Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل العمل الشاق قدر المرأة الأفريقية؟

كان لها دور مهم في الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية والعسكرية في الممالك القديمة

المرأة الأفريقية هي الأشد تحملاً للأعباء والأعمال الشاقة (اندبندنت عربية - حسن حامد)

تشكل المرأة الأفريقية ما نسبته أكثر من النصف في تعداد السكان في قارة أفريقيا، بحسب البنك الدولي، إلا أنهن يعانين من تدني المستوى التعليمي والصحي والاقتصادي، وفوق ذلك فالمرأة الأفريقية هي الأشد تحملاً للأعباء والأعمال الشاقة.

وتعتمد الأسر في أغلب الدول الأفريقية بخاصة أفريقيا جنوب الصحراء، وفي المناطق الريفية والمهمشة بشكل أخص على عمل المرأة في مهن شاقة، فالنساء في مناطق عدة سواء كن في إقليم دارفور في السودان أو ولاية بورنو في نيجيريا، أو بوصاصو في الصومال وغيرها من المدن والأرياف الأفريقية، يتنقلن للعمل في المزارع أو للبحث عن الغذاء والماء والحطب أو الاحتياجات المنزلية الأخرى. وتعاني المرأة في القطاع الزراعي المدفوع الأجر من تدني الأجور، وعدم تمكينها من حيازة الأرض وانعدام مصادر الدعم المالي لها.

وعلى الرغم من أن التاريخ يحتفظ بأنه كان للمرأة الأفريقية دور مهم في الحياة الاجتماعية والدينية والسياسية والعسكرية في الممالك القديمة، مثل مملكة مروي شمال السودان إبان ظهور الملكة أماني شيختو (41-12 ق.م)، التي ظهرت في المنحوتات على واجهة معبدها الجنائزي في وضع حربي وهي تمسك بيدها اليسرى بمجموعة أسرى، وتحمل أسلحة بيدها اليمنى، إلا أن تغييراً طرأ نحو دور المرأة في العمل، وحدث ذلك في مملكة كوش القديمة، بافتراض لعب المرأة دوراً في النشاطات الزراعية والرعوية كأساس لوراثة العرش في تلك المملكة، ليصبح من حقها الحصول على لقب ملكة، فضلاً عن اضطلاعها بالمهام الدينية وإسهامها في تطوير اقتصاد المملكة من خلال الصناعات الحرفية.

ويورد الباحثون أيضاً أن ذلك الوضع استمر إلى أواخر عصر الممالك المسيحية، ولكن في عهد الدولة الفاطمية (909 – 1171) ومن ثم الدولة المملوكية (1250 -1517)، تدنت مكانة المرأة السودانية كثيراً متأثرة بالضغوط الناتجة من الحملات العسكرية التأديبية التي شنها سلاطين تلك الممالك، فضلاً عن اهتزاز قيمة الروابط العائلية بين الملوك وأمهاتهم الملكات، وفقدت المرأة دورها في الملك بينما استمرت في ممارسة أعمال الزراعة والرعي، وأول من تأثرت بالانقسامات الطبقية بعد ذلك كانت هي المرأة.

نظام شبه إقطاعي

على الرغم من الدور البارز للمرأة السودانية في الحياة العامة منذ القرن 14 ميلادي، إلا أن عدداً من المؤرخين أشاروا إلى تواضع مركز المرأة أكثر في ما بعد، خصوصاً بعد قيام مملكة الفونج (1505- 1821)، الذي اتسم النظام الاجتماعي فيها بملامح نظام شبه إقطاعي حصر المرأة في مجالين، إما أن تكون زوجة مهمتها الأساسية التسرية عن زوجها وتطوير قدراتها الجسدية لإرضائه، إضافة إلى تقبل نزواته العديدة أو أن تكون جارية تُباع وتُشترى.

وقد كانت نقطة النقاش التي أشار إليها تاج السر عثمان في كتابه "تطور المرأة السودانية وخصوصيتها"عن وضع المرأة في مملكة الفونج، هي "أنه على الرغم من أن المرأة كانت قد حصلت على حقوقها كالميراث في الإسلام ومحاربة العبودية والهيمنة، إلا أن نظام الرق و"السراري" (جمع سرية وهي الأمَة المملوكة) الذي عرفته سلطنة الفونج جعل المرأة تعاني من اضطهاد مزدوج، وهو اضطهادها كرقيق واضطهادها كجنس.

يختلف وضع المرأة في شمال السودان عن وضعها في الجزء التابع لأفريقيا جنوب الصحراء، إذ إن الأول مستمد من ثقافة السلطة الأبوية، والمجتمع السوداني كغيره من المجتمعات العربية في طبيعته مجتمع أبوي، في ما عدا بعض الأجزاء ذات الثقافة الأفريقية.

ففي تلك المناطق مثلما هي الحال في أفريقيا، أدى الاستخدام الاستعماري للرجال الأفارقة إلى زيادة ضغط العمل على النساء الأفريقيات إلى حد كبير، خصوصاً في المناطق التي هاجر منها الرجال بسبب هذه الأعمال، فواجهن ضغطاً كثيفاً من العمل في أماكن إقامتهن في المناطق الريفية.

تضامن ضد العدوان

تنقُلنا مواجهة ممارسة إجبار المرأة على العمل القسري والعنف ضدها إلى ما جاءت به الكاتبة والناشطة النسوية السودانية فاطمة بابكر في كتابها "المرأة الأفريقية بين الإرث والحداثة"، بأن الوعي بقضايا المرأة والاعتراض على إجبارها على العمل والعنف ضدها، يُعبر عنه بطريقة خاصة في التراث النسوي الأفريقي، "في نيجيريا مجموعة نسائية  تُسمى "الاعتصام" تتضامن ضد الرجل الذي يعتدي على امرأة ما فيعلنّ عليه حرباً اجتماعية، بالظهور بمظاهر معينة إذ يغطين رؤوسهن بغطاء معين ويمسحن وجوههن بالرماد، ويلبسن ملابس قصيرة، إلى أن يدفع للمرأة المُعتدى عليها تعويضاً مالياً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا تختلف هذه الطريقة التضامنية كثيراً عما تقوم به "جماعة الأندلو في الكاميرون، إذ تقوم نساء العشيرة بفرض عقوبات ضد الرجال الذين يرتكبون عنفاً ضد النساء، وإذا تعرضت المرأة لضرر تطلق صيحات معينة، فتردد النساء الصيحات ذاتها وراءها، ويتركن كل شيء ويذهبن إليها، ويشكلن جسراً، ويبدأن في الغناء والرقص. وفى يوم العقاب تلبس النساء ملابس الرجال ويمسحن وجوههن ويغطين أجسادهن بورق الشجر، ويسرن في تظاهرة إلى منزل المعتدي ويقذفنه بأنواع من الثمار الضارة".

كما جاءت الناشطة النسوية بذكر "جمعية الساندي" في غرب أفريقيا خصوصاً في سيراليون، وساحل العاج، وغينيا، وليبيريا، اللواتي يقمن بطريقة تضامنية مشابهة تكون السلطة فيها لكبيرات السن.

تحيز واضح

ومع دخول المرأة الأفريقية للعمل مبكراً، لكنها ظلت تعاني على مدى عقود من العيش تحت وضع اقتصادي واجتماعي لا يتناسب مع إسهامها في الاقتصاد المعيشي.

 

 

فعادة ما يُنظر إلى عمل المرأة في القطاع غير المنظم مثل المزارع وتربية الحيوانات والرعي والحرف اليدوية على أنه امتداد لدورها الفطري الإنجابي والتقليدي في رعاية الأسرة، ولم يحرمها ذلك من الأجر فقط، وإنما حرمها من إدماج هذا العمل في الناتج القومي، لأن معظم الأعمال التي تقوم بها النساء غير مدونة في الإحصاءات الرسمية، ما يكشف عن تحيز واضح ضد عمل المرأة وخلط لعملها المأجور بواجباتها تجاه أسرتها، فلها دور مهم في إنتاج سلع مثل القطن والشاي والقهوة والكاكاو. إضافةً إلى ذلك فهناك قطاع كبير لعمل المرأة غير الرسمي في المهن الهامشية أو التجارة الصغيرة.

وبعد الاستقلال تأثرت المرأة الأفريقية بالاقتصاد غير المستقر للدول الناشئة حديثاً، والتحديات السياسية والاقتصادية والبيئية التي تواجهها دولهن. فسيطرت الحكومات، وأغلبها وريثة الاستعمار ذات نزعة اشتراكية أو انقلابية، على أسعار التجارة والأجور خلال فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي غير المستقرة، إلى ظهور كثير من الاحتجاجات من النساء في أغلب أنحاء أفريقيا، وانتقل عدد كبير منهن إلى المدن، فجوبهن بنقص العمل الذي يتقنَّه، فاشتغلن في الخدمة المنزلية وغيرها من الأعمال اليدوية.

هناك مجال آخر لعمل المرأة الذي تواجه فيه مشقة إضافية لفتت إليه قمة الاتحاد الأفريقي التي عُقدت في 14 فبراير (شباط) 2020 في أديس أبابا لحشد الدعم من أجل تنفيذ الالتزامات المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.

وذكر رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي في تلك القمة أنه "تمثل النساء 70 في المئة من التجار غير الرسميين عبر الحدود، وكن حتى الآن عرضة للمضايقة والعنف ومصادرة البضائع وحتى السجن". واقترح "خفض التعريفات الجمركية وتنفيذ الأنظمة التجارية المبسطة، وتوفير الحماية لهن، وربط العاملات الزراعيات بأسواق تصدير الأغذية".

"تأنيث الفقر"

يؤثر عدد من العوامل على عمل المرأة، ومنها العامل البيئي مثل الجفاف في مناطق الزراعة والرعي، خصوصاً بالنسبة إلى القبائل التي لا تتقن أي نشاط اقتصادي آخر غير هذين النشاطين. ومن العوامل البيئية أيضاً تعرض المرأة للتلوث في مكان العمل مثل عاملات المصانع، حيث يقبعن في أدنى مستوى وظيفي كعاملات إنتاج.

أما العوامل الديموغرافية التي تؤثر في عمل المرأة فمنها الخصوبة، وبما أن رعاية الطفولة ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمرأة، فإن حالات الحمل وعدد الأطفال تؤثر في إيجاد المرأة فرصة عمل أو الاستمرار في عملها.

وأغلب أصحاب العمل لا يتحملون تبعات توظيف المرأة من زواج وحمل وولادة. ونظراً لارتفاع معدلات الخصوبة في الدول الأفريقية ومنها السودان، فإن اختيار النساء خصوصاً اللواتي لم يحصلن على مستوى تعليمي معين، للمهن اليدوية تكون محصورة في القطاع غير الرسمي حتى لا يتقيدن بما يعيق مسؤولياتهن في رعاية أطفالهن.

 

 

وهناك أيضاً من العوامل الديموغرافية، الهجرة والنزوح بسبب الحروب والصراعات وعدم الاستقرار في أغلب الدول الأفريقية، كما تؤثر هجرة الذكور على عمل المرأة بدخولها مجال الأعمال الشاقة.

كما يتأثر عمل المرأة الأفريقية بالظروف المحيطة بها والتغييرات في أنماط العمل بين الجنسين والتحولات الاقتصادية التي تؤثر بدورها في المجتمع، ويكون تأثيرها في المرأة بصورة أكبر من الرجل.

ونتج من هذا الوضع ما عُرف بظاهرة "تأنيث الفقر"، وهو مصطلح يصف الظاهرة التي تمثل المرأة نسبة غير متكافئة من الفقراء في العالم.

ويصفه صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة بأنه "عبء الفقر الذي تتحمله النساء، بخاصة في البلدان النامية". وتعكسها صور انتشار فقر الدخل حسب النوع الاجتماعي في الدول الأفريقية، وآثار الفجوة المتسعة بين الجنسين، خصوصاً إذا كانت المرأة هي عائل الأسرة أو تعمل في مهن تدفع لها أقل مما تدفع للرجل.

"طوبة لهن"

معاناة النساء الأفريقيات جسدها أخيراً الفيلم السوداني "طوبة لهن" الذي عُرض مهرجان مدينة الأقصر للسينما الأفريقية في الثامن من مارس (آذار) الحالي.

والفيلم مأخوذ من قصة واقعية مسرحها أحد مخيمات النزوح في إقليم دارفور، تم تصوير نساء دفعتهن ظروفهن للعمل في صناعة طوب البناء الأحمر، وما يعانينه من مشقة ومخاطر جسدية ونفسية وبيئية بتعرضهن للهب النار المتصاعد من داخل "كمائن" (أفران مخصصة لصناعة الطوب) المُستعمل في بناء المنازل.

وهذه القصة هي أحد نماذج العمل القاسي للمرأة الأفريقية، خصوصاً في مناطق الحروب، وعندما تضطر المرأة لعمل مثل هذا، وسط اضطرابات أمنية وظروف اقتصادية سيئة وفي مخيم يأوي عشرات الآلاف من النازحين أغلبهن من النساء والأطفال، تكون الحيرة في، هل الحبكة الدرامية أشد مرارة من الواقع أم العكس؟

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات