Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تقنين أم كهنوت؟ الحديث في أمور الدين تحت طائلة القانون المصري

عقوبات بالحبس والغرامة بانتظار المخالفين ومخاوف من التقييد والوصاية

يناقش البرلمان المصري مشروع قانون لتنظيم ممارسة الفتوى والخطابة وتنظيم ظهور المتحدثين عن الدين في الإعلام (أ ف ب)

أثار قرار لجنة الشؤون الدينية في البرلمان المصري، بالموافقة على مشروع قانون لتنظيم ممارسة الفتوى والخطابة وتنظيم ظهور المتحدثين عن الدين في الإعلام، مع إقرار عقوبة بحبس غير الملتزمين، ردود فعل واسعة.

ورأى أعضاء في اللجنة، خلال مناقشاتهم في الأيام الماضية، أن القانون يهدف إلى عودة علماء الدين إلى موقعهم الطبيعي في تفقيه الناس ونشر صحيح الدين، وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي، في ظل محاولات بعض الخطباء والأئمة من غير خريجي الأزهر، لإصدار فتاوى، تتسبّب في إحداث الفتن والبلبلة في صفوف المصريين، وفق ما نقلته مواقع صحافية محلية.

بدوره، شدد وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، في تصريحات تلفزيونية، على ضرورة عدم التحدث في أي أمور دون اختصاص، مؤكداً أن قانون الخطابة خاص بالمساجد فقط، ولا بد من قانون آخر يشمل كل التخصصات العلمية، لأن من يتحدثون بلا علم "خطر على الأمن القومي، ولا بد من محاسبتهم"، بحسب وصفه.

وأوضح جمعة أن الإعلام من حقه مناقشة كل القضايا، لكن من خلال المتخصصين، فالحديث دون دراية أو علم "يمثل خطورة على المجتمع المصري، بخاصة بعد خروج تصريحات من البعض تهدد الثوابت الدينية"، مضيفاً، "كل إنسان له كامل الحرية في رأيه، لكن في حدود حرية الآخرين".

العقوبات المقترحة

ويحصر القانون المقترح ممارسة الخطابة والدروس الدينية، وما في حكمها في الساحات والميادين العامة ودور المناسبات، والحديث في الشأن الديني بوسائل الإعلام المرئية أو المسموعة أو الإلكترونية، في خريجي الأزهر والعاملين به من الأئمة بالأوقاف والوعاظ بالأزهر والإفتاء المصرح لهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد.

ونص القانون على حبس كل من يتحدث في الشأن الديني بوسائل الإعلام دون تصريح، بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز سنة، وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه (3181 دولاراً أميركياً)، ولا تجاوز 100 ألف جنيه (6362 دولاراً أميركياً)، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

"أحاديث غريبة"

وقال رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب المصري، طارق رضوان، وهو مقدم مشروع القانون، في تصريحات تلفزيونية، إن ما دفعه لتقديم مشروع القانون هو رغبته في ضبط وتنظيم الحديث عن الدين في الإعلام والمنابر، والتصدي للفتاوى المُريبة، التي تساعد على نشر التطرف في مصر والمنطقة العربية، مشيراً إلى أنه خلال الـ10 سنوات الماضية بعض من غير طلاب العلم وليسوا من أصحاب المعرفة أو التخصص في الشؤون الدينية، "صرحوا عبر قنوات الإعلام المختلفة بأحاديث غريبة عن الدين وعن ثوابت المجتمع المصري".

وأكد رضوان أن مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف هما الجهتان المنوط بهما إصدار تصاريح الخطابة والدروس الدينية في المساجد، دون غيرهما، موضحاً أن طريقة خروج الفتوى في دار الإفتاء والأزهر ووزارة الأوقاف، تكون بآلية تكفل ضمان المعايير العلمية لهذا الخطاب للناس.

وعلق أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خالد عمران، على مشروع القانون، قائلاً "الفتوى علم له أهله، والمتخصصون فيه، ويجب الرجوع إلى المؤسسات الدينية المتخصصة في الشؤون التي تتطلب الأمر"، مؤكداً أن محاولة الفتوى بغير علم وادعاء معرفة كل شيء "تُعد إثماً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"نكسة حضارية"

وفي المقابل، رأى أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، سعد الدين الهلالي، أن تقييد الفتوى "نكسة حضارية لا تليق بمصر"، موضحاً في تصريحات تلفزيونية أن الفتوى "مجرد رأي، يجب احترام صاحبه، وحق البيان والفقه أمر شرعه الله ومكفول لأي أحد، ولا يجوز انتزاعه"، مشيراً إلى أن تنظيم الفتاوى في الإعلام و"السوشيال ميديا" يكون وفق القانون، لا من خلال شخصنة أو تخصيص فرقة للتحدث في الفقه والفتاوى.

وأكد الهلالي، أن الدين عمل عقلي، ويجب إلغاء الوصاية الدينية والفقهية، التي تكون من خلال تحديد من يتحدث في الدين عبر جهة منوطة بها ذلك، مشيراً إلى أن شخصنة من يتحدث فيه لا يختلف عن فكر التيارات الدينية المتطرفة.

"كهنوت في الإسلام"

واعتبر أستاذ الدراسات الإسلامية جامعة مونستر الألمانية، عاصم حفني، إصدار قانون لمنح فئة معينة الحق الوحيد في الحديث عن الدين هو حبس للكلمة، بحسب تعبيره، موضحاً في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن القانون به نوع من الوصاية الدينية وامتلاك مؤسسة واحدة حق الحديث في الدين عبر شخصيات بعينهم، بما يضمن للمؤسسة أنهم سيتحدثون عن رؤيتها فقط عن الدين أو تثبيت أفكار معينة، وما يحافظ على مكانتها سيحولها إلى "كهنوت كبير".

وأوضح حفني أن السماح للجميع بالتحدث في أمور الدين، قد يكون به بعض السلبيات، لكن في النهاية آراء هؤلاء الأشخاص غير ملزم، مشيراً إلى أن اقتصار التحدث في الدين على الأزهريين هو اعتبار الدين مؤسسة، في حين يكشف واقع حياتنا أن الدين معني به كل المواطنين، ونحن نحتاج لكل متخصص أن يدلو بدلوه لتمييز ما هو ديني أو مجتمعي أو سياسي.

وشدد حفني أن الدين أهم مجال يجب فيها تكريس حرية التعبير، حتى وسط مخاوف تعرض بعض غير المتخصصين في حديثهم للمسلمات، فهي في النهاية قضية إيمانية وكل شخص له مطلق الحرية في اعتقاده.

واقترح حفني أن يحدد القانون الجديد قضية صدور الفتوى، وأن لا تصدر إلا من جهة معتمدة ومخصصة، سواء دار الإفتاء أو الأوقاف، أو غيرها، دون التطرق لمنع الحديث في الدين، إلى جانب صياغة ميثاق أدبي إعلامي لتحديد شكل الخطاب أو الحديث عن الدين دون تجريح أو إهانة ويكون هناك عرض للرأي والرأي الآخر.

جدل ديني

وشهد الرأي العام المصري أخيراً جدلاً حول عدد من القضايا الدينية، كان آخرها حديث الإعلامي إبراهيم عيسى عن إنكار معراج النبي محمد إلى السماء، وهو ما قُوبل بهجوم شديد من جانب رواد مواقع التواصل الاجتماعي وأعضاء البرلمان، كما تقدم عدد من المحامين ببلاغات قضائية يتهمون عيسى بازدراء الأديان، وأمر النائب العام حمادة الصاوي بالتحقيق في تلك البلاغات.

وفي السياق ذاته، صدقت المحكمة الإدارية العليا في مصر على حكم نهائي بحظر الإفتاء من "الجهلاء أو المضللين أو غير المتخصصين أو دُعاة الإرهاب". ودعت المحكمة المشرع لتنظيم الإفتاء الديني حفاظاً على الثوابت، موضحة أنه يتعين قصر الإفتاء على المؤسسات الدينية للدولة المؤهلة بحكم ولايتها وخبرتها وتخصصها، فلا يجوز الإفتاء بغير شروط، وأن شروط الإفتاء ليست بالأمر اليسير في الفقه الإسلامي حتى يمارسه العوام.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات