Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حتى لو فاز ماكرون فإن لوبن قد ربحت الحرب الأيديولوجية

الواضح أن ماكرون تفوق من دون عناء في المناظرة التلفزيونية لكن المثير للقلق هو أن لوبن تبدو حالياً وكأنها ارتقت لتكون جزءاً من تيارات المتن السياسي الفرنسي

لم تجر مناظرة بين المرشحين في انتخابات 2002 لأن جاك شيراك رفض الجلوس على طاولة واحدة مع مرشح من "الجبهة الوطنية" (غيتي)

كان قد مضى نصف المناظرة التلفزيونية تقريباً [بين الرئيس الفرنسي إيمانيول ماكرون ومنافسته مارين لوبن] التي دامت 3 ساعات يوم الأربعاء عندما لاحظت في هامش دفتر ملاحظاتي أنني دونت التوقيت، وعبارة: "10:25 مساءً ــ إن مارين لوبن تعلم أنها خسرت الانتخابات".

ليس بسبب توقعنا أن مارين لوبن ــ وعلى الرغم من كل ما فعلته لتلطيف صورتها [إزاء الناخبين المحتملين] وإطلاقها اسماً جديداً على حزبها "التجمع الوطني" National Rally، بدلاً من اسم الحزب القديم "الجبهة الوطنية" National Front ــ لم يكن لديها أمل بالفوز في المناظرة الخاصة بالانتخابات. الرئيس إيمانويل ماكرون بارع في تعامله مع الإعلام والتلفزيون، وهو يعلم ذلك. فهو يتمتع بوضوح بكل ما له علاقة بالمناقشة والمقاطعة والهجوم [التلفزيوني]، وهو أيضاً في موقع متقدم أصلاً [على لوبن] لكونه أمضى في موقعه على رأس هرم السلطة الفرنسية [في السنوات الخمس الماضية]، وكانت المناظرة ربما لتسيء إلى سجله، ولكنه لم يخسرها.

إن نقطة التحول برزت بعد شد وجذب في المناظرة حول الاقتصاد. الرئيس ماكرون تلا محاضرة عن صعوبة الخيارات التي تتعلق بالميزانية، والتي على أي زعيم مسؤول أن يتخذ قرارات بشأنها وطرح عليها السؤال عن كيفية تصرفها لموازنة دفاتر العائدات والمصاريف [في الدولة]، قبل أن يقول لها وكأنه يهزأ منها بأن تلجأ إلى أصدقائها الروس [لمعرفة ذلك] في إشارة إلى القرض الذي حصل عليه حزبها "الجبهة الوطنية" من مصرف روسي قبل خمس سنوات. وعندها استعد ماكرون في إجابته لطرح السؤال التالي ــ المتعلق بوضع القطاع الصحي ــ مضيفاً طريقة رئاسية في التعبير عن شكره للعاملين في هذا القطاع. في ذلك الوقت يمكن القول إن المناظرة حسمت [لصالحه] وانتهت المناظرة على الرغم من أنه كانت هناك ساعة ونصف الساعة باقية على انتهائها.

المفاجأة في الواقع، ربما لم تكن في أن ماكرون قد نجح في الفوز في المواجهة ــ فاستطلاعات الرأي التي أجريت مباشرة بعد المناظرة التلفزيونية اعتبرته فائزاً لحصده 59 في المئة من النقاط مقابل 39 في المئة من النقاط الأخرى ذهبت للمرشحة لوبن ــ لكن المفاجئ كان أن لوبن قد بدت بصورة المنافسة الواثقة. وأكثر من ذلك أن هذه هي ربما الخلاصة الأكبر التي يمكن استنتاجها من هذه المبارزة.

لطالما كانت المناظرات التلفزيونية جزءاً أساسياً من الانتخابات الرئاسية الفرنسية على مدى الأعوام الخمسين الماضية، لكن هذه المناظرة كانت الثانية فقط التي يلتقي فيها نفس المرشحين مرتين متتاليتين وهو ما سمح بعقد مقارنات [مع المناظرة السابقة].

 

لقد بدا الرئيس ماكرون أكثر نضجاً بالمقارنة، فيما احتفظ بالكثير من عنجهيته الشبابية. في الساعة الأولى من المناظرة كادت ملامح ماكرون التي تبدى عليها الضجر والتبرم أن تؤدي إلى تنفير المشاهدين، بحسب اعترافات المسؤولين عن حملته الانتخابية. في تلك الأثناء، بدت لوبن كإنسان طبيعي على الرغم من أسلوبها المثير للجدل، مبتسمة ومحببة. بالمقارنة بدا ماكرون متعجرفاً وغير مُبالٍ ومتحفظاً.

لكن وعلى نحو تدريجي، بدأ ماكرون في إظهار هيبة جديدة معتمداً في ذلك على خبرته [الرئاسية] ونجح في التعامل مع الأسئلة التي بدأ يجدها أكثر جاذبية بالنسبة له ــ خصوصاً تلك المتعلقة بتفاصيل ودقائق الأمور المتعلقة بقراراته الاقتصادية، والمواضيع المتعلقة بالعلاقات الدولية، والإسلام في فرنسا، ولكن لا بد من القول هنا أيضاً، إن الظهور بمظهر المتحفظ، وأن يظهر عليه بعض العجرفة (إلى حد ما) قد لا يكونان عوامل سلبية تؤذي صاحبها إذا كان هذا الشخص رئيساً للدولة الفرنسية.

تلك الصفات أسهمت قبل خمسة أعوام في التغطية على واقع صغر سن ماكرون وشبابه: فرئيس الدولة الفرنسية يتوقع منه أن يُبقي على شيء من الترفع وبعض الهالة التي تضعه هو ــ وليس مارين حتى الآن ــ في مرتبة مغايرة [مفارقة] عن الناس العاديين. فإنجازات لوبن في السنوات الخمس الماضية كانت مختلفة: فهي نجحت في إعادة إظهار نفسها في قالب يسمح بتقبلها بشكل أكبر ــ أو في قالب ينفر منها الآخرين بدرجة أقل ــ كمرشحة. ربما تكون مارين لوبن قد خسرت مناظرة هذه السنة، لكن لم يعد يبدو عليها أنها مدعية لا تستحق مكانتها على الطاولة [المشاركة في الانتخابات].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المفارقة الأخرى في هذه القضية بين الأمس واليوم تعكس بالتأكيد سنوات الخبرة الإضافية للجانبين. في العام 2017، كان الطرفان قد خاضا المناظرة على أساس المبادئ [السياسية] تماماً كما دارت حيال مواقفهما السياسية. وبذلك كانت مواجهة تستحق أن تعتمد كدروس تقليدية في السياسة والمسؤوليات المدنية حول العالم. ولم تكن بذلك، كما أذكر، مواجهة أحادية الجانب صبت في مصلحة الرئيس ماكرون كما تم تصنيفها إلى حد ما في حينه. مناظرة هذا العام ركزت بشكل أكبر على حيثيات السياسات أكثر منها على القضايا الرئيسة. وإذا  أخذنا في الاعتبار تحديات هذه الأيام، في فترة ما بعد جائحة "كوفيد"، وصولاً إلى ارتفاع الأسعار، إضافة إلى الحرب الأوكرانية، تناول مثل هذه المسائل أمر يعتد به في معظمه.

وبرز أمر آخر من مناظرة هذا العام في النقاش الرئاسي الفرنسي: وهو الحد الذي بلغه تيار اليمين المتطرف ــ أو أقله نوع اليمين المتطرف الذي انتهجته لوبن ــ والذي أصبح يشكل جزءاً من التيارات السائدة في الأوساط الفرنسية.

قبل عشرين عاماً كانت فرنسا برمتها ــ أو هكذا بدت على الأقل بالنسبة إلى الناخبين المؤيدين للجبهة الوطنية ــ كانت قد بدت مصدومة إلى أقصى حد [مزعزعة الأركان] بوصول والد لوبن جان ماري، إلى دورة الانتخابات الثانية في مواجهة جاك شيراك، بعد حلول مرشح الحزب الاشتراكي الفرنسي ليونيل جوسبان Lionel Jospin في المرتبة الثالثة (في دورة الانتخابات الأولى). ولم تجر أي مناظرات بين المرشحين في تلك السنة لأن الرئيس شيراك رفض الجلوس على نفس الطاولة في مقابل (مرشح) "الجبهة الوطنية" في 2002، ودعى إلى وحدة الفرنسيين في مواجهة ما اعتبر في حينه تهديد تيار اليمين المتطرف، وخلص في النهاية إلى الفوز في الرئاسة بشكل كاسح، لكن ذلك كان في الماضي.

