أعطت صفقة استحواذ إيلون ماسك على شركة "تويتر" مقابل 44 مليار دولار، أغنى رجل في العالم قيادة موقع تواصل اجتماعي شديد النفوذ والتأثير، كونه المنصة الأهم التي يستخدمها القادة السياسيون والمشاهير والخبراء والنشطاء، وباعتباره مركز المعلومات الهائل لملايين المستخدمين حول العالم، لكن هذه الصفقة التي تجعله أقوى من الدول، بحسب ما يقول أحد زملائه، تثير كثيراً من الأسئلة المفتوحة حول مدى التأثير المباشر الذي يمكن أن يمارسه ماسك، وكيف سيترك بصمته على القضايا الاجتماعية والسياسية الضخمة، فهل سيحدث ماسك انقلاباً في سياسة "تويتر" أم سيتحرك بحذر على منصة حساسة قد تمثل سيفاً ذي حدين؟
وسعت صفقة إيلون ماسك نطاق استثماراته إلى ما هو أبعد من شركة "سبيس إكس" للصواريخ الفضائية، التي تخطط للهبوط على المريخ، وشركة "تيسلا" التي قادت اتجاه التحول نحو السيارات الكهربائية، ليصل إلى الاستحواذ على أهم منصة يستخدمها أصحاب النفوذ من السياسيين والخبراء والمشاهير، ما تجعله "أقوى من الدول"، على حد تعبير روس غيربر، مستثمر شركة "تيسلا" المقرب من ماسك، كونه يمتلك الآن أهم الأصول التكنولوجية في أميركا، وأحد أهم الأصول العسكرية في العالم، والآن لديه واحدة من أبرز أدوات التواصل عالمياً.
وعلى الرغم من أن ملكية "تويتر" تمنح ماسك سلطة على القضايا الاجتماعية والسياسية ذات الأهمية الهائلة، إلا أنه لا يعرف الكثير عما يخطط أغنى شخص في العالم لفعله، من خلال منصته المفضلة لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا يزال العديد من الأسئلة الرئيسة المتعلقة بمستقبل "تويتر" بلا إجابة، بينما يأمل مئات الملايين من المستخدمين، والعاملين في الشركة، أن يتكشف اتجاه سياسات المنصة الشعبية خلال فترة تتراوح بين ثلاثة إلى ستة أشهر، والتي يتوقع أن تستكمل خلالها اللمسات الأخيرة وباقي إجراءات الصفقة، كما سيتعين على ماسك إخطار المنظمين في لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل بتفاصيل صفقة الاستحواذ، وإذا تقرر مراجعة الصفقة فقد يستغرق الأمر فترة أطول.
ومع ذلك، أطلق ماسك، الذي تبلغ ثروته 259 مليار دولار، وفقاً لمؤشر بلومبيرغ، بعض التصريحات التي تشي بما يتجه لتنفيذه، وبخاصة ما يتعلق بحرية التعبير، فضلاً عن تقديرات المحللين لأفعال ماسك المحتملة بعد اكتمال ملكيته لـ "تويتر" وفيما يلي أبرز التوقعات.
من سيقود الشركة؟
أحد أكبر الأسئلة التي تواجه "تويتر" هو من سيعينه ماسك في منصب الرئيس التنفيذي الجديد، إذ يستبعد مراقبون استمرار الرئيس التنفيذي الحالي باراغ أغراوال، الذي قاد الشركة لمدة خمسة أشهر فقط بعد رحيل المؤسس المشارك جاك دورسي عن المنصب، كما أنه من غير المعروف من سيبقى من مجلس الإدارة الحالي، على الرغم من العلاقة الطيبة التي تربط بعضهم بماسك، وفي حين أن الشركة أصبحت كيانا مملوكا بالكامل من قبل إيلون ماسك، فإن ذلك لا يفسر مدى سيطرته على قراراتها، فهو يشغل حالياً منصب الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا"، التي تبلغ قيمتها السوقية تريليون دولار أميركي، وشركة "سبيس إكس" التي تقدر قيمتها في السوق الخاص بنحو 100 مليار دولار، كما يمتلك شركتين ناشئتين هما "نيورالينك" و"بورينغ كومباني".
ومن غير المعروف ما إذا كان ماسك، سيتبع نهج ثاني أغنى رجل في العالم جيف بيزوس مع واشنطن بوست التي اشتراها عام 2013 ويسمح لفريق إدارة مستقل بإدارتها؟ أم سيكون ماسك هو المالك العملي والمتحكم في قرارات الشركة؟ ولهذا ستقطع الإجابة شوطاً طويلاً لمعرفة من سيشرف على المحتوى، وما إذا كان العديد من الأشخاص البارزين الذين تم طردهم من الموقع سيعودون قريباً إلى عملهم.
حرية التعبير
لم يخف ماسك منذ فترة طويلة امتعاضه من أوجه القصور في "تويتر" كخدمة تواصل اجتماعي، وقال إنه يريد استعادة حرية التعبير، ولهذا سارع بإصدار بيان مع إتمام الصفقة، قال فيه إن حرية التعبير هي حجر الأساس لديمقراطية فاعلة، و"تويتر" هو ساحة المدينة الرقمية، حيث تتم مناقشة الأمور الحيوية لمستقبل البشرية، مؤكداً رغبته في أن يجعل "تويتر" أفضل من أي وقت مضى من خلال تحسين المنتج بميزات جديدة، وجعل الخوارزميات مفتوحة المصدر لزيادة الثقة، والتحقق من هويات جميع المستخدمين.
وعلى الرغم من ترحيب غالبية المحافظين بسياسات ماسك واستحواذه على "تويتر"، التي كانوا يعتبرونها ذراع قمعية للحكومة، ومجلس عسكري حاكم على حد وصف حاكم ولاية فلوريدا للشركة، إلا أن منتقدي ماسك يتخوفون من أن يسمح بنشر محتوى متطرف على الموقع، وهو ما كان مجلس الإدارة الحالي وغيره من منصات التواصل الاجتماعي يكافحون للقضاء عليه.
ومع ذلك، وضع ماسك رؤيته لمستقبل "تويتر" في تغريدة عبر فيها عن أمله بأن يظل حتى أسوأ منتقديه مستمراً على "تويتر"، لأن هذا هو ما تعنيه حرية التعبير، وتعهد ماسك بأن يضع قرارات الإشراف على المحتوى في منظور واضح، على الرغم من أن بعض الباحثين قالوا إن ذلك سيكون صعباً.
جدل متوقع
وتشير صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه من المحتمل أن يؤدي تولي ماسك زمام الأمور في "تويتر"، إلى إعادة إشعال الجدل حول ما إذا كان يتعين على شركات وسائل التواصل الاجتماعي القيام بعمل أفضل في مراقبة المحتوى مثل خطاب الكراهية والعنف، أو ما إذا كان ينبغي عليهم اتباع نهج عدم التدخل، وهو توازن صعب لجميع وسائل التواصل الاجتماعي حيث بدأ موقع "تويتر" بنهج عدم التدخل، لكنه فرض المزيد من الإشراف على المحتوى والرقابة عليه، بما في ذلك حظر حساب الرئيس السابق دونالد ترمب عقب أحداث اقتحام الكابيتول في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021.
ولا يتخيل الليبراليون تحول منصة "تويتر" بطريقة سحرية إلى مكان يعج بالكراهية والمضايقات والمعلومات الكاذبة، حسب قولهم، لكنهم يحذرون من تدهور "تويتر" ببطء حال تغير الضوابط التي تحكم الخطاب العام على "تويتر".
ويقول موقع "ذي أتلانتك" إنه من السهل تخيل ماسك باعتباره المنقذ الذي سينقض ويكتشف الصلصة السرية التي تحافظ على روح حرية التعبير حية مع السماح بالنقاش الحر، إلا أنه لا يوجد سيناريو واقعي يستمر فيه الملايين من المعلمين والأكاديميين والعلماء والسياسيين حول العالم في استخدام منصة، ينتشر عليها تعليقات وتغريدات يعتبرها البعض مجرَمة في الولايات المتحدة، ما يعني ضرورة الإشراف على المحتوى.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست عن موظفين سابقين في "تويتر" قولهم إن الشركة نظرت في إدخال خوارزميات يمكن للمستخدمين من خلالها اختيار طرق مختلفة لعرض تغريداتهم، لكن الجهود المبذولة لتقديم المزيد من الشفافية أثبتت أنها عملية صعبة، بسبب ارتباط خوارزميات "تويتر" بأجزاء أخرى من المنتج، وأن جعل الخوارزميات مفتوحة قد يكشف عن أسرار تجارية ويدعو إلى سوء المعاملة.
ماذا سيحدث مع رسائل وبيانات "تويتر" الخاصة بك؟
ليس من الواضح ما إذا كان ماسك سيجري أي تغييرات على سياسة خصوصية الشركة، لأنه لم يعلن عن أي خطط للتغيير، وربما يواجه رد فعل عنيف إذا أصبحت بيانات المستخدمين أقل أماناً، خصوصاً أن امتلاكه "تويتر" سيتيح له التحكم في البيانات الأكثر حساسية للمستخدمين، مقارنة بالبيانات التي تجمعها شركتي "تيسلا" و"سبيس إكس".
