Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"نيو لاينز": تورط "حزب الله" وأفراد من عائلة الأسد بتصنيع الكبتاغون وتهريبه

قيمة صادرات سوريا من هذه المادة المخدرة عام 2020 لا تقل عن 3.46 مليار دولار

أظهر تقرير لمعهد "نيو لاينز" تورط "حزب الله" وأفراد من عائلة الأسد وكبار أركانه في تصنيع الكبتاغون وتهريبه (أ ف ب)

لم يعد موضوع تورط النظام السوري في تصنيع وترويج المخدرات حول العالم سراً، منذ أعوام وتقارير كثيرة تنشر في كبريات مراكز الأبحاث والصحف ووسائل الإعلام العالمية والمحلية، تتحدث عن ضلوع نظام بشار الأسد وعائلته، إضافة إلى "حزب الله"، في عمليات تصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة وترويجها حول العالم، حتى أن صحفاً دولية وصفت الأسد بأنه "إمبراطور تجارة المخدرات في الشرق الأوسط"، كصحيفة "لوموند" الفرنسية، وأضافت أن الأسد على خطى أكبر أباطرة تجارة المخدرات في العالم "خواكين إيل تشابو غوزمان"، مستذكرة تاريخ دخول جيش النظام إلى لبنان واندفاعه للسيطرة على مزارع الحشيش في البقاع اللبنانية عام 1976، كما أورد مركز التحليلات العملياتية والأبحاث، "كور"، "COAR" في ورقة بحثية حول الاقتصاد السوري في زمن الحرب، بعنوان "كبتاغون وحشيش - دولة المخدرات السورية"، أكتوبر (تشرين الأول) 2021، اعتبر أن سوريا دولة مخدرات، لتضمنها نوعين أساسيّين من المخدرات المثيرة للقلق: الحشيش والكبتاغون (المنشط الأمتيفيتاميني).

وتُعد "البؤرة العالمية لإنتاج الكبتاغون، الذي شهد تطوراً صناعياً وتكيّفاً وتعقيداً تقنياً أكثر من أي وقت مضى"، وقدّرت الدراسة قيمة صادرات سوريا من الكبتاغون عام 2020 بأنها "لا تقل عن 3.46 مليار دولار أميركي". وتنشط صناعة حبوب الكبتاغون في لبنان المجاور، الذي انتقلت إليه أيضاً خبرات سوريا، خصوصاً خلال أعوام الحرب، كما يُصنّع في العراق، مع أن الاتجار بالكبتاغون كان يوماً أحد مصادر التمويل التي استغلتها الجماعات المسلحة المناهضة للدولة، إلا أن نظام الأسد وحلفاءه الإقليميين الرئيسيين تمكنوا، من خلال إحكام سيطرتهم على الأرض، من توطيد دورهم كمستفيدين رئيسيين من تجارة المواد المخدرة، وتضيف الدراسة أنه علاوة على التبعات الاجتماعية التي يتحملها السوريون أنفسهم، فإن لتجارة المخدرات في سوريا أثراً مزعزعاً على استقرار الدول المجاورة والإقليمية، والتي ستُجبَر بالتالي على حمل أعباء مجتمعية وأعباء في تطبيق القانون.

صناعة المخدرات في سوريا باتت منظّمة بشكل كبير

قبل فترة وجيزة لم يكن هناك من مصدر مثبت حول المناطق التي تتم فيها عمليات التصنيع والترويج، ولكن بحسب تقارير استقصائية عديدة ومتنوعة الاتجاهات والجنسيات قالت إن صناعة المخدرات في سوريا باتت منظّمة بشكل كبير، وأصبحت لها أسواق ليس للخارج فقط بل للداخل، وعلى جميع مناطق النفوذ، وتركز الصناعة المنظّمة للحبوب المخدرة على شبكة من المصانع المتفرقة تقع في محافظات سورية عدة، كمصنع "ميديكو" في محافظة حمص، ومعمل منطقة البصة في ريف اللاذقية، إلى جانب "معمل التضامن" الذي تديره "الفرقة الرابعة" والذي بات من المعروف أن هذه الفرقة تتبع لماهر الأسد شقيق بشار، ويزيد عدد المصانع التي تنتج فيها أقراص الكبتاغون في سوريا على 15 مصنعاً، والبعض منها ينتج أدوية مهدئة أخرى، كالمصانع الواقعة في منطقة حسياء على الطريق الدولي الرابط بين دمشق وحمص.