رد الفعل كان أكثر هدوءاً بعد وصول مارين لوبن إلى مرحلة الانتخابات الثانية قبل خمس سنوات، لكن ذلك كان هدوءاً يشوبه القلق، هذا العام، تبددت حتى فكرة القلق الهامشي هذا [التلميح إلى طيف هذا القلق]. منافس لوبن الأساسي في الدورة الثانية من الانتخابات لم يكن مرشحاً تابعاً للتيار التابع للديغوليين، لكن كان في المواجهة جان لوك ميلانشون Jean-Luc Melenchon من تيار اليسار المتطرف، وستكون محاولة جذب أصوات المقترعين لصالح ميلانشون الأثر في تحديد إلى من ستميل كفة الأرجحية في آخر أيام الحملات الانتخابية.

التغيير هذا يعود في جزء منه إلى مارين لوبن ــ ولو بشكل سطحي ــ لا سيما إعادة صياغة شخصيتها، ولكن ذلك يعكس أيضاً إلى أي حد صارت "الجبهة الوطنية" تعتبر جزء من "النسيج الطبيعي" لمكونات السياسة الفرنسية. ولم تكن تلك السمة "الطبيعية" أكثر وضوحاً في ما [توافق الجميع] على اعتباره الجزء الأكثر جذباً خلال المناظرة، أي موضوع الإسلام وارتداء المرأة للحجاب في فرنسا، والذي تسعى لوبن إلى عدم تشجيعه، إن لم نقل السعي لحظره.

وهذا ليس نقاش مستجداً في فرنسا. فقضية ارتداء الحجاب، إضافة إلى مواضيع الرموز الدينية الأخرى، التي يحظر ارتداؤها القانون الفرنسي في المدارس كانت قد أثارت جدلاً في عام 2004. فغطاء الوجه الكامل تم حظره في الأماكن العامة في عام 2010. الرئيس ماكرون ولوبن اختلفا في مناظرة العام 2017 حول الادعاءات التي ساقتها لوبن عن اجتماعات بين ماكرون والمنظمة التي تنضوي تحتها الجمعيات التي تمثل المسلمين في فرنسا، لكن الطريقة الهادئة التي ناقش فيها الجانبان (ماكرون ولوبن) أهمية الحجاب، والطبيعة العلمانية للدولة الفرنسية، والأعمال الإرهابية التي ارتكبت باسم الإسلام المتطرف قد تؤشر ربما إلى تغييرات دائمة قد طرأت على المشهد.

ماذا سينتج عن ذلك ربما سيصعب التنبؤ به. هل يعني ذلك أن فرنسا في طريقها لتصبح أكثر تقبلاً مما سبق لوجود اتباع الديانة الإسلامية فيها؟ أو أنها تعني العكس من ذلك، وهو أن نهج سياسة اليمين المتطرف قد دخل عهداً جديداً أصبح فيه جزءاً من نسيج السياسة الفرنسية، وأن فرنسا ككل قد جنحت أكثر نحو اليمين؟

إذا كانت الـ"لو بينية" Le Penism [نسبة إلى لوبن]، قد أصبحت مقبولة على نحو لم يكن مقبولاً [على خلاف ما كانت عليه] قبل عشرين عاماً مضت، وإذا  كان ذلك تغيراً مستداماً، أم أن ذلك سيدوم فقط طالما بقيت [في فرنسا] شخصية "ماكرونية" مسيطرة على المجال الوسطي [يمين الوسط] في السياسة، والذي يحشر اليمين واليسار أكثر باتجاه التطرف؟ حتى الآن، لن يمكننا التنبؤ بما ستنتهي إليه الأمور، لكن بعض تلك الأجوبة ستبدأ بالظهور تباعاً، فيما يبدو هذه الأيام بأن عهداً رئاسياً ثانياً للرئيس ماكرون قد بات أمراً محسوماً.

© The Independent

المزيد من تحلیل