أعلنت "جائزة قاسم سليماني العالمية للأدب المقاوم" في بيروت في يناير (كانون الثاني) 2022، أسماء الفائزين في دورتها الأولى التي حملت اسم "صانعو النصر"، في احتفال أقامته في بيروت برعاية الأمين العام لـ"حزب الله" وحضور رئيس المجلس التنفيذي وجمهور عريض من المهتمين بالأدب المقاوم.
قبل عام تحديداً في يناير 2021 كان قد تم إطلاق الجائزة من قبل جمعية "أسفار للثقافة والفنون والإعلام" التي كان يشرف عليها رجل الدين الشيعي المقرب من "حزب الله" والأديب الراحل قبل أشهر، الشيخ فضل مخدر. وكان الشيخ قبل رحيله المفاجئ قد أدلى في حديث لصحيفة "البناء" اللبنانية عن الهدف من تأسيس هذه الجائزة التي هي "عربون وفاء للذي قدم الكثير في سبيل الحق، وكتقدير وتكريم لهذا القائد العظيم الذي لم يتوانَ يوماً عن التصدي لهيمنة الطامعين في خيرات الأمة، وهو الذي بذل الجهد في سبيل قضيتنا المركزية التي هي فلسطين". ولكن بالتأكيد لم تبد واضحة العلاقة بين جائزة أدبية تتناول الشعر العمودي والرواية والقصة القصيرة بمن تصدى لهيمنة الطامعين في خيرات الأمة، بحسب مخدّر. فالأدب عموماً في كل أنحاء العالم يدعو إلى السلام والحب بين البشر، وليس إلى دعم المجهود الحربي في مواجهتهم بعضهم بعضاً.
لو افترضنا، أن الجائزة هي تعبير أدبي عن اهتمام القائد العسكري الإيراني سليماني بالفنون على أنواعها كوسيلة ثقافية لتعميم "الثورة" أو تصديرها، وخلق موجة كبيرة من جمهور المثقفين والأدباء والفنانين حولها، إلا أن مؤسس الجائزة أعطاها من القدرة والحجم أكبر بكثير مما يمكنها تحقيقه، بل بما لم تحققه جائزة نوبل للأدب أو السلام حول العالم. فبرأيه أن الهدف هو "نقل مسرح قضايا الأمة إلى العالمية كقضايا إنسانية كبرى تمتلك عناصر قوتها وإثبات قدرة الإبداع". هذا الرأي يمكن اختصاره بهدف نقل ثقافتنا المقاوِمة إلى العالم، وهذا ما لم نتمكن منه مع كبريات المؤسسات الثقافية والفنية والاقتصادية والنفطية حتى، فكيف الحال عبر جائزة باسم قائد فيلق القدس ومهندس سياسات الحرس الثوري الإيراني، أي النظام الإيراني، وهؤلاء جميعاً تحت لائحة الإرهاب، والنظام تحت رحمة العقوبات الدولية بسبب مخالفته القوانين الدولية حول صناعات الأسلحة وتحديداً النووية منها. فكيف سننقل أفكار السيد القاسمي إلى عالم ينظر إليه في الأساس على أنه داعم للإرهاب في المنطقة العربية وفي إيران نفسها ضد الثوار الإيرانيين، وهو الذي سمح باعتقال آلاف الفنانين والأدباء الإيرانييين في زنازين ضيقة معتمة، لمجرد أن أعلنوا وقوفهم مع الثورة الخضراء التي اعترضت على نتائج الانتخابات التي فاز بها أحمدي نجاد في دورتها الثانية، ونتج عنها إبقاء سياسيين إيرانيين تحت الإقامة الجبرية في بيوتهم حتى اليوم، أي قبل 13 عاماً.
تخليص الفنون من ابتذالها نحو الالتزام
وفي الأهداف المعلنة للجائزة "الارتقاء بالمزاج الشعبي فناً وموضوعاً وصونه من الانحراف والابتذال". ما يعني وصفاً مباشراً لسائر الفنون الأخرى التي لا تُعنى مباشرة بقضايا الأمة و"المقاومة" التي دعمها الحاج قاسم سليماني على أنها مبتذلة ولا تحمل قضية نبيلة وسامية. لذا فهي ليست فناً ولا أدباً، بحسب ما يمكن فهمه من هذه الجملة، خصوصاً وأننا رأينا أمام انظارنا ماذا يعني الأدب والفنون بالنسبة إلى حزب الحاج قاسم سليماني. والفنون مبتذلة لأنها لا ترفع شأن الأمة بمعنى "كرامتها"، وهذه الكرامة بحسب الحاج سليماني ومؤسسسي جائزته، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمقاومة الطامعين. وهكذا يمكن تحديد دور الفنانين والأدباء والفنون على اختلافها، كما يجري في الأنظمة التوتاليتارية كلها، أي أن تكون الفنون في خدمة أيديولوجيا النظام، حتى لو كانت هذه الأيديولوجيا دينية متطرفة. في الاتحاد السوفياتي الشيوعي مثلاً، تم منع كل الفنون التي لا تمجد النظام السوفياتي وقادته، والأمر نفسه فعله هتلر حين قرر أن ينهب كل فنون أوروبا أثناء الغزو، ليعلن انطلاق الفن النازي البحت، الذي يروج للنظريات النازية المجنونة، والذي نجح في ذلك على جميع الصعد.
"الابتذال" الفني الذي تريد أن تُخرجنا الجائزة منه، هو عكس أهداف الجائزة وتطلعاتها وتطلعات حامل اسمها ونظامه، بالتالي فهو عكس الابتذال، أي الالتزام والصبر والجهاد وتصدير الثورة الإيرانية الشيعية، وقمع الحريات في كل دول العالم العربي التي تسيطر عليها إيران، أي في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. وعلى الرغم من اليقين العام اللبناني والعربي من فشل الفنون "الممانعة" في خرق المساحة الثقافية اللبنانية التي تمكنت من المحافظة على مساحة واسعة من الحرية والثقافة والتعبير، وعلى الرغم من الأزمات التي نجمت عن تنوع ثقافات اللبنانيين وطوائفهم وانتمائاتهم العقائدية الفكرية، فظل الواقع يسمح دائماً بمساحة كبيرة من الحرية التي طالما تمتع بها لبنان.
التسلل إلى بيروت
لكن جائزة سليماني ومشاركة ملصقات سيلماني في معرض بيروت الدولي للكتاب هذا العام، بصفته الحاج القائد فقط، إنما يدلان على رغبة في تحديد معنى الفنون وأهدافها، وكذلك الدخول إلى المساحة اللبنانية الفنية الحرة والطليعية والعمل من داخلها. وقد يكون هذا الأمر مبعثاً على تكريس حرية الرأي والانفتاح والتنوع داخل الثقافة اللبنانية، كأن يضم الفن اللبناني سائر الأطياف الثقافية ومنها فنون "حزب الله". ولكن بالنظر إلى السوابق الفنية للحزب في لبنان، فإن الأمر لا يدعو إلى التشجيع. فالحزب بقياداته السابقة والحالية متهم من عدة أطراف باغتيال أهم المثقفين اللبنانيين، ومنهم حسن حمدان وحسين مروة وميشال واكد وسهيل الطويلة خلال الحرب الأهلية، وغيرهم كثر. وكذلك سمير قصير وجورج حاوي ومروان حمادة وجبران تويني ولقمان سليم، وغيرهم كثر، في فترة السلم الأهلي البارد الذي بدأ مع اتفاق الطائف. وفي أحداث 7 مايو (أيار) 2008، قام بتدمير المبنيين التابعين لتلفزيون وصحيفة "المستقبل" وبعض المؤسسات الثقافية التابعة لغريمه "تيار المستقبل" في الأحياء البيروتية. عطفاً على إصدار المحكمة الدولية حكماً تتهم به "حزب الله" بالمشاركة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. علما أن الحزب، ينفي في تصريحات إعلامية ضلوعه في بعض تلك الوقائع.
أما في المناطق التي يسيطرعليها الحزب، فإن الفنون التي يقدمها لنا، كلها مرتبطة بالمقاومة "الهيلوية" التي لم نعد نعرف من تقاوم، على الرغم من إعلانها أنها تقاوم إسرائيل من أجل تحرير فلسطين. وهذه الفنون أيضاً معنية بالطقوس والشعائر الدينية الخاصة بالطائفة الشيعية، مما يخلق حدوداً كبيرة بينها وبين المثقفين الآخرين والمختلفين وغير المدعوين أساساً إلى متابعة مثل هذا النوع من الفنون. والحقول الثقافية التي تغطيها مجلة "العهد" وإذاعة "النور" وتلفزيون" المنار" التابعة لـ"حزب الله" في لبنان، خير دليل على معنى الثقافة لدى هذا الفريق، الذي قد يجد في لوحة سوريالية عملاً مبتذلاً يخرب الذوق العام.
آراء في الجائزة
الشاعر وكاتب السيناريو اللبناني علي مطر يعبر عن رأيه بالجائزة قائلاً: "إن قاسم سليماني كان جنرالاً إيرانياً يقود لواء متشعباً من ميليشيات منتشرة في الشرق الأوسط. شكل كقائد متمرس في طاعة الولي الفقيه العقل الموثوق لسيده. كلبناني أؤمن أولاً بحق التعبير وأجد أن من حق أي كان أن يقيم جائزة باسم من يريد، لكن أيضاً أعرف تحليلاً ما هو سياق هذه الجائزة". وبرأي مطر فإن "هذه الجائزة تأتي في سياق استفزازي واضح يتصل بحروب النكاية الدعائية التي يخوضها الإسلام السياسي الجامح للغلبة، عموماً، وولاية الفقيه تشكل جزءاً متيناً في الإسلام السياسي. لذا يتساءل المرء أي مادة فكرية أو أدبية أو فنية ستنتج وتقبل تحت اسم هذه الجائزة التي تحمل اسم جنرال لم يقدم أي اعتبار مرة لحدود الدول ومشاعر شعوبها الوطنية".
أما الباحث في العلوم الإسلامية نادر الأسعد فيرى "أن الجائزة تأتي في سياق طبيعي لتضخّم الحزب اللبناني المدعوم من إيران، فبعد تمكّنه من إنشاء نواة مؤدلجة من البيئة الحاضنة حولها، وإنهائه الكثير من الملفات اللبنانية، كوضع اليد على السلطة وتهديد الآخرين بالسلاح، وإشاعة مظاهر القوة الفائضة، فإنه يلجأ الآن إلى وسائل جديدة للحفاظ على البيئة النواتية وثباتها، ومن ثم جذب أكبر عدد من المثقفين والمهتمين من خارجها. وجائزة قاسم سليماني يمكنها القيام بهذا الدور. ويمكن اعتبار هذا الأمر تطوراً طبيعياً في مسار صعود حزب الله في لبنان، فتضخّمه الداخلي لا بد أن ينتقل إلى الخارج، والثقافة وسيلة ذات أثر في هذا المجال".
لجان تحكيم
بالعودة إلى الجائزة التي أعلنت عن أسماء الفائزين في دورة 2021، فقد كانت واضحة البلدان التي أتى منها الفائزون، وهي على التوالي بحسب عدد الجوائز، لبنان وسوريا وفلسطين، ثم العراق والجزائر، ما يعني أنها عربية وليست عالمية. بحسب ما أعلنته اللجنة المسؤولة عن الجائزة. وفي حفلة تقديم الجوائز تم الإعلان عن أسماء أعضاء لجان التحكيم للمرة الأولى، إذ كانت الأسماء سرية منعاً للتدخلات، ومن بين الأسماء شعراء وأدباء وأكاديميون أكثرهم شهرة في العالم العربي الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين، ومعه في اللجنة الشاعر أحمد بخيت من مصر والجزائري ياسين بن عبيد عن فئة القصيدة العَمودية. وعن فئة القصة القصيرة تألفت اللجنة من علي نسر من لبنان وصادق الصكر من العراق ومحمد القاضي من تونس. وفي الرواية ضمت اسكندر حبش من لبنان وحسن م. يوسف من سوريا والكاتب العلماني الفلسطيني رشاد أبو شاور.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونشر أسماء أعضاء لجان التحكيم يفيد بكثير من الأمور، ليس أولها أو آخرها تصنيف المثقفين العرب سياسياً أيضاً، وربما تقسيمهم على شكل الانقسام السياسي نفسه، وهذا ما يجعل المثقفين والفنانين في مهب السياسة وتعقيداتها وصراعاتها وخفاياها ومترتباتها. فالانقسام السياسي والثقافي في العالم العربي على أشده اليوم، واستقطاب المثقفين والمؤثرين والفنانين، يدخل في صلب هذا الصراع. وقد تمكن "حزب الله" من جذب هذه الأسماء، والسؤال: كيف؟
الفائزون والفائزات العشر الأوائل حصلوا على جوائز من مسكوكات ذهبية، بعدما قررت اللجنة عدم استخدام عملة الدولار للمكافأة، وذلك للابتعاد عن "المبالغ النقدية (كما ورد في جريدة العهد)، تُعادل قيمة المسكوكة الواحدة 450 دولاراً، وليس أموالا أميركية "كاش". فالحاج قاسم حارَب الاستكبار وعملاتِه (غير عملائه)، كما يؤكد سديف حمادة، عضو الهيئة الإدارية ومسؤول العلاقات الخارجية في مشروع الجائزة، ومسؤول ملف أدب المقاومة في وحدة الأنشطة الإعلامية في "حزب الله".
ومن الواضح أن الجوائز المقبلة سخية إذ تبلغ 240 مسكوكة ذهبية ستوزع على ثلاث مراتب (أولى وثانية وثالثة) في الفئات العديدة للجائزة. وتترواح الجوائز ما بين الفائز الأول والفائز العاشر: 60 مسكوكة ذهبية للأول و40 للثاني و20 للثالث، وواحدة لبقية الفائزين. فلا يخرج من المسابقة إلا خاسرون قلة، فالجميع سيحصل على مسكوكة في هذه الأزمات المالية والاقتصادية الصعبة، خصوصاً على الفنانين والمثقفين غير الوصوليين أو الانتهازيين. لكن اللجنة لم تعلن عن الجوائز أو المكافآت التي تلقاها أعضاء لجان التحكيم. وهذا ما سيطرح كثيراً من الأسئلة، وربما سيثير "حسد" بعض المثقفين والكتاب.