Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هاملت وثلاث عيون" عرض شكسبيري لثلاثة مخرجين

مقاربات مسرحية مصرية مختلفة تلتقي حول مفهوم التجريب الحديث

من مسرحية "هاملت وثلاث عيون" في القاهرة (الخدمة الإعلامية للفرقة)

حظيَ نص "هاملت"، أطول نصوص شكسبير، وأكثرها تقديماً على خشبات مسارح العالم، باهتمام عشرات المخرجين العرب، الذين قدّموه برؤى مختلفة ووجهات نظر ربما تتعارض بعضها مع بعض أحياناً، بل إن هذا النص ألهم عديداً من الكتاب الذين أعادوا صياغته، بمقاربات مختلفة، كل من وجهة نظره، وفارقوا فيه بعض مُجرياته الأصلية، ومنهم نجيب سرور، وممدوح عدوان، وجواد الأسدي، وجيرار أفيديسيان، وخزعل الماجدي، وأخيراً سامح مهران.

لقد أتاحت طبيعة هذا النص مساحة واسعة لكل من تعاملوا معه، بوعي وفهم لتأويلاته المتعددة سياسياً وفلسفياً ونفسياً واجتماعاً، لكي يقدموا وجهات نظرهم ورؤاهم، وأتاحت للمخرجين منهم أن يقدموه، كتابةً وإخراجاً، في أشكال ما بعد حداثية، ذلك لثراء النص وطاقته التي لا تنفد ولا تفقد بريقها بمرور الزمن. وهذا سر عبقريته التي جعلته مقصداً لكل الأجيال والاتجاهات.

ورشة إخراج

في مركز الإبداع في القاهرة، الذي يشرف عليه المخرج خالد جلال، أقام المخرج عصام السيد ورشة للإخراج المسرحي للدفعة الثالثة من ستديو المواهب، كان نتاجها عرض "هاملت وثلاث عيون". والمقصود بالعيون الثلاث هنا ثلاث وجهات نظر لثلاثة من المخرجين الجدد الذين تدربوا في الورشة، بحيث قدم كل منهم "هاملت" على طريقته، ومن زاوية نظره الخاصة، بعد قراءات عدة للنص وتحليله والنقاش حوله مع المدرب.

لا شك أنها مغامرة تحسب للمخرج عصام السيد، أن يقدم ثلاثة مخرجين نصاً واحداً، ومن زوايا نظر مختلفة، وفي عرض واحد متصل منفصل، بخاصة أن العرض اتسم بالانضباط الشديد، واستطاع تقديم رؤى فكرية وجمالية مختلفة، حققت قدراً كبيراً من المتعة. ولم يتوقف عند كونه عرضَ تخرُّج لمخرجين جدد يمكن أن يكتفي بتقديم بعض المشاهد التي تبرز قدرات هؤلاء المخرجين، بل التحدي هنا لم يكن فقط في التعامل مع نص واحد من خلال وجهات نظر ثلاث، بل كان أيضاً في كيفية صياغة ذلك كله في ضفيرة واحدة لا يشعر المشاهد معها بنقلات فجائية أو فاصلة تُربكه وتفسد عليه متعة المشاهدة.

ثلاثة أجزاء

جاء العرض في ثلاثة أجزاء استغرقت كلها خمسين دقيقة فقط، فلم نشاهد "هاملت" كاملاً، وإن كان الجزء الأول كثف النص وقربه للجمهور ليضعه في أجواء العمل الأصلي. اقتطع كل مخرج جزءاً من النص يعبر من خلاله عن وجهة نظره، ويبرز مهاراته الإخراجية التي اكتسبها، بل إن أحدهم في الجزء الثالث والأخير استخدم "هاملت" كخلفية فقط لقصة حب بين شاب جامعي وزميلته، عكس من خلاله فكرة "هاملت" المتردد.

ولأنه عرض لإبراز قدرات المتدربين، لم ينشغل المخرجون بالديكور، فظلت قاعة مركز الإبداع عارية تماماً إلا من بعض الأدوات التي يتم استخدامها عند الحاجة، مثل منصات صغيرة، وبعض المقاعد. ولا شيء آخر يمكن اعتباره ديكوراً بالمعنى الحرفي، وإن لم يشعر المشاهد بأن هناك نقصاً ما، فطبيعة خشبة مركز الإبداع نفسها لا تحتاج إلى كتل من أي نوع، ويمكن الاكتفاء ببعض الموتيفات أو الأدوات البسيطة لتؤدي الغرض. وإن ظل عنصر الإضاءة مهماً وضرورياً (صممها محمود طنطاوي) في تشكيل الصورة المسرحية، وإبراز انفعالات الممثلين بشكل يتيح وصول المعنى، أو المغزى من هذا المشهد، أو ذاك.

