Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المقدسيون يخشون تحقيق "التقسيم الزماني والمكاني" للأقصى

قاضي قضاة فلسطين اعتبر تأسيس السلطة إنجازاً وطنياً لا يمكن التفريط به

لا يكاد يمر يوم إلا ويجلس قاضي قضاة فلسطين، محمود الهباش، مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فهو من أكثر المسؤولين الفلسطينيين قرباً له، ويتولى أيضاً منصب مستشاره للشؤون الدينية.

العلاقة بينهما بدأت منذ عام 2006، حيث تولى بعدها بعام وزارة الشؤون الاجتماعية، ومن ثم وزارة الأوقاف حتى عام 2014، قبل أن يتولى منصب قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس عباس للشؤون الدينية. وتفوق حجم وطبيعية العلاقة بين الرئيس عباس والهباش منصب الأخير الذي لا يؤهله للجلوس بشكل شبه يومي مع الرئيس الفلسطيني.

ومع أن الهباش انسحب من حركة "حماس" عام 1994، بعد أشهر على تأسيس السلطة الفلسطينية لأسباب "سياسية وفكرية"، لكنه يحتفظ بعلاقة تقوم على الود والاحترام مع الرئيس عباس الذي يحكم منذ 17 عاماً.

الهباش، المولود في مخيم النصيرات في قطاع غزة 1963، حصل على شهادة الماجستير في الدراسات الإسلامية ودرجة الدكتوراه، وعمل محاضراً في جامعة القدس المفتوحة.

أسس بعد خروجه من حركة "حماس" حزب "الاتحاد" لفترة قصيرة، ذا الأفكار الإسلامية، لكنه لم ينضم إلى حركة "فتح" التي تشكل العمود الفقري للسلطة الفلسطينية.

يرى الهباش في حديث لـ"اندبندنت عربية" أن فكر جماعة الإخوان المسلمين يشوبه "خلل بنيوي، ويستخدم الدين مطية لخدمة الجماعة كي تصل إلى الحكم"، ولذلك فهو أسس الحزب "لإعادة الاعتبار لعلاقة الإسلام بالسياسة".

اقتحام المستوطنين المسجد الأقصى

ومع حلول شهر رمضان المبارك يخشى الفلسطينيون ودول الإقليم من انفجار الأوضاع في فلسطين كما حصل العام الماضي، وذلك بسبب تزامن الوجود الفلسطينيي المكثف في المسجد الأقصى مع الأعياد اليهودية التي يصاحبها اقتحام المستوطنين للأقصى.

ويحذر الهباش من "عواقب وخيمة لا تُحمد" لتلك الاقتحامات التي تأتي بموافقة من الحكومة الإسرائيلية وبحماية شرطتها، مشيراً إلى أنها تمثل "صبّاً للزيت على النار، وإشعالاً لفتيل الانفجار".

ويقول الهباش، إن رد الفلسطينيين على دخول المستوطنين للأقصى "سيكون غير اعتيادي وغير هيّن"، موضحاً أن القيادة الفلسطينية "نقلت رسالة بذلك للمجتمع الدولي وإلى إسرائيل نفسها بضرورة لجم اقتحامات المستوطنين".

ولم يستبعد قاضي قضاة فلسطين لجوء الشرطة الإسرائيلية إلى إفراغ المسجد الأقصى من المسلمين خلال شهر رمضان لتمكين المستوطنين من دخوله ضمن خططها "للتقسيم الزماني والمكاني" للأقصى.

لكن الهباش شدد على رفض الفلسطينيين تلك الخطط أو فرض أي سيطرة إسرائيلية على المسجد الواقع على 141 دونماً، مؤكداً أن "الأقصى بساحاته ومرافقه وأسواره حق خالص للمسلمين، وأن اقتحامه يشكل انتهاكاً لحرمته وهويته الإسلامية".

ويعتبر اليهود حائط البراق (المبكى) الجزء الأخير المتبقي من هيكل سليمان إثر تدميره في ظل حكم الرومان، ويشكل مكاناً رئيساً لصلاتهم في القدس. وشدد قاضي قضاة فلسطين على التزام الفلسطينيين ومطالبتهم بعودة الوضع التاريخي في القدس المحتلة والذي يعود إلى الحكم العثماني للمدينة.

وسمح ذلك الوضع لليهود بالحق بالصلاة أمام حائط البراق بشرط ابتعادهم عنهم ثلاثة أمتار، وعدم إطلاق المزامير مع "التأكيد أنه جزء من المسجد الأقصى وحق خالص للمسلمين وحدهم" بحسب الهباش.

لكن ذلك الوضع التاريخي والذي يطالب الفلسطينيون والأردنيون باحترامه وعدم المساس به، استبدلته إسرائيل عبر نشر قواتها على أبواب المسجد الأقصى والتحكم بمن يدخل ويخرج منه، كما أنها ترافق المستوطنين إلى داخله لحمايتهم أثناء اقتحامه.

وقال الهباش، إن زيارة المسجد الأقصى "متاحة لغير المسلمين شرط مرافقة دليل سياحي لهم من دائرة الأوقاف الإسلامية وعدم الصلاة فيه".

لا، بل إن قاضي قضاة فلسطين ذهب إلى نفي وجود "أي رابط ديني أو تاريخي بين اليهود والقدس، "فلم يثبت أن النبي سليمان أو النبي داوود كانا على هذه الأرض، أو وجود للهيكل أو ممكلة سليمان".

وبناءً على دور الشريف الحسين بن علي في حماية ورعاية الأماكن المقدسة في القدس منذ عام 1924، فإن الأردن يتولى الوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس.

وأوضح الهباش، أن تلك الوصاية "نظمتها اتفاقية فلسطينية - أردنية عام 2013 على أن تبقى تلك الأماكن المقدسة في القدس أمانة في يد العاهل الأردني حتى قيام دولة فلسطينية، وتكون السيادة فيها لدولة فلسطين".

ومع ذلك، فإن الهباش شدد على أن "الذي يحمي الأقصى من الاعتداءات عليها هو إنهاء الاحتلال فقط، فطالما بقي فإن الاعتداءت ستتواصل"، مضيفاً أن الشعب الفلسطيني والمرابطين في الأقصى هم من يحمون الأقصى إلى جانب ثبات الموقفين الفلسطيني والأردني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في المقابل، اعتبر الهباش دعوات المجتمع الدولي للفلسطينيين إلى ضبط النفس "مثيرة للسخرية والضحك، فالشعب الفلسطيني هو الضحية، وله الحق في مقاومة الاحتلال، وهو ما كفله لهم القانون الدولي".

الفلسطينيون وقرارات الأمم المتحدة "الظالمة"

وعن أسباب إحجام المجتمع الدولي عن الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها وإنهاء الاحتلال لأراضي دولة فلسطين"، يوضح الهباش أن ذلك يرجع إلى أن "إسرائيل مشروع غربي أقامته بريطانيا، وترعاه حالياً الولايات المتحدة".

ووصف قرارات الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين منذ عام 1947 بالظالمة، موضحاً أن منظمة التحرير الفلسطينية اتخذت عام 1988 قراراً جريئاً بالقبول وإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وفق القرار.

ومع ذلك، فإن المجتمع الدولي وقُواه الفاعلة، بحسب الهباش، "تحجم منذ عقود عن الضغط على إسرائيل لتنفيذ تلك القرارات "الظالمة"، مشيراً إلى أن "منظمة التحرير بدأت بانتهاج طريق آخر عبر الانسحاب من الاتفاقيات مع إسرائيل بجدول زمني محدد، بما يراعي مصالح الشعب الفلسطيني".

ورفض الهباش اتهام منظمة التحرير "باستجداء السلام مع إسرائيل من المجتمع الدولي، قائلاً إن من يفعل ذلك لا يرفض 38 طلباً من واشنطن خلال السنوات الماضية".

السلطة الفلسطينية إنجاز وطني

واعتبر الهباش أن تأسيس السلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو عام 1993 "لم يأتِ إلا بعد إرغام إسرائيل بذلك بفعل تضحيات الشعب الفلسطيني"، مضيفاً أنها إنجاز وطني لن يسمح الفلسطينيون بالتفريط فيه أو انهياره".

وأوضح أن القيادة الفلسطينية "تعمل على مراكمة الإنجازات الصغيرة وصولاً إلى الهدف النهائي بتجسيد إقانة دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس". ورفض الهباش التهوين من حصول فلسطين على دولة غير عضو في الأمم المتحدة، وانضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية، مضيفاً أن ذلك منح الفلسطينيين سلاحاً قوياً يزعج إسرائيل ويغضبها".

وفي ظل رفض إسرائيل إقامة دولة فلسطينية والانسحاب من الضفة الغربية، فإن الهباش طالب "بالاختيار بين الموافقة على دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس على حدود عام 1967، أو دولة لجميع السكان بين النهر البحر بحقوق مدنية وسياسية متساوية".

وشدد الهباش على أن الوضع الحالي "لا يمكن أن يستمر"، مؤكداً أن "الفلسطينيين لن يقبلوا بتكريسه".

الانسحاب من حركة "حماس"

وعن أسباب انسحابه من حركة "حماس" عام 1994، أوضح الهباش أن ذلك يعود إلى "اختلافات فكرية وسياسية مع قيادة الحركة" التي تعبتر جزءاً من جماعة الإخوان المسلمين، مضيفاً أن الجماعة تعاني "خللاً بنيوياً بسبب استخدامها الدين مطية لتحقيق مكاسب سياسية، فتسييس الدين جريمة كبرى".

وأوضح أن الإخوان المسلمين "يستهدفون الوصول إلى الحكم فقط، وليس تطبيق الشريعة الإسلامية، بدليل أنم وصلوا إلى الحكم في عدة دول دون تطبيقها بدعوى أن الواقع أكبر منهم".

