Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أسماك قرش للبيع... لماذا تتعثر تونس في وضع حد للصيد الجائر

يسلّط بيع الأسماك اللامشروع في السوق المركزية بتونس الضوء على مشكلة الصيد المفرط، مع تعرض عدد من أنواع سمك القرش والشفنين لخطر الانقراض

صياد تونسي: "يدرك الصيادون أهمية التنوع البيولوجي في البحار. ونحن نتعلم على الدوام أشياء جديدة عن هذا الموضوع" (غيتي)

على الرغم من البرد، فإن السوق المركزية في تونس العاصمة تضج بحيوية واضحة.

ويصيح أصحاب الأكشاك لجذب انتباه المتسوقين إلى الصواني المتجمدة أمامهم، المليئة بكائنات بحرية ذات ألوان زاهية، التي يحتوي عدد منها على الأنواع المشتبه فيها عادة مثل الأخطبوط والمحار والقريدس، لكن هناك معروضات غير مألوفة، لا سيما أسماك القرش، في أطباق أخرى.

قلما تُشاهد أسماك القرش في البحر الأبيض المتوسط. والهجمات [التي يمكن أن تشنها ضد البشر] غير معهودة هناك. على الرغم من ذلك، فإن 86 نوعاً من أسماك القرش والشفنين تستوطن المتوسط، وتتراوح بين النمط الأبيض الكبير وكلب البحر الصغير. وبين هذه الأنواع، 24 صنفاً مهدداً بالانقراض، دخل حوالى 8 منها سلفاً حالة شبيهة بالانقراض.

يسبب التلوث وتغيّر المناخ خسائر جسيمة من حيث عدد هذه الأنواع. غير أن الصيد الجائر المتعمد والتقاط أسماك القرش والشفنين في شباك الصيد بشكل غير مقصود، المعروف باسم الصيد العَرضي، كلها تُحدث أعظم الأثر في الأعداد، فيما تُرتكب أكبر الذنوب في هذا المجال من قبل تونس وليبيا وإيطاليا.

ومن المعتاد رؤية أسماك القرش والشفنين في عدد من الأكشاك في السوق المركزية في تونس العاصمة. وإذ يُعدّ [صيد] بعض هذه الأسماك مشروعاً كأي من الأنواع الأخرى المعروضة للبيع، فإنه ليس مشروعاً بالقدر ذاته بالنسبة إلى بعض الأسماك الأخرى. ويُعرض خط لمعالجة الأسماك إلى جانب إحدى الطاولات، حيث تُذبح أسماك شفنين متوسطة الحجم قبل أن تُعطى إلى البائع الذي قد ينادي مدّعياً أنها هامور أو سمك أبو سيف.

إن المياه التونسية هي من الأغنى في المنطقة. وتوجد فيها قرب الشاطئ أعداد وفيرة من أسماك قيثارات البحر والشفنين ذات الحجم المتوسط التي تعتبر نادرة الوجود في أماكن أخرى. وإن أعداد صغار الأسماك البيضاء الكبيرة التي تعرّف إليها باحثون قرب الساحل التونسي توحي بأن الأسماك البالغة من هذه الأنواع تتكاثر في منطقة قريبة، الأمر الذي قد يجعل هذه المنطقة من المتوسط واحدة من أثمن المناطق في العالم.

كان ساسي علايا، 38 سنة، من قابس في جنوب تونس، يصطاد أسماك القرش لأعوام عدة. ولأنه صياد سمك محترف صغير، ينطلق علايا إلى البحر بقاربه الخشبي الصغير لصيد ما يمكنه اصطياده في ذلك اليوم. وقد أثبت لحم القرش أنه مربح [يدر الأرباح]، الأمر الذي حمله على الاستثمار في شبكة خاصة يحتاج إليها من أجل صيد القرش، تكلفتها 24 ألف دينار تونسي (6175 جنيهاً استرلينياً).

وقال علايا: "أصيد القرش كما أصيد أنواع السمك الأخرى. يتعلق الأمر بالمواسم". وتابع: "في الربيع، توجد أسماك القرش هنا بأعداد كبيرة، ولذا فإذا ذهبت إلى الصيد يمكنك أن تعود بكمية جيدة منها وتبيعها بسعر مجزٍ. سعرالقرش جيد لأن لحم هذا السمك لذيذ. والناس يحبونه". وطبقاً لعلايا، فإن التجار في السوق يدفعون [للصياد] ما يتراوح بين 8 و15 ديناراً (2-4 جنيهات استرلينية) ثمناً للكيلو الواحد، ومن ثم يبيعونه لقاء مبلغ يتراوح بين 15 و20 ديناراً (4 – 5 جنيهات استرلينية) في السوق المحلية.

وتلعب أسماك القرش دوراً حيوياً في الحفاظ على التنوع في الحياة البحرية ضمن المتوسط باعتبارها مفترسة رئيسة. ومن دون وجود أسماك القرش، سيفقد التوازن الدقيق للنظام البيئي للبحر توازنه. وإن من الصعب سلفاً تجاهل الضغط على مخزون الأسماك في أنحاء الأبيض المتوسط. وإن الأعداد الآخذة بالتزايد لقوارب صيد الأسماك، مع وجود تجهيزات أفضل، ما يسمح لهذه القوارب بالبقاء في البحر لفترات أطول من الزمن، تؤدي إلى ضغوط لا مثيل لها على الحياة البحرية في المتوسط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتكاد تقنيات الصيد الجديدة لا تميّز بين الكائنات البحرية، ما يعني أن سمك القرش قد يجد نفسه عالقاً في شباك قارب صيد ويجري سحبه إلى السطح البارد للقارب، إما لكي تتم إعادته إلى البحر باعتباره صيداً عرضياً أو يجري ذبحه على متن القارب، وإما من أجل أخذه إلى الشاطئ لبيعه هناك.

يحظر القانون التونسي صيد 24 من أنواع سمك القرش والشفنين. إلا أن ذلك لا يجري تنفيذه بصرامة، أو هو من المستحيل تنفيذه في عرض البحر من دون امتثال أسطول الصيد. علاوة على ذلك، نظراً إلى وجود المنافسة الحامية بين القوارب وقد اضمحل مخزون الأسماك، فإن الدعم لا يزال بعيداً إلى حد ما.

على الرغم من ذلك، فقد يكون من الصعب تحديد الفروق القليلة أحياناً بين الأنواع المحمية وتلك التي يسمح القانون بصيدها. وقال جمال جريجر، وهو مدير برنامج البحرية لدى الصندوق العالمي للطبيعة لصحيفة "اندبندنت"، "يمكنك أن تتخيل مدى صعوبة ذلك". وأضاف: "تكون الفروق في بعض الأحيان بسيطة للغاية. ومعرفة الفرق بين الأنواع المختلفة لأسماك القرش والشفنين على قارب متحرك تكاد تكون مستحيلة".

وأشار جريجر إلى أن الحل يكمن في كل من التربية وتنفيذ القانون. ولفت إلى أن "الصياد حين يحصل على رخصته في واحدة من المدارس هنا، ينبغي أن يتم تدريبه على كل نماذج الأنواع المحميّة". وتابع: "وبالمثل، يحتاج حراس صيد السمك الذين يفترض بهم أن يفحصوا كل صيد إلى تدريب أفضل وأكثر انتظاماً. ونحن بحاجة إلى وجود علامات في الأسواق من أجل تحديد الأنواع المحمية. ويجب أن يكون ذلك عملية متواصلة".

ولا يعني أي من هذا أن التقدم مستحيل. وعماد التريكي، شأنه شأن علايا، هو صياد سمك على نطاق محدود في مدينة طبرقة الواقعة في شمال البلاد قرب الحدود التونسية مع الجزائر. وقال "يتعين علينا أن نحمي البحر. إذا كانت أسماك القرش في خطر، فإن مصادر عيشنا في خطر أيضاً. هناك وعي متزايد بين الصيادين. إن ما يثلج الصدر هو رؤية مدى اهتمام الناس حالياً بالسلاحف البحرية، على سبيل المثال". ومضى ليبرز إسهامات يمكن أن تقدمها منظمات مثل جمعية الصيادين المحترفين التي أسسها هو وصيادون آخرون عام 2019، في إطار الجهود الهادفة للحفاظ على الأنواع المهددة بالانقراض.

وقال التريكي: "إن ذلك يبعث فيّ الأمل. يدرك الصيادون أهمية التنوع البيولوجي في البحار. ونحن نتعلم على الدوام أشياء جديدة عن هذا الموضوع". إن تاريخ تونس الحديث مضطرب. فقد خاضت على امتداد الأعوام الـ 11 الأخيرة، تجارب ثورة وهجوماً إرهابياً واقتصاداً متهالكاً وانفراد الرئيس بالسلطة [في تصرف] وصفه منتقدوه بالانقلاب.

وفي مواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد، يمكن أن تبدو حماية إرث تونس البحري أمراً له عواقب محدودة. غير أن اتخاذ الإجراءات لحماية نظام التوازن البيئي الغني الآن من شأنه أن يترك إرثاً لا تُقدّر قيمته بثمن للأجيال المقبلة.

© The Independent

المزيد من العالم العربي