Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع أكبر من أوكرانيا بين مخيفين خائفين

اكتشف بوتين الوصفة السحرية: "المكر هو الجسر بين الماضي السوفياتي والمستقبل الروسي"

بوتين يراهن على العداء لأميركا لتقوية العصب القومي الروسي (أ ب)

غزو أو لا غزو. تلك هي المسألة، وليست هي المسألة في آن. هي المسألة بمعنى أن قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بغزو أوكرانيا له أكلاف بشرية وأثمان اقتصادية ومالية يصعب على بوتين والاقتصاد الروسي تحملها، ولا يريد الغرب الوصول إلى فرضها. وليست هي المسألة بمعنى أن الامتناع عن الغزو بعد الحشد العسكري الكبير، له ثمن يرفض الغرب دفعه، ولا يستطيع بوتين التراجع من دون الحصول على بعض المطالب. لا بل بمعنى أوسع هو أن أوكرانيا تصرف النظر والجهود الأميركية عن التحدي الأكبر الذي تمثله الصين في المحيطين الهادئ والهندي، وأي تسوية سياسية فيها لن تحول دون إثارة أزمات ومطالب أخرى في أمكنة عدة. والمؤكد أن الغرب لن يرد عسكرياً عبر "الناتو" على الغزو العسكري الروسي. فهو يرسل أسلحة إلى كييف، ويهدد بعقوبات اقتصادية لا سابق لها. وهو يعرف أن الاقتصاد "عقب آخيل" الروسي. وليس سراً ما جاء في "استراتيجية الأمن القومي" الجديدة في روسيا، من أن "التهديد الأساسي للأمن القومي ناجم عن محاولات دول غير صديقة استخدام المشكلات الاقتصادية في الاتحاد الروسي لتدمير وحدته الداخلية وإلهام حركات الاحتجاج وجعلها راديكالية". وسياسة "الضرب على الجيوب" تؤذي أكثر ما تؤذي "حكم الأوليغارشية" لبوتين وجماعته.

والواقع أن اللعبة تدور بين طرفين مخيفين خائفين في الوقت نفسه. بوتين المخيف دفع الدول التي كانت في المعسكر الاشتراكي أو ضمن الاتحاد السوفياتي إلى باب الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو". وبوتين الخائف يطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي و"الناتو" بسحب أسلحتها من بلدان "الغلاف الروسي" إلى ما كانت عليه الأوضاع عام 1997، ويشكو من أن الرد على تلك المطالب "لا يأخذ المخاوف الروسية بالاعتبار". والغرب المخيف يمد "الناتو" إلى باب روسيا ويرفض الامتناع عن ضم أوكرانيا وجورجيا إلى الحلف. والغرب الخائف يرد أن بوتين يريد استعادة ما كان لستالين في يالطا بعد الحرب العالمية الثانية ودوره في هزيمة هتلر، ويخشى على أوروبا من العودة إلى سياسات التوسع.

وما كان الخبير الروسي ديمتري ترينين يبالغ حين قال "روسيا خرجت من القرن العشرين من بابين: باب يقود إلى السوق المعولمة، وآخر مفتوح على اللعبة السياسية الكبيرة في القرن التاسع عشر". وأيام زمان، سئل أحد القياصرة من آل رومانوف عما يضمن أمن روسيا فأجاب "عندما يكون الجيش الروسي على طرفي الحدود". وبوتين نفسه قال، إن "ستالين أهم حاكم روسي في القرن العشرين، وقد مد الإمبراطورية إلى أبعد من آل رومانوف".

مشكلة الغرب أنه مارس إذلال روسيا أيام بوريس يلتسين، وكان ولا يزال يحاول أن يجعلها نسخة من أوروبا. وهي، مع بوتين، تدفع نحو "الحلم الأوراسي" ضد "الحلم الأوروبي"، كما يقول ألكسندر دوغين ملهم بوتين. حتى في أميركا، فإن توماس غراهام من مجلس العلاقات الخارجية يحذر من استمرار الغرب في الأوهام، ويدعو إلى "ترك روسيا تكون روسيا". فهي لن تتغير. وليست جذابة للبلدان التي كانت في المعسكر الاشتراكي وفي الاتحاد السوفياتي. وسيبقى الغرب جذاباً بالنسبة إلى هذه الدول من دون القيام بجهود. وسيبقى بوتين يراهن على العداء لأميركا مهما فعلت، كسلاح لتقوية العصب القومي الروسي وحكمه. وأقل ما جاء في أحدث تقرير لفريق "التحليل الاستراتيجي" التابع للمفوضية الأوروبية أن "روسيا تعمل لكي يفقد الأوروبيون الثقة بمؤسساتهم الديمقراطية". وهذا ما يحدث في أميركا التي لا يزال الرئيس السابق دونالد ترمب يدمر الثقة بانتخاباتها الديمقراطية، ولم يستطع الرئيس جو بايدن التصرف كرئيس قوي رافعاً الديمقراطية كسلاح.

لكن بوتين، كما يرى جوشوا بافا في كتاب "بين نارين: حقيقة، طموح، وتسوية في روسيا بوتين"، تمكن من أن يصنع لنفسه "سمعة قائد سوفياتي، ومنشق سوفياتي، ومعانق أيقونات الكنيسة الأرذودكسية". واكتشف الوصفة السحرية: "المكر هو الجسر بين الماضي السوفياتي والمستقبل الروسي". والعالم حائر أمام ما يمكن أن يفعله في أوكرانيا بعدما غزا جورجيا وضم شبه جزيرة القرم وتدخل عسكرياً في حرب سوريا. إذ هو استعمل القوة أكثر من أي زعيم سوفياتي بعد ستالين وتجاوز حتى "مبدأ بريجنيف" حول "السيادة المحدودة". غير أنه يتحدث عن الحلول الدبلوماسية والشراكة مع أميركا على قمة العالم والاحترام المتبادل. والدبلوماسية لا تزال تعمل.

المزيد من تحلیل