تعامل كلاسيكي

الرؤية الأولى قدمها المخرج محمد كسبان، الذي تعامل مع "هاملت" بنفس الطريقة الكلاسيكية المعتادة، وربما يكون الغرض هنا ربط الجمهور أولاً بالعرض وتعريفه بالقصة. استعرض بشكل سريع من خلال سبعة ممثلين، هم: زياد زعتر، ومحمد حافظ، ورحاب عصام، وخالد إبراهيم، وإيميل تلميذ، وميريت لويس، وعمرو باهي، الصراع الذي دار بين "هاملت" من ناحية، وأمه وعمه من ناحية أخرى، بعد أن رأى "هاملت" شبح أبيه، بشكل متكرر، يطالبه بالثأر لمقتله، فيدرك "هاملت" أن أمه وعمه وراء مقتل أبيه، بخاصة أن عمه استولى على العرش، وتزوج بأمه، واستعرض كذلك مأساة حبيبته "أوفيليا".

وإلى جانب رغبة المخرج في تعريف الجمهور بالقصة أولاً، وإظهار قدرته على تكثيف النص من دون خلل، وضحت مهارته في التعامل مع النص بطريقة كلاسيكة فيها من الرصانة والانضباط والعلامات، ما يشير إلى اكتسابه خبرات إخراجية نتيجة الورشة، وقدرته على رسم حركة الممثلين وتوجيههم إلى جوهر النص وطبيعة شخصياته ودوافعها، وهو ما انعكس على أدائهم هذا المشهد.

تداخل مع النص

وضع كهذا الجزء الافتتاحي الجمهور في أجواء "هاملت" الأصلية، ثم ينتقل العرض بسلاسة إلى الرؤية الثانية التي قدمها المخرج إسلام الشاعر بواسطة ستة ممثلين هم: رامي عبد المقصود، ومحمود الفرماوي، ورحاب عصام، ومحمد حسن، ومحمد حافظ، ونهلة كمال. وفي هذا الجزء أعمل المخرج خياله، وتداخل مع النص الأصلي وأجرى عليه بعض التعديلات والإضافات، وذلك من خلال مشهد "مصيدة الفأر" الذي قدمته فرقة الممثلين التي استعان بها "هاملت" ليكشف مؤامرة أمه وعمه، ويستشف ردود أفعالهما على المشهد، على أن هذا المشهد تم تقديمه بأكثر من اقتراح، فبعد أن تقدم الفرقة مقترح "هاملت" الذي يشير إلى تآمر الأم والعم، ينزعج هذان ويطالبان الفرقة بتقديم مقترح آخر يثبت انتحار الأب، وليس قتله، ويهددان الفرقة بالإعدام إذا لم تنفذ مطلبهما. تستجيب الفرقة وتقدم مشهداً يشير إلى انتحار الأب، لكنها تتعرض مرة أخرى، إلى تهديد "هاملت"، ممايضطرها إلى تقديم مشهد ثالث تراوح فيه ما بين القتل والانتحار، ويتحول الفنانون هنا إلى لعبة في يد السلطة، أو بمعنى أدق إلى "أراجوزات" في محاولة لإرضاء السلطة ولو على حساب الحقيقة أو ما يظن أنه حقيقة. ويتم تقديم هذه المشاهد الثلاثة بشكل كوميدي، وضح من خلاله مدى العمق الذي تعامل به المخرج مع "هاملت"، ليقدم وجهة نظر جديدة تتعلق ببطش السلطة، من ناحية، وهوان الفنانين أمام مطالبها من ناحية أخرى.

"هاملت" في الخلفية

وعلى عكس الرؤيتين السابقتين جاءت العين الثالثة للمخرج محمد مجدي الذي شارك في تمثيلها مع محمد مجدى كامبا، ونهلة كمال. فـ"هاملت" هنا بدا في الخلفية، ولم نكن بصدد القصة الأصلية. نحن في العصر الحديث، شاب وفتاة جامعيان، يلتقيان في أحد المقاهي، ليشرح الشاب للفتاة قصة "هاملت" المقررة لها في الفصل الدراسي، وهو في الوقت نفسه يحبها، لكن تردد "هاملت" ينسحب على علاقته بها، ولا يستطيع مصارحتها بحبه لها، وكأننا هنا بصدد تكرار أو مقابلة حديثة مع القصة الأصلية، وذلك في توظيف جيد وذكي للنص الأصلي، وإشارة إلى حرية المخرج في التعامل مع النصوص الكلاسيكية واكتشاف طاقات جديدة فيها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"هاملت وثلاث عيون" لم يكتفِ بكونه عرضاً لتكريس ثلاثة مخرجين جُدد، لكنه تجاوز ذلك إلى إمتاع مشاهديه فكرياً وبصرياً. وأكد أهمية الجدل مع نص "هاملت"، وغيره من النصوص الكلاسيكية، والتعامل معها بمزيد من الحرية، ومزيد من الخيال والتجريب من دون تشويه للنص الأصلي، أو طمس معالمه تماماً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة