Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الثلج الجاف" والقوارير الزجاجية عقبات لوجستية أمام لقاح كورونا

حفظ ملايين الجرعات ونقلها يحتاجان إلى عبوات بمواصفات خاصة وبدرجات برودة شديدة التدني

من المحتمل أن يواجه العالم نقصاً كبيراً في "الثلج الجاف" الضروري لنقل لقاحات كورونا (غيتي)

مع اقتراب التجارب السريرية للقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد من مراحلها النهائية، تستعد المختبرات الصيدلانية لمنح موافقتها على بدء عمليات تصنيع مليارات الجرعات التي ستحمل الترياق إلى أصقاع الأرض الأربعة. ومع دنو العالم من لحظة الحقيقة في مواجهة الجائحة، بدأت تلوح في الأفق عقبات لم تكن في الحسبان تتعلق بكيفية شحن وتوزيع وحفظ جرعات اللقاح؛ إذ ستضطر الدول وشركات التوزيع إلى نقل عبوات الترياق الزجاجية الصغيرة لمسافات طويلة عبر القارات، مع إبقائها محفوظة ضمن درجات حرارة مماثلة لتلك السائدة في أوج شتاء القطب الجنوبي، أي 80 درجة مئوية تحت الصفر، من تاريخ تعبئتها حتى لحظة حقنها، وهو أمر ليس باليسير على الإطلاق.

ومع بدء الاستعدادات الأميركية لحملة التطعيم الشاملة، ونظراً لضخامة المهمة، فقد أُسندت إلى الجيش الأميركي وشركات النقل المتخصصة التي تعاقدت معها الحكومة الفيدرالية، أدوار رئيسة تتعلق بتنسيق عمليات التوزيع، بحسب ما يذكر موقع وزارة الدفاع الأميركية. ويسود القلق والارتباك أوساط مخططي عمليات النقل اللوجستي، حول كيفية الحفاظ على مليارات الجرعات اللقاحية في درجة حرارة شديدة البرودة. إذ يتطلب ذلك تجهيز طائرات وشاحنات ومستودعات مزودة مُجَمِّدات خاصة، كما يتوجب تصنيع قوارير زجاجية حافظة تستطيع تحمل ظروف البرودة الجليدية، وقبل هذا وذاك ستتطلب العملية كميات هائلة من "الثلج الجاف".

جدول زمني طموح
ويصف الخبراء الصيدلانيون إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخير، حول إتاحة مئات ملايين جرعات اللقاح لجميع الأميركيين بحلول شهر أبريل (نيسان) المقبل، بالجدول الزمني الشديد الطموح. إذ ذكرت شبكة "سي بي إس نيوز" أن الدكتور روبرت ريدفيلد، مدير "مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها"، لم يتردد في الإعلان أمام مجلس الشيوخ الأميركي عن أن اللقاح المضاد للجائحة لن يكون متاحاً على نطاق واسع قبل منتصف العام المقبل.

ومن بين اللقاحات الثلاثة التي وصلت إلى المرحلة الثالثة والنهائية من التجارب، ثمة لقاحان أحدهما من إنتاج شركة "موديرنا" و"المعاهد الوطنية للصحة"، والآخر من إنتاج "فايزر" و"بيونتيك" ينبغي الاحتفاظ بهما في حالة تجميد شبه ثابتة. ومرد ذلك أنهما مصنوعان من مواد وراثية قد تتفكك عند ذوبانهما. وتشترط شركة "فايزر" تخزين لقاحها في درجة حرارة شديدة الانخفاض تصل إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر، بينما يتطلب لقاح "موديرنا" تخزينه مجمداً في درجة حرارة تقل عن 20 مئوية تحت الصفر. أما اللقاح الثالث الذي طوَّرته شركة "أسترا زينيكا" بالتعاون مع جامعة أكسفورد فيمكن إبقاؤه بارداً من دون حاجة إلى تجميده.

ومع تواصل الحرب ضد الجائحة داخل مختبرات الشركات الصيدلانية، يستعد العديد من الشركات العاملة خارج نطاق الصناعات الطبية والعقاقير لمعركة إيصال اللقاح إلى محتاجيه حول العالم، وهو أمر يشكل تحدياً عملاقاً وغير مسبوق لهذه الشركات. وتمتلك الشركات اللوجستية الأميركية الكبرى، بما في ذلك "يو بي إس" و"فيدكس" شبكات من المُجمِّدات التي تستخدمها لشحن المواد الغذائية والإمدادات الطبية القابلة للتلف. وتتمتع هذه الشركات بخبرة في شحن لقاحات أمراض عديدة بما في ذلك الأنفلونزا الموسمية. وفي هذا الإطار، نقلت جريدة "وول ستريت جورنال" عن شركة "يو بي إس" أن الأخيرة تبني "مزرعة تجميد" في ولاية كنتاكي، ما يتيح لها تخزين ملايين الجرعات في درجات حرارة تحت درجة الصفر. ونظراً لأن إنشاء مستودع كامل يمكنه الحفاظ على درجات الحرارة الشديدة الانخفاض يعد عملاً معقداً ومكلفاً للغاية، فقد لجأت الشركة إلى ترتيب صفوف عمودية منتظمة من المجمدات، يستطيع كل منها حمل 48 ألف قارورة. وقد تم تجهيز 70 مجمداً من هذا النوع حتى الآن داخل المستودع القادر على استيعاب مئات عدة من المُجمدات. وثمة مركز مماثل يتبع الشركة نفسها قيد العمل في هولندا.

أما لدى شركة "فيديكس"، فيقود عمليات تحضير شحن اللقاحات ريتشارد سميث، الذي كان مسؤولاً عن الأعمال التجارية العلمية لدى شركة "طيران فيديكس" في عام 2009 خلال ذروة انتشار جائحة "أنفلونزا الخنازير". في ذلك الوقت طلبت واشنطن من "فيديكس" المساعدة في نقل اللقاحات، ما حدا بالشركة إلى مضاعفة عدد مُجمداتها في جميع أنحاء العالم. يقول سميث لصحيفة "نيويورك تايمز": "لحسن الحظ، لم ترقَ أنفلونزا الخنازير إلى مستوى الوباء آنذاك. لكن انتشارها في ذلك الوقت سمح لنا بتعزيز البنية التحتية لسلسلة التبريد الخاصة بنا". وخلال السنوات التي أعقبت هذه الأزمة وسَّعت "فيديكس" شبكة إمدادها من المجمدات وعملت مع "إدارة الطيران الفيدرالية" للحصول على إذن لنقل المزيد من "الثلج الجاف" على طائراتها. ويُعد الأخير مادة شديدة الخطورة، ذلك أنه لدى ذوبانه يُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون ما يجعل الهواء داخل الطائرات غير آمن للطيارين وللطاقم بأكمله.

وتعمل "فيديكس" حالياً على إضافة مُجمدات يمكنها الحفاظ على درجات حرارة شديدة الانخفاض تصل إلى 80 درجة مئوية تحت الصفر، في مدن عدة بينها ممفيس وإنديانابوليس وباريس. وتقوم بتركيب مقطورات شحن مبردة إضافية يمكن استخدامها لتخزين اللقاحات التي تحتاج إلى تبريد عوضاً عن التجميد في أوكلاند وكاليفورنيا ودالاس ولوس أنجليس. ويقول سميث: "الطلب على المُجمدات والبرادات ضخم للغاية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

نقص الثلج الجاف
وثمة تحدٍ آخر بدأ يلوح في الأفق أمام إيصال اللقاح إلى محتاجيه. إذ يواجه العالم نقصاً كبيراً في "الثلج الجاف"، المادة التي تنضحُ بالدخان البارد والمصنوعة من ثاني أكسيد الكربون والتي يمكن الحصول عليها كمنتج ثانوي أثناء إنتاج الإيثانول. ومن المعلوم أن إنتاج الإيثانول مرتبط بالطلب على البنزين. لكن في ربيع هذا العام ومع دخول أوامر حظر التجوال حيز التنفيذ، تراجعت معدلات قيادة السيارات بشكل كبير، ما أدى إلى تقهقر إنتاج الإيثانول ومعه إمدادات ثاني أكسيد الكربون.

في أبريل الماضي، بعث ريتشارد غوتوالد، الرئيس التنفيذي لـ"اتحاد منتجي الغاز المضغوط"، برسالة إلى نائب الرئيس الأميركي مايك بنس، حذره فيها من "حدوث نقص خطير في ثاني أكسيد الكربون". خمسة أشهر على ذلك، قال غوتوالد في مقابلة نشرتها وكالة "رويترز": "من الصعب الحصول على الثلج الجاف، إذ لا نزال نشهد نقصاً في ثاني أكسيد الكربون". وخلال معظم شهور الصيف، عانت شركة "أكمي دراي آيس" التي تزود الشركات الطبية بثاني أكسيد الكربون من نفاد مخزوناتها منه، ما حدا بشركتي "يو بي إس" و"فيديكس" لأن تأخذاً الأمور على عاتقهما. تمتلك "فيديكس" آلات لإنتاج الثلج الجاف في مستودعاتها فيما أعلنت "يو بي إس" أنها تفكر في امتلاكها أيضاً، لكن سيتعين على الشركتين إعطاء تدريب خاص لموظفي التوصيل لديهما وتزويدهم معداتٍ مختلفة للتعامل مع البضاعة الثلجية مثل القفازات وغيرها.

وصممت شركة "فايزر" صندوقاً خاصاً لنقل اللقاح الذي تعمل على تطويره. يحتوي الصندوق المبتكر، الذي يبلغ حجمه حجم مبرد عائلي كبير تقريباً، على بضع مئات من الأنابيب الزجاجية بإمكان كل منها استيعاب ما بين 10 إلى 20 جرعة من اللقاح يتم ترتيبها بعناية فوق بعضها بعضاً. وتم تزويد الصناديق بأجهزة استشعار حرارية مدعومة بنظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس"، ما يتيح للشركة تحديد مكان أي صندوق ودرجة حرارته بحيث يمكن لعمال التوصيل إضافة الثلج الجاف في ما لو ارتفعت درجة حرارته أكثر من اللازم.

قوارير زجاجية من دون بورون
لكن ثمة مشكلة أخرى تتعلق بالقوارير. إذ غالباً ما يتشقق زجاج العبوات الصيدلانية لدى تعرضه لدرجات البرودة الشديدة. إذ أبلغت شركة "كورنينغ"، صانع الزجاج العريق الذي تأسس قبل 169 عاماً، مسؤولي وزارة الصحة الأميركية في وقت مبكر من هذا العام، أنها لا تستطيع إنتاج كميات كافية من القوارير الزجاجية المقاومة للبرودة الشديدة القادرة على احتواء لقاح مجمّد. وقد اقترحت الشركة لحل لهذه الأزمة، تصنيع ملايين القوارير من نوع جديد مستحدث من الزجاج الذي يمكنه تحمل درجات الحرارة المنخفضة. وفي يونيو (حزيران) الماضي، منحت واشنطن الشركة عقداً قيمته 204 ملايين دولار لزيادة إنتاجها من هذه القوارير المستحدثة المصنوعة من زجاج لا يحتوي مادة "بورون"، وهي مكون شائع في الزجاج التقليدي يمكنها تلويث كل ما هو موجود في القوارير. وأوضح بريندان موشر، رئيس التقنيات الصيدلانية في كورنينغ، لصحيفة "واشنطن بوست" أن شركته تستخدم الأموال الفيدرالية لمضاعفة طاقة مصنعها أربع مرات عبر تسريع تشييد فرن زجاجي في نيو جيرسي وبناء مصنع إضافي في ولاية كارولينا الشمالية. وستوظف الشركة 300 عامل جديد وتقول إنها في طريقها لبدء إنتاج مئات الملايين من قوارير الزجاج مع بداية العام المقبل.

مشكلة الصيدليات

وحتى مع توفر ما يكفي من الثلج الجاف والمستودعات المبردة والقوارير المتينة، فمن غير المرجح أن تكون الصيدليات العادية مجهزة لتخزين كميات كبيرة من اللقاحات التي تتطلب حفظاً شديد البرودة. ومع ذلك، ستكون هذه الصيدليات قادرة على الاحتفاظ بصناديق شركة "فايزر" المستحدثة وكذلك تخزين لقاح "موديرنا" في درجات حرارة أقل برودة في الأيام القليلة التي تسبق حقنه.

وقد صرَّحت كاثلين دولنغ، الخبيرة المتخصصة لدى "مركز السيطرة على الأمراض"، ضمن عرض تقديمي في البيت الأبيض الشهر الماضي، بأن متطلبات درجات الحرارة الصارمة "ستجعل من الصعب جداً على العيادات المجتمعية والصيدليات المحلية تخزين اللقاحات وإدارتها". ونقل عنها موقع المركز أن اللقاح يجب أن يوزع "في مواقع مركزية مجهزة بمعدات كافية وذات كفاءة عالية". لكن ليس من الواضح أين ستكون هذه المواقع أو من سيدير عملية التلقيح.

ويقول الخبراء إن كل ما سبق من عقبات ينطبق على الولايات المتحدة فقط، وهذا يشي بأن الأمور تتطلب جهوداً مضاعفة في دول العالم النامية حيث يندر وجود كل شيء. فهل ستتعرض أجزاء كبيرة من أفريقيا وأميركا الجنوبية وآسيا للإهمال، مع كل ما يستتبعه ذلك من نزيف بشري واقتصادي قد يعيدها سنوات إلى الوراء؟ وحدها الشهور المقبلة ستحدد الإجابة.

المزيد من تقارير