Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قاسم مشترك بين الأصفر الأوكراني والأخضر السوري "حافلة" و"ممر إنساني"

سيناريوهات عدة يتبعها الجيش الروسي شبيهة بتلك التي طبقها سابقاً في دمشق منها قصف تمهيدي عالي الدقة يليه تقدم القوات البرية

صورة من الأرشيف لطريق حلب - إدلب (اندبندنت عربية)

تستحضر لذاكرة متابعي ساحات الحرب الأوكرانية اليوم وهم يُحصون أيامها، تلك الصور الصادمة من أنقاض المدن السورية المدمرة، والمباني المحترقة في حرب امتدت لأكثر من عقد. الفارق بين صور الحربين أن كييف ما زالت تعيش الرصاصات الأولى لمعركة لا يمكن التكهن متى تضع أوزارها، بينما سوريا خرجت رويداً من أتون النزاع الداخلي لتقع بنهاية المطاف في أنياب حصار يفتك بأهلها من دون هوادة.  

الممر الإنساني نهاية المطاف

وفي تطور جديد بما يخص المدنيين الأوكران، تفيد الأنباء الواردة عن فتح ممرات إنسانية بهدف إخراج أكبر عدد ممكن من قاطني مدن تدور فيها رحى المعارك. وبينما لا تنفك كييف تدين الهجوم الروسي أواخر فبراير (شباط) الماضي، خصوصاً على الأحياء والمدن الآهلة بالسكان العزل، تحذر موسكو من تداعيات تحصّن القوات الأوكرانية في المدن السكنية.

وأعلنت وسائل إعلام أوكرانية في التاسع من مارس (آذار) الحالي، بدء المرحلة الأولى من إجلاء المدنيين في البلاد، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق مع الجانب الروسي في الجولة الثالثة من المفاوضات بين الطرفين. وحدد الاتفاق ممرات "آمنة" أُطلق عليها "ممر أخضر" شهدت خروج حافلات تقلّ أشخاصاً من مدينة سومي في مرحلتها الأولى. وقال الممثل الرسمي لوزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف مع بداية تطبيق الممرات الإنسانية، "القوات تطبق نظام الصمت من الساعة 10:00 بتوقيت موسكو للسماح للمدنيين بمغادرة المدن الأوكرانية".

الممر الآمن وسط نار الحرب

وإزاء ذلك، يتجهز مزيد من الحافلات الصفراء الأوكرانية لنقل المدنيين في خطوة أعادت إحياء مشاهد لسوريين قد هرعوا إلى الباصات الخضراء، بعد قتال عنيف في مدنهم، وأشرف الروسي "عراب الاتفاقيات" على رعايتها وضمانها.

لقد أفلحت حينها فرق المصالحة التابعة للكرملين في كثير من مدن الصراع السوري، منها حمص وحلب وريف دمشق، ونقلت قادة وعناصر من المعارضة المسلحة بذخائرهم وأسلحتهم الخفيفة مع عائلاتهم، ووفّرت حمايتهم إلى أن وصلوا بأمان إلى مدينة إدلب الخاضعة حتى يومنا هذا لـ"هيئة تحرير الشام"، أحد الفصائل المتطرفة (النصرة سابقاً)، في عملية تجميع قصدت بها حصرهم في منطقة واحدة، وكسبت خلالها عدم تشتيت القدرات القتالية في جبهات جغرافية مترامية الأطراف.

ويعتقد الناطق الرسمي لهيئة المصالحة الوطنية في سوريا عمر رحمون أن الحافلات والممرات الإنسانية في الحرب القائمة بأوكرانيا هي بمثابة تعامل إنساني لتجنيب السكان  مناطق تحصّنت فيها القوات الأوكرانية".

"تضليل العالم"

ويعتبر أن المقدرة العسكرية والقوة اللتين تمتلكهما موسكو تؤهلها للنصر، وأن الأسباب الأساسية لتأخر حسم المعركة عسكرياً هي اجتماعية وإنسانية. وأردف رحمون، الناطق باسم المصالحة الوطنية التي أشرفت على تسويات واسعة في سوريا خلال الحرب: "ليس لشكل الحافلة أو لونها أي رمزية معينة، لكن الفارق أن الباصات الخضراء السورية أخرجت المسلحين والمدنيين معاً، بينما الحافلات الأوكرانية الصفراء خُصصت لإخراج المدنيين، ولا أدري إن كان الوقت قد حان لأن تخرج القوات الأوكرانية المعارضة لروسيا مع المدنيين، وفي هذا الخصوص هناك فرق بين الحالتين".

وتتهم أوكرانيا روسيا بقصف المدنيين وتضليل العالم بشأن ممرات الإجلاء، وتقول إن موسكو تضلل قادة العالم بفكرة الممرات الإنسانية التي اقترحتها لإجلاء مدنيين من مدن تتعرّض للقصف.

واتهمت كييف موسكو مجدداً بانتهاكات لحقوق الإنسان في ما يتعلق بالوضع في مدينة ماريوبول الساحلية الواقعة في جنوب البلاد. وتبذل الحكومة الأوكرانية قصارى جهدها من أجل السماح بتوفير ممرات إنسانية لعمليات الإجلاء، بحسب ما كتبه وزير الدفاع أوليكسي ريسنيكوف على موقع "فيسبوك"، مضيفاً أن القوات الروسية تحاول "خنق" المدينة من خلال أزمة إنسانية.

في المقابل، أعلن رئيس المركز الوطني لقيادة الدفاع في روسيا، العقيد ميخائيل ميزينتسيف يوم الثلاثاء 15 مارس (آذار) الحالي، أن القوميين الأوكرانيين يواصلون احتجاز 7070 مواطناً من 22 دولة أجنبية، فضلاً عن أطقم سفينة أجنبية، في حين وصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الهجوم على كييف بـ"المرعب" غداة قصف مستشفى للتوليد ومقتل مدنيين، بينهم فتاة صغيرة مع استمرار عقد جلسات مفاوضات بين الجانبين المتصارعين.

الوجه الروسي في سوريا

وعام 2015، دخلت موسكو من البوابة العسكرية إلى أرضٍ تعج بنزاعات مسلحة داخلية، واحتدمت المعارك بين قوات النظام السوري وفصائل المعارضة، لتحكم خلالها الأخيرة السيطرة على أجزاء واسعة من الجغرافيا. وأخذت تهيمن على مناطق تحيط بالعاصمة دمشق، بعدما أطبقت عليها حصاراً واسعاً في أكبر مدن الشمال حلب وفي الجنوب دمشق. خلال ذلك، برزت قاعدة "حميميم" الواقعة في ريف اللاذقية غرب سوريا، الغرفة الأوسع للعمليات الحربية في البلاد بالتوازي مع لقاءات بين رؤساء الدول الضامنة: الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في مسارات عدة، منها أستانا.

وتشير بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى إخراج 35 ألف شخص بين مقاتلين ومدنيين من مدينة حلب في جزئها الشرقي إلى ريف حلب الغربي ومنها إلى محافظة إدلب، شمال غربي سوريا. في المقابل، أجلت الباصات الخضراء في ريف العاصمة دمشق قرابة 67 ألف مقاتل مع أفراد عائلاتهم بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما نزح أكثر من 38 ألف شخص وفق إحصاءات أممية من مدينة درعا في نهاية يوليو (تموز) عام 2021 إثر تصعيد عسكري واسع النطاق.

وفي الوقت الذي قلب فلاديمير بوتين موازين القوى لصالح السلطة ولصالح بلاده، يجد مراقبون أن الرئيس الروسي وجد لنفسه موطئ قدم في المياه الدافئة بالبحر المتوسط، واستحوذ بشكل علني على مراكز قوة في الساحل السوري، منها أكبر قاعدة له "حميميم" خارج حدود بلاده، ليبدأ الجيشان الروسي والسوري مرحلة إعادة السيطرة. فقد أعادت دمشق وبمساندة حربية روسية الاستحواذ على نسبة 60 في المئة من إجمالي الأراضي السورية.

ويرى مراقبون أن سيناريوهات عدة تتشابه بين العمليات القتالية في سوريا وتلك المتّبعة بأوكرانيا، منها قصف تمهيدي عالي الدقة وبأهداف محددة، يليه تقدم القوات البرية.

المزيد من تقارير