Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين يريد العودة بالزمن إلى القرون الوسطى وعلى الناتو مواجهته

سوف تهوي قطع الدومينو تباعاً وإن سقطت أوكرانيا يرجح جداً أن يأتي الدور بعدها على مولدوفا المجاورة 

فاق عدد اللاجئين الأوكرانيين المليون نسمة وفي الصورة أعلاه طفلة لاجئة برفقة والدتها على الحدود البولندية (رويترز)

يصعب جداً تخيّل صف دبابات ومدفعيات متنوّعة بطول 40 ميلاً والأشدّ إيلاماً هو محاولة تخيّل استخدامات هذه الآليات.

من الظاهر أنّ كييف سوف تُخضَع لحصار همجي من القرون الوسطى. وفي هذا الإطار، قال السفير الأوكراني في لندن، فاديم بريستايكو، محذراً النواب البريطانيين "أعتقد أنهم قد يستخدموا التكتيكات التي وصفتموها- محاولة تطويق مدننا، وتلطيف الموقف السياسي، وربما السعي لإشعال فتيل أعمال شغب ضد الدولة في أوكرانيا، بسبب نقص الأغذية".

تشكّل حماية شعب ليس في متناوله غذاء أو وقود أو وسائل تدفئة أو اتصالات أو أدوية أو أسلحة أو ذخيرة أكبر امتحان قد تخضع له عزيمة أي مدينة. ما زالت معاناة كييف في بداياتها. وسوف تبلغ وضعاً لا يماثله في السوء سوى ما شهدته دولة داعش المزعومة، أو حتى النازيين الذين حاصروا لينينغراد: حين يستخدم الناس لحاء الأشجار أو جلود أحذيتهم لصنع الحساء. أو أسوأ.

وفي ظل شبه انعدام الأمل بتلقّي كييف مساعدة خارجية، يعتبر احتمال كسر الحصار على المدينة ضئيلاً. لا يمكن أن يأتي الفرج سوى بمساعدة الروس- ليس جنرالات الجيش أو موظفو الكرملين البيروقراطيون، مع أنّه لا بدّ أن بعضهم يحسب خياراته- ولكن الشعب الروسي المحترم المتمرّد على رجل العصابة. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدو أن الحصار هو الخيار "الأفضل" لبوتين، من وجهة نظره. يمكن للرئيس الروسي أن يهدد من تبقّى من سكان المدينة، بمن فيهم قائدهم فولوديمير زيلينسكي العنيد كما تشرشل، بالقصف المتواصل. هذا الكأس [المرير] الذي تجرعته خاركيف، وقد ذاقها سكان كييف كذلك.

أو يمكنه أن يعرض على كييف تجنيبها هذه التجربة إن وافق أهلها، بالإضافة إلى زيلينسكي، على وقف القتال وتنفيذ بعض الشروط. ولكن ماذا لو قال زيلينسكي لبوتين أن يغرب عن وجهه، أو تفوّه بنسخة أكثر فظاظة من هذا الكلام؟ سوف يكون على بوتين أن ينفذ تهديده. يمكنه إطلاق صواريخ كروز ومتفجرات وقنابل حرارية وقنابل حارقة قادرة على سحب الأوكسيجين من الهواء- وسوف تستحيل المدينة الجميلة ركاماً ورماداً وتمحى عملياً عن بكرة أبيها. كما فعل الألمان في وارسو أثناء انسحابهم منها في عام 1944 أو كما هيروشيما العصر الحديث. وعلى غرار ما حصل في ستالينغراد، سوف يكون على القوات الروسية دخول المدينة في النهاية، وتفادي القناصة واحتلال ما تبقّى، من مبنى مهدّم إلى آخر.

وسوف يستولي في النهاية على كييف. ولكن لن يكون المظهر أو الشعور جيداً- لأن المدينة ستتحول إلى معلم دائم لشجاعة الأوكرانيين. في أحلامه، يريد بوتين أن يجوب شوارع المدينة بموكب رسمي وأن يلوّح بيده لحشودٍ تنظر إليه بمحبة وإعجاب، وهي في قمة سعادتها لتخليصها من قامعيها من النازيين الجدد. ولكن عوضاً عن ذلك، سوف يضطر لشق طريقه عبر كومة من الركام والجثث المتحللة. وقد يبدأ الروس الذين ظلوا مخلصين له وآمنوا بالدعايات التي بثّها بالتساؤل عن سبب ظهور "النصر" على هذا الشكل. وفي النهاية، سوف يكتشفون الحقيقة من وسائل التواصل الاجتماعي ومصادر مواقع الإنترنت، وأصدقائهم وعائلاتهم في أوكرانيا

قد يسير بوتين على خطى جيوش غزاة لا تعد ولا تحصى مرّت قبله في التاريخ وسعت للاستيلاء على المدن وتركها على حالها [من دون إنزال الدمار فيها] في الغالب، قبل أن تعمد إلى تجويع أهلها. سوف يستصعب الغرب أمر كسر هذا النوع من الحصار. صحيح أنّ إرسال المؤن بالطائرات تلبية لطلب الحكومة الأوكرانية أمر مشروع تماماً بموجب القانون الدولي، ولا يبلغ الدرجة نفسها من العدائية التي يمثلها فرض منطقة حظر جوي فوق البلاد. ولكنه يشكّل مع ذلك خطر وقوع مواجهة مع الطائرات الحربية الروسية. ومن المستحيل طبعاً تهريب المؤن براً لمدينة يقطنها ملايين البشر. 

إن الأشخاص الذين يحذرون من اندلاع حرب عالمية ثالثة لديهم وجهة نظر سديدة. ولكن من جهة ثانية، ربما كانت المرأة التي تحدّت بوريس جونسون خلال مؤتمر صحافي في إستونيا محقّة- وأنّ هذه الحرب قد نشبت بالفعل.

سوف تهوي قطع الدومينو تباعاً [تكر سبحة الحرب]. وإن سقطت أوكرانيا، يرجح جداً أن يأتي الدور بعدها على مولدوفا المجاورة. ففي هذه البلاد أيضاً منطقة انفصالية تدعمها روسيا اسمها ترانسنيستريا، وهي جاهزة للاستعمار [للاحتلال]. ربما يأخذ بوتين قسطاً من الراحة بعدها، قبل أن يطرح مطالباته بالحياد الرسمي وعدم ضم الناتو فنلندا، وإخراج الحلف العسكري من دول البلطيق. ثم رومانيا، وبلغاريا، وبعدها بولندا وهنغاريا.  

سوف يجد حلف الناتو نفسه مضطراً للقتال عاجلاً أم آجلاً. فطموحات بوتين لا تخفى على أحد. ما يريده هو العودة بالزمن إلى الوراء: إلى القرون الوسطى. 

© The Independent

المزيد من آراء