Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حرب أوكرانيا تضع عمالقة التكنولوجيا بين شقي الرحى

صراع الموازنة بين مواجهة التضليل المعلوماتي واستمرار خدماتها داخل روسيا

تواجه شركات التكنولوجيا قرارات صعبة (أ ف ب)

أصبح الغزو الروسي لـأوكرانيا لحظة فارقة بالنسبة إلى عدد من كبريات شركات التكنولوجيا في العالم، فقد تحولت منصاتها إلى ساحات صراع حقيقية لحرب معلومات موازية، وصارت بياناتها وخدماتها مرتبطة بشكل حيوي بالصراع، واضطرت شركات مثل "ميتا" و"تويتر" و"غوغل" و"تليغرام" و"نتفليكس" و"سناب شات" إلى تعديل أساليب ممارسة نفوذها، تحت ضغوط متصاعدة من المسؤولين في كل من روسيا وأوكرانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لكن شركات التكنولوجيا تواجه قرارات صعبة، فقد تكون أي خطوات خاطئة تتخذها مكلفة جداً بالنسبة إليها، ومن المحتمل أن يعرضها ذلك لمزيد من الجهود المبذولة في أوروبا وأميركا لتنظيم أعمالها، أو دفع روسيا إلى حظرها تماماً، فما الذي تستطيع أن تفعله؟

قوة هائلة

كشفت ردود الفعل على حرب المعلومات والهجمات السيبرانية وعمليات المراقبة التي تجري عبر خرائط "أبل" و"غوغل" عن الدور الهائل الذي تمارسه شركات التكنولوجيا أثناء الصراع بين روسيا من جانب، وأوكرانيا والغرب من جانب آخر. فعلى الرغم من الاحتجاجات الواسعة والعقوبات العديدة التي أثارها الغزو الروسي لأوكرانيا، فإن القوة المباشرة لتشكيل مصير الإنسان في القرن الحادي والعشرين لا تكمن في الحكومات وحدها، بل تمتد إلى منصات وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمة في حرب المعلومات وشركات البرمجيات التي تدافع عن عملائها ضد الهجمات الإلكترونية التي ترعاها الدولة.

ومنذ بدأ غزو روسيا لأوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) الماضي، وجدت شركات التكنولوجيا العملاقة نفسها في مأزق صعب، إذ كان يتعين عليها الموازنة بين اتخاذ موقف صارم حيال عمليات التضليل المعلوماتي أو استخدام تطبيقاتها في الحرب، واستمرار خدماتها على قيد الحياة داخل روسيا. وهو ما يعني عدم إغضاب السلطات الروسية باتخاذ مواقف عقابية أكثر تشدداً. وهذا ما عكسته البيانات الصادرة عن بعض شركات التكنولوجيا العملاقة، إذ قالت شركة "أبل" إنها تشعر بقلق بالغ إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا وتقف إلى جانب جميع من يعانون نتيجة العنف. فيما اعتبرت شركة "ميتا" التي تمتلك "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب"، أن فرقها في حالة تأهب قصوى لتحديد التهديدات الناشئة والرد بأسرع ما يمكن. بينما امتنعت "نتفليكس" عن إصدار بيان بشأن الصراع.

تباينات عملية

لكن الواقع العملي عكس تفاعلات متفاوتة بين شركات التكنولوجيا العملاقة التي وجدت نفسها عالقة بين مطالب كل من أوكرانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. ففي حين طالب المسؤولون الأوكرانيون شركات "أبل" و"غوغل" و"ميتا" بوقف خدماتها داخل روسيا، كانت الاستجابة متباينة، فشركة "أبل" على سبيل المثال أوقفت مؤقتاً جميع مبيعات منتجاتها، وعطلت استخدام تطبيقات خرائط "أبل" في أوكرانيا كإجراء وقائي لضمان سلامة المواطنين الأوكرانيين، وسط مخاوف من أن روسيا قد تهاجم المواقع التي تتجمع فيها مجموعات كبيرة.

"غوغل" و"ميتا"

أما شركة "غوغل" فقد منعت وسائل الإعلام الروسية التي تديرها الدولة من بيع الإعلانات على منصتها، وتعهد رئيس الشركة سوندار بيتشاي لمسؤولين في الاتحاد الأوروبي بمواجهة التضليل الروسي للمعلومات، وأزالت الشركة تطبيقات "آر تي" و"سبوتنيك" من متجر تطبيقاتها خارج روسيا فحسب. وعطلت الشركة بعض ميزات خرائط "غوغل" في أوكرانيا بما في ذلك تطبيق حركة المرور والمعلومات حول مدى ازدحام الأماكن، للمساعدة في حماية المواطنين. وقالت "غوغل" إنها تتخذ إجراءات ضد ما وصفته بعمليات القرصنة والتأثير التي تدعمها روسيا منذ سنوات.

مع ذلك، أعلنت "غوغل" أن معظم خدماتها في روسيا ستظل متاحة، بهدف مساعدة الناس هناك على الوصول إلى المعلومات ووجهات النظر العالمية بخلاف وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الدولة. وهو ما يعد إجراءً متوازناً يستهدف عدم إثارة غضب السلطات الروسية.

ولعل شركة "ميتا" كانت أكثر الشركات الأميركية صرامة، فقد منعت الوصول إلى "آر تي" و"سبوتنيك" في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، وخفضت المحتوى على مستوى العالم من المنافذ الإعلامية التي تسيطر عليها الدولة الروسية عبر "فيسبوك" و"إنستغرام"، بالإضافة إلى إضافة علامات خاصة تطالب المستخدمين بالتحقق من المعلومات بشأن الصراع. ولهذا، واجهت شركة "ميتا" قيوداً في روسيا نتيجة رفضها مطالب الكرملين بوقف علامات التحقق من الحقائق، خصوصاً بعدما كشفت "ميتا" عن شبكات متخصصة في حرب المعلومات، كانت تديرها شخصيات وعلامات تجارية وهمية عبر الإنترنت. ما جعلها تزيل حساباتها، كما قالت "ميتا" إنها تشهد زيادة في استهداف الأشخاص في أوكرانيا، بما في ذلك الشخصيات العسكرية والعامة الأوكرانية، من قبل مجموعة قرصنة، يعتقد المجتمع الأمني ​​أن لها روابط بروسيا وبيلاروس، وحذرت من أن المتسللين يرسلون طلبات صداقة باستخدام منصات التواصل الاجتماعي.

"تويتر" و"تليغرام"

في المقابل، حجب موقع "تويتر" تغريدات تشمل محتوى "آر تي" و"سبوتنيك" داخل الاتحاد الأوروبي، كما يعمل خارج الاتحاد الأوروبي على إلغاء تضخيم محتوى وسائل الإعلام والمواقع التابعة للدولة، فضلاً عن تصنيف جميع التغريدات التي تحتوي على روابط لوسائل إعلامية روسية تملكها الدولة على أنها مواقع تابعة للدولة. ما جعل السلطات الروسية تقيد موقع "تويتر"، وهو إجراء جاء بعد مراقبة "تويتر" حسابات بارزة في روسيا بما في ذلك لصحافيين ونشطاء ومسؤولين ووكالات حكومية، للتخفيف من أي محاولات للاستيلاء على حساباتهم أو التلاعب بها.

في الوقت نفسه، هدد "تليغرام"، وهو تطبيق مراسلة واسع الاستخدام في روسيا وأوكرانيا، بإغلاق القنوات المتعلقة بالحرب بسبب انتشار المعلومات الخاطئة.

الحرب فرصة

بالنسبة إلى العديد من شركات التكنولوجيا، بما في ذلك "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر"، تعد الحرب فرصة لإعادة تأهيل سمعتها بعدما واجهت أسئلة عديدة خلال السنوات الماضية بشأن قضايا الخصوصية وهيمنتها على السوق وكيف تنشر محتوى ساماً ومثيراً للانقسام، وهو ما لوحظ خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية عامي 2020 و2016، ولهذا أصبح لديها فرصة لإظهار قدرتها على استخدام تقنياتها بطريقة مختلفة عن الماضي.

لكن شركات التكنولوجيا تواجه قرارات صعبة، فقد تؤدي أي خطوات خاطئة إلى تكاليف باهظة، خصوصاً في وقت التوترات والصراعات الدولية. ما يضيف مزيداً من الزخم للجهود المبذولة في أوروبا والولايات المتحدة لتنظيم أعمال هذه الشركات العملاقة أو دفع موسكو إلى حظرها تماماً داخل روسيا.

