Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التاريخ يروي حكاية عواصم مصر عبر العصور

انتقلت العاصمة على مدار التاريخ المصري قرابة 20 مرة لأسباب مختلفة والقاهرة هي الأشهر والأكثر امتداداً عبر الزمن

ارتكزت أنظمة الحكم في مصر على بناء عاصمة جديدة وجامع كبير (رويترز)

ملخص

معايير عدة يتم الاستناد لها عند اختيار موقع العاصمة في بلد ما وأسباب مختلفة تدفع لتغييرها. ورغم تغيير العاصمة المصرية مرات عديدة على مدار التاريخ المصري بقيت القاهرة هي الأهم والأكثر بقاء على مر الزمن.

منذ ما يزيد على 1000 عام والقاهرة هي عاصمة مصر، وواحدة من أهم وأكبر المدن التراثية في العالم، تعاقب عليها حقب وحكام وعصور، لتصبح ليس مجرد عاصمة للبلاد وإنما جزء من تاريخ مصر وتراثها. رغم تغيير العاصمة مرات عدة على مدار التاريخ بقيت القاهرة هي العاصمة الأهم والأكثر بقاءً على مر الزمن، مع أن عاصمة مصر تغيرت على مر التاريخ قرابة 20 مرة وانتقلت من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب.

فعلى مدار 10 قرون لم يعرف المصريون عاصمة غير القاهرة حتى بدأ يظهر في السنوات الأخيرة الحديث عن مشروع جديد لإنشاء ما أطلق عليه حينها "عاصمة إدارية جديدة" شرق القاهرة. ومع بدء مراحل تنفيذ المشروع، واتخاذ خطوات فعلية لنقل بعض المؤسسات الحكومية إلى مقارها الجديدة في العاصمة الإدارية، تملكت الحيرة جموع الناس، هل ستتغير العاصمة، وهل ستتخلى القاهرة عن وضعها كعاصمة للبلاد؟ إلى أن أعلن عن أن العاصمة الجديدة ستكون امتداداً للقاهرة وستصبح بمثابة حي إداري جديد يبتعد بالمؤسسات الحكومية والسفارات والمؤسسات الكبرى مثل البرلمان وغيره إلى هذه المنطقة الجديدة بعد أن ضاقت القاهرة بسكانها وأصبحت واحدة من أكثر المدن ازدحاماً في العالم.

وأصبحت العاصمة الإدارية الجديدة داخل نطاق محافظة القاهرة بعد أن تم تعديل الحد الشرقي للقاهرة، باعتبار أن بعض المؤسسات لا بد أن تكون داخل حدود العاصمة طبقاً للدستور مثل البرلمان، ومن المخطط أن تستوعب نحو 6.5 مليون نسمة عند انتهائها بالكامل. ومن أهم منشآتها الحي الحكومي، حي المال والأعمال، مدينة الفنون والثقافة، جامع الفتاح العليم، كاتدرائية ميلاد المسيح، البرج الأيقوني، مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية.

وتعريفاً بتطور عواصم مصر عبر العصور، ستضم العاصمة الإدارية الجديدة متحفاً سيتم افتتاحه قريباً يروي تاريخ العواصم المختلفة التي تعاقبت على مصر، على مر الحقب التاريخية مع تغير أنظمة الحكم.

عواصم في تاريخ مصر القديمة

عرف المصريون مفهوم العاصمة منذ أقدم العصور وربما يعرف الناس العواصم الأكثر شهرة في التاريخ القديم مثل طيبة، ومنف، والفسطاط، والإسكندرية، رغم أن عاصمة البلاد تغيرت مرات عدة وانتقلت من الشرق إلى الغرب ومن أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لأسباب مختلفة ترتبط بالأوضاع السياسية والدينية وبطبيعة نظام الحكم السائد.

 

يقول أحمد بدران، أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بجامعة القاهرة، إن "العاصمة في عهد مصر القديمة طوال حكم الـ30 أسرة كانت لها أهمية كبيرة لأنها تضم القصر الملكي والإدارات الخاصة بحكم الشمال والجنوب. وكان لاختيارها دائماً اعتبارات عدة من بينها الجغرافية، بحيث تقع في منطقة على رأس الطرق لسهولة الوصول إليها بالنسبة للأفراد وحركة التجارة، وضرورة أن يكون حولها أراض خصبة لإمدادها بالمحاصيل الزراعية، وفي الوقت ذاته هناك اعتبارات أمنية، فالملك كان ينشئ العاصمة في الموقع الذي توجد فيه عائلته ومناصروه ليضمن دعمهم. وانتقلت العاصمة في عهد مصر القديمة مرات عدة لأسباب مختلفة بعضها سياسي وبعضها الآخر ديني".

ويضيف "طوال عصر الدولة القديمة وعصر بناة الأهرام من الأسرة الثالثة حتى الأسرة السادسة، كانت منف بمنطقة البدرشين وقرية "ميت رهينة" حالياً (محافظة الجيزة) هي العاصمة، وانتقلت لاحقاً مع توالي الأسر فأصبحت "إثت تاوي" بمعنى القابضة على الأرضين، وتقع في منطقة اللشت بالقرب من العياط بالجيزة، و"نخن" المعروفة بـ"الكوم الأحمر" شمال مدينة إدفو، ومدينة بوتو ويطلق عليها لقب "تل الفراعين" بمحافظة كفر الشيخ، و"أهناسيا" على الضفة الشرقية لبحر يوسف بمحافظة الفيوم، و"إخت أتون" بمنطقة تل العمارنة بمحافظة المنيا، و"سخا" جنوب كفر الشيخ، و"أورايس" بمنطقة تل الضبعة بالشرقية، و"بررعمسيس" شمال فاقوس الشرقية، و"تانيس"، و"برباستيت" الواقعتين أيضاً بمحافظة الشرقية، و"صاو" المعروفة بـ"صان الحجر" بمدينة بسيون بالغربية، و"منديس" بالدقهلية، و"سمنود" الواقعة على فرع دمياط".

أسباب متعددة لنقل العاصمة

انتقالات عديدة للعاصمة المصرية في عهد مصر القديمة، فإن هناك بعض الانتقالات كانت لأحداث كبرى في التاريخ أو أسباب غير مألوفة، وربما أخطار كبرى تواجه البلاد، فيقول بدران إن "انتقال العاصمة من منطقة إلى أخرى كان لأسباب متنوعة قد تكون دينية مثل نقل أمنحتب الرابع، المعروف بإخناتون، للعاصمة من طيبة جنوباً إلى منطقة جديدة تماماً وهي تل العمارنة بمحافظة المنيا، مع اعتناقه عقيدة جديدة وهي عبادته آتون الذي يرمز له بقرص الشمس، ورغبته بأن ينشئ عاصمة بعيداً من سطوة الكهنة في طيبة التي كانت معقلاً لآمون وبنيت فيها أكبر المعابد التي كرست له مثل معابد الكرنك والأقصر، وظلت إخت آتون (أفق آتون) هي العاصمة في عهده، وبعد رحيله نقلت مرة أخرى إلى طيبة".

 

ويشير إلى أنه "من الأمثلة على نقل العاصمة لأسباب سياسية، عندما نقل رمسيس الثاني العاصمة إلى الشمال، فالرعامسة في الأساس من هذه المنطقة الواقعة بالقرب من محافظة الشرقية حالياً، وفي هذا الوقت كانت مصر مهددة من أكثر من جهة، فكان لا بد أن تكون الجيوش مستعدة ومتأهبة بالقرب من بوابة مصر الشرقية للدفاع عن أي اعتداء وكان من غير المنطقي أن تكون العاصمة ومركز الحكم في أقصى الجنوب. ومثلاً عندما سيطر الهكسوس على مصر جعلوا عاصمتهم في شرق الدلتا باعتبار أن هذه المنطقة شهدت تمركزهم وانتشارهم، فكان من المنطقي أن تكون مركزاً لحكمهم".

عاصمة على شاطئ البحر للمرة الأولى

شهدت مصر عهداً جديداً بانتصار الفرس على ملوك الأسرة الـ30 وسيطرتهم على البلاد حتى انتصر عليهم الإسكندر الأكبر عام 332 قبل الميلاد، واختار بقعة على شاطئ البحر المتوسط كانت تعرف بقرية راقودة، وبنى فيها الإسكندرية التي استمرت عاصمة لمصر طوال فترة حكم البطالمة والرومان، وكان ذلك فكر جديد باعتبار أنها المرة الأولى التي تكون فيها عاصمة البلاد على شاطئ البحر المتوسط، كانت الإسكندرية مركز إشعاع ثقافي وحضاري مهماً وبنيت فيها منشآت ثقافية وعلى رأسها مكتبة الإسكندرية القديمة التي أحرقت لاحقاً، إضافة إلى أنها كانت من أهم الموانئ على شاطئ البحر المتوسط .

وبقيت الإسكندرية عاصمة لمصر حتى دخلها المسلمون عام 21 هـ/ 641 م وانتقلت العاصمة إلى موقع جديد وهو مدينة الفسطاط التي أصبحت واحدة من أهم المراكز الإسلامية.

 

ويقول أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة جمال عبدالرحيم، "بعد أن دخل المسلمون إلى مصر كان عمرو بن العاص يرغب بأن تستمر الإسكندرية كعاصمة، إلا أن الخليفة عمر بن الخطاب رفض هذا لأسباب متعددة من بينها أن الإسكندرية على البحر ويسهل استعادتها عن طريق جيوش قادمة من البحر، والمسلمون آنذاك لم يكونوا بارعين في الحروب عبر البحر، وفي الوقت ذاته كان الرأي أن تكون العاصمة الجديدة أقرب إلى مركز الخلافة في المدينة المنورة فتم تأسيس عاصمة جديدة لمصر وهي المدينة التي أطلق عليها اسم (الفسطاط) وتأسست في الموضع الذي أقام فيه عمرو بن العاص خيمته، فالفسطاط تعني الخيمة".

ويضيف عبدالرحيم، "في هذا الوقت كانت منطقة الفسطاط حيث أنشئت العاصمة، تطل على النيل، وبنى المسلمون فيها مسجد عمرو بن العاص الشهير الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. وأصبحت الفسطاط لاحقاً مركزاً لهجرة القبائل العربية التي قدمت للعيش في مصر، وكان هذا بداية لانتشار اللغة العربية في مصر التي كان أهلها لا يزالون يتحدثون القبطية. وبقيت الفسطاط العاصمة إلى أن أحرقت وتم تدميرها مع نهاية حكم الأمويين ومقتل مروان بن محمد آخر خليفة أموي وبداية عهد العباسيين".

ويكمل المتحدث ذاته، "بنى العباسيون عاصمة جديدة شمال شرقي موقع الفسطاط عام 135 هـ/ 755 م وأطلق عليها اسم (العسكر) وتم إنشاء جامع كبير تحت اسم جامع العسكر، وتقول المراجع إنها استمرت نحو أربعة قرون ثم اندثرت ولم يبقَ لها أثر، وهي كانت تقع في المنطقة شمال شرقي الفسطاط وحتى جامع ومشهد السيدة نفيسة حالياً. ومع ضعف الدولة العباسية وانهيارها بدأ ظهور بوادر دولة مستقلة في مصر، وهي الدولة الطولونية على يد أحمد بن طولون 868 م ليتم بناء مدينة القطائع ومسجد أحمد بن طولون، فبنيت القطائع شمال شرقي مدينة العسكر، واندثرت مع الزمن ولكن المسجد لا يزال قائماً، فقد قيل إن ابن طولون طلب أن يبنى له مسجد إذا احترقت مصر بقي، وإذا غرقت مصر بقي، فبني الجامع فوق قمة صخرية تعرف بجبل يشكر ولا يزال قائماً حتى الآن".

إنشاء القاهرة

تم البدء ببناء القاهرة عام 358 هـ/ 969 م لتصبح حتى يومنا هذا عاصمة لمصر ولتشهد على عصور متلاحقة بدأت بالفاطميين ومن بعدهم الأيوبيون، ثم المماليك، ويليهم العثمانيون، ثم عصر أسرة محمد علي، إلى أن تحولت مصر من العهد الملكي إلى جمهورية بعد قيام ثورة يوليو (تموز) 1952. أحداث وحقب تاريخية وحكام متعاقبون مروا على مصر وبقيت القاهرة شاهدة على جزء ممتد من تاريخ البلاد".

ويقول عبدالرحيم، "جاء الفاطميون لمصر من شمال أفريقيا عندما أرسل الخليفة المعز لدين الله جيشاً بقيادة جوهر الصقلي الذي بدأ ببناء عاصمة جديدة هي القاهرة. بنيت القاهرة شمال شرقي القطائع ومن الملاحظ أن التوسع دائماً كان في هذا الاتجاه، مع بداية بنائها كانت مساحتها محدودة ومسورة بأسوار وتشبه فكرة الكمباوند حالياً ولا يسمح لجموع الناس بالعيش فيها، وإنما كانت للقصور ومراكز الحكم. بقيت القاهرة عاصمة لمصر منذ إنشائها عام 358 هـ/ 969م وحتى يومنا هذا، لاحقاً مع قدوم صلاح الدين الأيوبي لمصر هدم أسوار القاهرة وامتدت مساحتها وبدأ تعمير الشوارع المحيطة بها وظهرت الامتدادات العمرانية التي توالت في الظهور. ونقل صلاح الدين الأيوبي الحكم إلى قلعة صلاح الدين لتحكم منها مصر حتى عصر الخديوي إسماعيل".

يشير أستاذ التاريخ الإسلامي إلى أن أي نظام حكم جديد كان يرتكز على بناء عاصمة جديدة وجامع كبير، فدخل المسلمون مصر وبنوا الفسطاط وجامع عمرو بن العاص، وبنى العباسيون مدينة وجامع العسكر، ومن بعدهم بنى الطولونيون القطائع ومسجد أحمد بن طولون، ولاحقاً بنى الفاطميون القاهرة والجامع الأزهر، فهي سمة عامة في أي نظام حكم جديد.

 

ظلت القاهرة بطابع إسلامي منذ بداية إنشائها وصولاً إلى حقبة حكم أسرة محمد علي، إلا أنها شهدت طفرة كبرى في الامتداد العمراني وفي الطابع العام للمدينة في عهد الخديوي إسماعيل، خامس حكام مصر من الأسرة العلوية، الذي امتد حكمه من عام 1863 وحتى 1879م. كان الخديوي إسماعيل أوروبي الهوى وشديد التأثر بالثقافة الفرنسية بشكل خاص، وفي عهده بدأت القاهرة تأخذ الشكل العصري والطراز الأوروبي وامتدت مساحتها كثيراً مع تعمير مناطق جديدة أطلق عليها تسمية القاهرة الخديوية.

يقول أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر أحمد غباشي، إنه "مع بداية حكم محمد علي كان اهتمامه بالأساس بالجانب العسكري ولم يكن لديه اهتمام كبير بالعمران والتوسع العمراني، ولكن في عهده كان هناك اهتمام بتوسيع الشوارع ووضع لافتات عليها أسماء الشوارع وترقيم المنازل بالشكل الحالي الذي نعرفه. الطفرة في عمران القاهرة وامتدادها حدثت في عهد الخديوي إسماعيل فتأثره بالثقافة الفرنسية جعل لديه حلماً بأن تكون القاهرة، باريس الشرق، وكان لديه تحد وهو التوسع على الطابع الغربي، وفي الوقت ذاته الحفاظ على القاهرة الفاطمية بتراثها الإسلامي".

ويشير "بالفعل بدأ في عهده إنشاء القاهرة الخديوية بشوارع مستقيمة متقاطعة بزوايا قائمة، وبناء ميادين تتفرع منها الشوارع بطريقة إشعاعية وإنارة الشوارع بالغاز ووضع التماثيل في الميادين وكان أشهرها آنذاك تمثال إبراهيم باشا بمنطقة الأوبرا. كانت مساحة القاهرة في عهد الخديوي إسماعيل ثلاثة أضعاف مساحة باريس، وكان مشروع الخديوي إسماعيل يهتم بالجانب الثقافي والإنساني، ففي عهده أنشئت دار الأوبرا الخديوية، ودار الكتب والوثائق، وحديقة الأزبكية، وكثير من المسارح، ومدارس نظامية للبنات للمرة الأولى".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مقر الحكم في قلب القاهرة

من الأحداث المهمة التي شهدتها القاهرة في عهد الخديوي إسماعيل هي نقل مقر الحكم من قلعة صلاح الدين إلى قصر عابدين في قلب القاهرة الخديوية مما كان له عظيم الأثر على إعمار المناطق المحيطة به ووضعها في دائرة الضوء باعتبارها أصبحت مقراً للحاكم.

ويقول غباشي "اشترى الخديوي إسماعيل القصر من أرملة عابدين بك، وكان ضابطاً تركياً، واشترطت عليه أن يظل القصر مسمى باسمه. وهدم الخديوي القصر القائم وضم له مساحات محيطة وتم بناء مقر الحكم الجديد الذي افتتح بعد 11 عاماً من تولي الخديوي إسماعيل حكم مصر ليصبح شاهداً على كثير من الأحداث السياسية، ويمثل إضافة وامتداداً جديداً للقاهرة".

ويضيف "أدى إنشاء قصر عابدين إلى شق شارعين كبيرين مؤديين إلى موقعه وهما شارع عابدين وشارع عبدالعزيز الذي تم تسميته على اسم السلطان عبدالعزيز، السلطان العثماني آنذاك الذي جاء لزيارة القاهرة وقتها، وكان أول سلطان عثماني يأتي لمصر كزائر وليس محتلاً. والجدير بالذكر هو أن السلطان عبدالعزيز هو ابن خالة الخديوي إسماعيل، واسمها فخوشيار قادين المعروفة بالوالدة باشا، والدة الخديوي إسماعيل هي أخت زوجة السلطان محمود، والد السلطان عبدالعزيز الأول".

معايير اختيار العاصمة

عشرات العواصم تغيرت واختلفت وانتقلت في مصر انتهاء بالمشروع الجديد للعاصمة الإدارية، ولا يقتصر هذا الأمر على مصر وحدها، وإنما تغيير العواصم أمر شائع في العالم كله نتيجة لظروف وأسباب مختلفة، فما هي المعايير التي يتم الارتكاز عليها عند إنشاء عاصمة جديدة؟

 

يقول أستاذ التخطيط العمراني بجامعة القاهرة عباس الزعفراني، إن "اختيار العاصمة في أي بلد تكون له أبعاد متعددة فعندما تكون الدولة مستقلة، تكون العاصمة في مركز الثقل السكاني والاقتصادي وفي قلب البلاد بعيداً من الحدود ليكون تأمينها أسهل، وعندما تكون البلد تابعة لإمبراطورية تكون العاصمة في أقرب مكان يمكن منه التواصل مع عاصمة الإمبراطورية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ففي مصر مع دخول المسلمين، بنيت الفسطاط شرقاً لتكون قريبة من مركز الخلافة في المدينة المنورة، وسابقاً كانت الإسكندرية وقت حكم الرومان والبطالمة، والأمثلة من العالم كثيرة، فالبرازيل مثلاً كانت عاصمتها ريو دي جانيرو أثناء احتلال البرتغال لها، ولاحقاً بعد الاستقلال نقلوا العاصمة إلى برازيليا".

ويضيف الزعفراني أن "نقل العاصمة غالباً يكون لأسباب مختلفة، فقد يكون الهدف البعد الكامل عن العاصمة القديمة لأسباب سياسية، ويحدث هذا دائماً عند الانتقال من نظام حكم لآخر والأمثلة كثيرة على مدار التاريخ، وأحياناً الرغبة في تنمية مكان جديد وإلقاء الضوء عليه باعتبار أن العاصمة الجديدة ستكون مركز البلاد وستحظى بتنمية في جميع المجالات إضافة إلى تمركز المراكز الاقتصادية والإدارية للدولة فيها بالتالي توافد السكان تباعاً على المكان الجديد. تعمير العواصم الجديدة وتنميتها يعتمد في المقام الأول على مد شبكات المواصلات والنقل الجماعي فهي أساس التنمية وأول ما يجب توفيره للناس والأمثلة سابقاً كثيرة، فمثلاً مع إنشاء البارون أمبان لمنطقة مصر الجديدة تم مد خطوط الترام مما كان له عظيم الأثر في تنميتها، فإذا توافرت المواصلات سينتقل السكان ولاحقاً ستبدأ الخدمات بالوجود".

يشير أستاذ التخطيط العمراني إلى أن "بعض البلاد اعتمدت حديثاً فكرة وجود حي إداري تتركز فيه مؤسسات الدولة والمباني الحكومية والإدارية وهو النموذج الذي اعتمدته مصر في إنشائها للعاصمة الإدارية الجديدة وربما يكون النموذج الأقرب لهذه الحالة هي بوترا جايا الماليزية فهي العاصمة الإدارية للبلاد وكوالالمبور لا تزال عاصمة البلاد، فهذا التوجه تعتمده بعض البلاد لفصل المركز الإداري والاقتصادي للدولة عن قلب العاصمة وإقامته في منطقة قريبة منها نسبياً".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات