يشي بالكثير عن سمعة فلاديمير بوتين الهمجية والسادية أن يخطر في بال أي كان احتمال، أو ترجيح، إقدامه على تسميم "أحد رجاله"- خبط عشواء.
ولكن الإشارات كلها موجودة بأن بلطجيته أعطوا جرعة من شيء سام [مادة سامة] للغاية لرومان أبراموفيتش، وبالطبع، لفريق من مفاوضي السلام الأوكرانيين، في محاكاة نموذجية لأسلوب جهاز الأمن الفيدرالي (أف أس بي)- إما تنفيذاً لأوامر بوتين وإما "لصالحه" بطريقة غامضة.
ليس الأمر بجديد، إذ إن الاغتيال أداة قديمة في سياسة بوتين، وأسلافه الديكتاتوريين، من البلاشفة والقياصرة على حد سواء. وهو تلميذ مجتهد لطرق عمل زعماء سابقين من هذا الطراز، ويتوق لتقليد جرائمهم ومحاكاة أمجادهم. هو إمبريالي روسي ينتمي إلى القرن العشرين أو التاسع عشر، وشأنهم [الأسلاف] لا تهمه حياة الآخرين على الإطلاق.
تشير التحقيقات الجديدة إلى أن مقتل بوريس نيمتسوف، الذي اغتيل رمياً بالرصاص في عام 2015 قرب الكرملين، كان في الحقيقة عملية اغتيال نفذت بأوامر من الكرملين. لم يكن من باب الصدفة أن الدولة الروسية لم تغامر في ذلك الوقت، والتجأت مباشرة للرصاصة، صديقتها الصدوق، لأن نيمتسوف كان أهم الخصوم السياسيين في وجه بوتين.
لا يخفى على الجميع محاولة اغتيال وتسميم أليكسي نافالني، أكثر شخصية يمكنها أن تقود المعارضة في روسيا، والمسجون الآن بتهم ملفقة. أما الصحافيون، أمثال آنا بوليتكوفسكايا من صحيفة نوفايا غازيتا (الصحيفة الشقيقة لاندبندنت)، فكانوا مستهدفين بشكل خاص [اغتيلت بوليتكوفسكايا في 2006]، كما هو الحال مع المعارضين والمغتربين في المنفى مثل عائلة سكريبال في ساليزبوري وألكساندر ليتفينينكو، وآخرين غيرهم.
وفي هذه الأثناء، كان نصيب الشخصيات الأقل شهرة وبروزاً الضرب والسجن والإخفاء القسري والاغتيال على يد حكومة بوتين. يصبح الوضع أقرب أكثر فأكثر إلى أسوأ شيم الاتحاد السوفياتي وأكثرها همجية. فلا عجب أبداً إذن في رغبة الدول التابعة السابقة والجمهوريات السوفياتية السابقة، أوكرانيا ضمناً، المحمومة في الانضمام إلى "الغرب"- أي حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
كل هذا جزء من إمعان روسيا الحديثة في النهج الستاليني. الحكم بالرعب وقمع المعارضة والقضاء على أعداء الديكتاتور مهما علا شأنهم أو بغض النظر عن قربهم من الحكم. لو صحت الشكوك، يمكن اعتبار أبراموفيتش بطريقة ما تروتسكي العهد الجديد: ولكن نصيبه كان إصابات خفيفة نسبياً، على أنها قد تغير حياته، عوضاً عن غرز مخرز ثلج في جمجمته [توجيه ضربة قاضية له].
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إنه وقت عصيب، يستدعي في الوقت نفسه بعض التفاؤل. فالحلم والأمل هو أن تؤدي سلسلة الكوارث العسكرية والاقتصادية التي يفرضها بوتين على شعبه، إلى انقلاب هذا الشعب، وربما الجيش وبعض النخب في الكرملين، ضد بوتين.
قريباً، ستقل الأسواق المتاحة لتصريف البضائع الروسية، وستختفي الاستثمارات الغربية، كما العلاقات الثقافية والرياضية مع الغرب. ناهيك باختفاء ماكدونالدز. سوف تصبح روسيا دولة تابعة للصين [تدور في فلكها على المستويات الاقتصادية والسياسية وعسكرياً]، لا أكثر. ربما ينشب انقلاب في القصر، وربما تحدث انتفاضة شعبية، أو حركة عصيان أو الاثنتين معاً في أوساط المجندين المذهولين.
في مرحلة من المراحل، سوف يتداعى السد [الستار الحديدي]، وتتدفق الحقيقة المرعبة عن بوتين وأكاذيبه وفشله وقساوته وفساده أمام الرأي العام، وستقوم ثورة روسية أخرى. وعندها، سوف تبدأ مجدداً العملية المعطلة الآن لانضمام روسيا من جديد إلى المجتمع الدولي، مع ما يصاحب ذلك من حرية وازدهار.
عندها أيضاً، سوف تسنح فرصة البدء بإصلاح أخطاء الماضي، وهذه المرة، على الغرب أن يدعم روسيا بطريقة أفضل مما فعل في السنوات التالية لانهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991. لا أحد في الغرب لديه أي مشكلة مع الشعب الروسي الذي ضحى بالكثير في الصراع الحقيقي ضد النازيين منذ نحو 70 عاماً.
ما عدا بوتين، الذي لا شك أنه كان يكن له الكراهية في السر، نظراً إلى قلة اهتمامه على ما يبدو بحياة مواطنيه وسعادتهم [رفاهيتهم]. سوف يرحل يوماً ما، وقد يكون ذلك اليوم أقرب مما يعتقد شخصياً. كان جو بايدن محقاً- لا يمكنه أن يظل في السلطة. ربما قد يدس له أحدهم السم حتى…
© The Independent