Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تقف الأزمة السودانية محلك سر؟

الموقفان الدولي والداخلي أسهما في وجود حالة من الضبابية وعدم اليقين السياسي بالبلاد

متظاهرون سودانيون أثناء مسيرة تندد بالإدارة العسكرية  في أم درمان  (أ ف ب)

على الرغم من مرور شهر على شروع البعثة الأممية بالسودان في مجهودات بلورة توافق سوداني بشأن صيغ ومعادلات ما بقي من فترة انتقالية، وشروع كل من منظمة الإيجاد والاتحاد الأفريقي في تقديم مقاربات لاختراق الموقف، فإن الموقف السياسي السوداني يبدو مجمداً، ولا يحرز تقدماً بينما يتدهور مستوى معيشة السودانيين اليومية بلا حل يلوح في الأفق، ولا تبدو الضغوط الدولية حاسمة أو مبلورة على نحو حاسم.

ويمكن القول إن كلاً من الموقفين الدولي والداخلي السوداني يسهمان بامتياز في وجود هذه الحالة من الضبابية وعدم اليقين السياسي في السودان، في وقت لا يبدو عنصر الوقت ضاغطاً على أي طرف داخلي بينما تترسخ سلطة الأمر الواقع التي يقودها الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي على نحو ينتج الأزمات أكثر ما يقدم من حلول.

على المستوى الداخلي، فإن موقف كل من تجمع المهنيين ولجان المقاومة الشبابية الرافض للمبادرة الأممية، وتمنعهما عن عقد اجتماع غير معلن مع رئيس البعثة الأممية يبدو حجرة عثرة أمام فولكر بيرتس لاستكمال جهوده بشأن تسهيل توافق وطني سوداني، خصوصاً أن الكيانين هما وقود الحركة الشعبية الراهنة والمستمرة من أجل حكم مدني خالص، وذلك من دون شراكة مع المكون العسكري الراهن، حيث تتوجس القوى السياسية السودانية من أن المبادرة الأممية ترتكز بشكل أساس على اعترافها ضمنياً بسلطة الأمر الواقع التي تمظهرت في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتسليمها بضرورة الشراكة مع المكون العسكري، في إدارة بقية المرحلة الانتقالية، وهو ما يبدو متعارضاً بوضوح، مع ما تطرحه لجان المقاومة، وتجمع المهنيين السودانيين في الشارع، تحت شعار "لا شراكة، لا تفاوض، والردة مستحيلة".

أما بقية القوى السياسية خصوصاً الأحزاب، فتبدو مرتبكة الحركة والأداء فهي من ناحية تشكو خيانة العهد من جانب المكون العسكري، بينما لا تجرؤ على معارضة المكون الشبابي الذي يقود الشارع، حيث إن فقدان هذه الشرائح موجع، في ضوء أن سيناريو عقد الانتخابات مطروح بقوة من جانب المكون العسكري، ويبدو حلاً في تقديرهم لمواجهة حالة الاحتقان الراهن،  كما تعجز هذه الأحزاب أيضاً عن طرح الأفكار بشأن نقاش مسألة العدالة الانتقالية، ومحاولة تنزيلها على أرض الواقع كأحد المخارج للمأزق السياسي الراهن في السودان بسبب مزايدات الحزب الشيوعي على كل الأطراف السياسية التي انخرطت في صيغة الشراكة مع المكون العسكري طبقاً للوثيقة الدستورية المعلنة بأغسطس (آب) 2019.

على صعيد المكون العسكري، فإن إعلان الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي في السودان بدء الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في اتفاقية جوبا للسلام انطلاقاً من المنصة الدارفورية أخيراً، يكون قد أصاب أكثر من عصفور بحجر واحد على المستوى السياسي العام، وعلى مستوى دارفور، وثالثاً على المستوى الاجتماعي للقطاع العريض من السكان.

على المستوى السياسي العام قدم خطاباً يبدو منطقياً خصوصاً للعواصم العالمية أنه لن يسلم السلطة إلا لسلطة منتخبة، أو مع توافق وطني جامع، وبرنامج واضح من جانب كل القوى السياسية.

وفي سياق موازٍ، قدم البرهان نفسه كفاعل أساس في حفظ أمن البلاد على رغم أن خطوة تفعيل الترتيبات الأمنية باتفاقية جوبا، التي طرحها البرهان تبدو رمزية جداً وتواجه تحديات أساسية، ذلك أن إبعاد الحركات المسلحة في دارفور عن المدن لن يسفر عن إحلال الأمن في دارفور، وذلك في ضوء هامشية الوزن العسكري لهذه الحركات، وخروج حركة تمازج الدارفورية والمثيرة للجدل عن النص، حين أنذرت الحكومة بضرورة ضمها للترتيبات الأمنية كمقدمة للإدماج خلال يوم واحد من إعلان البرهان عن بدء تفعيل الترتيبات الأمنية، كما أن حالة الخلل الأمني في دارفور غير مرشحة للانتهاء تحت مظلة التوسع في القتل على الهوية أو في عمليات السرقة والنهب كما جرى لبعثة الأمم المتحدة، التي تم نهب مؤنها من حركة مسلحة موقعة على اتفاق جوبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما التحدي المركزي لاتفاق الترتيبات الأمنية، الذي أعلنه البرهان فهو أن القوات المشتركة بين القوات المسلحة السودانية وبين قوات الدعم السريع في دارفور رهينة للتحالف العسكري الراهن بين الطرفين، الذي قد يكون هشاً في حال تدخل طرف عسكري آخر في المعادلة بضغط من الحركة الشعبية ضد شخوص المكون العسكري في المجلس السيادي، خصوصاً أن ذلك قد يكون أحد المخارج التي تبحث عنها عواصم غربية، كما أن القوة الضاربة لقوات الدعم السريع لا بد أن تكون في الخرطوم تلبية لمصالح حميدتي وتطلعاته في السلطة.

في هذا السياق ربما تكون الإيجابية الوحيدة لما طرحه البرهان من خروج الحركات المسلحة من المدن انعكاسه الإيجابي على العاصمة السودانية التي يشعر سكانها أنهم مهددون بوجود هذه الحركات بين ظهرانيهم، خصوصاً بعد وقوع اشتباكات مسلحة بين هذه الحركات لأكثر من مرة، وعلى فترات متفرقة.

أما على المستوى الدولي فإن موقف الولايات المتحدة الأميركية يبدو قائداً للتفاعلات بشأن السودان، ولكنه لم يستقر على تحديد موقف واضح من المكون العسكري السوداني، وربما كانت جلسة الكونغرس الأخيرة كاشفة لموقف الإدارة الأميركية التي تسمي ما حدث بالسودان في الخامس والعشرين من أكتوبر "استيلاء الجيش على السلطة" وتبرر ذلك بأن الجيش كان شريكاً مع المدنيين وانقلب عليهم، إضافة إلى أن الحكومة المنقلب عليها كانت حكومة "فترة انتقالية" وليست "حكومة منتخبة" في حين يسمي الكونغرس ما جرى في السودان "انقلاباً عسكرياً"، ويضغط على الإدارة الأميركية، حتى يتم تفعيل بنود العقوبات المنصوص عليها في القانون الأميركي ضد الانقلابات العسكرية.

وتبدو الإدارة الأميركية مضغوطة من جانب الكونغرس في هذا الجانب، خصوصاً أن المكون العسكري السوداني لم يحترم تعهداته لـ"مولي" في مساعدة وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، بشأن التوقف عن العنف ضد التظاهرات والمواكب الشعبية بينما لم تفصح السيدة عن آليات محددة تملكها الإدارة ضد المكون العسكري السوداني، حيث قالت في جلسة الكونغرس المفتوحة المعقودة أخيراً بشأن تحديات الانتقال الديمقراطي في السودان أنه "علينا أن نستحدث ضغوطاً غير تقليدية، خصوصاً ما يتعلق بتعليق المساعدات وما يخص استخراج الذهب".

وبدورها لم تستطع إيزوبيل كولمان نائبة مديرة الوكالة الأميركية للتنمية، في الجلسة ذاتها تحديد آليات محددة لما سمته تقوية القيادة السياسية المدنية، واحترام حقوق الإنسان، وإنهاء سيطرة العسكريين على الاقتصاد السوداني، على الرغم من تمرير قانون بهذا الشأن من جانب الكونغرس في ديسمبر (كانون الأول) 2020.

المشهد الإجمالي في السودان يبدو مأزوماً وفي حالة توازن الضعف بين الأطراف الداخلية، فلا المكون العسكري قادر فعلياً على قيادة البلاد والحفاظ على الاستقرار والأمن على المستوى المنظور نظراً لحالة الرفض الداخلي والخارجي الذي يواجهه، ولا القوى المدنية قادرة على حسم الموقف نهائياً عن طريق التظاهرات منفردة، بينما تبدو عاجزة عن إنتاج حالة تحالف وطني واسع متوجة ببرنامج متوافق عليه.

هذه الحالة من توازن الضعف بين الأطراف السودانية أسهمت بفاعلية في إنتاج موقف المكون الدولي الذي ما زال مصراً على عدم استبعاد نظيره العسكري من معادلة السلطة خلال ما بقي من المرحلة الانتقالية، وربما كانت مقولات المتحدث العسكري باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أخيراً بشأن تفهمه لهواجس تحالف الحرية والتغيير حول المكون العسكري السوداني، ولكن من دون أن يبدي جون كيربي دعماً لهذه الهواجس، أو يؤكد مشروعيتها، وذلك في وقت أكد مؤتمر أصدقاء السودان الذي عقد بالرياض، وكذلك البعثة الأممية أن صيغة الشراكة بين المكونين المدني والعسكري ما زالت صالحة للعمل في الواقع السوداني الداخلي المعقد، بينما تحتل السودان موقعاً "جيبولتيكياً" حساساً لجملة من المصالح الدولية، المرتبطة بالبحر الأحمر من ناحية وبالتنافس بين مفردات النظام الدولي من ناحية أخرى، في وقت تقع وسط حزام أزمات دول القرن الأفريقي وتبدو التفاعلات فيه وحوله إما قائدة لحالة استقرار إقليمي أو مهددة لعدة دول مجاورة إما بالهشاشة أو الانفراط الكامل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل