Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التصعيد في القدس... مخاوف الأردن أبعد من الاقتحامات

خشية من مزاحمة مرجعيات دينية وتاريخية أخرى في المنطقة على دور الوصاية في الحرم

السؤال الأبرز اليوم هو ما الذي يملكه الأردنيون من أدوات لوقف التوتر في القدس (أ ف ب)

في كل مرة تتدحرج فيها كرة الثلج نحو مزيد من التوتر والتصعيد في القدس، يخرج الأردن الرسمي بعبارات إدانة وشجب لا تخلو من التأكيد على ضرورة احترام إسرائيل الوضع التاريخي والقانوني القائم في الحرم القدسي والمسجد الأقصى.

وتختبئ خلف هذه العبارات المنتقاة، خشية أردنية عميقة من العبث بملف الوصاية الهاشمية على المقدسات، لمصلحة دول أخرى أو مرجعيات دينية إسلامية مختلفة، أو حتى وضع السلطات الإسرائيلية يدها بالكامل على الأماكن المقدسة.

ويؤكد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أن على إسرائيل وقف جميع الإجراءات اللاشرعية والاستفزازية التي تدفع باتجاه مزيد من التأزيم، مشيراً إلى أن حماية القدس ومقدساتها ستبقى أولوية أردنية.

أدوات الأردن الضاغطة

والسؤال الأبرز اليوم، هو ما الذي يملكه الأردنيون من أدوات لوقف التوتر في القدس، إذ يبدو الأردن اليوم مجرداً من الأدوات الضاغطة على إسرائيل لوقف التصعيد، باستثناء ما يتم تكراره من عبارات سياسية لا تلبي طموح الشارعين الأردني والفلسطيني على حد سواء؟

فعمان اليوم لا تستطيع الاستجابة للمطالب الشعبية المتمثلة بإغلاق السفارة الإسرائيلية، وإلغاء معاهدة وادي عربة، لأنها بذلك تخاطر بقانونية وشرعية الوصاية الهاشمية التي نصت عليها المعاهدة، كما أنها لا تملك ولاية سياسة على السلطة الفلسطينية وقراراتها، في حين أن التحركات الفلسطينية الجماهيرية في القدس ليست فصائلية، وإنما شعبية عفوية. لذلك، لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها.

على الجانب الآخر من المناورة، لم تفلح حتى الآن المحاولات التي بدأت منذ سنوات لإحداث اختراق في صف أعضاء الكنيست العرب، وإيجاد نفوذ ولو محدود في الوسط العربي داخل إسرائيل، خصوصاً مع محدودية تأثير الكتلة العربية في الكنيست على القرار السياسي الإسرائيلي.

وسط هذه المعطيات، تتعالى أصوات داخلية أردنية، بضرورة إزعاج الإسرائيليين بقرارات سياسية من قبيل الانفتاح على حركة "حماس"، أو التفكير في إعادة "فتح" مكاتبها المغلقة في عمان منذ عام 1999.

شرعية تاريخية

وللقدس وضع خاص، وفقاً للقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وأبرزها القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

فمنذ احتلالها في يونيو (حزيران) 1967، أجمعت القرارات الدولية على بطلان الإجراءات الإسرائيلية الأحادية في الأراضي المحتلة، ومن بينها القدس، بما في ذلك إقامة المستوطنات وتغيير وضع مدينة القدس وطابعها.

وينطلق الموقف الأردني من أن القدس الشرقية أرض محتلة، السيادة فيها للفلسطينيين والوصاية على مقدساتها الإسلامية والمسيحية هاشمية للعاهل الأردني، ومسؤولية حماية المدينة دولية.

ويقول الأردن، إن جميع الإجراءات الإسرائيلية الأحادية في القدس، سواء في ما يتعلق بالنشاطات الاستيطانية أو مصادرة الأراضي، أو التهجير، أو تغيير طابع المدينة، إجراءات مخالفة للقانون الدولي، وأن على إسرائيل تنفيذ التزاماتها بوصفها قوة قائمة بالاحتلال.

تعود حقبة الوصاية الهاشمية على القدس تاريخياً إلى الشريف الحسين بن علي، بعد مبايعته من أهل فلسطين في عام 1924، وقيام الملك عبد الله الأول لاحقاً بإعمار المقدسات، وفق ما سمي "الإعمار الهاشمي الأول".

ومع تولي الملك الحسين بن طلال سلطاته الدستورية، تضاعف حجم الاهتمام والرعاية الأردنية لبيت المقدس وما فيها من معالم إسلامية ومسيحية، كترميم قبة الصخرة وفرش المسجد الأقصى.

وفي عام 1954 صدر قانون شُكلت بموجبه لجنة إعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وفي عام 1959 بدأ الإعمار الهاشمي الثاني واستمر حتى عام 1964

وعلى إثر تعرض المسجد الأقصى للحريق المتعمد في أغسطس (آب) 1969، أصدر الملك حسين توجيهاته ببدء عمليات الإعمار الهاشمي الثالث.

وصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية

وفي عام 1999، بدأ الإعمار الهاشمي الرابع مع تسلم الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، والذي أصدر قانون الصندوق الهاشمي لإعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة.

وفي 31 مارس (آذار) 2013، وقع الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقاً تاريخياً في عمان، أُعيد التأكيد فيه على الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة، وأن الملك هو صاحب الوصاية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية في القدس.

وتعد دائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى دائرة أردنية تتبع وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية. وهي السلطة الحصرية، بموجب القانون الدولي المخولة بالإشراف على شؤون الحرم القدسي، ويبلغ عدد موظفيها أكثر من 800 موظف، يشرفون على الأملاك الوقفية في القدس.

فيما تتولى الخارجية الأردنية كل ما يتعلق بالكنائس في القدس، وتعمل على منع وقوع الانتهاكات عليها وتقديم الدعم والإسناد للمسيحيين، وتمكينهم من الإشراف على كنائسهم وعقاراتهم وفقاً للوضع القائم التاريخي، علماً أن الكنيسة الأرثوذكسية تتبع القانون الأردني.

هل الوصاية تحتضر؟

في عام 2019، أثارت عبارة أطلقها أحد النواب حول احتضار الوصاية الهاشمية على المقدسات كثيراً من الجدل والتساؤلات في البلاد، على هامش جلسة طارئة لمجلس النواب الأردني لمناقشة الانتهاكات الإسرائيلية في القدس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجلسة العاصفة في حينه لم تخرج بأكثر من بيان إدانة، والمطالبة بتدخل أممي فضلاً عن طرد السفير الإسرائيلي في الأردن وسحب السفير الأردني من تل أبيب.

لكن الأردن يحتفظ بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة، وعلى اعتبار أن المملكة هي آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل.

وكثيراً ما لوح مجلس النواب الأردني بطرد السفير الإسرائيلي من البلاد وإلغاء معاهدة وادي عربة، لكن كل هذه المحاولات لم ترتق إلى قرار حقيقي، خصوصاً أنها تصطدم بالعديد من الحلقات القانونية لتحقيقها، وهي دعوات وفق مراقبين غير ملزمة للحكومة الأردنية التي لطالما كررت أنها لا تستطيع إلغاء هذه المعاهدة لأنها تتناول إلى جانب وضع القدس والوصاية الهاشمية، تنظيم حصص المياه المشتركة وحرية الحركة والتنقل والوصول إلى الموانئ وحرية الملاحة، إضافة إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية والعلاقات الاقتصادية والتعاون الأمني.

قلق من المزاحمين

في عام 2020، نفى السفير التركي لدى عمان إسماعيل أراماز لـ"اندبندنت عربية"، الأنباء التي تتحدث عن مزاحمة تركيا الأردن والبحث عن دور في القدس، وقال إن هذه الأنباء ليست إلا إشاعة بهدف تشتيت الأنظار عن استعدادات إسرائيل لضم الضفة الغربية والأغوار.

لكن ذلك لم يبدد قلق عمان من النشاط التركي المتزايد في الحرم القدسي وبين المقدسيين، حيث تحدثت تقارير إسرائيلية عن نشاط تركي متزايد في القدس الشرقية، عبر وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA)، التي تمولها الحكومة التركية، وتهدف إلى الحفاظ على التراث العثماني في المدينة القديمة، التي ظلت تحت حكم الدولة العثمانية حتى عام 1917.

وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، مولت وكالة "TIKA" مشاريع بقيمة 12 مليون دولار سنوياً، عبر دعم المدارس وتقديم المعونات والحفاظ على المنازل القديمة، فضلاً عن منح تصاريح عمل لمعلمين أتراك يقومون بتعليم اللغة التركية للمقدسيين.

ويدور الحديث عن مشروع تركي للتمدد داخل أراضي الضفة الغربية، يُطلق عليه اسم "المنتدى التركي- الفلسطيني"، ويأخذ طابعاً ثقافياً معتمداً على تأثر الفلسطينيين بالثقافة التركية.

بموازاة ذلك، يرى مراقبون أن النفوذ والدور المصريين بدآ يتسللان رويداً إلى الضفة الغربية والقدس، بعد نجاح تجربته في غزة. وهو ما قد يشكل تهديداً للدور الأردني الآخذ في الانحسار والتراجع لدى فلسطيني الضفة الغربية.

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط