تشهد العاصمة السودانية الخرطوم اليوم الخميس العاشر من مارس (آذار)، تظاهرات شعبية حاشدة دعت إليها تنسيقيات لجان المقاومة في إطار البرنامج التصعيدي لهذا الشهر، تحت عنوان "مليونية 10 مارس"، وستكون وجهتها الأساسية القصر الرئاسي للمطالبة بالحكم المدني وإبعاد العسكر عن المشهد السياسي في البلاد.
وتتواصل هذه التظاهرات منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، احتجاجاً على الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وتتضمن فرض حالة الطوارئ وحل مجلسَي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإلغاء الشراكة مع المكون المدني، ما اعتبرته غالبية القوى السياسية والشعبية "انقلاباً عسكرياً"، بينما وصفه الجيش بـ"الحركة التصحيحية".
ولم تسفر حتى اللحظة، الجهود التي تُبذل من قبل الوسطاء الدوليين الممثلين ببعثة الأمم المتحدة في السودان "يونيتامس" والاتحاد الأفريقي، عن أي حلول مُعلَنة، وفق اتفاق واضح على الرغم من مشاوراتهما المكثفة مع أطراف الأزمة السياسية في البلاد، بعد تأسيسهما آلية عمل مشتركة لتوحيد جهودهما في معالجة هذه الأزمة. وما زالت جهود المبادرات السودانية في طور المناقشة مع أطراف الصراع من المدنيين والعسكريين، بينما تفاقم تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، بسبب غياب حكومة تنفيذية ورئيس وزراء لفترة طويلة، ما خلق ثغرات واضحة في عجلة العمل اليومي للدولة.
الرقم الأصعب
وحول مآلات هذا الوضع، قال أستاذ الاقتصاد السياسي في الجامعات السودانية، الحاج حمد، "من الصعب التكهن بأي نتائج إيجابية للمبادرات الخارجية، من منطلق المثل القائل: لا يجرب المجرب إلا أحمق. فقد سبق وجرب الشركاء الدوليون والإقليميون في مبادرات سابقة، سواء الاتفاق على الوثيقة الدستورية بين المكونَين العسكري والمدني في 17 أغسطس (آب) 2019، واتفاق رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وانهار الاتفاقان في وضح النهار".
ورأى حمد أن "هناك تباعداً كبيراً الآن بين المكونَين، العسكري والمدني، إذ اتجه الأول نحو العنف وتنفيذ حملة اعتقالات وسط السياسيين والنشطاء من رجال المقاومة من دون تهم واضحة، ما يعني السير في طريق الديكتاتورية الكلاسيكية كاملة الدسم، وفي المقابل أصبح رد فعل الشارع السوداني أكثر تطرفاً من خلال اتباع سياسة التحشيد المتواصل، حيث لم تعد هناك ساعة في اليوم وإلا فيها موكب وتظاهرة ووقفة احتجاجية، بالتالي بات هناك انسداد في الأفق لا تستطيع أي قوة خارجية فتحه". وأضاف، "ما زالت لجان المقاومة تمثل الرقم الأصعب في المعادلة السياسية لإيجاد أي حلول لهذه الأزمة، باعتبارها تتسيّد الشارع وتتحكم في الحراك الدائر الآن فيه، ولم يعد للمكون العسكري سلطة فعلية لإدارة الحكم. كما وضعت التظاهرات القوى المدنية في موقف صعب يجعلها لا تقترب من أي اتفاق مع المكون العسكري حتى لا تحرق نفسها سياسياً، بسبب أن الشارع فقد الثقة في العسكر بخاصة المجموعة التي تسيطر على مقاليد الحكم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أستاذ الاقتصاد السياسي، أن "الحل لهذه الأزمة في ظل الأوضاع والتطورات الراهنة، يكون من خلال مبادرة محلية تقودها منظمات المجتمع المدني، ولا بد أن ترتضيها لجان المقاومة، وتخطو خطوات تنفيذية للوصول إلى النهاية المرجوة. وفي المقابل، على العسكريين أن يقتنعوا بدور لجان المقاومة وأهميتهم في المعادلة السياسية".
تأمين المواكب
وكان والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة، أوضح في تصريحات صحافية أدلى بها في وقت سابق، أن "ولاية الخرطوم وضعت خطةً لتأمين المواكب والمسيرات التي تنظمها لجان المقاومة من وقت إلى آخر، وخصصت لها قوات تعمل وفق ضوابط وإجراءات محددة للتعامل مع المواكب لتفادي أي خسائر بشرية". ونوه باستقرار الأوضاع الأمنية في الولاية، حيث تواصل لجنة أمن الولاية اجتماعاتها وتعمل على تأمين أطراف ولاية الخرطوم، إلى جانب جهودها الوقائية في هذا الصدد".
لكن اللجنة الأمنية لولاية الخرطوم واجهت انتقادات واسعة من قبل المتظاهرين لاستخدامها العنف المفرط في التعامل مع المواكب التي تسيرها لجان المقاومة باتجاه القصر الرئاسي، وذلك لاستخدامها المفرط والكثيف قنابل الغاز المسيل للدموع، ما أدى إلى حالات اختناق وإغماء وسط المتظاهرين، فضلاً عن الرش بالمياه الملونة، وأحياناً استخدام الرصاص الحي والمطاط.
ومن المتوقع أن تغلق اللجنة الأمنية بعض الكباري والجسور الواصلة بين الخرطوم ومدينتَي الخرطوم بحري وأم درمان، لعرقلة وصول المتظاهرين إلى منطقة وسط العاصمة التي تضم المنشآت الاستراتيجية كالقصر الرئاسي والقيادة العامة للقوات المسلحة.
85 قتيلاً
وبحسب لجنة أطباء السودان المركزية، وهي لجنة غير حكومية، فإن عدد قتلى الاحتجاجات ارتفع في البلاد منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 85 شخصاً. وظلت اللجنة تدين باستمرار ما تقوم به القوات الأمنية من عمليات دهم للعديد من المستشفيات الحكومية والخاصة لمنع علاج المصابين واعتقالهم في مقرات الشرطة.
وسبق أن اتهمت الأمم المتحدة قوات الأمن بإطلاق الذخيرة الحية بانتظام، أو استخدام الغاز المسيل للدموع كمقذوفات فتاكة ضد المتظاهرين.
واستنكر مبعوث الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، السنغالي أداما دينغ، الذي زار الخرطوم بين 20 و24 فبراير (شباط) الماضي، هذه الممارسات، داعياً السلطات السودانية برئاسة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إلى "مراجعة سياساتها الأمنية المفرطة في قمع المتظاهرين".
من جهته، أقر البرهان بأن ضباطاً استخدموا الرصاص الحي ضد متظاهرين، لكنه أكد أنها مبادرات شخصية تتعارض مع أوامر القيادة.
وقبل قرارات 25 أكتوبر، كان السودان يعيش منذ 21 أغسطس 2019، مرحلة انتقالية تستمر 53 شهراً تنتهي بإجراء انتخابات مطلع عام 2024، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وقوى مدنية وحركات مسلحة.