لم يتوقف الجدل والتكهنات في شأن السيناريوهات المحتملة للأزمة الليبية منذ إعلان ممثلي شرق ليبيا في اللجنة العسكرية تعليق أعمالهم ومطالبتهم بوقف تصدير النفط وإغلاق الطريق البري الذي يربط بين المنطقة الغربية والشرقية، احتجاجاً على سياسات رئيس الحكومة الموحدة عبدالحميد الدبيبة في ملفات عدة أبرزها رواتب الجيش في بنغازي المتوقفة منذ أشهر.
ووسط مخاوف شعبية من التداعيات الاقتصادية والسياسية والأمنية للإجراءات التي طالب الفريق التابع للجيش بتنفيذها للضغط على الدبيبة وحكومته، دعا ثلة من المترشحين للانتخابات الرئاسية المجلس الرئاسي لإعلان حال الطوارئ وتشكيل حكومة مصغرة لإنقاذ البلاد والوصول بها إلى بر الانتخابات العامة، وحسم الخلافات الحالية قبل الانجرار إلى صدامات جديدة وانقسام تام.
مطالبة بتحييد اللجنة العسكرية
وفي أول رد منه على بيان اللجنة العسكرية المشتركة التابعة للجيش في بنغازي، الذي حفل بالتهم والانتقادات لسياساته الحكومية، عقد رئيس الحكومة الموحدة عبدالحميد الدبيبة اجتماعاً، الإثنين، مع رئيس الأركان محمد الحداد ورئيس أركان القوات البرية الفيتوري غريبيل ولجنة "5+5" عن المنطقة الغربية لدرس الموقف الحالي.
وبحسب بيان صادر عن الحكومة الموحدة في طرابلس أكد الدبيبة أن "مهمات لجنة 5+5 واضحة وفقاً للاتفاق الدولي، وهي بعيدة من العمل السياسي والخوض في التفاصيل الإدارية لمؤسسات الدولة".
وشدد على "ضرورة استقلال عمل اللجنة حتى تتمكن من إنجاز أعمالها التي تتطلب قدراً عالياً من الحياد والمهنية لتحقيق أهدافها، ويتطلب أيضاً الابتعاد كلياً من المناكفات السياسية".
باشاغا يهاجم الدبيبة
من جهته، حمل رئيس الحكومة المكلف من البرلمان فتحي باشاغا الدبيبة المسؤولية عن تعميق الانقسام في البلاد، وتعهد من جديد بالدخول إلى طرابلس قريباً بالطرق السلمية. واتهم الأول رئيس الحكومة الموحدة بـ "المسؤولية عما تمر به البلاد من فوضى أمنية وسياسية جراء تعنت حكومته" التي وصفها بـ (مغتصبة السلطة) وبلا أي مشروعية قانونية.
وساق باشاغا في بيان جملة من التهم الخطرة للدبيبة، قائلاً إنه "يقوم بإهدار متعمد للمال العام وتسخيره لمصالح شخصية وسياسية ضيقة، واستغلال إيرادات النفط على غير الأوجه الصحيحة في شكل فاضح من أشكال الفساد، بما يهدد المركز المالي للدولة وينال حقوق الشعب الليبي تجاه مقدراته وثرواته التي صارت مرتهنة بإرادة عصبة خارجة عن القانون".
دعوة للهدوء
وفي تعليق له على بيان ممثلي الجيش في اللجنة العسكرية المشتركة، دعا باشاغا إلى "ضبط النفس وعدم الانجرار وراء التصعيد السياسي والعسكري المتعمد من قبل الحكومة منتهية الولاية"، معتبراً أن "السبل ضاقت بها لذلك باتت تسعى إلى اعتماد سياسات استفزازية تهدف إلى إيقاف إنتاج النفط وقطع الطرق والمواصلات البرية والجوية بين الشرق والغرب والجنوب، والتحريض على العنف والصدام بين الشعب الليبي".
تحرك الرئاسي
وفي محاولة للوساطة وتجنب دخول اللجنة العسكرية المشتركة في دوامة التجاذبات السياسية، بحث عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي مع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" عن المنطقة الغربية، تداعيات بيان أعضاء نظرائهم الذين يمثلون المنطقة الشرقية.
وأكد اللافي "استمرار دعم المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش لعمل اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" من أجل إنجاز المهمات الموكلة إليها، والمحافظة على كل ما تحقق خلال الأشهر الماضية"، وشدد على أن "أي خلل في عمل اللجنة سينسف ما تم تحقيقه من نجاحات، متمثلة في وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار، وقد يعود سلباً على أمن البلاد وسلامتها ووحدتها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
بينما حذر أعضاء اللجنة العسكرية عن الغرب الليبي بحسب بيان للمجلس الرئاسي من أن "التطورات الأخيرة قد تعيد البلاد إلى حال الانقسام"، وأكدوا "أهمية تجنب الانجرار وراء التجاذبات السياسية باعتبار اللجنة العسكرية المشتركة لجنة فنية لا علاقة لها بالشأن السياسي"، ودعوا إلى "ضرورة إيجاد حلول جذرية لإشكال صرف رواتب كل منتسبي الجيش الليبي في أسرع وقت ممكن، كخطوة أولى لحل الأزمة".
وكان أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة "5+5" التابعين لقيادة الجيش في بنغازي علقوا السبت جميع أعمالهم في اللجنة، داعين إلى إيقاف تصدير النفط إلى حين النظر في عدد من مطالبهم، وأبرزها رواتب منتسبي وحدات القوات المسلحة المتوقفة منذ حوالى أربعة أشهر.
ضغط سياسي
ملامح الانقسام داخل اللجنة العسكرية المشتركة بعد بيان ممثلي الشرق الليبي بدأت تظهر إلى العلن للمرة الأولى بعد عامين من الوفاق التام الذي كان محل إشادة كبيرة في ليبيا وخارجها، بالنظر إلى نجاح أعضاء اللجنة في النأي بأنفسهم عن خلافات الأطراف السياسية وسط مشهد محتقن، خصوصاً في الربع الأول من العام الحالي.
بداية التصدع في البيت الداخلي للجنة العسكرية ظهر جلياً في تصريحات لممثليها في الشقين الشرقي والغربي من البلاد، حملت انتقادات متبادلة على غير العادة، إذ قال عضو اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) عن المنطقة الغربية اللواء مصطفى يحيى إن "أعضاء اللجنة عن المنطقة الشرقية يتعرضون لضغط كبير نتيجة للاستقطاب السياسي".
وأضاف أن "البيان الأخير لا يعبر عن موقف اللجنة العسكرية 5+5 مجتمعة"، متمنياً من "أعضاء اللجنة النأي بأنفسهم عن الانحياز لأي طرف سياسي لتأثيره المباشر في عمل اللجنة وحيادها ودورها الوطني الذي ميزها طوال الفترة الماضية". ورأى أن "ما طالب به أعضاء اللجنة من المنطقة الشرقية من إقفال للنفط وغلق للأجواء وإقفال الطرق الرابطة بين الشرق والغرب لا يعبر عن حقيقة إرادتهم"، مشيراً إلى أن "إقفال النفط وغلق الأجواء لن يؤثر في الأطراف السياسية المتصارعة، بل سيؤثر سلباً في المواطن وبشكل مباشر وسريع وحاد، وهو ما لا ينتظره الشعب من اللجنة".
وخلص يحيى إلى "أن الحل للأزمة الحالية برمتها يكمن في التوجه إلى صناديق الاقتراع بشكل عاجل من أجل إبعاد شبح الحرب ورفع المعاناة عن الوطن والمواطن، أشدد على ما جاء في بيان أعضاء اللجنة عن المنطقة الغربية الصادر بتاريخ 15 فبراير (شباط) 2022، والذي أكد أن الحل لن يكون إلا بانتخابات سريعة تنهي حال الصراع على الشرعية".
خطر على توحيد الجيش
وفي الشرق حذر اللواء فوزي المنصوري أحد قادة الجيش الوطني في بنغازي من تداعيات الأزمة بين الجيش والدبيبة، محذراً أنها "تهدد بانهيار مسار توحيد المؤسسة العسكرية فعلاً، لأن الدبيبة من الأشخاص الذين لا يريدون السلام لليبيا".
واعتبر أن "عوائد النفط لا تذهب في مساراتها الصحيحة بل لتمويل الميليشيات، بينما يحرم العسكريون النظاميون من رواتبهم وحقوقهم المالية". ووصف ما تمارسه الحكومة من ضغوط على القوات المسلحة وبخاصة في الرواتب بأنه "نوع من الابتزاز السياسي".
وحذر المنصوري بشكل صريح من تسبب الأزمة الحالية في استئناف الحرب في ليبيا، قائلاً إن "الجيش الوطني مستعد لجميع السيناريوهات المحتملة، سواء السلم أو الحرب، والحرب ليست جديدة علينا، ويجب على المجتمع الدولي إجبار الدبيبة على تسليم السلطة قبل وقوعها، لأن حكومة الاستقرار جاهزة لتسلم الحكم بحسب التكليف الصادر لها من مجلس النواب".