Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وزارة الثقافة الجزائرية تنضم إلى قافلة منع التعامل بالفرنسية

يعتبر البعض أنه مجرد اجراء صوري للتغطية على التقصير في مجالات أخرى

وزيرة الثقافة الجزائرية صورية مولوجي (التلفزيون الجزائري)

تجدد الجدل في الجزائر حول التعامل الرسمي باللغة الفرنسية، إذ منعت وزارة الثقافة استخدام تلك اللغة لتؤكد استمرار محاصرة الفرنسية التي باتت مقاطعتها تتوسع في البلاد.

الفرنسية بين فكي كماشة

ولم يتوقع أحد أن تضع الجزائر اللغة الفرنسية بين فكي كماشة، بعدما هيمنت على كل المجالات وعلى مختلف المستويات، وإن ربطت بعض الجهات، قرارات إنهاء التعامل بالفرنسية من جانب وزارة التكوين المهني، ووزارة الشباب والرياضة، ووزارة العمل، وبعض المؤسسات مثل "بريد الجزائر"، بالحراك الشعبي، الذي رفع مطالب بـ"طرد فرنسا والفرنسية من الجزائر"، أو بالتوتر الدبلوماسي بين البلدين.
غير أن إعلان وزارة الثقافة منذ أيام، منع التعامل باللغة الفرنسية في المراسلات والنشاطات الرسمية، يشير إلى أن هناك توجهاً جزائرياً لتهميش لغة "فولتير".
وطلبت وزارة الثقافة وفق مراسلة موجهة إلى الإدارات والمؤسسات التابعة لها، نشرتها على صفحتها الرسمية على "فيسبوك"، تعميم استعمال اللغة العربية في المعاملات والنشاطات باستثناء المراسلات الدولية التي تتطلب لغات أخرى. وقالت إنه "تطبيقاً لأحكام الدستور وقانون تعميم استعمال اللغة العربية، يُطلب منكم التقيد إلزاماً باستعمال اللغة العربية في كل أعمال الاتصال والتسيير الإداري والمالي والتقني الفني".

جدل على 3 مستويات

وفتح القرار الذي حمل صفة "الأهمية القصوى"، أبواب الجدل على مصراعيها، وشكلت صفحات الجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي مسرحاً له، حيث اعتبرت فئة أن "الخطوة مريحة وتعبر عن الجزائر التي نريد، وعلى الرغم من أنها متأخرة فإنها جيدة"، بينما رأت فئة أخرى أن منع التعامل باللغة الفرنسية في الجزائر يعني "التحرر الجزائري"، وعلى جميع دول المغرب العربي القيام بالأمر ذاته، فيما قالت فئة ثالثة إن هذا قرار طال انتظاره، وهو بمثابة "خروج آخر جندي فرنسي من الجزائر".

صراع التاريخ تطور إلى صراع مصالح

في السياق، اعتبر أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، عباس كحول، أن "التجاذب بين التعريب والفرنسية وبين الجزائر المستقلة وفرنسا الإرث الاستعماري، ليس وليد اليوم، بل يعود إلى الموروث الاستعماري وسياسة الفرنَسَة ومحاربة العربية التي تحولت إلى أيديولوجيا وصراع بين العربية والفرنسية، بين تيار مفرنس يمسك بدواليب الإدارة ومرتبط بالمصالح الفرنسية، وتيار معرب يسعى للتغيير والتقرب من المشرق من خلال محاولات تعريب المدرسة الأساسية وبعض القطاعات العمومية الوزارية". وأضاف كحول، أن "الموضوع عاد إلى الواجهة في إطار تضارب المصالح بين الجزائر الجديدة بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون، وفرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون، وممارسة الضغط الاستراتيجي من خلال منع وزارة الثقافة استخدام اللغة الفرنسية، بعد التصريح الإعلامي غير الموفق لوزيرة الثقافة المُقالة وفاء شعلال، التي صرحت بأن الفرنسية منتشرة ومسيطرة في الجزائر، وفي ظل تشكيك ماكرون بسيادة الجزائر، وتخفيض التأشيرات الفرنسية، واستدعاء الجزائر سفيرها للتشاور، وتضارب المصالح بين الطرفين في مالي وليبيا والصحراء الغربية، والضغط الفرنسي المستمر على الجزائر بغية عرقلة التغيير السياسي والاقتصادي والثقافي فيها، فهو صراع التاريخ الذي تحول إلى صراع أيديولوجي وتطور إلى صراع مصالح".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


بين شرعية رمزية وصورة شعبوية

من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد القادر عبد العالي، أن "الخطوة جد عادية وتندرج ضمن الاستحقاقات الدستورية، التي ينبغي بموجبها تفعيل المادة الثالثة من الدستور التي تنص على اعتبار اللغة العربية، اللغة الرسمية، إضافة الى التفعيل الجزئي للغة الأمازيغية على مستوى أقل"، مضيفاً أنها "تأتي أيضاً ضمن ظرف دولي يتسم بالتوتر في العلاقات الفرنسية - الجزائرية، وتأكيد الجزائر سيادتها الرمزية والفعلية. كما جاءت في سياق محلي ودولي يتسم بتراجع نفوذ الفرنكوفونية الثقافية". واعتبر أن "النظام السياسي في الجزائر يعاني اهتزازاً للشرعية الخاصة بالأداء الاقتصادي، لذا فهو يحتاج إلى شرعيات رمزية ومن ضمنها هذا الإجراء".
من جهة أخرى، لاحظ الناشط السياسي، حليم بن بعيبش، أنها "ليست بالخطوة الجديدة، فقد سبقتها قرارات مماثلة لوزارات كالرياضة والتكوين المهني، لكنها جيدة". وقال "في اعتقادي، على الوزيرة إعطاء اهتمام بتحسين الحالة المزرية للقطاع، فالفنان الجزائري يموت ببطء، ويعاني المسرح حالة سيئة إنتاجاً وتسييراً، والصناعة السينمائية تكاد تكون منعدمة، ما عدا بعض الاستثناءات، والتراث الشعبي والتاريخي يتعرض للإهمال من جهة، والسرقة من جهة أخرى"، موضحاً أنه على الوزيرة إيلاء الاهتمام للقضايا الحساسة للقطاع لأنها هي معيار نجاح أي وزير، وهذا هو العمل الحقيقي الذي ينتظر الوزير، والذي يتجاوز مجرد منع اللغة الفرنسية في المراسلات.

في المقابل، قال الإعلامي الجزائري حكيم مسعودي، إن "القرار مرتبط رمزياً بستينية الاستقلال، وهو يخدم الصورة الشعبوية التي تحرص السلطة على الظهور بها أمام الجزائريين". وأوضح أنه "بالعودة إلى المواثيق التأسيسية فإن سياسة التعريب مضمنة في ميثاق طرابلس الصادر في 4 يونيو (حزيران) 1962، الذي بقي حبراً على ورق، ومجرد لافتة شعارية استعراضية تخدم واجهة الشرعية الثورية التي يفترض أن تتخلص من كل ما يرتبط بفرنسا الاستعمارية".

تعميم اللغة العربية

يُذكر أنه باستثناء وزارة الدفاع، تستعمل كل الوزارات في الجزائر اللغة الفرنسية في أغلب مراسلاتها الداخلية وحتى في بياناتها الرسمية، على الرغم من أن الدستور ينص على أن "العربية هي اللغة الوطنية والرسمية الأولى، كما أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية ووطنية ثانية". كما يقضي القانون رقم 05.91 المؤرخ في 16 يناير (كانون الثاني) 1991، بتعميم اللغة العربية.
ومرت سياسة تعميم استعمال اللغة العربية في الجزائر منذ الاستقلال بمراحل عدة، متأرجحة بين نصوص قانونية ودستورية تفرض التعميم، وأخرى تلغيه أو تجمده، ما يكشف عن صراع قوي بين المعربين واللوبي الفرنكفوني.
ويتوقع متابعون أن يصبح إتقان اللغة الفرنسية ضعيفاً جداً بعد مرور 20 أو 30 سنة، فالملاحظ أن انتشارها الحالي لا يتعدى مؤسسات الدولة والتعليم الجامعي في مجالات العلوم والتكنولوجيا والاقتصاد. وعلى الرغم من أن أعداداً كبيرة من الشباب يرغبون في الذهاب إلى فرنسا للدراسة، غير أن التوجه نحو تقوية مكانة الإنجليزية يشهد نقلة نوعية، سواء في الداخل أو على مستوى الالتحاق بالمعاهد والجامعات الإنجليزية، لتبقى اللغة العربية تبحث عن مكانتها الحقيقية في بلد عربي شعبياً مفرنس رسمياً.

المزيد من العالم العربي