ويتمثل المأزق لدى المديرين التنفيذيين داخل الشركات في أنهم يتخذون قرارات بشأن ما يجب عليهم فعله، بينما يخشون اتهامهم بأنهم يفعلون القليل جداً. وسيؤدي كبح كثير من الخدمات والمعلومات إلى عزل الروس العاديين عن المحادثات الرقمية التي يمكن أن تتصدى للدعاية التي تديرها الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسباب الحذر

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، يرى متخصصون في شركات التكنولوجيا أنها كانت حذرة للغاية في تعاملاتها خلال هذه الأزمة، إذ تقول يائيل آيزنستات، الباحثة في "معهد بيرغروين" في لوس أنجليس، إن هذه الشركات تريد جميع مزايا احتكار الاتصالات حول العالم من دون الانجراف في الجغرافيا السياسية والاضطرار إلى اختيار أحد الجانبين في خضم أزمة دولية. وأشارت ماريتي شاك، مديرة السياسة الدولية في مركز السياسة الإلكترونية في "جامعة ستانفورد"، إلى أن العديد من الشركات تحركت بحذر شديد، فبينما منعت "غوغل" و"ميتا" وسائل الإعلام الحكومية الروسية من بيع الإعلانات على مواقعهما الأسبوع الماضي، لم تحظر المواقع الإخبارية والتلفزيونية الروسية وفقاً لطلب العديد من صانعي السياسة الغربيين. ما يؤكد أن الإجراءات لم تكن كافية، وأنه يتعين على الشركات حظر منافذ الدعاية الروسية.

مع ذلك، يحذر آخرون من أنه ستكون هناك عواقب سلبية إذا تم حظر المنصات في روسيا، إذ يشير أندريه سولداتوف، الصحافي الروسي والمتخصص في شؤون الرقابة، إلى أن منصات التواصل الاجتماعي تعد أهم مكان للنقاش العام في شأن ما يجري في أوكرانيا، ولن يعتبرها أي شخص علامة جيدة إذا ما حظر "فيسبوك" وصول المواطنين الروس.

ضغوط متصارعة

وتوضح تجربة "تليغرام" الضغوط المتنافسة من الأطراف المتصارعة، فبعدما اشتهر التطبيق في روسيا وأوكرانيا بمشاركة الصور ومقاطع الفيديو والمعلومات خلال الأيام الأولى من الحرب، أصبح ساحة تتجمع فيها المعلومات المضللة عن الحرب، مثل الصور التي لم يتم التحقق منها من ساحات القتال. ونشر بافيل دوروف، مؤسس "تليغرام"، الذي يتابعه 600 ألف مستخدم على المنصة، رسالة قال فيها إنه يفكر في حظر بعض القنوات المتعلقة بالحرب داخل أوكرانيا وروسيا، لأنها قد تؤدي إلى تفاقم الصراع والتحريض على الكراهية العرقية. لكن المستخدمين ردوا بقلق قائلين إنهم يعتمدون على "تليغرام" للحصول على معلومات مستقلة. ما أدى إلى تراجع دوروف عن تنفيذ ما قال إنه يعتزم تنفيذه.

وتواجه شركات التكنولوجيا نوعين رئيسين من المطالب المتعلقة بالحرب من الحكومات، إذ تضغط روسيا عليها لفرض رقابة متزايدة على منشورات وسائل التواصل الاجتماعي وتدفق المعلومات الأخرى داخل البلاد، كما فرضت موسكو قيوداً شديدة على الوصول إلى "فيسبوك" و"تويتر". ومن المحتمل أن يكون "يوتيوب" هو التالي. فقبل ثلاثة أيام، طالبت روسيا شركة "غوغل" بحظر الإعلانات المتعلقة بالحرب التي تبث على منصتها المتعلقة بالحرب، عقب يوم واحد من صدور أمر برفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام الموالية للكرملين والمتعلقة بأوكرانيا، من دون توضيح كيف ستنفذ "غوغل" الأمر.

في الوقت نفسه، يدفع المسؤولون الغربيون الشركات إلى منع وسائل الإعلام والدعاية الحكومية الروسية، إذ كتب قادة إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا إلى شركات "ميتا" و"غوغل" و"يوتيوب" و"تويتر" لمطالبتها بتعليق الحسابات المؤيدة للكرملين والحسابات الحكومية الرسمية، بما في ذلك "آر تي" و"سبوتنيك".

ودعا نائب رئيس الوزراء الأوكراني شركات "ميتا" و"أبل" و"نتفليكس" و"غوغل"، الجمعة، إلى تقييد الوصول إلى خدماتها داخل روسيا لعزل البلاد، تماماً مثلما قدم صناع السياسة الأميركيون طلبات لتضييق الخناق على الدعاية الروسية.

وبينما تجد شركات التكنولوجيا العملاقة نفسها بين شقي الرحى، أدركت بما لا يدع مجالاً للشك مدى اعتراف الجميع بقوة منصات التواصل الاجتماعي وتأثيراتها الفاعلة خلال الصراعات السياسية والعسكرية والاقتصادية. وهو ما يشير إليه بوضوح الضغط السياسي الرفيع المستوى على جميع الشركات.

المزيد من تقارير