Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ستيفن سيغال... صديق القيصر "المريض"

يخشى من كونه مصاباً بمتلازمة ستوكهولم وخصوصاً في ظل اعتقاده بتناسخ الأرواح

ستيفن سيغال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ف.ب)

قبل بضعة أيام، وخلال حفل أقيم في العاصمة الروسية موسكو، وبعيداً عن دوي المدافع وانفجارات القنابل في أوكرانيا، احتفلت طائفة من الأصدقاء بعيد الميلاد السبعين للنجم السينمائي الأميركي ستيفن سيغال، كاتب السيناريو والمنتج أيضاً، والصديق المقرب جداً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

في قلب العشاء وصف سيغال بوتين، بأنه زعيم العالم الحر، وهو تعبير مثير للنقاش والجدل معاً، لا سيما وسط الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث العالم برمته إلا قليلاً يعتبر بوتين حاكماً ديكتاتورياً، وغازياً منبت الصلة بالحرية أو الديمقراطية.

ولعل هذا الوصف من قبل سيغال، يمكن اعتباره قراءة في المعكوس إن جاز التعبير، ذلك أن العالم الحر، كان يطلق على كل ما هو ضد الاتحاد السوفياتي، وهو مصطلح من زمن حقبة الحرب الباردة، ويشير إلى الدول غير الشيوعية في العالم، وكانت بلدان العالم الحر تشمل أوروبا الغربية وكندا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، إضافة للهند وإسرائيل وكوريا الجنوبية.

هنا تبدأ علامة التساؤل: ما الذي يجعل أحد أعلام الحياة الأميركية الفنية، يمضي في اتجاه مضاد لسياسات بلاده، هل في الأمر سر ما، أم إن متلازمة ستوكهولم قد لعبت برأس الرجل القوي جسمانياً كما ظهر في أفلام الحركة الهوليوودية؟

في هذه السطور نحاول إلقاء شيء من الضوء على سيغال ومسيرته مع بوتين وروسيا، وكذا نظرته للحرب الدائرة هناك، من غير تهوين أو تهويل.

حفل عشاء خاص

بحسب صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، جمع حفل العشاء المشار إليه سلفاً، عدداً من رموز المجتمع الروسي، منهم فلاديمير سولوفيوف، المذيع الشهير بقناة "روسيا 1"، التي تديرها الدولة، والصحافية الروسية مارغريتا سيمونيان، وكلاهما من بين المغضوب عليهم من قبل الولايات المتحدة، وقد وضعا في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي.

في تلك الأمسية أغدق سيغال مشاعر الود ناحية الروس المحيطين به، والذين وصفهم بأنهم إخوة وأصدقاء وأحباء، غير أن الرئيس بوتين بنوع خاص، بدا وكأنه في سويداء القلب من سيغال، فقد قال عنه، إنه "أحد أعظم قادة العالم، إن لم يكن أعظم زعيم على قيد الحياة اليوم"، وأضاف، "أحبكم جميعاً ونحن نقف معاً في السراء والضراء".

لم تكن هذه أولى تصريحات سيغال عن روسيا والروس فقد سبقتها الشهر الماضي وعلى وقع اندلاع المعارك مع أوكرانيا تصريحات أخرى لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية... فما الذي قاله سيغال وقتها؟

في حديثه للقناة الأميركية الشهيرة شدد على أنه ينظر إلى البلدين كعائلة واحدة، وأضاف: "أعتقد أن هناك من ينفق مبالغ ضخمة بهدف إثارة الخلاف بين البلدين".

شدد سيغال أيضاً الذي يحمل ثلاث جنسيات "أميركية، وروسية، وصربية"، على أن "لدى معظمنا أصدقاء وعائلة في كل من روسيا وأوكرانيا" وأنه "يدعو الله أن يتوصل البلدان إلى حل إيجابي وسلمي، يمكنهما من خلاله العيش معاً والازدهار معاً بسلام" .

مَن سيغال الداعي لقيصر روسيا المعاصر، بطول العمر، والذي يراه رمزاً للعالم الحر على الضد من جمهرة دول العالم الرافضة للعمل العسكري، وكيف سارت العلاقة بينه وبين روسيا على هذا النحو، حتى أضحى مروجاً لسياسات بوتين، ومصدقاً لأحكامه وتصرفاته بهذا الشكل المثير للتفكر؟

بطولة هوليوودية

في العاشر من أبريل (نيسان) من عام 1952، ولد سيغال، في مدينة لانسينغ بولاية ميشيغان، لعائلة يهودية إيرلندية.

لم تلبث الأسرة أن انتقلت إلى ولاية كاليفورنيا، وقد كان وقتها في الخامسة من عمره، حيث بدأ طريقه في عالم لعبة الكاراتيه.

في سن الثانية عشرة انتقل مع والده إلى اليابان، وقد كان يمارس أعمالاً حرة متصلة بأسباب عسكرية، حيث سيقدر له أن يتعلم ويجيد ويبدع في فن الأيكيدو، أي الدفاع عن النفس والقتال في الشوارع، ثم أصبح مدرباً لهذه الرياضة، وقد حاز على لقب بطل العالم للأيكيدو لسبع سنوات متتالية.

ولأن هوليوود تعشق كل ما هو عجيب وغريب، وتدرك أن الأميركيين مهووسون بعشق المغاير من الأفكار والمشاهد، فقد وجدت طريقها إليه حين كان يعمل كمنشق لفنون الدفاع عن النفس لفيلم "التحدي" الذي عرض على الجماهير عام 1982.

فتحت شركات الإنتاج في هوليوود أبوابها لسيغال، وربما كان أحد أهم الأفلام التي يتذكرها الجميع له، فيلم "تحت الحصار"، من إنتاج عام 1992 والذي حقق أرباحاً كبيرة في ذلك الوقت، وأُدرج ضمن أهم 100 فيلم جرت مشاهدته في ذلك العقد.

لا تبدو حياة سيغال الأسرية مستقرة، بل مشوبة بكثير من الخلافات وعدم الوضوح في الرؤية، بين زواج وطلاق وخيانة ورحيل، بل وصل به الأمر إلى أن اتُّهم بالتحرش الجنسي أكثر من مرة.

لا تتوقف مسيرته السياسية عند علاقته بالقيصر بوتين، فهو ناشط في حركة "بيتا" التي تدعم استقلال التبت عن الصين، ولهذا فإنه بدوره قريب من الزعيم الروحي للتبت، الدالاي لاما، بل وداعم له في كل المحافل الدولية.

صديق شخصي

كيف بدأت علاقة سيغال مع بوتين؟ من غير الواضح على وجه التحديد كيف ومتى، وهل كان لنشأة سيغال في اليابان تأثير ما على توجهاته لجهة الروس أم لا؟

غير أن ما هو مؤكد أن سيغال صديق صدوق لبوتين، ذلك أنه وفي ظل الهجوم على الأخير من العالم كله تقريباً، بعد ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014، كان سيغال مدافعاً قوياً عن سياسات القيصر، الأمر الذي دفع الأوكرانيين إلى منع دخوله أوكرانيا لمدة خمس سنوات.

بدا سيغال وكأنه صديق شخصي لبوتين، وغالب الظن أنه أضحى كذلك بالفعل، فقد شوهد كثيراً وهو يرافقه في العديد من فعاليات فنون الدفاع عن النفس التي يجيدها الرئيس الروسي.

في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 وبسب ما رآه بوتين خدمة وطنية قدمها سيغال لروسيا، قرر منحه الجنسية الروسية.

في ذلك الوقت نقل رئيس هيئة الثروة السمكية الروسي، إيليا شيستاكوف، رسالة إلى سيغال تحمل شكر بوتين لدوره في استعادة الثروة السمكية في بحيرة بايكال في شرق سيبيريا بصورة عامة، وسمك "أومل" بصورة خاصة، والعهدة على شبكة الأخبار الروسية الشهيرة "سبوتنيك".

في تلك المناسبة طلب بوتين نقل شكره لسيغال في اجتماع عقده مع رئيس هيئة الثروة السمكية، وعقب عرض تقرير عن سير العمل في استعادة كمية سمك أومل في بحيرة بايكال، والإجراءات الخاصة بحماية البيئة التي تتخذها الحكومة الروسية.

هل كان الدور الذي لعبه سيغال في دعم استعادة روسيا ثروتها السمكية، هو السبب المؤكد وراء منح بوتين الجنسية الروسية لسيغال، أم أن هناك أهدافاً أخرى توارت عن الأعين؟

يصعب على المرء أن يقتنع عقلاً أو عدلاً بأن قصة السمك هي السبب الوحيد، لمنح سيغال جواز سفر روسي واستلامه له من الرئيس بوتين شخصياً، ولعل أقرب ما يمكن تصوره هو أن هناك من أدرك كم من النافع لموسكو أن يكون أحد نجوم هوليوود سفيراً لها فوق العادة.

في عام 2018 أعلنت الخارجية الروسية تعيين سيغال في منصب ممثل وزارة الخارجية الروسية الخاص لشؤون الاتصالات الإنسانية مع الولايات المتحدة الأميركية.

يومها قالت الخارجية الروسية في بيان لها على صفحتها عبر "فيسبوك"، إن الهدف من تعيين سيغال هو المساعدة في تطوير العلاقات الروسية- الأميركية في المجال الإنساني، بما في ذلك التفاعل في مجالات الثقافة والفن والتبادل الشبابي والمشاريع الاجتماعية الأخرى.

في البيان عينه بينت وزارة الخارجية الروسية كيف أن المنصب الذي عين فيه الممثل الأميركي "ذو طابع سياسي - اجتماعي" وغير مدفوع، مشيرة إلى أن منصبه يمكن مقارنته على الساحة الدولية بنشاط سفراء النوايا الحسنة في إطار الأمم المتحدة، حيث تندمج الدبلوماسية الشعبية في الدبلوماسية التقليدية".

لم تتوقف عملية اندماج سيغال في المجتمع الروسي عند مرحلة حصوله على الجنسية الروسية فحسب، ذلك أنه وفي مايو (أيار) من العام الماضي، أعلن حزب "جاست راشا" أو "روسيا العادلة" المعارض في مجلس الدوما الروسي، انضمام سيغال إليه، حتى وإن كان الرجل يبدي ميلاً واضحاً وكبيراً جداً للنظام الروسي بقيادة فلاديمير بوتين.

بين تشافيز ومادورو

هل يمكن اعتبار سيغال إحدى أذرع روسيا الإعلامية الدعائية، وأدواتها للبروباغندا خارج روسيا، لا سيما في البقاع والأصقاع التي تنتشر فيها الدعوات المضادة للنفوذ الأميركي بوجه عام، وفي مناطق عرفت تاريخياً بأنها خلفيات جيو استراتيجية للولايات المتحدة كما الحال في دول أميركا اللاتينية عامة وفنزويلا بوجه خاص؟

المعروف أن هناك صداقة ما تربط سيغال بالرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، خليفة هوغو تشافيز، وكلاهما تعتبره الولايات المتحدة بمثابة رئيس غير صديق لها.

والمعروف أن واشنطن عملت طويلاً جداً على إزاحة تشافيز، قبل أن يصاب بمرض فتاك أودى بحياته، وهناك حتى الساعة في كاراكاس وجوارها من يقطع بأن الاستخبارات المركزية الأميركية هي من قامت بقتله.

لاحقاً وحين حل خليفته ماودرو في الحكم، باشرته واشنطن ذات العداء، وقبل أن تحاول، أخيراً، وفي تطور براغماتي واضح وفاضح للسياسات الخارجية الأميركية التماهي معه، بسبب حاجتها إلى النفط، لا سيما بعد أن اتخذت إدارة بايدن قراراً بوقف استيراد النفط من روسيا، الأمر الذي أدى إلى رفع أسعار المحروقات بشكل كبير ومؤثر على بقية أسعار السلع والخدمات.

في أوائل مايو (أيار) من العام الماضي، قدم سيغال وخلال زيارته لكاراكاس، هدية لا تخلو من طابع رمزي للرئيس الفنزويلي مادورو، وكانت عبارة عن سيف سامواري، وسلم الممثل المتخصص في الألعاب القتالية سيف كاتانا إلى الرئيس مادورو الذي كان يضع كمامة بينما كان سيغال مكشوف الوجه ويرتدي ملابس سوداء، وبادر مادورو إلى اتخاذ وضعيات قتالية مختلفة بالسيف.

ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن مادورو أُعيد انتخابه عام 2018 وسط موجة من الانتقادات والمقاطعة من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وكثير من الدول الأوروبية، وكذا بعض من دول أميركا اللاتينية التي تدور في فلك واشنطن، وتالياً فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على فنزويلا في محاولة للإطاحة بمادورو الذي يقول عن نفسه علناً، إنه معاد للإمبريالية، وينتقد من يصفهم بـ"الغرينغوس" أي الأميركيين.

هل كانت زيارة سيغال إلى فنزويلا ضرباً من ضروب الدعاية المضادة لواشنطن، ومحاولة لتأكيد عمق العلاقة الفنزويلية الروسية؟

غالب الأمر ذلك كذلك، لا سيما وأن السلطة الفنزويلية في عهد مادورو، تعمد دائماً إلى إبراز زيارات بعض الشخصيات وتتفاخر بدعمها الثورة البوليفارية، ولم يكن سيغال وحده من قام بمثل تلك الزيارات، إذ سبقه لاعب كرة القدم الراحل دييغو مارادونا، والممثلان شون بن، وداني غلوفر، والمخرج أوليفر ستون، وعارضة الأزياء ناعومي كامبل.

ولعله من باب المكايدة السياسية، إن جاز التعبير، أن يعلن مادورو في نهاية زيارة سيغال لبلاده، أنه يعتزم تصوير فيلم مشترك مع سيغال بعنوان "نيكو قوي جداً"، ويقاتلان من خلاله الشياطين، وللقارئ أن يتخيل من تلك الشياطين التي يتحدث عنها مادورو وسيغال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

متلازمة ستوكهولم

تبدو شخصية سيغال مثيرة لكثير من الجدل في علاقته بالرئيس بوتين، وهناك من المراقبين لمسيرته وتحليل شخصيته من يتساءل: ما الذي يدفعه في طريق بوتين على هذا النحو، وما الذي يغريه في روسيا بنوع خاص؟

المؤكد أن التساؤل المتقدم قد شغل المتابعين لسيغال ضمن أجهزة الاستخبارات الأميركية، وغالب الأمر أن ما توافر لهم من معلومات، سيظل دوماً في أطر من السرية، ولن يُكشف عنه، أو يُسرَّب إلا في الوقت القيم، ذاك الذي يمكن أن يخدم أهداف الأمن القومي الأميركي.

غير أن بعض ما يُنشر عن سيغال، لا سيما من قبل المحللين النفسيين، يشير إلى أن ممثل أفلام الحركة الشهير، قد يكون ضحية لمتلازمة ستوكهولم... ماذا يعني ذلك؟

تفسير هذه الظاهرة في كلمات بسيطة ومن غير إغراق واسع في مصطلحات الطب النفسي، يدور حول ظاهرة تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه، أو من أساء إليه بشكل من الأشكال، أو يظهر بعض علامات الولاء له مثل أن يتعاطف المختطف مع خاطفه.

ويمكن اعتبار متلازمة ستوكهولم نوعاً من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الآخر بشكل متقطع ومتناوب.

هل وقع سيغال ضحية النظرة الأميركية لروسيا في ظل حكم بوتين، لا سيما في ضوء ما يروجه الإعلام الأميركي من أنه العدو الأكبر للولايات المتحدة، والرجل الذي يمثل الفينيق الروسي الذي استفاق من رماده مرة أخرى؟

هناك في واقع الأمر من يرى أن شخصية سيغال مثيرة للشكوك فهو رجل يؤمن بتناسخ الأرواح، ويظن أنه عاش في عصور سابقة، وأنه عاد مرة جديدة إلى الحياة ليمارس أدواراً سابقة، وهي رؤية تتسق والمعتقدات الآسيوية بنوع خاص وربما تفسر علاقته مع روسيا وبوتين وإن ظلت قاصرة عن تقديم تفسير جامع مانع إلى حين إشعار آخر.

المزيد من تحقيقات ومطولات