وعلى سبيل المثال، فإن رسائل "تويتر" المباشرة (دي إم إس) ليست مشفرة، مما يعني أنها أقل أماناً وربما يسهل على الأشخاص داخل الشركة عرضها، لأنها لا تتطلب مفتاح تشفير، وعلى الرغم من أن لدى "تويتر" خيار حذف الرسائل المباشرة، إلا أنه يحذر من أن الإجراء، يزيل فقط البيانات بالنسبة للمستخدم الفردي، بينما لا يزال بإمكان الأطراف الأخرى رؤيتها، ما يعني الاحتفاظ بها على خوادم "تويتر"، وقد كان ذلك سبباً في جعل رسائل ماسك المباشرة أو الخاصة عامة، ففي العام الماضي أرسل ماسك رسالة إلى مراهق كان يدير حساباً يتتبع طائرته الخاصة، وعرض عليه ماسك 5000 دولار ليحذف الحساب، إلا أن المراهق رفض العرض.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هل سيعود ترمب؟
حظر مجلس إدارة "تويتر" حساب الرئيس السابق دونالد ترمب العام الماضي لانتهاك قواعده، وهي خطوة أثارت غضب ترمب والعديد من السياسيين المحافظين، ولهذا كانت هناك رهانات كبيرة من المحافظين أن يعود حساب ترمب للعمل من جديد مع التحول في ملكية "تويتر"، كما أوضح ماسك أنه لا يحب ما يعتبره سياسات الرقابة في الشركة.
غير أن ترمب أعلن بوضوح أنه لن يعود إلى "تويتر" حتى لو رفع ماسك الحظر الذي فرض عليه، مؤكداً في حديث لـ "فوكس نيوز" أنه سينشر آراءه عبر شبكته الجديدة للتواصل الاجتماعي سوشيال تروث، ومع ذلك لا يعتقد بعض مستشاري ترمب، أنه سيكون بوسعه الابتعاد عن مكبر الصوت الذي كان له فضل كبير في صعوده إلى الرئاسة.
وفي حين أن ترمب وصف موقع "تويتر" علناً بأنه ممل وغير ذي صلة، إلا أنه لا يزال يراقب الموقع كثيراً، عبر متابعة تغريدات من سياسيين وصحفيين يسلمها إليه مساعدوه، ويتحسر ترمب بانتظام على عدم وجوده في ساحة "تويتر"، ويشكو من أن قاعدة معجبيه لا تعادل واحد في المئة من ذروة متابعيه في "تويتر"، التي بلغت أكثر من 88 مليون متابع.
أهداف ماسك
يلعب "تويتر" منذ فترة طويلة دوراً عملياً في إمبراطورية ماسك التجارية، لا سيما كأداة للعلاقات العامة حسبما ديفيد كيرش، الأستاذ في "كلية روبرت إتش سميث للأعمال" بجامعة ميريلاند الأميركية، الذي يرى أنه "لم يستفد أحد من وجود "تويتر" أكثر من إيلون ماسك، وإذا كان دونالد ترمب قد نجح في استخدام "تويتر" للفوز بالرئاسة، فإن إيلون ماسك استخدمه للحفاظ على النقاش العام حول تقنية شركة "تيسلا" والترويج لها، ودعم أسهمها عندما كانت الشركة معرضة لخطر الانهيار، وهو ما يفعله ماسك حتى الآن مع كل إطلاق صاروخي لمركبات شركة "سبيس إكس" الفضائية، أو مع اختبارات شركة "نيورالينك".
وعلاوة على ذلك، يوفر "تويتر" أيضاً منصة إطلاق محتملة لعملة "بيتكوين"، وهي إحدى هواجس ماسك الذي يتخذ مواقف جريئة لصالح العملة المشفرة من وقت إلى آخر، وتحتفظ شركته "تيسلا" بعملة "بيتكوين" في ميزانيتها العمومية، كما أنها في وقت ما، قبلت عملة "بيتكوين" كوسيلة للدفع، وبالنظر إلى مدى انتشار "تويتر" وقدرته على ربط المستخدمين في مناطق بعيدة، يمكن أن يراه ماسك كأداة نهائية لتحقيق حلم طويل الأمد يتمثل في الترويج لعملة عالمية غير حكومية، كما يمكن أن تساعد علاقة ماسك الودية مع القوى الموجودة في الصين، حيث تدير "تيسلا" مصنعاً هناك، شركة "تويتر" على العمل مرة أخرى في الصين، بعدما تم حظر الموقع هناك.