Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الذي أحيا حفلة الموت في تدمر لا يريد تفويت أمسية كييف

طالت هيستيريا العقوبات الغربية على روسيا قائد الأوكسترا فاليري غيرغييف المقرب من بوتين والحاضر في حفلات الجيش الأحمر

رفض فاليري غيرغييف إدانة الحرب الأوكرانية جعلته في مرمى العقبوبات الدولية (غيتي)

منذ الساعات الأولى للحرب في أوكرانيا وتصدر أخبارها النشرات، والعالم يستجر أدبيات الحرب العالمية الثانية لتوصيف الحرب الجديدة في شرق أوروبا، لتفسير الخطوات وتبرير أخرى. فعندما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إطلاق الرصاصة الأولى قدم قائمة من المبررات امتد سردها على 55 دقيقة من البث المباشر، كان أبرز ما تضمنته أنه وجه الجيش الأحمر إلى كييف لاجتثاث "النازيين الجدد" الذين يمارسون التمييز والإبادة تجاه الناطقين بالروسية، حسب قوله.

"النازية" لم تكن الوصف الوحيد الذي ينتمي لحرب أربعينيات القرن الماضي، فقد حملت التصريحات التي تم تراشقها إشارة لحرب نووية محتملة، وتحذير من حرب كونية مدمرة وتخويف من حصار مدن مميت. فقد وضع بوتين ترسانة بلاده النووية في حالة تأهب قصوى، وهدد سيرغي لافروف باندلاع حرب عالمية ثالثة قد تشتعل في ما لو أُعلنت العاصمة الأوكرانية منطقة محظورة على الطائرات، في حين ابتز حاكم مدينة "ماريوبول" جنوب أوكرانيا تعاطف العالم على مدينته المحاصرة بتشبيه ما تواجهه بـ "لينينغراد"، المدينة الروسية التي حاصرها النازيون حتى الموت في تلك الحرب المشؤومة.

هذه المقارنات المستمرة مع صور الحرب التي يخاف منها الأوروبيون، والتي اعتقدوا بأنهم تجاوزوا فرص وقوع شبيه لها، لا يبدو أنها ستستبعد من هم خارج ميادين المعركة، إذ يفترض بوجه قائد الأوركسترا الروسي فاليري غيرغييف، وهو يقف على رأس فرقة موسيقية في ميونخ أن يذكرهم بشيء ما، فيلهلم فورتوانجلر مثلاً، قائد أوركسترا فيلهارمونية أيضاً، وتعرفه ألمانيا جيداً كما هي حال غيرغييف، ولم ينأ بنفسه عن المواقف السياسية في حرب أوروبية حملت المفاهيم ذاتها التي يتم تداولها اليوم.

موسيقي الرايخ الثالث

يعد الألماني فيلهلم فورتوانجلر، أحد أهم قادة الفرق الموسيقية في القرن العشرين وأكثرهم إثارة للجدل، بخاصة أن ذروة نجوميته كانت في فترة صعود النازية واندلاع الحرب العالمية الثانية.

الأكثر إثارة للجدل في تجربته في ظل النازية، هو أنه نجح في الحفاظ على خط رفيع بين معارضته لبعض سياسات أدولف هتلر المعادية للسامية من جهة، وبين أن يكون الوجه الموسيقي القومي للبلد في الخارج الذي وقف على مسارحه وباع موسيقاه في أسواقه.

 

أسهمت هذه المناورة التي أجاد القيام بها في إعطائه مساحة لا تتاح عادةً في دول مثل الرايخ الألماني، وهو ما استجر تفسيرات عدة، أكثرها منطقيةً هو دفاع وزير الإعلام جوزيف غوبلز عنه وحمايته له بوصفه وجهاً ألمانياً يعزز من فكرة قدرة العرق الآري الاستثنائية حتى في الموسيقى بالنظر إلى سيطرة اليهود على صناعتها في ألمانيا قبل ذلك أمثال برونو والتر وغيرهم.

وعلى الرغم من مجاهرته بالمعارضة التي انتهت بهروبه من ألمانيا قبل سقوط برلين، إلا أن الجدل حول حقيقة معارضته ظل يطارده حتى اليوم الذي يعاد فيه استحضار الوجوه الناعمة لأنظمة الحرب، مع دخول القارة العجوز في حرب جديدة. فالروسي غيرغييف الذي ظل يقود فرقة الأوركسترا الفيلهارمونية في ميونخ منذ 2015، نجح بدوره في الحفاظ على خيط رفيع بين مكانته في أوروبا كقائد موسيقي كلاسيكي بديع، وبين إيمانه بفلاديمير بوتين كقائد قومي للبلاد، وهو الذي يمثل بالنسبة إلى الأوربيين أحد أوجه الشمولية السياسية التي تضع يدها على الزناد باستمرار.

غادر ميونخ والعين على كييف

كل ما كان غيرغييف بحاجته حتى يحافظ على منصبه في ألمانيا، وجدول عروضه في لندن وميلانو ونيويورك وفيينا ولوزيرن السويسرية، هو أن يقول "لا للحرب"، لكنه رفض، ما جعله هدفاً سهلاً لهيتسيريا العقوبات الغربية ضد كل ما هو روسي.

وعلى الرغم من أن سعيه تقديم شكل رقيق للنأي بالنفس بقوله إنه يتمنى "إيجاد حل سلمي"، إلا أنه لم يبذل جهداً على مدى السنوات الماضية حتى يتبرأ من علاقته بميادين المعارك، فقد كان قائداً لموسيقى حروب الجيش الأحمر في سوريا وأوسيتيا الجنوبية، وقد اعتاد العالم على رؤية فرقته تقتحم مدن الموت بعد الجنرالات ويقف هو أمامهم.

 

في عام 2016، بعد أن استعادت القوات الداعمة لنظام الأسد في سوريا مدينة تدمر الأثرية من تنظيم "داعش" الإرهابي، كان في مقدمة الفاتحين الذين وقفوا في المسرح القديم، وأحيا حفلاً رعاه الرئيس الروسي من خلف شاشة كبيرة ألقى من خلالها كلمته، أمام الموسيقار الذي توسط المسرح الروماني.

في حينها، برر غيرغييف حضوره هذا بأنه احتجاج على "البربرية والعنف اللذين مارسهما مقاتلو داعش" واستخدموا مدرجات المسرح الروماني في المدينة لإعدام المساجين. وعلى الرغم من أن تبريره كان محل تقدير وتفهم لدى كثيرين، إلا أنه كان محط تشكيك لدى آخرين، بخاصة وأن صديق فلاديمير بوتين والجنرالات الروس كان قد قاد فرقته على وقع القذائف في جنوب أوسيتيا أثناء الحرب الروسية الجورجية عليها في 2008، ليكون الموسيقي العابس أحد أشكال السيادة الروسية عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مواقفه السياسية التي جعلته أقرب أكثر من نخبة موسكو توالت حتى تأييده لسياسات رجلها القوي، من ضم شبه جزيرة القرم في 2014 إلى مواقفه التي عدّها الغرب معادية للمثلية، وتقلده أرفع أوسمة الجمهورية الاتحادية من يده.

صديق بوتين الغني

في السياق ذاته، نشرت صحيفة "Milano Courier" الإيطالية تقريراً مطولاً عن ثروة الموسيقي الروسي في إيطاليا، مع وصول العقوبات الدولية على روسيا إلى حد مصادرة أملاك وثروات أصدقاء بوتين.

ووصفت في تقريرها الذي دعت فيه لامتداد العقوبات إليه، ثروته في الدولة الأوروبية بأنها "كنوز عقارية" تقدر قيمتها بحوالى 150 مليون دولار، ففي ميلانو وحدها، ثاني أكبر المدن الإيطالية، يملك غيرغييف حوالى عشرين مبنى، بحسب الصحيفة ذائعة الصيت في وطنها.

 

كل هذا بات مرشحاً لأن تطاله عقوبات السطو القانونية، بعد أن كلفه موقفه منصبه قائداً لأوركسترا ميونخ الفيلهارمونية في ألمانيا، وإلغاء حفلة له في مسرح "لا سكالا" في مدينة ميلانو الإيطالية، وحفلات أخرى لدى أوركسترا باريس الفيلهارمونية ومهرجان "لوسيرن" السويسري، ودار "كارنيغي هول" العريقة في نيويورك. كذلك اضطر إلى الاستقالة من منصبيه كمدير موسيقي لأوركسترا مهرجان فيربييه في سويسرا، ومهرجان إدنبره في اسكتلندا، وأعلن مدير أعماله الفنية أنه قرر الكف عن تمثيله.

أتيحت للروسي فاليري غيرغييف فرصة تجنب كل هذا في عرضِ قدمه له رئيس بلدية ميونخ الألمانية، ديتر ريتر، في بيان استغناء أوركسترا ميونخ عنه، بأن لديه فرصة للبقاء في حال قرر أن "ينأى بنفسه بصورة واضحة وقاطعة" عن الغزو الروسي لأوكرانيا، غير أنه لم يفعل، فمن أحيا حفلة الحرب في تدمر وأوسيتيا لا يريد أن يفوت أمسية النصر المفترض إقامتها في ميدان الاستقلال بكييف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير