Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"باب العامود"... الملاذ الوحيد للمقدسيين وسط انعدام المكان

مضاعفة ميزانية الخطة الخمسية لتطوير شرقي القدس من 656 مليون دولار إلى أكثر من مليار

ساحة "باب العامود" تتحول إلى مهرجان شعبي عقب صلاة التراويح بالمسجد الأقصى (اندبندنت عربية)

عقب أداء صلاة التراويح في المسجد الأقصى، سرعان ما تتحوّل ساحة "باب العامود" إلى مكان أشبه بمهرجان شعبي ضخم يعج بمئات الشباب والأطفال وأكشاك الطعام والحلويات. فعند المدرجات الحجرية وإلى جانب الأسوار العتيقة المتاخمة لعتبات البلدة القديمة، تتزاحم أصوات الباعة والمارين من هناك مع أنشطة شبابية تراثية ودينية وثقافية مختلفة، يطلقها المقدسيون الجالسون هناك يومياً، إذ يُعتبر "باب العامود" بالنسبة إلى معظمهم، المحطة الوحيدة والأخيرة لفرض طابعهم العربي وسيادتهم الفلسطينية في مدينة القدس.

تجهيزات أمنية

كحيّز عام شعبي جداً، يبدع سكان المنطقة بأساليب متنوعة لتحدي القيود المفروضة عليهم للوجود في هذا المكان وتعزيز انتمائهم وملكيتهم فيه، خصوصاً أن الشرطة الإسرائيلية وبلدية القدس سعتا مراراً خلال الأعوام الأخيرة إلى تغيير تلك المظاهر، بحيث تحولت منطقة باب العامود إلى ثكنة عسكرية وأقامت 4 نقاط شرطية، وقصت الأشجار لوضع عشرات كاميرات المراقبة، كما نصبت سواتر حديدية بطريقة تقيّد مساحة جلوس وحركة المقدسيين، وأتبعت ذلك بنصب مركز متنقل لها قرب الباب، كما ثبّتت طواقم متخصصة كشافات إضاءة أعلى غرف المراقبة في محيطه.

وبعدما تصاعدت الاشتباكات في رمضان الماضي إلى حرب مع قطاع غزة استمرت لمدة 11 يوماً، وضع الجيش والشرطة في حال تأهب قصوى هذا العام، في محاولة لمنع تصعيد مماثل. وصادقت الحكومة الإسرائيلية على سلسلة من الخطوات تهدف إلى تخفيف حرية الحركة للفلسطينيين، التي تكون عادة مقيّدة بشكل كبير. فيما أعلنت الشرطة عن نشر 3000 عنصر في محيط المسجد الأقصى وأزقة البلدة القديمة، مع التركيز على نشر قوات علنية وسرية في منطقة "باب العامود".

ووفقاً لمركز معلومات وادي حلوة في القدس، اعتقلت الشرطة الإسرائيلية من منطقة "باب العامود" ومحيطها منذ مطلع أبريل (نيسان) الحالي، أكثر من 134 فلسطينياً، بينهم 29 قاصراً وسيدة، كما تم إبعاد 47 مقدسياً عن البلدة القديمة، وتحويل العشرات من الشبان إلى الاعتقال الإداري (حبس من دون تهمة).

وأوضح المركز أن "اعتقالات ميدانية عدة نفذت من خلال وحدة المستعربين والشرطة المتخفية بالزيّ المدني"، لافتاً أن "القوات الإسرائيلية تنتشر بأعداد وفرق كبيرة منذ بداية رمضان، وفي أول أسبوع، قمعت الموجودين عند باب العامود مرات عدة بالضرب والدفع والاعتقالات، وسُجل خلال الأيام الأولى من أبريل ما يزيد على 30 إصابة". وأضاف محامو المركز أن "معظم المعتقلين تعرضوا للضرب خلال الاعتقال والاحتجاز والنقل إلى مركز التحقيق، إضافة إلى الشتائم والتهديدات المتواصلة".

فرض السيادة

وفق ادعاءات الشرطة الإسرائيلية، تحوّلت منطقة "باب العامود" منذ بداية شهر رمضان إلى "حلبة للقيام بأعمال شغب وإخلال بالنظام العام ورشق الحجارة والزجاجات الفارغة". وقالت الشرطة في بيان، "لن نسمح لهذه القلّة بالعمل على التحريض والعنف ومن يختار الإخلال بالنظام والشغب والانخراط في أعمال عنف من أي نوع، يضر أولاً وقبل كل شيء بالجمهور الكبير من المصلين والتجار والزوار، الذين رغبت الغالبية العظمى منهم بالاحتفال برمضان بسلام وأمان، مع الحفاظ على حرية العبادة".

وفي إشارة إلى الأوضاع الأمنية المتوترة في المنطقة، قال وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد، بحسب بيان صادر عن مكتبه، "هذه فترة صعبة ومتوترة، لكن لدينا قوة شرطة يمكن الاعتماد عليها لتجاوز هذه الفترة المعقدة". في حين وجّه وزير الدفاع بيني غانتس رسالة إلى الفلسطينيين مفادها بأن "أي تخفيف في القيود خلال هذا الشهر سيعتمد على الوضع الأمني".

 وقال رئيس الهيئة المقدسية لمناهضة التهويد ناصر الهدمي، "ربما يبدو لدى البعض أن المواجهات والاعتقالات اليومية عند باب العامود تندلع على خلفية نصب الشرطة للحواجز الحديدية في المكان وتضييق الحيز المكاني على المقدسيين، لكن الحقيقة أن المعركة الأساسية هي على الهوية، فإسرائيل لا تستوعب غياب الوجود اليهودي في المكان، وأن المقدسيين سيواصلون الازدحام فيه والتوافد إليه لو وضعوا في كل متر كاميرا وشرطياً"، مضيفاً، "رمضان الماضي، وضعت السلطات الإسرائيلية حواجز حديدية على مدرجات باب العامود، ومنعت الأهالي والشبان من الجلوس والتجمهر، ما أدى إلى اندلاع مواجهات عنيفة، استخدمت خلالها القوات القوة والعنف والرصاص المطاطي والقنابل والمياه العادمة، بهدف تفريغ المنطقة من المقدسيين، لكن الذي حدث فعلياً، أن الرغبة بفرض السيادة الإسرائيلية على باب العامود عنوةً، سرعان ما حوّلت شرارة المواجهات إلى حراك شعبي واسع عمّ أرجاء المدينة، وأدى إلى تصعيد كبير لم يكُن بالحسبان بالنسبة إلى الإسرائيليين".

وتابع ناصر الهدمي، "باب العامود الذي يُعتبر أشهر بوابات البلدة القديمة، بات أيقونة وطنية واجتماعية للمقدسيين، ويحدد جزءاً من هويتهم، وهو المدخل الرئيس للمسجد الأقصى وكنيسة القيامة وعدد من الأماكن المقدسة، وفي الوقت ذاته هذا الباب يستخدمه اليهود للوصول إلى حائط البراق وحارة اليهود داخل البلدة القديمة، واستمرار وجود هذا الكم الكبير من الفلسطينيين على مدرجه يشكّل بالنسبة إليهم ثغرة أمنية خطيرة، لذا تسعى السلطات إلى محو تلك الهوية وفض التجمعات ومنع التجمهر بأي طريقة ممكنة، وتغيير هذا الواقع بشكل كلّي، وتمارس جملة من الإجراءات للضغط على الفلسطينيين لهجر المدينة".

ملاحقة وإغلاق

في تسعينيات القرن الماضي، أغلقت الحكومة الإسرائيلية 50 مؤسسة فلسطينية في القدس، ووضعت 49 أخرى على قائمة المهددة بالإغلاق، وفي نهاية عام 2019، أقفلت مزيداً من المؤسسات الفلسطينية العاملة في المدينة بذريعة تنظيم أنشطة للسلطة الفلسطينية، أو نيابة عنها، أو تحت رعايتها، في نطاق "دولة إسرائيل"، من دون تصريح. ومع بداية أبريل الحالي، جددت السلطات الإسرائيلية إغلاق 28 مؤسسة وجمعية وهيئة فلسطينية ناشطة في مدينة القدس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مستشار ديوان الرئاسة لشؤون القدس أحمد الرويضي، قال في بيان، "لدينا قناعة أن إسرائيل تريد تهجيرنا من أرضنا، ومنع مؤسساتنا الاقتصادية والشبابية والمجتمعية والثقافية من خدمة المجتمع المقدسي، وإيجاد بدائل مؤسساتية تخدم المشروع الإسرائيلي تحت عنوان المراكز الجماهيرية، وهذا الوجه العنصري لإسرائيل التي تعتقد واهمة بقدرتها على كسر إرادة المقدسيين وفرض الأمر الواقع عليهم"، وأضاف أن "هذا الإغلاق يشكّل مخالفة للقانون الدولي الذي يعتبر القدس محتلة، بموجب قرارات عدة صدرت عن مجلس الأمن والمحاكم الدولية المتخصصة، وألزم القانون الدولي إسرائيل عدم التعرض للحقوق المدنية والاجتماعية للشعب، وهذا يفرض التزامات على الدول جميعاً بموجب عضويتها في الأمم المتحدة بالضغط عليها للتراجع عن إجراءاتها المخالفة في القدس الشرقية".

متنزهات وحدائق

يقول مقدسيون إن "غياب الحدائق والمتنزهات والأماكن العامة والترفيهية وإغلاق عدد من المؤسسات الثقافية والشبابية والمراكز الرياضية والفنية في مدينة القدس، دفعاهم إلى التشبث بساحة باب العامود كونها المتنفس الوحيد المتبقي لديهم". في حين أشارت بلدية القدس، بحسب موقعها الرسمي، إلى أنها "استثمرت قرابة 12 مليون دولار خلال الأعوام الخمسة الماضية في تطوير الحدائق والمنشآت الرياضية والملاعب، وإلى وجود حوالى 70 حديقة ناشطة في 52 حياً مختلفاً في القدس بشطرَيها، كما أعلنت مضاعفة موازنة الخطة الخمسية للأعوام 2023-2028 في شرق المدينة من 656 مليون دولار إلى مليار وربع المليار"، وأوضحت البلدية أنها خصصت قرابة تسعة ملايين دولار لإنشاء متنزه ضخم لمنطقة وادي الجوز هو الأول من نوعه شرق القدس، سيمتدّ على مساحة 25 ألف متر مربع، وسيشمل مناطق جلوس وملاعب ومرافق رياضية ومسارات المشي وركوب الدراجات ومناطق شاسعة للرياضة والاستجمام ومناطق للتجمعات والنزهات، وقالت البلدية إن "الوصول إلى المتنزه الجديد سيكون متاحاً من خلال مسارات الدراجات في المدينة والمؤسسات العامة والمدارس التي سيتم بناؤها في المنطقة بأكملها"، مؤكدة أن "الحديقة ستخدم سكان وادي الجوز والشيخ جراح والأحياء المحيطة، وستكون نقطة جذب لزوار المدينة".

رئيس بلدية القدس موشيه ليون، وبحسب الموقع الإلكتروني للبلدية قال، "أبارك المشروع الضخم الذي هو جزء من الخطة الاستراتيجية التي نقودها شرق المدينة وهو جزء من طفرة البناء في القدس ككل. المشروع سيسهم بشكل كبير في الترفيه والثقافة والسياحة ومستقبل المنطقة بأكملها"، وأضاف، "شرق المدينة جزء لا يتجزأ من القدس. وفقاً للسياسة المطبقة، تلتزم بلدية القدس وتعمل باستمرار على الاستثمار في شرق المدينة في مجموعة واسعة من القضايا، مثل الثقافة والتعليم والنظافة والرياضة والرعاية والمجتمع والمباني العامة لاستخدامها"، وتابع، "تُنفّذ أنشطتنا بالتعاون مع الجمهور وقادة المجتمع وسنواصل العمل مع جميع الأطراف في الدولة لتزويد السكان بالخدمة والاهتمام لمواصلة تطوير القدس الشرقية".

لكن مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري نفى تصريحات ليون وأكد أن "البلدية تهدف من خلال المشاريع التطويرية المختلفة إلى تهويد ما تبقى من أحياء العرب في شرق القدس وطرد سكانها، فالحدائق ستتسبب بهدم عشرات المنازل والمنشآت التجارية التي اضطر أصحابها إلى البناء من دون ترخيص وستؤدي إلى تشريد مئات الفلسطينيين وحرمانهم من مصدر رزقهم الوحيد"، مشيراً إلى أن الهدف من تلك المشاريع هو "تشويش الشباب المقدسي وجعلهم غرباء داخل مدينتهم، وتغييبهم عن باب العامود والمسجد الأقصى وغيرها من الأماكن المقدسة".

غرامات وضرائب

ويرى مراقبون ومتخصصون في الشأن المقدسي أن "الحكومة الإسرائيلية تشدد من إجراءاتها العقابية بحق الفلسطينيين عند باب العامود ليس لوأد الوجود الشبابي فحسب، بل لوقف الحركة الفلسطينية التجارية باتجاه البلدة القديمة وتدمير اقتصادها، إذ كانت البسطات تعرض بضاعتها على طرفي الباب قبل أن تمنعهم البلدية من ذلك، ولاحقت مزارعات القدس والضفة الغربية، ومنعتهنّ من عرض بضائعهنّ من الفواكه والخضار كما اعتدن لأعوام، في وقت شكا أصحاب الأكشاك الصغيرة من الغرامات والمخالفات والضرائب الباهظة التي تُفرض عليهم عند وقوفهم في منطقة باب العامود"، وتشير إحصاءات إسرائيلية رسمية إلى أن 75 في المئة من الفلسطينيين شرق القدس فقراء، كما تتحدث الإحصاءات عن أن نسبة البطالة بين الفلسطينيين بالقدس تصل إلى 25 في المئة.

بلدية القدس بدورها أكدت عبر صفحتها الرسمية أنها "تشجع نشاط التجارة والثقافة شرق المدينة وفقاً لسياسة البلدية التي تركز بشكل خاص على الاستثمار الضخم في هذا المجال، بما في ذلك تطوير البنية التحتية وتعزيز أنشطة المجتمع بين شباب المدينة"، وأشارت إلى أن وضع الأكشاك في ساحة باب العامود "سيساعد التجار على بيع بضاعتهم للمارة الذين يتجمعون في المنطقة قبل صلاة العشاء وبعد نهاية الصيام، إضافة إلى الأنشطة التجارية في السوق المقامة على الطريق المؤدي إلى باب العامود"، وقال ليون، "إصدار التصاريح التجارية في ساحة باب العامود وتعزيز الأنشطة الثقافية شرق المدينة ثمرة لسياسة البلدية لمساعدة جميع سكان شرق القدس خلال شهر رمضان، ليتمكّنوا من الاحتفال بالشهر على أفضل وجه. سنواصل العمل لصالح رفاهية جميع سكان المدينة في الغرب والشرق".

تخوفات بالغة

يذكر أن نشطاء يمينيون أعلنوا تنفيذهم "مسيرة الأعلام" عند باب العامود احتفالاً بعيد الفصح اليهودي، على الرغم من أن الشرطة امتنعت عن منح المسيرة التراخيص اللازمة، وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن منظمي المسيرة أكدوا إصرارهم على المضي قدماً بها، وأنها ستمر بمنطقة باب العمود والحي الإسلامي.

وفي ظل تحذيرات الأجهزة الأمنية من أن ذلك قد يؤدي إلى "انفجار الأوضاع"، قالت الشرطة الإسرائيلية إنها ستدفع بقوات إضافية لمنع "مسيرة الأعلام" في حال عدم الموافقة نهائياً على المخطط، في حين حذّرت حركة "حماس" من "مغبة التفكير بذبح القرابين"، محملة الحكومة الإسرائيلية المسؤولية كاملة عن تداعيات ما سمّته بـ "الاستفزازات الخطيرة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير