كانت أول مرة تتساقط فيها الثلوج بكثافة هذا العام، وتحولت إلى طفل صغير من جديد. وضعت على حذائي نعلاً معدنياً مخصصاً للسير على الثلج وغامرت بالخروج إلى وسط إسطنبول المكسو بالثلوج. كانت الجادات الصاخبة في العادة هادئة تحت الغطاء الأبيض الكثيف.
حول الأطفال، وبعض البالغين، تلال المدينة العالية إلى حلبات تزلج. وارتفعت أصوات صيحاتهم الفرحة فيما كانوا يتزلجون ويتفادون العراقيل الخطيرة في طريقهم مثل السيارات المركونة في الشارع ومستوعبات التدوير التابعة للبلدية. حتى القطط والكلاب الشاردة الهائمة في شوارع المدينة انضمت إلى حفلة المرح وبدأت تلعق الثلج الجديد.
شهد أعلى التلة في ميدان تقسيم، معركة حقيقية مفتوحة أمام الجميع للعب بكرات الثلج. التقط الجميع، صغاراً وكباراً، كرات الثلج ليقذفوها على بعضهم البعض، وكانوا يزلقون ويقعون أرضاً بلا خوف. ظل الأطفال خارج منازلهم لوقت متأخر، فرحين باحتمال إغلاق مدارسهم أبوابها في اليوم التالي.
كانت أبرز معالم المدينة، بما فيها نصب الجمهورية الشهير الذي يظهر مصطفى كمال أتاتورك ورفاقه المنتصرين عند تأسيسهم تركيا في عام 1923، مكسوة بمعطف أبيض بهي، وكذلك الترامواي الأحمر الذي يشق طريقه عبر شارع الاستقلال.
أخذني النوم بينما كنت أتأمل الأشجار المغطاة بالثلوج خارج نافذتي حيث ينعكس ضوء القمر الرائع على الثلج ويلطف حلكة الليل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولكن مع حلول صباح الثلاثاء، تدخل الواقع. كانت المدينة غارقة بالثلج إلى درجة جعلت الحكومة المحلية تمنع حركة المرور تماماً على الطرقات، باستثناء المركبات الضرورية. ألغت عاملة النظافة موعدها معي، ولا يمكن طبعاً لومها نظراً لإمكانية الانزلاق على الأرصفة. كما علقت شركات توصيل الطعام خدماتها.
وبعد ذلك، تلقيت بريداً إلكترونياً من الطيران التركي عند الساعة 12.45 ظهراً يعلمني أن رحلتي تلك الليلة قد ألغيت. إذ إن العاصفة الثلجية لم تدثر مطاري إسطنبول بدثارها الأبيض فحسب، إنما حجبت الرؤية تماماً كذلك جعلت حركة الهبوط والإقلاع مستحيلة ودفعت الركاب العالقين بعد توقفهم المؤقت في أكثر مطارات أوروبا ازدحاماً إلى تنظيم اعتصامات عفوية.
قضيت ساعات أحاول أن أغير حجوزات ومواعيد مقابلات مقررة لتلك الليلة والصباح التالي. وكانت خطوط الهاتف كلها مشغولة باتصالات الركاب المحبطين الآخرين.
ألقيت نظرة عبر النافذة إلى أغصان الشجرة البيضاء في الخارج حيث استحال بياض الثلج نفسه الذي بدا لطيفاً ومرحباً منذ 12 ساعة فقط شحوباً مخيفاً.
تحية طيبة،
بورزو درغاهي
مراسل الشؤون الدولية
© The Independent