تضع السلطات الجزائرية مشروع الطريق العابر للصحراء ضمن أولوياتها الاقتصادية على الصعيد الإقليمي، وهي تدفع نحو تسريع تنفيذه في أقرب الآجال، بعد تأخر دام لعقود طويلة بسبب مشاكل أمنية ومالية. وفي سبيل ذلك، نشطت المشاورات مع الدول الخمس التي تتشارك فيه، وهي تونس والنيجر ومالي وتشاد ونيجيريا.
وأعلنت الحكومة الجزائرية بدء إنجاز الشطر الأخير من "طريق الوحدة الأفريقية"، الذي يصل عاصمة البلاد بلاغوس النيجيرية (جنوب). وقد خصصت الجزائر للمشروع 2.6 مليار دولار.
ويربط المقطع الأخير الذي سيكون على مسافة 7 كيلومترات، بين المركز الحدودي في ولاية عين قزام وحدود النيجر، وبذلك تكون قد انتهت من إنجاز المسافة المخصصة لها، والمقدرة بـ2315 كيلومتراً، في حين يمثل الجزء الذي يربط بين الجزائر ولاغوس النيجيرية، مروراً بالنيجر العمود الفقري للمشروع بمسافة 4500 كيلومتر، في حين تبلغ المسافة الإجمالية للطريق نحو 9900 كيلومتر، جرى إنجاز 80 في المئة منها، بحسب تصريحات رسمية.
شريان اقتصادي
ومرد الاهتمام الجزائري بهذا المشروع الأفريقي، بحسب المتخصص في الشأن الاقتصادي أحمد حيدوسي، يعود إلى كونه مساهماً رئيساً في تفعيل المبادلات التجارية والاستثمارات بين الجزائر والدول الأفريقية، ويشكل شرياناً اقتصادياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد حيدوسي أن "الجزائر غيرت بوصلتها نحو القارة الأفريقية، التي باتت المكان الأنسب لتصدير منتجاتها وسلعها، بعد أن واجهت عراقيل في اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وفي ظل غزو المنتجات الآسيوية، وخصوصاً من الصين والهند منطقة التبادل التجاري العربية".
ويشير حيدوسي إلى أن "للجزائر امتداداً في القارة الأفريقية وعلاقات اقتصادية وسياسية طيبة، بالتالي فإن التركيز يجب أن يكون على الأسواق، خصوصاً مع دخول اتفاقية التبادل الحر بين الدول الأفريقية حيز التنفيذ، في نهاية عام 2020، ما يسمح في تحقيق الاندماج الإقليمي والتكامل الاقتصادي".
ويضيف أن "الجزائر تراهن على هذا الطريق لربط موانئها في الشمال بالعمق الأفريقي، بهدف رفع المداخيل وتحسين معدلات النمو وخلق فرص عمل ليس للجزائر فحسب، وإنما للبلدان التي يمر عبرها الطريق، كما أنه يفتح آفاقاً جديدة في دول الساحل لولوج الموانئ الجزائرية والاستفادة من خدماتها، خصوصاً مع التشغيل القريب لميناء الحمدانية بشرشال في الجزائر، الذي سيشكل منفذ عبور وشحن بين أفريقيا وأوروبا".
وكان وزير التجارة الجزائري كمال رزيق قد اعتبر أن استعمال مناطق التجارة الحرة والطريق العابر للصحراء وموانئ الشمال، سيمكن الجزائر من رفع المبادلات التجارية البينية مع أفريقيا إلى قرابة 52 في المئة مقابل 16 في المئة حالياً.
دعم مالي
بالتوازي مع ذلك، تبحث الجزائر عن شراكات وفرص لتمويل مشاريع مرافقة للطريق العابر للصحراء، هذا ما كشفت عنه زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى الدوحة، قبل أيام، إذ أعلن بدء محادثات جزائرية - قطرية في شأن مساهمة قطرية في مشروع حيوي لتطوير شبكة السكك الحديدية الوطنية، ومدها إلى كل من تمنراست وأدرار أقصى جنوبي الجزائر، وتمتد في اتجاه دول الساحل ومنها النيجر.
وتندرج هذه المساعي ضمن الوعود الانتخابية التي قطعها تبون خلال الانتخابات الرئاسية 2019، لسكان الجنوب وعاصمة الصحراء تمنراست (1900 كيلو متر جنوبي العاصمة الجزائرية)، إذ أعلن عن مشروع خط سكة حديد للقطارات السريعة توفر خدمة الانتقال إلى الشمال خلال ساعات. وقال في أحد خطاباته خلال الحملة "أعدكم بإنجاز قطار سريع يربط الشمال والجنوب".
كذلك، لفت الرئيس الجزائري إلى وجود رغبة في توسيع ميناء جنجن بجيجل ليصبح "ميناء أفريقيا"، من خلال ربطه بعديد من الدول الأفريقية اعتماداً على شبكة السكك الحديدية التي تسعى الجزائر إلى مدها نحو مناطق الجنوب.
خط الغاز
وتعتزم الجزائر ونيجيريا تفعيل مشروع خطوط أنابيب الغاز، للنقل من حقول شمالي نيجيريا إلى أوروبا، مروراً بالنيجر والجزائر، على مسافة 4600 كيلومتر.
وزار وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، في 17 فبراير (شباط) النيجر، والتقى نظيريه من النيجر محمد ساني محمدو ونيجيريا تيميبر سيلفا، بحضور السفير الجزائري في النيجر والرئيس التنفيذي للمجمع البترولي الجزائري للمحروقات "سوناطراك". وجرى خلال اللقاء توقيع الوزراء الثلاثة على إعلان مشترك يتضمن "خريطة طريق" لتطوير خط أنابيب الغاز العابر للصحراء.
وقال عرقاب لوكالة الأنباء الجزائرية، إن "البرنامج المتفق عليه بين المسؤولين الثلاثة يرجح أن يبث حياة جديدة في العلاقات التي توحد الدول الثلاث في مجال التعاون الفني ويعزز القدرات الطاقية في كل منها".
وفي خطوة أخرى لاقتحام أسواق غرب أفريقيا، افتتحت الجزائر الخط البحري التجاري الأول من ميناء الجزائر العاصمة إلى ميناء نواكشوط.
ووفقاً لوكالة الأنباء الجزائرية، ينظم الخط البحري المباشر رحلات شهرية بواسطة الباخرة "أم/ في قوراية"، حيث تستغرق الرحلة ستة أيام.
وتندرج الخطوة في إطار مساعي الجزائر لمضاعفة مبادلاتها التجارية مع موريتانيا ودول غرب أفريقيا، وتصدير السلع والمنتجات الزراعية والمستلزمات المنزلية والتجهيزات الإلكترونية ومواد غذائية وبلاستيكية ومواد البناء ومواد الصيدلانية.