانية وتهريبها، فتم حجز أمواله وممتلكاته. يلتقي مجد (ميشال حوراني) ابن وزير فاسد وثري (عصام الأشقر) بحلا في المقهى، ويقع بينهما سوء تفاهم سرعان ما يقوده إلى الإعجاب بها ثم حبها ووقوعها في حبه أيضاً، على رغم كبريائها والكراهية التي تكنها لابيه ولأسرته الفاسدة سياسياً ومالياً.

شخصية مجد

هذا هو الخيط الرئيس للقصة والمسلسل، ومنه تتفرع قصص الفساد والمواجهة وفضح هشاشة العائلات السياسية المزيفة والممعنة في لعبة استغلال السلطة والمواقع لتحقيق أرباح هائلة من خلال التزوير والتهريب وبيع الدواء المغشوش والتواطؤ... طبعاً الوزير ليس وحده في اللعبة، بل معه شركاء أبرزهم رجل متنفذ (وجيه صقر)، يتزوج من ابنة الوزير كي يجعلها لاحقاً رهينة لديه ويبتز بها الوزير وابنه مجد... تتشعب القصة الواهية اصلاً وتبرز قصص جانبية هزيلة ومفتعلة وغير منطقية، والغاية منها ملء الفراغ الدرامي. لكن شخصية مجد تظل هي الأكثر بروزاً لا سيما أن الممثل القدير ميشال حوراني هو الذي أدى دور هذا الابن المتمرد على أبيه وأمه وأعمالهما السوداء وغير الشرعية وسرقاتهما الكثيرة.

نجح ميشال في تجسيد هذا الدور ببراعة ورهافة وبدا فعلاً ذاك العاشق الذي يخوض حرباً على جبهتين، جبهة حبيبته حلا التي تنتمي إلى عائلة شريفة تخاصمها عائلته الفاسدة، وجبهة حربه مع أبيه وقراره فضح ألاعيبه وسرقاته وفضح شركائه وأولهم صهره الفاسد. ميشال حوراني حقق موقع النجومية في هذا المسلسل، هو خريج التخصص الأكاديمي في معهد الفنون - الجامعة اللبنانية وأستاذ مادة الدراما والمسرح في الجامعة نفسها وفي الجامعة الأنطونية. ممثل يملك أدواته ويطوع خبراته كي يمنح الشخصية التي يؤديها ملامحها الحقيقية وسلوكها الدقيق. وليت المخرج أو المنتج جعلا منه، إضافة إلى أدائه دور البطولة، مستشاراً فنياً في المسلسل، فكان ليساعد في تحاشي الثغرات.

حلول هزلية

أما الناحية غير المنطقية بتاتاً في المسلسل فهي استسهال حل المشكلات اللبنانية الشائكة، بل استغباء الجمهور في طرح مثل هذه الحلول المضحكة والهزلية، خصوصاً في ما يتعلق بالإصلاح السياسي والمالي والاقتصادي والاجتماعي والعائلي... كيف يمكن أن يثور أبناء السياسيين ضد آبائهم؟ ماذا عن التوريث السياسي والمالي والعائلي والعشائري الذي يمثل واحدة من المشكلات اللبنانية الجذرية؟ كل هذا ضرب من الخيال أو والسذاجة والوقوع في الوهم. وأطرف ما ظهر في حركة هذا الإصلاح تحولها إلى ما يشبه العمل الكشفي أو "الأخوي" والرعوي. لقد تجمع الشباب الإصلاحيون وسيطروا على الأموال المسروقة بقدرة قادر، وبدأوا ينفذون مشاريع إنمائية تحتاج إلى آلية تخطيط وتنفيذ، طويلة وصعبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا يحتاج المسلسل إلى عرض تفاصيله المملة والمضلة ، فهو وقع في التسرع والتسطيح والمبالغة وعدم وعي مسالك بل وكواليس الفساد اللبناني. لكن ما يجب التوقف عنده هو حضور مجموعة من الممثلين القدامى والجدد الذين أدوا أدوارهم ببراعة وحاولوا إنقاذ المسلسل والأدوار من الثغرات الكثيرة. هناك أولاً الممثلة القديرة والكبيرة وفاء طربيه ذات الإطلالة الطريفة واللطيفة، وهناك أيضاً الممثل القدير جهاد الأطرش، ثم: عصام الأشقر، رولا شامية، وجيه صقر، جان قسيس وسواهم. أما الممثلة الشابة والجديدة في هذا الحقل نوال بري، فهي بدت ذات إطلالة جميلة، لطيفة، طبيعية، حتى وإن توترت أحياناً أمام الكاميرا أو أسرعت في أداء الكلام. وجه جميل وواعد خصوصاً إذا ارتأت نوال بري الآتية من عالم الإعلام التلفزيوني، أن تجري دورة تدريبية في محترف للتمثيل المسرحي والتلفزيوني. وكم بدت الحملة التي قامت ضدها على وسائل التواصل الاجتماعي، ساذجة وحقودة ومفتعلة، مع أنها كانت أفضل من سواها من ممثلين كثيرين. ولعل هؤلاء الذين تشاطروا في نقدها والتحامل عليها هم من المتطفلين والكارهين الذين لا عمل لديهم سوى افتعال معارك طواحين هواء.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة