يسعى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبيرغ لتثبيت الهدنة التي أعلنت مطلع الشهر الحالي بزيارة إلى صنعاء هي الأولى له منذ تعيينه قبل ثمانية أشهر، بعد أن كانت الميليشيات ترفض استقباله، في إطار مساعيه إلى إيجاد حل للأزمة التي عززها توافق الشرعية اليمنية الذي يقابله تصعيد حوثي في عدد من جبهات القتال.
وفيما كان السويدي يجلس إلى جوار القيادي الحوثي مهدي المشاط، كان مسلحو الأخير يستميتون لاختراق الضواحي الجنوبية والجنوبية الشرقية لمدينة مأرب الاستراتيجية، آخر معاقل الحكومة الشرعية شمالاً، من دون إحراز تقدم يذكر بفعل الصد العسكري الذي تبديه قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية.
تماسك "الهش"
وكان المبعوث الأممي قد وصل إلى صنعاء قادماً من مسقط في مسعى إلى تثبيت الهدنة "الهشة" التي يراها مدخلاً موضوعياً للتوصل إلى سلام شامل في البلد الغارق بالدماء منذ ثماني سنوات، بالتزامن مع اتهام الحكومة الشرعية للحوثيين بخرقها، حيث أجرى في السلطنة محادثات منفصلة مع وزير الخارجية العماني بدر البورسعيدي وعدد من المسؤولين العمانيين، إضافة إلى وفد من قادة الميليشيات من بينهم ناطقها محمد عبدالسلام.
وقال غروندبيرغ في تغريدة له على حسابه على "تويتر" إنه سيبحث في صنعاء "تنفيذ وتقوية الهدنة وسبل المضي قدماً"، وفي المقابل أفادت قناة "المسيرة" الناطقة باسم الحوثيين بأن المناقشات ستتركز حول "تثبيت الهدنة الإنسانية وفتح مطار صنعاء وإزالة العوائق أمام حركة السفن في ميناء الحديدة".
وكان الحوثيون رفضوا استقبال السويدي هانس غروندبيرغ فور بدء مهماته رسمياً في الخامس من سبتمبر (أيلول) 2021 في صنعاء، لكنه التقى وفدهم المفاوض في العاصمة العمانية مسقط عدة مرات، قبل أن تنجح وساطة عمانية في اقنعاهم باستقباله.
اشتراط مسبق
من جانبهم، قال الحوثيون إنهم طالبوا المبعوث الخاص للأمم المتحدة بممارسة الضغط على التحالف الذي تقوده السعودية لرفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء الدولي.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها الحوثية عن مهدي المشاط "رئيس المجلس السياسي" التابع للجماعة تأكيده على إنجاح الجهود المتفق عليها وفقاً للهدنة المتضمنة فتح مطار صنعاء الدولي وموانئ الحديدة.
ودائماً ما تضع الميليشيات هذه الشروط وفي مقدمها وقف تدخل التحالف بقيادة السعودية، كأساس للدخول في أي مفاوضات بخصوص إنهاء الحرب، وهي محاولة وفقاً لمناوئيها لضمان تجنب الاستهداف الجوي من التحالف العربي الداعم للشرعية حتى تتمكن بسرعة من التمدد الميداني على عدد من المحافظات الأخرى وأهمها مأرب، إضافة لمطالبها فتح المنافذ بما يسهل لها استقبال مزيد من الدعم الإيراني لاستكمال التمدد في بقية مناطق البلاد، قبل الدخول في مفاوضات تضع هي شروط إنجاحها.
وفي حين يرى مراقبون أن أحد أهم العوامل لنجاح جهود المبعوث لأممي للسلام في اليمن هو الموقف الإيراني، إذ تُتهم طهران باتخاذ الملف اليمني كأحد أوراقها لابتزاز المجتمع الدولي والمملكة العربية السعودية.
إطلاق مرتقب للأسرى
وفي سياق زيارته، ناقش المبعوث الأممي مع ما يسمى رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى عبدالقادر المرتضى "ملف الأسرى وسبل التقدم فيه".
وتطرق اللقاء إلى اتفاق جديد يعمل المبعوث الأممي عليه من أجل عمليه تبادل لإطلاق مزيد من الأسرى والمختطفين.
وقال المسؤول الحوثي إنهم جاهزون لتنفيذ الاتفاق، مطالباً المبعوث الأممي بالضغط على الطرف الآخر للالتزام بالاتفاق وتنفيذه، وفق الوكالة.
متغيرات نوعية
وتأتي الزيارة الأممية في ظل متغيرات كبيرة شهدها ملف الأزمة اليمنية، كان أبرزه ما شهده الأسبوع الماضي بتسليم الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي سلطاته لمجلس رئاسي توافقي برئاسة مستشاره رشاد العليمي، الضابط الأمني السابق، سبقته الأمم المتحدة بأيام بإعلان هدنة لمدة شهرين تسعى اليوم إلى تثبيتها.
وجاء الإعلان عن تشكيل المجلس في ختام مشاورات للقوى اليمنية في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي في غياب الحوثيين الذين رفضوا الحضور.
وأكد الرئيس عبدربه منصور هادي في بيان متلفز أن المجلس الجديد مكلّف "بالتفاوض مع الحوثيين لوقف إطلاق نار دائم في كافة أنحاء الجمهورية والجلوس إلى طاولة المفاوضات للتوصل إلى حل سياسي نهائي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفيما كان اليمنيون يصوغون عقدهم السياسي والاجتماعي لعهد جديد في المشاورات التي جرت برعاية خليجية توجت بإعلان تشكيل مجلس رئاسي مكون من ثمانية أشخاص يتولى قيادة البلاد، شنت الجماعة المدعومة من إيران هجوماً حاداً على القرارات والإجراءات التي خرجت بها مشاورات الرياض والتي شاركت فيها جميع القوى والمكونات اليمنية المناهضة للحوثيين، الذين رفضوا الحضور على الرغم من تكرار الدعوة الخليجية لهم.
واعتبرت الميليشيات أن تفويض الرئيس هادي صلاحياته لمجلس قيادة رئاسي خطوة "تدفع نحو التصعيد".
دور عماني هادئ
أنباء تحدثت عن وساطة عمانية تجريها مسقط بعيداً من الضجيج الإعلامي لتقريب وجهات نظر الفرقاء في مسعى متكرر للجارة العمانية، التي تشترك مع اليمن في حدود برية وبحرية، للتوصل لتسوية شاملة للأزمة اليمنية.
وعزز هذا الطرح حديث الخارجية العمانية التي قالت إن زيارة المبعوث الأممي إلى صنعاء جاءت بعد لقاءات ومناقشات أجراها مع بدر البوسعيدي وزير الخارجية العماني ومحمد عبدالسلام رئيس وفد الحوثيين التفاوضي (يقيم الأخير وعدد من القيادات الحوثية في ضيافة مسقط).
وأضافت الخارجية في تغريدة عبر حسابها الرسمي على "تويتر" أن هذه المناقشات جرت "حول إجراءات تثبيت الهدنة ومتطلبات التسوية الشاملة في اليمن".
كما تحدثت مصادر إعلامية متطابقة أن زيارة غروندبيرغ إلى صنعاء جرت بتنسيق مسبق بين الحوثيين وسلطنة عمان التي أقنعت المتمردين بالتخلي عن موقفهم المتشدد حيال زيارة المسؤول الأممي.
واشترط الحوثيون لقبول زيارة غروندبرغ تطبيق التفاهمات التي تضمنتها الهدنة التي أعلن عنها مطلع الشهر الحالي، ومن بينها السماح بتيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة الواقعة تحت سيطرتهم، والسماح برحلتين جويتين من وإلى مطار صنعاء كل أسبوع.
وفي الأول من أبريل (نيسان) الحالي أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانس غروندبرغ موافقة أطراف الصراع على هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد، تتضمن أيضاً رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء وتسيير رحلتين جويتين أسبوعياً منه إلى مصر والأردن، وفتح الطرقات والمعابر في مدينة تعز.
الاشتباكات لا تهدأ
وعلى الصعيد الميداني، قالت قوات الجيش اليمني إنها تصدت لهجمات حوثية متكررة على محافظتي مأرب وجنوب الحديدة.
وقالت موقع وزارة الدفاع اليمنية إن معارك عنيفة اندلعت إثر شن الميليشيات هجوماً عنيفاً معززاً بتغطية من الطيران المسير الذي شن غارات عدة على مواقع للجيش الوطني في مديرية الجوبة ومنطقة الفلج وسلسلة جبال البلق الشرقي.
وفي السياق ذاته أعلنت القوات المشتركة التصدي لمحاول تسلل واسعة إلى مواقعها في جبهة حيس جنوب محافظة الحديدة غرب البلاد.
وقال إعلام القوات المشتركة إن القوات خاضت معارك مع الحوثيين وأجبرتهم على الفرار بعد تسجيل إصابات مباشرة في صفوفهم.
ورصدت قوات الجيش 80 خرقاً للهدنة يوم الإثنين الـ 11 من أبريل، منها 20 خرقاً في جبهات القتال غرب حجة و17 خرقاً للهدنة في محور تعز و17 في محوري البرح وحيس، و15 خرقاً في جبهات القتال جنوب وغرب وشمال غربي مأرب. إضافة إلى ستة خروقات شرق الجوف وخمسة في محور الضالع.
ومنذ أكثر من عام تحاول ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران السيطرة على محافظة مأرب الغنية بالنفط من دون جدوى.