وتشير المصادر إلى ورشات متوسطة بحجم مصانع وتتبع لـ "حزب الله"، وتتوزع بشكل أساسي في منطقة القصير بريف حمص التي لا يسمح لأحد بدخولها حتى الآن، وصولاً إلى مناطق القلمون، وأصبح من المعلوم أن "شحنة الرمان" ذات المنشأ اللبناني، والتي احتوت على مخدرات وكانت متوجهة إلى أراضي المملكة العربية السعودية، كانت السبب في حظر خضروات لبنان من قبل السلطات السعودية. وقبل هذه الشحنة أُحبطت في السابق، وعلى مدار العامين الماضيين، عمليات تهريب لهذا المخدر في الشرق الأوسط وأوروبا، وفقاً لصحيفة "الغارديان" البريطانية، وبما لا يقل عن 15 شحنة من الكبتاغون، ونقلت الصحيفة عن ستة مسؤولين في أجهزة شرطة واستخبارات في الشرق الأوسط وأوروبا قولهم إن الشحنات كافة كان مصدرها سوريا أو عبر الحدود اللبنانية حيث تشكلت عصابات إجرامية وزعماء ميليشيات وعصابات حدودية تصنع وتوزع كميات كبيرة من المخدرات على نطاق كبير، ونقلت عن مسؤول بارز في بيروت قوله "إن هذه العصابات خطيرة جداً، فهم لا يخافون من أي شيء، إنهم يختبئون لكن على مرأى من الجميع".

مراحل تصنيع الكبتاغون

يقول مروان فرزات وهو صحافي مشارك في تحقيق عن صناعة المخدرات والاتجار بها في سوريا لصالح صحيفة "دير شبيغل" الألمانية، أنه بناء على مصادر مطلعة، تتم عملية تصنيع الكبتاغون في سوريا عبر مراحل عدة، أبرزها مرحلة الحصول على المواد الأولية اللازمة مثل "الأنفيتامين"، والتي يتم استيرادها من الهند عن طريق معامل الأدوية، سواء الخاصة أو التابعة للحكومة السورية، ويضيف أنه في البداية، "لم يكن هدف الحكومة من صناعة الأدوية تحقيق مكسب مادي وحسب، بل السعي إلى الانتقام من الدول التي دعمت الثورة، عام 2012".

وكانت الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات قد أعلنت أن الهند أوقفت شحنة من 24 طناً من "حمض الفينيليك" (المكون الرئيس لحبوب الكبتاغون) متجهة إلى سوريا، إذ تخوفت الهيئة من استخدام هذه المادة من قبل أشخاص ومصانع الأدوية لتصنيع الحبوب المخدرة. ومنذ عام 2016 أعلنت الهيئة أيضاً عن اختفاء كميات كبيرة من المواد الأساسية لتصنيع المخدرات في سوريا، وطلبت توضيح أين اختفت هذه الكميات من قبل السلطات السورية، إلا أنها لم تعط أي رد لغاية الآن.

ويتابع فرزات في حديث صحافي أن بعض المواد الأولية اللازمة لصناعة الحبوب المخدرة يتم استيرادها من روسيا أيضاً، وفي بعض الحالات من بولندا، مشيراً إلى أن مصنع البصة في ريف اللاذقية يعتبر من أبرز النقاط المنتجة للكبتاغون، تحت إشراف وإدارة من قبل شخصيات من عائلة الأسد، على رأسها، سامر الأسد ابن كمال وأخيه أيهم، وأبناء طلال الأسد. لكن دمشق كانت قد أعلنت، في أكثر من مناسبة، أنها تحبط عمليات التهريب، وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، أعلنت السلطات السورية أنها أحبطت عملية تهريب أكثر من 500 كيلوغرام من حبوب الكبتاغون المخدرة، مخبأة ضمن شحنة من أكياس المعكرونة كانت في طريقها إلى السعودية، في ثاني عملية من نوعها خلال أسبوع، حينها، وأوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" أن "الجهات المختصة ضبطت كمية كبيرة من حبوب الكبتاغون المخدّرة كانت موضوعة ضمن شحنة معكرونة معدّة للتصدير إلى السعودية"، مشيرة إلى أن الشحنة تضمنت نحو 525 كيلوغراماً من الحبوب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلنت السلطات السورية مراراً خلال الأشهر الماضية، مصادرة شحنات من حبوب الكبتاغون، وتم ضبط 180 ألف حبة كبتاغون أيضاً داخل علب حلاوة في دمشق، تزن 650 كيلوغراماً، أي أكثر من أربعة ملايين حبة، تم ضبطها داخل سيارة على الطريق السريع بين حمص ودمشق. وكان الجيش الأردني قد أعلن بداية هذا العام، أنه قتل 27 من "مهربي المخدرات" أثناء محاولتهم التسلل من سوريا، وقال متحدث باسم الجيش إنهم حاولوا دخول الأردن تحت غطاء من الثلوج الكثيفة بكميات كبيرة من المخدرات، كما أعلن الجيش عن فرار عدد آخر من "المهربين" وهم يحملون مخدرات إلى سوريا خلال المحاولة، لكن على نقيض التحقيقات التي تثبت ضلوع النظام السوري، اعتبر مدير مكتب اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات التابعة للنظام السوري حسام عازر التقارير الصحافية والدراسات الصادرة عن مراكز أبحاث متخصصة، التي أكدت أن "سوريا تحولت إلى دولة مخدرات"، أنها تنقل "معلومات خاطئة ومُضللة". وأضاف عازر، خلال لقاء إعلامي في يناير (كانون الثاني) 2022، أن هذه التقارير "تختلق الأرقام" التي تذكرها حول تجارة وإنتاج المخدرات في سوريا، إذ تعتمد على "مصادر مفتوحة وغير موجودة في سوريا"، معتبراً أن أي أحد من العاملين في مجال المكافحة العملياتية للمخدرات يستطيع "كشف زيف هذه الأرقام"، ونفى عازر ما ذكرته التقارير عن إنتاج المخدرات في سوريا، عازياً ارتفاع عمليات تهريبها عبر الحدود إلى زيادة الطلب الاستهلاكي في الدول المجاورة والقريبة من سوريا، "نظراً إلى موقعها الجغرافي وتوسطها القارات، ما جعلها بلد عبور بين الدول المنتجة والدول المستهلكة للمخدرات".

تورط "حزب الله" وأفراد من عائلة رئيس النظام السوري

وأظهر تقرير جديد صادر عن معهد "نيو لاينز" للأبحاث، الذي يتخذ من واشنطن مقراً، تورط "حزب الله"، وأفراد من عائلة الأسد وكبار أركانه في تصنيع الكبتاغون وتهريبه، بحسب ما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، كما يكشف التقرير الذي أعده الباحثان كارولين روز وألكسندر سودرهولم أن سوريا كانت تعد المصدر الأبرز لتلك المادة منذ ما قبل اندلاع الحرب عام 2011، إلا أن النزاع جعل تصنيعها أكثر رواجاً واستخداماً وتصديراً، حتى باتت قيمة صادرات الكبتاغون تفوق بأشواط الصادرات الشرعية، ما جعل سوريا تصنّف على أنها "دولة مخدرات"، ووثق التقرير كيفية مشاركة أفراد من عائلة الأسد وكبار أركان نظامه في تصنيع تلك الحبوب وتهريبها، واعتبر أن لبنان بمثابة امتداد لتجارة الكبتاغون السوري ونقطة عبور رئيسية.

دور أساسي لـ "حزب الله"

وتستفيد شخصيات مرتبطة بالنظام السوري من مجموعات مسلّحة متنوعة تنشط على الأراضي السورية، لتنظيم تجارة الكبتاغون، ومن بين هذه المجموعات "حزب الله". إذ تضطلع بعض المناطق حيث يحظى الحزب فيها بنفوذ، وبينها قرى حدودية بين لبنان وسوريا، بدور أساسي في عمليات التهريب، ويبدو أن "حزب الله" يلعب دوراً داعماً مهماً في تلك التجارة غير المشروعة عبر عمليات التهريب، "بناء على تاريخه في السيطرة على إنتاج وتهريب الحشيشة من البقاع الجنوبي"، وفق ما جاء بالتقرير، ذلك لأن منشآت صغيرة عدة لصناعة الكبتاغون، تقع في لبنان الذي يعد أساساً ثالث مورد لنبتة الحشيشة بعد المغرب وأفغانستان. ووفقاً للبحث، فإن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري خلال سنوات النزاع جعلت حكومته "تستخدم هذه التجارة كوسيلة للبقاء سياسياً واقتصادياً".

تركيبة الكبتاغون تعدل باستمرار

قد يحتوي الكبتاغون على القليل من "الفينيثايلين" أو يخلو منه تماماً، وينقش على الحبة حرفا "C" متشابكين، في إشارة إلى الحرف الأول من الكلمة باللغة الإنجليزية، وجاء انتشاره الواسع بعد أن أدخلت على تركيبته تغييرات مستمرة، ما جعل محاولات إحباط الاتجار به أكثر صعوبة، وفق معهد "نيو لاينز" الذي أوضح أن "أحد الجوانب الأكثر صعوبة في تتبع أنماط إنتاج الكبتاغون وتهريبه واستهلاكه يكمن في تحديد مركبه الطليعي وتعديل تركيبته الكيميائية باستمرار".

وفي هذا السياق، تظهر وثيقة بحثية صادرة عن معهد Chatham House  "شاتام هاوس" البريطاني، المتخصص في الأبحاث الاستراتيجية، أعدتها مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد، لينا الخطيب، في يونيو (حزيران) 2021، الطرق المختلقة التي يسيطر بها "حزب الله" على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وتقول الباحثة، إن "حزب الله يختلف عن بقية الأحزاب المناوئة له في كيفية استخدامه مرفأ بيروت، إذ يستغله لنقل المخدرات والأسلحة والمواد المتفجرة داخل لبنان وخارجه من دون أية رقابة حكومية على عملياته أو تفتيش حظائره التي يستخدمها"، كما أن "البضائع غير المشروعة تدخل لبنان في بعض الأحيان عبر الميناء لنقلها براً إلى سوريا، وفي أوقات أخرى، تخزن المواد المستخدمة في صنع المتفجرات في الميناء ويتم جمعها مؤقتاً لتجهيزها للشحن إلى الخارج". وبحسب الوثيقة البحثية، يعتبر تورط "حزب الله" في عمليات التهريب عبر الحدود، بما في ذلك المخدرات، مصدر دخل مهماً للجماعة.

"حزب الله" ينفي

وكان الأمين العام لـ "الحزب" حسن نصر الله قد نفى ضلوع جماعته في عمليات إنتاج "الأمفيتامين"، وقال في تصريح تلفزيوني في يناير 2021، "إن موقفنا من المخدرات بجميع أنواعها واضح، ومن المحرم دينياً تصنيعها وبيعها وشراؤها وتهريبها واستهلاكها. وفي بعض الحالات قد تصل العقوبة إلى حد الإعدام، بحسب قوانين الشريعة الإسلامية"، وأضاف أن علماء الدين يحظرون أي تورط في تجارة المخدرات "حتى لو كان الهدف منه تمريرها إلى العدو"، وذلك بعد أن حامت الشكوك حول دور الحزب بشحنة 14 طناً من المخدرات صودرت في إيطاليا في يونيو عام 2020.

المزيد من تقارير