Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجامعات الإيرانية ومقصلة النظام الأيديولوجية

مسار خطير يستهدف الطاقات العلمية ما قد يدفع الفئات المثقفة إلى الدفاع عن معاقلها المؤثرة في المجتمع

مع تولي إبراهيم رئيسي رئاسة الجمهورية عادت إلى الواجهة أزمة الجامعات الإيرانية (أ ف ب)

بعد انتصار الثورة في إيران عام 1979، وبعد أن اتخذت طابعاً دينياً بقيادة المؤسس آية الله الخميني، وبعد انتهاء المرحلة الانتقالية من الحكومة المؤقتة، وإجراء الاستفتاء على طبيعة الحكم القائم على ثنائية الجمهورية والإسلامية، التي فتحت الطريق أمام استقرار مؤسسات الدولة، بدأت القيادات المتوافقة مع رؤية المؤسسة الدينية التفكير في وضع آلية من أجل "أسلمة العلوم الإنسانية" في الجامعة الوطنية الإيرانية.

هذه الرؤية كانت الدافع لمسارين، الأول تشكيل مجلس الثورة الثقافية الإسلامية، والثاني إعلان تعليق دراسة العلوم الإنسانية في الكليات، في انتظار أن تنتهي اللجان المتخصصة التي شكلها المجلس من وضع مناهج دراسية جديدة تعتمد المنجز الثقافي الإسلامي مرجعية فكرية وتنظيرية لهذه العلوم بديلاً من مرجعية الأفكار الغربية.

وبعيداً من النقاش في ما حققه هذا المجلس الذي ما زال قائماً من أهداف على هذا الصعيد، إلا أن المسلم به هو أن كليات العلوم الإنسانية عادت إلى نشاطاتها التدريسية بعد عامين بالاعتماد على الأسس العملية والمرجعيات الفكرية نفسها التي كانت قبل الثورة، باستثناء ما أُضيف إليها من كلمة "إسلامية" حيث تدعو الحاجة، التي لم تقتصر على المنهاج والمقررات، بل شملت الأنشطة الطلابية الجامعية الفكرية والثقافية والرياضية وغيرها.

التوجهات التي اعتمدتها الثورة ومجلس الثورة الثقافية أسهمت في تعزيز ظاهرة النزف العلمي وهجرة الطاقات الجامعية، خصوصاً بين المتخصصين العلمانيين والليبراليين. ما أثر سلباً في المستويات العملية للجامعة وكلياتها الإنسانية. ما استغرق وقتاً كبيراً من أجل ترميم وسد العجز والنقص الحاصل في الكوادر العملية والتعليمية. وهذا الترميم على الرغم من أنه تم في ظل الثورة والنظام الإسلاميين، إلا أنه لم يستطع إنتاج كادر عملي مؤدلج بالكامل، خصوصاً أن هذا الكادر كان تعبيراً عن مستويات الحيوية الثقافية والفكرية التي يتميز بها المجتمع الإيراني، التي تبدأ بالإسلامية وتشمل العلمانية، والليبرالية، واليسارية وغيرها. ولم تستطع دائرة اختيار المدرسين وموظفي الدولة التي تعادل في الدول الأخرى ما يسمى بمجلس الخدمة المدنية والتي كانت تشرف عليها وتملك الكلمة الفصل فيها الأجهزة الأمنية وجهاز أمن حرس الثورة، في الحؤول دون دخول أشخاص إلى الكادر التعليمي الجامعي ممن لا يتبنون رؤية مجلس الثورة الثقافية والنظام.

تصاعد الحركة الطلابية

مع تصاعد الحركة الطلابية ودورها في الجامعات الإيرانية مطلع تسعينيات القرن الماضي، التي كانت منسجمة مع توجهات جزء من الكادر التعليمي بشكل غير معلن خوفاً من العقاب أو المساءلة، اندفع النظام للبحث عن آليات لمواجهاتها ومنعها من أن تتحول إلى حركة مؤثرة تغيرية في المجتمع، خصوصاً أنها متهمة من جانب النظام بأنها لعبت دوراً محورياً في إيصال محمد خاتمي إلى رئاسة الجمهورية على حساب مرشح النظام حينها علي أكبر ناطق نوري. ثم جاءت أحداث الحرم الجامعي في طهران بعد قرار المحكمة بإقفال صحيفة "سلام" التي تعد الصوت الإعلامي الإصلاحي الأول، وما رافقها من هجوم لقوات من حرس الثورة والشرطة بقيادة رئيس البرلمان الحالي الجنرال محمد باقر قاليباف على "المهاجع" الطلابية وسقوط عدد من الطلاب بين قتيل وجريح واعتقال عدد آخر منهم.

وعلى الرغم من الجهود التي بذلها خاتمي لحماية الحركة الطلابية والجامعات وكوادرها العلمية، إلا أن خوف النظام من تنامي دور الحركة الطلابية واتساع دائرة تأثيرها الذي برز في انتخابات عام 2001 بشكل واضح، بدأت سلسلة من الاستدعاءات لأبرز الطلاب الناشطين في الجامعات. وكانت تلك الاستدعاءات تنتهي إما باعتقالهم أو بتوجيه إنذارات لهم وتحذيرهم من القيام بأي نشاط من خارج الأنشطة التي تشرف عليها التعبئة الطلابية الإسلامية التي كانت تتمتع بنفوذ واسع في الجامعات وشكلت إدارة موازية للكادر الإداري العملي.

مع تنامي الحراك الطلابي تصاعدت الإجراءات العقابية ضد القيادات الطلابية، ولجأت الجهات الأمنية تحت غطاء الدائرة الأمنية في وزارة العلوم والتحقيقات بتصنيف الناشطين من الطلاب. وراج في تلك المرحلة مصطلح "طالب ذو نجمة". أي أن الأجهزة كانت تضع مقابل أسماء الناشطين "نجمة" تعني الحرمان من متابعة الدراسة، أو المنع من الحصول على شهادة التعليم الجامعي.

أحمدي نجاد والأفكار الليبرالية

وأعاد محمود أحمدي نجاد، إثر وصوله إلى رئاسة الجمهورية، الحديث عن ضرورة "تطهير" الجامعات والكادر التعليمي من الأفكار الليبرالية وغير الإسلامية، من أجل إنتاج جيل جديد يعيد إحياء الأفكار الثورية والمبادئ الإسلامية في العلوم الإنسانية. وبدأت معه عملية استهداف أبرز الشخصيات العملية من الكوادر الجامعية، خصوصاً أساتذة كليات العلوم السياسية، بتهمة تبنيهم الأفكار الليبرالية التي تتعارض مع مبادئ الثورة الإسلامية ومجلس ثورتها الثقافية الذي يترأسه نجاد إلى جانب ترؤسه السلطة التنفيذية. وقد لجأ من أجل تحقيق هذا الهدف إلى تفكيك وضرب النظام الإداري للجامعات بتعيين أشخاص يحملون شهادات جامعية لكنهم غير مؤهلين، في وزارة العلوم ورئاسات الجامعات. لذلك، تم تعميم مصطلح "أستاذ ذو نجمة" على الكادر التعليمي، وشمل أساتذة من خريجي جامعات عالمية في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وتم طردهم أو إخراجهم من الجامعات. ما أدى إلى عودة النزيف العلمي إلى الخارج هرباً من التضييق العلمي والفكري الذي مارسته حكومة نجاد.

في الآونة الأخيرة، وفي الأشهر الأولى لتولي إبراهيم رئيسي السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية، عادت إلى الواجهة أزمة الجامعات الإيرانية والإجراءات التي بدأ تطبيقها في استبعاد بعض الأساتذة أو إحالتهم إلى التقاعد. وتفجرت هذه الأزمة مع قرار إحالة أستاذ جامعة بهشتي الدكتور محمد فاضلي إلى التقاعد الإجباري. ما أثار موجة من القلق والخوف من عودة سياسة استهداف المؤسسات العلمية التي تلعب دوراً أساسياً ومحورياً ومؤثراً في التنمية العلمية والاجتماعية والثقافية في البلاد، خصوصاً أن مثل هذه الإجراءات رفعت مستوى الخوف لدى الطبقة العلمية والجامعية من وجود استراتيجية رسمية تنفذها الحكومة الجديدة ذات أبعاد سياسية تطال الأصوات المعارضة لتوجهاتها وتوجهات النظام. ولم يتوقف ذلك عند الدكتور فاضلي، بل شمل آخرين أُبلغوا بالاستغناء عن خدماتهم.

لا شك في أن هذا الإجراء يشكل مؤشراً إلى إمكانية وجود مسار خطير يستهدف الطاقات العلمية ودور الجامعات في إنتاج الثقافة، وينسجم مع رؤية النظام في تنظيف المجالات التي قد تشكل تهديداً لرؤيته، وتنتج تحديات لسلطته وتضعها في مواجهة أسئلة معقدة. ما قد يدفع الفئات المثقفة والعملية إلى استنفار طاقاتها من أجل الدفاع عن أهم معاقلها المؤثرة في المجتمع.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل