ما إن بدأ هجوم تنظيم "داعش" في العشرين من يناير (كانون الثاني) الماضي على سجن الصناعة بحي غويران داخل مدينة الحسكة، حتى كثفت معها قوات سوريا الديمقراطية عملياتها الأمنية ضد عناصر التنظيم في مختلف مناطق شمال سوريا وشرقها.
وعلى الرغم من أن أحداث السجن خطفت الأضواء من بقية المشهد الأمني بهذه المناطق، فإن تحركات عناصر التنظيم زادت وحاولت استغلال انهماك القوات بالحدث الأبرز في المنطقة، الذي لفت أنظار العالم والمراقبين إلى خطورة وجود عناصر التنظيم وإمكانية فرارهم من المحتجزات والسجون التي تحرسها قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية بدعم من التحالف الدولي لمناهضة "داعش".
يقول مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، فرهاد الشامي، إن "الهجوم الأخير لداعش على سجن الصناعة أعاد التذكير مجدداً بخطورة تجاهل المجتمع الدولي لمحاولات التنظيم بإعادة إحياء نفسه واستقطاب العناصر الجديدة في المنطقة والعالم، ومن الممكن أن تحدث هجمات داعش أضراراً حقيقية بأمن وسلم المنطقة والعالم".
ويرى الشامي أن "الهجوم أثر في ما سماه نمط التفكير بمواجهة داعش على المستويين المحلي والدولي، وأعاد التذكير مجدداً بضرورة وضع خطط استعداد مستمرة للتعامل مع خلايا التنظيم وهجماته".
"هجمات عشوائية"
يوضح مدير المركز الإعلامي لـ"قسد" أن "تحركات الإرهابيين كانت عشوائية في الفترة التي أعقبت المحاولة الفاشلة للسيطرة على السجن، وأن التنظيم يعيش حالة من الهذيان ولا يستطيع السيطرة على تحركاته بعد الهجوم ومقتل زعيمه، وقام بشن عمليات عشوائية انتهت معظمها بالفشل، وأن عناصر هذه الخلايا إما جرى اعتقالهم وإما قتلوا من قبل قوات سوريا الديمقراطية بعمليات استباقية وحملات تمشيط في دير الزور والرقة والحسكة".
يضيف لـ"اندبندنت عربية" أن "مقتل الكثير من المهاجمين على سجن الصناعة وإلقاء القبض على آخرين منهم، وفر لهم الكثير من المعلومات حول تحركات متوقعة للتنظيم لذا أحبطنا في الرقة العديد من الهجمات المحتملة، وألقينا القبض على عدد من المرتزقة، وكذلك في دير الزور وجنوب الحسكة".
عشرات العمليات الأمنية
وكشف عن أنه "منذ بدء الهجوم على سجن الحسكة وصل عدد العمليات وحملات التمشيط في الرقة ودير الزور وحدها إلى أكثر من 40 عملية ألقت فيها قوات سوريا الديمقراطية على 46 عنصراً من خلايا داعش، بينهم متزعمون وممولون للتنظيم".
ولفت المسؤول في قوات سوريا الديمقراطية إلى أن "أعداداً كبيرة من عناصر "داعش" تسللوا إلى مناطق شمال وشرق سوريا قادمين من البادية السورية لمؤازرة خلايا التنظيم أثناء الهجوم على سجن الصناعة، وأنهم سلكوا طرقاً تسيطر عليها قوات النظام السوري، ووصلوا إلى دير الزور عبر تجاوز نهر الفرات حسب اعترافات لهؤلاء العناصر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
استمرار تدقيق هويات العناصر
يضيف، "على الرغم من انتهاء الأعمال العسكرية في سجن الحسكة وإعادة السيطرة عليه من قبل (قسد) نهاية يناير الماضي، فإن عمليات التدقيق بهويات قتلى التنظيم جراء العملية العسكرية مستمرة، وتواصل هذه القوات أخذ البصمات من السجناء وكذلك القتلى، لكن العملية بحاجة إلى المزيد من الوقت كون العدد كبيراً"، وأشار إلى أن "التحقيقات الأولية تؤكد عدم وجود عمليات فرار كبيرة، وأن الحالات الفردية التي ترد في تقارير بعض وسائل الإعلام يتم التدقيق فيها، لكن عدد السجناء الموجودين حالياً وكذلك عدد القتلى يؤكد عدم دقة هذه التقارير". يوضح، أنهم "أحبطوا المخطط الخطير لداعش، وأن مسألة وجود حالات فرار من عدمها ليست خطيرة بالمستوى نفسه لوجود أماكن آمنة في المناطق التي تحتلها تركيا أو البادية السورية التي يتحرك فيها عناصر التنظيم بما فيهم قادته بكل حرية".
من جهته، لم يعلق الجانب التركي على ما تقول قوات سوريا الديمقراطية أن "عناصر التنظيم الذين شنوا الهجوم على سجن الحسكة، وكذلك القوات الحكومية التي يشن التنظيم في مناطقها هجمات على مواقعها العسكرية خصوصاً في مناطق البادية".
انهيار معنوي
عن وضع سجناء التنظيم الذين كانوا محتجزين في سجن الصناعة بعد فشل الهجوم وعدم تمكنهم من الفرار يقول مدير المركز الإعلامي لـ"قسد"، إن "معظم سجناء داعش يعيشون حالة من الإحباط المعنوي بعد فشل الهجوم على سجن الصناعة، ويعتقد أمراء التنظيم أن عناصرهم أصبحوا عرضة لأضرار نفسية وأيديولوجية بعد فشل عملية الفرار".
وحسب الشامي، "فإن هؤلاء السجناء الذين بلغ عددهم زهاء 3500 سجين نقلوا إلى سجن جديد مؤمَّن بدرجة كافية من دون تحديده، ولكن نحن بحاجة إلى عدد كبير من السجون المؤمنة التي يجب بناؤها من جديد بما يتناسب مع الطبيعة الخطرة للإرهابيين السجناء".
ويعتبر المسؤول في "قسد"، أن "الحفاظ على هؤلاء المحتجزين في السجون حل مؤقت، ويجب حل المشكلة بشكل جذري من خلال تشكيل محكمة دولية في مناطق شمال وشرق سوريا، وهذا ما نطالب به مراراً لوجود الإرهابيين هنا، وارتكبوا جرائمهم هنا، والضحايا وكذلك الأدلة والوثائق التي تدينهم موجودة هنا، لذا يجب أن تتم محاكمة هؤلاء هنا ومحاسبتهم وإنصاف ضحاياهم الذين يتجاوز عددهم الآلاف. فيما يكمن الحل الآخر في ترحيل عناصر التنظيم المعتقلين إلى بلدانهم ومحاكمتهم هناك على جرائمهم بحق شعب شمال وشرق سوريا".
"قنبلة موقوتة"
وفي مخيم الهول الذي يقع على بعد 30 كم شرق مدينة الحسكة شهد تحركات أمنية، ويقطنه نحو 57 ألفاً من النازحين السوريين واللاجئين العراقيين وعائلات مقاتلي تنظيم "داعش" من السوريين والأجانب، وكان التنظيم يخطط للسيطرة عليه لاحقاً إذا ما نجح في السيطرة على سجن الحسكة.
يوضح الشامي، أنه "بالتوازي مع الهجوم كانت هناك نداءات تحريضية من قبل زوجات عناصر داعش في المخيم، وكذلك كانت هناك عدة محاولات لإحداث الفوضى والخلل الأمني، ولكن تم إفشالها جميعاً". ويعتبر أن "مخيم الهول يشكل (قنبلة موقوتة)، وأن خطورته لا تقل عن خطورة السجون، كونه يتحول في ظل عدم الاهتمام الدولي إلى مدرسة لداعش لإعداد الأجيال اللاحقة للتنظيم".
ويختم المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية حديثه بأن "داعش يستفيد من السجون والمخيمات بإعادة تدريب إرهابييه ودمجهم مرة أخرى في الفكر الظلامي، خصوصاً في ظل وجود تجمعات كبيرة لهؤلاء في المهاجع بسبب نقص الموارد المادية في شمال وشرق سوريا".