Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تفشل مفاوضات السلام بين المتحاربين؟

تنجح المحادثات عندما يدرك الطرفان المتصارعان أنهما في موقف متأزم يضرهما

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدد الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام (رويترز)

بين عامي 1946 و2005، انتهى 39 من أصل 288 صراعاً مسلحاً حول العالم باتفاقية سلام، وانتهى الباقي بانتصار طرف، أو إنهاء الاقتتال من دون اتفاق، وفي الثلاثاء الماضي، بدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأمل في التوصل إلى اتفاق سلام عندما قال، إن المحادثات مع أوكرانيا وصلت إلى طريق مسدود، بينما تصر أوكرانيا على أنها لا تزال جارية، ولأن محادثات السلام دائماً مزيج معقد من الحسابات الاستراتيجية والعاطفة الإنسانية، تطفو أسئلة كثيرة على السطح حول أسباب فشل أو نجاح محادثات السلام بشكل عام، وما فائدة المفاوضات إذا كانت الأطراف المتحاربة ما زالت تتقاتل، ولماذا يأتي المفاوضون إلى طاولة التفاوض، وهل يؤذي الجمود الجانبين؟ 

طريق مسدود أم مفتوح؟

مع نهاية فبراير (شباط) الماضي، أي بعد اندلاع الحرب بأيام قليلة، عقدت أوكرانيا وروسيا محادثات سلام متقطعة لم تسفر عن نتيجة جوهرية حتى الآن، رغم قليل من التصريحات المتطايرة التي حملت بعض الأمل، غير أن الرئيس الروسي، بدد الأمل، الثلاثاء الماضي، في التوصل إلى اتفاق سلام عندما قال، إن المحادثات وصلت مرة أخرى إلى طريق مسدود بالنسبة لموسكو في حين تصر أوكرانيا على أن المناقشات لا تزال جارية رغم صعوبتها بسبب الهجمات الروسية المستمرة على ميناء ماريوبول الأوكراني، إضافة إلى مزاعم القتل الجماعي للمدنيين في بوتشا، والتي تجعل من الصعب إجراء محادثات سلام.

ومع ذلك، فإن السياسيين يدركون أن صنع السلام لا يتم مع الأصدقاء، ولكن مع أعداء بغيضين للغاية، ويدركون أيضاً أن اتفاقيات السلام لها فوائد عديدة، فهي تنقذ الأرواح، وتحقق مكاسب قصيرة وبعيدة الأجل إذا كتب لها النجاح. 

هل من مزايا للسلام؟

وفي حين تشير دراسة أجرتها جامعة أوبسالا السويدية إلى أن 13.5 في المئة فقط من الصراعات العسكرية التي اندلعت عقب الحرب العالمية الثانية، انتهت باتفاقيات سلام، إلا أنه حتى عندما تفشل الأطراف المتحاربة في التوصل إلى اتفاق سلام، يمكن للمحادثات أن تقلل الخسائر في صفوف المدنيين من خلال وقف إطلاق النار المؤقت أو إنشاء ممرات إنسانية لتوصيل الإمدادات أو إجلاء المدنيين، كما أن هناك أدلة على أنه حتى اتفاقات السلام الفاشلة تقلل من حدة الصراع في المستقبل.

وبينما تنهار ثلث اتفاقيات السلام في أقل من خمس سنوات، وهي نسبة فشل كبيرة، إلا أنه من المهم تذكر أن ثلثي التسويات السلمية تصمد من دون استئناف الصراع، وهناك أدلة تشير إلى أن اتفاقيات السلام أصبحت أكثر استقراراً، أي أقل احتمالية للتكرار خلال السنوات الأخيرة، بحسب دراسة نشرها أندرو ماك الأستاذ في كلية الدراسات الدولية بجامعة سايمون فرايزر، حيث أُوقفت نسبة مئوية أكبر من الصراعات من خلال التسويات التفاوضية خلال العقدين الماضيين أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وحتى عندما تتجدد الحروب عندما تنهار اتفاقيات السلام، فإنها تشهد انخفاضاً كبيراً في عدد القتلى، إذ تشير الأرقام إلى أن 10 من أصل 11 اتفاقية سلام منهارة بين عامي 1989 و2004 انخفض فيها عدد القتلى السنوي بعد استئناف الصراع. 

ما فائدة التفاوض بينما تتحارب الأطراف؟

لعل أحد أبرز الأسئلة التي تثار حالياً، يتعلق بمدى فائدة محادثات السلام عندما لا تزال الأطراف المتحاربة تقاتل، ويرى أندرو بلوم، المدير التنفيذي لمعهد جوان كروك للسلام والعدالة في جامعة سان دييغو الأميركية، أنه يمكن لمحادثات السلام أن تخلق الأساس لاتفاق نهائي لإنهاء الصراع، كما يمكن للطرفين المتحاربين أيضاً تقليل الضرر الذي يلحق بالمجتمعات، إذ إن مفاوضات وقف إطلاق النار تجري غالباً في أثناء تصاعد العنف، ويمكن أن يعطي هذا العنف دفعة لخفض القتال في المستقبل، فإذا وافقت الأطراف المتحاربة على وقف إطلاق النار، والتزمت بهذا الاتفاق، يمكن تجنب وقوع إصابات في كلا الجانبين، بل وإنشاء أساس أولي للثقة يمكن أن يسهل الطريق إلى مفاوضات أكثر صعوبة.

وعلى سبيل المثال، يُنسب لاتفاق وقف إطلاق النار في جبال النوبة بالسودان إلى المساعدة في بناء الثقة التي سمحت بإجراء محادثات سلام أوسع وأكثر جدوى بين الشمال والجنوب، بدءاً من عام 2002، كما أن الاتفاقات المؤقتة التي تساعد على إنهاء العنف وإنقاذ الأرواح قد تكون قابلة للتحقيق أيضاً رغم استمرار القتال، فخلال الاشتباكات بين غزة وإسرائيل 2008-2009، لم يكن هناك اتفاق لوقف إطلاق النار، لكن تم التوافق على فتح ممر إنساني للسماح بإيصال المساعدات المنقذة للحياة إلى المدنيين.

وبشكل عام، لا تعتبر الأطراف المتحاربة محادثات السلام أثناء الحرب بديلاً عن القتال، وإنما استراتيجية، تُستخدم جنباً إلى جنب مع القتال، لتحقيق أهداف كل طرف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما الذي يجلب المفاوضين إلى طاولة السلام؟

يدرك الطرفان المتحاربان أنهما يتضرران من الوضع الراهن، ولكنهما يعلمان أيضاً أنهما لا يستطيعان هزيمة الطرف الآخر بالوسائل العسكرية، ويدفع الجمود الذي يؤذي كلا الجانبين المفاوضين إلى طاولة المحادثات، والتي تصبح طريقة منطقية للمضي قدماً.

ويشير وليام زارتمان الأستاذ في كلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن إلى أن معظم دراسات التسوية السلمية للنزاعات تعتبر أن مقترحات الحل هي المفتاح الأساس للتوصل إلى تسوية ناجحة للصراع، إلا أن المفتاح الثاني الضروري للحل، يتمثل في توقيت التوصل إلى قرار، لأن الأطراف المتصارعة تعمل فقط على تسوية النزاعات عندما تكون جاهزة لذلك، وعندما تكون الوسائل البديلة أحادية الجانب التي تحقق النتائج المرجوة مغلقة، أو عندما تشعر الأطراف أنهم في ورطة مكلفة وغير مريحة، وفي تلك اللحظة فقط تبدو المقترحات الموجودة على الطاولة منذ فترة جذابة ومقبولة.

وفي حين يعتبر هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأميركي السابق، أن الجمود هو الشرط الأكثر ملاءمة للتوصل إلى تسوية بين طرفين متحاربين، يرى جون كامبل أستاذ العلوم السياسية في كلية دارتموث، أن مفهوم اللحظة الناضجة يرتكز إلى إدراك الطرفين المتصارعين بالموقف المتأزم الذي وصلا إليه وبأنه يضرهما، وعندما يجدان أنهما عالقان في صراع لا يمكن معه التصعيد لتحقيق النصر حتى وإن لم يكن بدرجة متساوية أو لنفس الأسباب، فإنهما يسعيان نحو سياسة بديلة أو طريق للخروج من المأزق. 

وبمجرد وصول المفاوضين إلى الطاولة، يعملون بدعم من وسطاء محايدين في كثير من الأحيان، للوصول إلى حل يشعر كلاهما من خلاله أنهما ربحا شيئاً، فالهدف الأساس من المفاوضات هو صياغة اتفاقيات تخلق نوعاً من المكاسب المتبادلة، ولا يجب أن يتوصل المفاوضون إلى اتفاق فحسب، بل ينبغي عليهم أيضاً تسويق تلك الاتفاقية لمجتمع غاضب ومصاب بصدمة نفسية وحزن لإقناع الشعوب بقيمة وفوائد هذه الاتفاقية.

ما أكبر المشاكل؟

التحدي الأكبر الذي عادة ما يواجه محادثات السلام هو العنف المرتبط بالنزاع، والغضب وانعدام الثقة الذي يخلقه بين مختلف الأطراف المتحاربة، حيث يجلس المفاوضون مقابل أولئك الذين يعتقدون أنهم قتلوا أبناءهم وبناتهم، بخاصة وأن العنف في حرب أوكرانيا واسع النطاق، ما أثر على الجنود والمدنيين على حد سواء، ما يعني ضرورة أن تكون هناك أسباب إستراتيجية مقنعة للتفاوض.

ومع ذلك ففي أغلب الأحيان، يعتقد أحد الأطراف أنه يفوز وليس لديه حافز للتفاوض، وعلى سبيل المثال، انسحبت حركة "طالبان" الأفغانية من محادثات السلام في أفغانستان عام 2021 لأنها كانت تحقق مكاسب عسكرية كبيرة، بينما أعلنت الولايات المتحدة أنها ستسحب قواتها.

حسن النية

ويظل السؤال وسط دمار الحرب وعنفها هو هل يمكنك الاعتماد على حسن النية من المشاركين الآخرين أثناء محادثات السلام؟

يحتاج مفاوضو السلام إلى بناء نوع من علاقة العمل لتنظيم محادثات السلام، إلا أن هذه العلاقات لا تضمن أن الذين يشاركون في محادثات السلام سيتفاوضون بحسن نية، ففي جنوب السودان، على سبيل المثال، اتُهم مفاوضو السلام بالمشاركة فقط حتى يتمكنوا من البقاء لأسابيع في كل مرة داخل فنادق فاخرة، وليس رغبة في حل صادق للنزاع بين الخصوم، وفي سوريا، غالباً ما اتُهم رئيس النظام السوري بشار الأسد بالمشاركة في محادثات السلام كاستراتيجية علاقات عامة، أو للسماح لجيشه بإعادة تجميع صفوفه قبل هجومه التالي على المدنيين حسبما يقول أندرو بلوم، المدير التنفيذي لمعهد جوان كروك للسلام.

ومع ذلك فإن المفاوضات التي تتمتع بالنيات الحسنة تحدث فقط عندما يكون من مصلحة الطرفين الوصول إلى اتفاق، وبالنظر إلى مفاوضات روسيا وأوكرانيا فقد وجهت اتهامات سابقة لروسيا بتسميم اثنين من كبار مفاوضي السلام الأوكرانيين، وكذلك الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش، خلال جولة من المحادثات المتعلقة بحرب أوكرانيا في مارس (آذار)، ما يعد انتهاكاً للعادات الدبلوماسية القديمة التي توجه محادثات السلام، بما في ذلك بقاء مبعوثي السلام في أمان، كما أنه سيجعل من الصعب جداً على محادثات السلام بين روسيا وأوكرانيا الوصول إلى نتيجة ناجحة. 

وفي كل الأحوال يتوقع كثير من المراقبين الدوليين أن تكون محادثات السلام بين موسكو وكييف طويلة وشاقة وتتطلب خطوات بناء ثقة أصغر قبل انتهاء الحرب.

المزيد من تقارير