قصاصات قماشية ملونة قد يراها البعض غير ذات قيمة إلا أن أنامل الفنان يكون لها رأي آخر حينما تحولها إلى قطع فنية تنبض بالحياة، وتعكس ملامح من التراث الشعبي برؤية بصرية جديدة بطابع بسيط شديد الثراء بكل ما يحمله من مفردات مميزة.
فنان مصري جذبته مصادفة قصاصات القماش، ليجعل منها فناً متفرداً قائماً بذاته يختلف عن قوالب فنية أخرى تعتمد الأقمشة والخيوط وتُنتج منها أشكال فنية متنوعة في أرجاء مصر.
اعتمد الفنان إبراهيم البريدي التراث الشعبي عنواناً لمشروعه الفني، فاستلهم من الحارة المصرية والريف الذي نشأ فيه واستدعى مخزون ذكريات طفولته ليظهر في اللوحات النابضة بالحياة مشرقة الألوان. عن بدايته مع هذا الفن يقول لـ"اندبندنت عربية"، "بالأساس كنت أعمل رسام كاريكاتير، ومنذ سنوات أثناء مروري مصادفة بإحدى الأسواق الشعبية في القاهرة وجدت سيدة تبيع أكواماً من قصاصات القماش فأعجبتني ألوانها الزاهية المتداخلة واشتريت منها كمية، وأنا لا أعرف ماذا سأفعل بها؟ ومن ثم وضعتها أمامي وبدأت في تنفيذ تصميمات بسيطة من دون فكرة أو هدف واضح، لتبدأ اللوحات في التكون تدريجياً، فالأمر أشبه بالرسم بقصاصات القماش بدلاً من الريشة والألوان بفكرة الاعتماد نفسها على عناصر وتكوينات لتصميم اللوحة واختيار تركيبات الألوان المتناسق بعضها مع بعض".
يضيف، "عرضت إنتاجي على بعض الفنانين ولقي إعجاباً شديداً منهم وشجعوني على الاستمرار في هذا النوع من الفن الجديد، وأخذ الأمر على محمل الجد، وهو ما قمت به بالفعل فعكفت على هذا العمل إلى أن أصبح لديَّ 70 لوحة قمت بجمعها وعرضها في معرض لتجد صدى طيباً لدى الجمهور، بالإضافة إلى التقدير من النقاد والمتخصصين، لتتوالى من بعدها اللوحات والمعارض".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
موضوعات مستوحاة من التراث
تحمل اللوحات مشاهد من التراث الشعبي المصري ومن الأسواق والموالد والقرى، وتعكس طابع المناطق الشعبية بشكل المنازل والأزياء والحياة البسيطة، إلا أنها تحمل تفاصيل في غاية الدقة، تجعل المشاهد لا يكتفي بإلقاء نظرة سريعة عليها، وإنما يحتاج إلى تأمل ثراء مفرداتها القادمة من قلب مصر. يقول البريدي، "لوحاتي مشاهد مستدعاة من ذكريات طفولتي ومن الريف والحارة الشعبية المصرية، فتجد فيها الأسواق والأفراح والاحتفالات الشعبية، فتراثنا غني بالتفاصيل الملهمة التي يمكننا الاستلهام منها دائماً وتصويرها بأشكال مختلفة، لتبقى حاضرة في الأذهان باعتبارها جزءاً من تاريخنا وتراثنا، والإنسان العادي يجد نفسه في اللوحات لأنها قادمة من بيئته وثقافته وتفاصيل حياته اليومية".
يضيف، "تختلف لوحاتي عن أي نوع آخر من الفنون يعتمد القماش والخيوط في أني أثبت القصاصات بغرز ظاهرة في اللوحة، ففي البداية أتخيل التصميم وتكويناته، ومن ثم أبدأ في اختيار الألوان المناسبة وقص قطع القماش بالشكل الملائم لأبدأ في تثبيتها على اللوحة بالإبرة والخيط حتى تكتمل عناصرها وتظهر في شكلها النهائي، وهذا النوع من الفن ليس بالصعب ويمكن تعلمه بسهولة، وبالفعل قمت بالعديد من ورش العمل لتعليمه ولكنه يحتاج إلى صبر، خصوصاً في اللوحات الغنية بالتفاصيل".
حصل الفنان إبراهيم البريدي على العديد من الجوائز داخل مصر وخارجها على رأسها جائزة الدولة التشجيعية في مجال الفنون التلقائية عام 2017. وعن فكرة تقدير الفنان سواء من الجمهور أو من المؤسسات الرسمية، يقول "كنت أحد أوائل الفنانين الذين يحصلون على جائزة الدولة التشجيعية في الفن التلقائي، الذي يقوم به الناس بالفطرة كجزء من ثقافتهم وتراثهم الشعبي، فهو في كل مكان يستحق التقدير والدعم والاحتفاء لأنه جزء من ثقافتنا وهويتنا الذي ينبغي الحفاظ عليه، وحصلت على الجائزة عن عمل (الليلة الكبيرة) المستوحى من الأوبريت الشهير لصلاح جاهين بكل ما تعكسه من روح الموالد في مصر، فهو من الأعمال الخالدة التي يمكن أن تظل مصدر إلهام للفنانين في كل المجالات". يضيف "التكريم الحقيقي للفنان عندما تصل لوحاته إلى الجمهور ويتفاعل معها ويشعر أنها تمثله وتعبر عنه، وهذا ما حدث في ردود فعل الأطفال تجاهها؛ إذ شعروا معها بالحس الطفولي عبر الألوان المبهجة بها".