تحاول الصحف اليومية الورقية في الأردن جاهدة البقاء والاستمرار في ظل متغيرات كثيرة جعلت من توليفة "الورق والحبر" إرثاً تاريخياً، أمام سطوة الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي.
ولا تقتصر أسباب تراجع الصحافة في الأردن على تفوّق الإعلام الإلكتروني فقط، فإلى جانب الأزمات المالية ثمة أزمة محتوى تعصف بالسلطة الرابعة في الأردن منذ أعوام، تحديداً منذ عام 2010.
وعاشت الصحافة الأردنية ذروة نجاحها منذ الثمانينيات من القرن العشرين، وشكّلت رافعة قوية للحكومات المتعاقبة، وكانت المتنفس الوحيد للأردنيين قبل أن تنتشر وسائل التواصل الاجتماعي.
لكن لاحقاً مرّت الصحف بأزمة ضعف إقبال الناس عليها، وانخفاض سقفها الإعلامي، بينما يرى مراقبون أنها كانت ضحية وانعكاس حقيقي للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
إغلاق وتقشف
تعددت أحوال الصحف اليومية في الأعوام الأخيرة ما بين التقشف والإغلاق، فبعد 26 عاماً من الصدور المتواصل، توقفت يومية "السبيل" بشكل قسري بسبب مصاعب مالية وغياب الإعلان الذي يُعدّ مصدر الدخل الوحيد للصحف.
وقبل صحيفة "السبيل"، كانت يومية "العرب اليوم" على موعد مع الإغلاق بدورها، وتشريد عشرات الصحافيين، ولم يقتصر الأمر على اليوميات بل امتد إلى الصحف الأسبوعية كأسبوعية "المجد"، فيما تنتظر صحف أخرى دورها، واليوم لا تكاد تسمع بالصحف الأسبوعية باستثناء صحيفة أو اثنتين غير منتظمة الصدور.
أما الصحف التي استطاعت الصمود، فلجأت إلى تقشف كبير وتخفيض في عدد الموظفين، كصحيفتي "الدستور" و"الرأي" اليوميتين والمحسوبتين على الحكومة.
في المقابل، تعاني يومية "الدستور" من التعثر المالي وعدم انتظام الرواتب لموظفيها منذ نحو عشرة أعوام، وتعصف أزمة مالية خانقة بيومية "الرأي" أيضاً، بما يهدد استمرار الصحيفتين، على الرغم من كل محاولات الحكومة التي تمتلك حصة كبيرة فيهما إنقاذهما عبر دفعات مالية متتالية. فعمدت إلى رفع سعر الإعلانات الحكومية، لكن ذلك لم يُوقف شبح الإغلاق والتصفية الذي تعيشه كل عام.
وعلى الرغم من ذلك، تعاني الصحيفتان حتى يومنا هذا من تراجع كبير في نسب البيع والتوزيع التي لا تكاد تصل إلى 30 في المئة.
صندوق لدعم الإعلام
في مواجهة ما يمكن وصفه بتخلّي الحكومة الأردنية عن الصحف اليومية، طرحت جهات عدة حلولاً لوقف نزيف الصحافة، كنقيب الصحافيين راكان السعايدة الذي يقترح فكرة تخصيص "صندوق لدعم الإعلام" من قبل الحكومة بموجب نظام ومن خلال أسس ومعايير بحيث يكون الدعم لتطوير الإعلام وضمان استمراره وكذلك الحفاظ على استقلاليته".
ويطالب آخرون بوقف الفساد الذي استشرى في عدد من الصحف، وحوّلها إلى خرائب، بينما تتحدث أطراف أخرى عن انهيار الصحف كنتيجة طبيعية لعدم مواكبة التحوّل الرقمي الذي بدأ منذ عام 2012، إذ واجهت صحف عالمية عدة المشكلة ذاتها والمصير ذاته.
وإلى جانب الإجراءات الحكومية، اتخذت الصحف ذاتها خطوات لتدارك الإغلاق من قبيل تقليل عدد صفحاتها المطبوعة، وتقديم حوافز للموظفين الذين يرغبون بالاستقالة وخفض النفقات.
ونجحت الصحافة الإلكترونية الأردنية في حجز مساحة كبيرة لها لدى القراء، كما استطاعت الحصول على حصة وازنة من الكعكة الإعلانية، إذ يتنافس اليوم أكثر من 150 موقعاً إلكترونياً مرخصاً.
خسائر بالملايين
يعيش الصحافيون في الصحف الأردنية الكبرى منذ 12 عاماً على مخاوف الإغلاق وفقدان وظائفهم، لكن ثمة من لديه وجهة نظر أخرى مفادها بأن الصحف باقية ولن تندثر.
وتُقدّر خسائر صحيفتي "الرأي" و"الدستور" بأكثر من 30 مليون دولار بسبب ما يسمّيه مراقبون بـ"سوء الإدارة" وعدم القدرة على مواكبة التحديثات الكبيرة التي طرأت على صناعة الإعلام في العالم.
وتبرز ظاهرة تضخم الأجور، بخاصة لكبار الموظفين في هذه الصحف كواحدة من أبرز أسباب أزماتها المالية كالكتّاب والمديرين، فضلاً عن الزيادة في أعداد الموظفين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولوّحت إدارات الصحف مراراً بورقة "إعادة الهيكلة"، وهي الوسيلة التي تم اللجوء إليها مراراً لتقليل النفقات، لكن ذلك لم يأتِ بنتيجة، ما يؤكد أن أزمة الصحف ليست مالية فقط، فثمة كلف ستبقى قائمة حتى لو تم تخفيض عدد الموظفين كأسعار الورق والحبر المرتفعة عالمياً.
كورونا... والتحوّل الإلكتروني
في المقابل، ضاعفت أزمة جائحة كورونا معاناة الصحف والصحافيين، فتوقف كثير منها عن صرف الرواتب، واضطر معظم الصحافيين إلى العمل من منازلهم تحت ضغط قانون الدفاع وحظر التجول، وقبل آخرون بتخفيض رواتبهم.
وبعد القرارات الحكومية التي اتخذتها عمان لمواجهة الجائحة ومنها إيقاف طباعة الصحف الورقية بدعوى أنها ناقلة للفيروس في مارس (آذار) 2020، وجدت الصحف في مواقعها الإلكترونية ضالّتها واضطرت إلى التحول للنسخ الإلكترونية إلى حين استئناف الصدور.
إعلام مقيد
يرى مركز حماية وحرية الصحافيين أن مؤشر حرية الإعلام في الأردن لعام 2020 هو "إعلام مقيد" كما أن البيئة السياسية في البلاد مقيِّدة للصحافة، ولا تُشكّل إطاراً داعماً لعملها.
ووفقاً لنتائج مؤشر استقلالية وسائل الإعلام، فإن الحكومات تستخدم الإعلانات الحكومية والاشتراكات، كنوع من الدعم لاستدامة الصحف اليومية، مما يؤثر في استقلاليتها.
واعتبر مؤشر حرية الإعلام في الأردن لعام 2020 الذي صدر عن مركز حماية وحرية الصحافيين أن جائحة كورونا أسهمت أيضاً بتقييد الإعلام، إلى جانب التشريعات والسياسات والممارسات القائمة على الأرض.
ومنذ عودة الحياة الديمقراطية عام 1989، وبزوغ نجم الصحافة الأسبوعية، ومن ثم المواقع الإلكترونية، فإن وسائل الإعلام الأردنية ما زالت تراوح مكانها في مسألة التطوير وحجم الحريات.
ووفقاً لمؤشر الحرية الصادر عن منظمة "فريدم هاوس"، حلّ الأردن في المرتبة 34 عالمياً، والسادسة عربياً، أما منظمة "مراسلون بلا حدود" فرصدت تراجع المملكة بواقع مرتبة واحدة، بحسب مؤشر حرية الصحافة لعام 2021، ضمن 180 دولة في العالم.
ومنذ إقرار قانون المطبوعات والنشر عام 1993، تلجأ الحكومات الأردنية إلى إقرار تعديلات وقوانين متلاحقة، ما تسبب في إغلاق 13 صحيفة أسبوعية عام 1997، حين وضعت شروطاً مالية تعجيزية لتأسيس الصحف، ورفعت رأسمال تأسيسها إلى أرقام فلكية، وبعد أعوام تكرر المشهد بفرض الترخيص المسبق على المواقع الإلكترونية، وكان سبباً في إغلاق ما يقارب 173 موقعاً إلكترونياً عام 2012.