ورفض الهباش في حديث خاص "استخدام الدين لتحقيق مكاسب السياسية بمعنى جعل السياسة هي التي توجه الفعل الديني"، داعياً إلى "توظيف القيم الدينية الثابتة لخدمة السياسية، فثمة فرق كبير بين من يخدم الدين ومن يستخدم الدين. أريد من الجميع أن يكونوا خدماً للدين، لا أن يصبح الدين خادماً لهم".

وشدد الهباش على أنه من دُعاة "إقامة دولة مدنية، تكون لجميع سكانها، وليس للمسلمين فقط"، معبراً عن معارضته "للدولة الدينية التي تستخدم الدين للسيطرة على عقول الناس، وإرغامهم على القبول بسياساتها".

وتابع أن "الدولة الإسلامية مدنية، فالدولة النبوية التي أقامها الرسول محمد (ص) كانت مدنية، عبر إقرارها الصحيفة المدنية، والتي أكدت أنها دولة لكل سكانها، يهوداً ومجوساً ومشركين. الخليفة أبو بكر الصديق خلف النبي في الأمور السياسية فقط وليس الدينية، لأن السلطة النبوية لا تتكرر، ولا تُعطى لأحد"، مشيراً إلى أنه من جاء بعد النبي "يُراجع في كل شيء".

وشدد الهباش على أن الخلافة الإسلامية "تجاوزها الزمن باعتبارها نظام حكم، ومن متغيرات الحياة، وليست من أصول الدين".

وعن السبب السياسي لانسحابه من حركة "حماس" يوضح الهباش أن ذلك يعود إلى "ضحالة رؤيتها السياسية عقب تأسيس السلطة الفلسطينية، وعدم وجود موقف واضح منها، سواء برفض الانضمام إلى أجهزتها، أو الموافقة على ذلك".

وعقب انسحابه من حركة "حماس" أسس الهباش حزب "الاتحاد" لقناعته بضرورة "إعادة الاعتبار لعلاقة الإسلام بالسياسة وحل سوء الفهم في الوعي بين الإسلام والسياسة".

ويقول: "أنا مؤمن بأن الإسلام يحكم كل مفاصل حياتي الخاصة والعامة، في السياسة الاقتصاد والاجتماع"، مضيفاً، "أنا أفهم الإسلام على أنه دين شامل لكل نواحي الحياة، فلا يجب حبسه في المسجد أو في الأحوال الشخصية، فالإسلام يصوغ كل حركاتي، وكل ما يخالفه تحت قدمي".

قانون الأحوال الشخصية

منذ انضمام فلسطين إلى اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 2014 تتعالى احتجاجات فلسطينية ضدها بسبب "انتهاكها الشريعية الإسلامية".

وفي موقف مساند لتلك الاحتجاجات، يقول الهباش إن الاتفاقية تتضمن "بنوداً ضد الشريعة الإسلامية"، مشدداً على أن الشريعة تسمو فوق القوانين والاتقاقيات الدولية". وتعهد الهباش الذي يحظى بثقة الرئيس الفلسطيني ويتولى المسؤولية عن المحاكم الشرعية "عدم تنفيذ أي بند في الاتفاقية يخالف الإسلام".

"وقّعنا اتفاقية سيداو في عجلة من أمرنا تحت ضغط الوقت"، يوضح الهباش أسباب توقيع الاتفاقية مع معارضة بعض بنودها، مشدداً على أن فلسطين "لا تنفذ البنود التي نعارضها حتى على الرغم من توقيعنا عليها".

وأضاف الهباش أن التبني الذي تدعو الاتفاقية إلى تنفيذه "محرم في الإسلام"، مشيراً إلى أن اشتراط وجود ولي للمرأة في عقود الزواج "خاضع للاجتهاد"، مع أنه قال إن فلسطين تتبنى الرأي القائل "إنه لا زواج إلا بولي".

وعن قانون الأحوال الشخصية القديم المطبق في فلسطين، شدد قاضي قضاة فلسطين على "ضروة وجود الجرأة لتغييره، بما يحقق مصالح الناس، ولا يتناقض مع الشريعة الإسلامية". وأوضح أن قوانين الدولة في الأحوال الشخصية لها الحق في "تقييد المباح في الشريعة الإسلامية، وهو من أكثر أمور الحياة، لكن القضايا القطعية النص والدلالة لا نقاش فيها كأحكام الميراث".

وعن قانون حماية الأسرة الذي يخضع حالياً للنقاش، أوضح أنه قدم بعض الملاحظات، عليه فإن "أُخذ بها، فنحن معه، وإلا فسنُعارضه". وأبدى الهباش اطمئنانه من ذلك، بالقول إن الرئيس عباس شدد على أنه "لن يوافق على أي شيء يخالف الشريعة الإسلامية".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات